رجوع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الكوفة بعد واقعة النهروان
لما انتهت معركة النهر، وانتصر فيها الإمام (عليه السلام) على المارقين، حمد الله وأثنى عليه ثمّ خاطب أصحابه قائلاً: «إنّ الله قد أحسن بكم، وأعزّ نصركم، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوكم بالشام».
قالوا: يا أمير المؤمنين نفذت نبالنا ، وكلّت سيوفنا ... فارجع بنا إلى مصرنا فلنستعدّ... فإنّه أقوى على عدونا.
فأقبل علي (عليه السلام) حتّى نزل النخيلة وأمر الناس أن يلزموا عسكرهم، ويوطنوا على الجهاد أنفسهم وأن يقلّوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتّى يسيروا إلى عدوّهم.
فأقاموا في معسكرهم أيّاماً، ولكنّهم أخذوا يتسلّلون حتّى دخلوا الكوفة ، وترك المعسكر خالياً إلاّ رجالاً من وجوه الناس أقاموا فيه.
وهذا ما أدّى إلى انكسار رأي الإمام علي (عليه السلام) ، فدخل الكوفة، وحثّهم على الخروج لمجاهدة العدو وبخطب متعدّدة سجّلها لنا التاريخ، ولكنّها لن تجدي شيئاً ، فقد ابتلي أمير المؤمنين (عليه السلام) بأقوام متفرقي الأهواء ، متقلبي الأحوال لايثبتون على رأي ، حتّى وصفهم في بعض خطبه بقوله «يا أشباه الرجال... أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان ... الخ».
ثم أنّه (عليه السلام) اضطرّ إلى أن يجمع رؤساءهم ويخطب فيهم محرّضاً إيّاهم على المسير إلى محاربة أعداء الله من أهل الشام.
ولكنّهم لم يستجيبوا له، وركنوا إلى الدنيا ، واُخلدوا إلى الدعة.
وكانت هناك عدّة أسباب لذلك ومن أهمّها ذهاب معظم أصحابه الصالحين الأتقياء الأوفياء الذين كانوا دعامة جيشه وأركانه وقادته أمثال عمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وعبد الله بن بديل، وهاشم المرقال وغيرهم الكثير من المخلصين المجاهدين، إذ لقوا حتفهم وصاروا إلى ربّهم صابرين محتسبين.