• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قَدّم لَه ثَواب الحجّ كُلّ عام

قَدّم لَه ثَواب الحجّ كُلّ عام

 

كان في النجف الأشرف رجل من الحجاز يطلب العلم يُدعى الشيخ علي الفرعي و كان قريناً للمقدس الشيخ علي مغنية في التقى و الفضل ، و رفيقاً له في الدرس و البحث ، فقضيا شطراً من الدهر متلازميْن جادّيْن في تحصيل العلم مجاهديْن في سبيله حتى بلغا منه الذروة العليا .

و قد أصابهما من الفقر و العوز ما يصيب كلّ عالم و طالب و مؤمن و متعمِّم هاجر الى النجف و درس فيه ، و من الصدف الغريبة ان الفقر كان ـ و ما يزال و لن يزال ـ حليفاً لأهل العفاف و الفضل ، و وصفاً لازماً لذوي الإخلاص و الإيمان ، و كان اساتذتنا اذا تذمر أحدنا من الحاجة و شكا من الدين يطيبون نفسه بحديث قدسي : « جعلت العلم في الجوع ، و الناس يطلبونه في الشبع » و كنا ذات يوم في حقل من الشيوخ و الطلاب ، فدخلنا في فنون من الأحاديث ، فانجرّ الكلام الى النجف و ما تحويه فقال المرحوم أخي الشيخ عبدالكريم : و ماذا في النجف غير المشايخ و الفقر ، فاعترضه أحد الظرفاء و قال : لا يا مولانا ليس هناك اثنان فالمشايخ هم الفقر ، و الفقر هو المشايخ ! و كلما كان الانسان عريقاً في المشيخة متقوماً في التحصيل و الفضل كان نصيبه من العوز و الفقر أكبر و أوفر .

لذا بلغت حاجة العليين الكبيرين العاملي و المدني([1]) مبلغهما من العلم و الايمان ، و انسدّتْ دونهما السيل ، و ضاقت عليهما الارض بما رحبت ، و كان الشيخ الحجازي يرقب من ذويه و أرحامه أن يرسلوا له نفقات السفر الى موطنه حيث انتهى من دراسته ، و حاز الشهادة الكبرى بالاجتهاد المطلق ، فتأخروا عليه فأرسل اليهم يحثّهم و يستنجدهم ، و صادف في هذا الحين الذي ينتظر فيه الشيخ الجواب من قومه وصول خمسين ليرة ذهباً الى المقدس الشيخ علي مغنية من ذويه في جبل عامل بعثوا بها اليه لوفاء ديونه و نفقات سفره الى بلاده ، و لما قبضها أحب أن يؤثر بها صاحبه الحجازي ، و يقدمه على نفسه و ولده ، و لم يخش الاّ شيئاً واحداً و هو أن يرفضها الشيخ علي الفرعي لعلمه بأن صاحبها الشيخ علي مغنية أحوج اليها منه ، فرأى ان « يحتال » للأمر ، فأخذ المال و ذهب الى رفيقه و قال له : بشراك فقدجاء الفرج ، و تيسّر ما عُسّر من أمرك ، أتاك المال من الحجاز و قبضتُه لك ، و هذا هو خمسون ليرة ذهباً ، فطابت نفس الشيخ و انشرح صدره ، و تسلم المال و يده ترتعش سروراً ، و وجهه يطفح بشراً ، فوقى ديونه و قضى حوائجه و ابتاع أدوات سفره ، و ودّع رفيقه عائداً الى بلاده يحدوه الشوِ ، و يهزّه الطرب اذ ترك النجف موفور الكرامة عالي الرأس ، ليس لدائن عليه حق ، و لالغريم درهم ، و لما وصل الشيخ الى الحجاز علم كل شيء و فهم وجه « الحيلة » و مرماها ، و بأي شيء يشكر هذه النعمة التي أنقذته من التهلكة ، لم يَرَ خيراً من الإسراع بإرجاع المال الى صاحبه مشفوعاً بكتاب يعترف فيه بالفضل و الجميل ، و قبل أن يباشر بتهيئة المال تسلّم كتاباً من صاحبه الشيخ علي مغنية يقول فيه بعد التهنئة بوصوله سالماً : ايها الأخ الجليل اياك أن تفكر في إعادة المال ، فإنه من الله و في سبيله ذهب ، هو لك بأجمعه ، لاأريد منك وفاء و لاجزاء .

و كأني بالشيخ و قد دمعتْ عيناه إكباراً لهذا الايثار الخالص المفاداة النادرة ! ماذا يصنع الشيخ الحجازى ؟ بينا يرى نفسه عاجزاً عن شكر المنعِم و هو يظن انه يقبل المال منه و اذا به يضيف الى الاولى نعمة أجل و اعظم ! ما يصنع ؟ و بأي شيء يكافىء الشيخ علي مغنية ؟ و لم يكن المال من أهدافه و لاالمادة من غاياته ، و لاهو منها في شيء فقد تعالتْ نفسه عن العالَم السفلي الى الملكوت الأعلى حيث لايصعد الاّ نبي مرسَل أو ملك مقرَّب ، فمن أراد مكافأة الشيخ علي مغنية فليعمل له في هذا السبيل سبيل الروح و القداسة لاسبيل المال و الشهوات ، إذن وجد الشيخ علي الفرعي الطريق الذي يمكن ان يؤدي به بعض ما عليه من حق ، فآلى على نفسه أن يحج الى بيت الله عن الشيخ علي مغنية في كل عام ما دام حيّاً ، و وفى بعهده و بقي مثابراً على ذلك حتى وافته المنية .

أجل قد يفعل الانسان الخير رغبة في مرضاة الله ، و طمعاً في السعادة بعد هذه الحياة و فراراً من العقاب و العذاب ، و قد يفعل الخير لأنه مفطور على الخير ، فيصدر عنه من تلقاء نفسه لم يدفعه اليه عامل خارجي من رغبة في ثواب أو رهبة من عقاب .

و لكن الشيخ علي مغنية لم يُقدِم على تلك السماحة و المفاداة إلا بدافع نفسه و خلوص ضميره ، و لم يستمد الخير و الصلاح الاّ من ينبوعه الفياض .

رجل منقطع عن أرحامه و أهله ، منقطع عن موارده و بلده لايملك من دنياه شيئاً سوى خمسين ليرة ذهباً تعادل يومذاك ألفاً أو تزيد ، هو أحوج اليها ممن كان و يكون يؤثر بها رجلا لن يراه بعد اليوم ، و ليس له فيه و لا في قومه أيّ غاية أو مأرب .([2])

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]ـ العاملي هو الشيخ مغنية من جبل عامل و المدني هو زميله الشيخ علي من الحجاز ـ نسبة الى المدينة المنوّرة ـ .

[2]ـ مع علماء النجف الأشرف / ص 187 مع تصرّف يسير .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page