سياسة أمير المؤمنين (عليه السلام) في اختيار عمّاله
لقد استعان الإمام (عليه السلام) بجهاز من الولاة والموظفين لإدارة دفّة الحياة الاسلاميّة يعدّ أفراده نموذجاً في مستواهم الروحي والفكري. أمثال مالك الأشتر ومحمد بن أبي بكر وعثمان بن حنيف وسهل بن حنيف وغيرهم من أضرابهم.
وبهذا الاجراء الذي راعى فيه المبادىء الاسلامية ومصلحة الاُمّة ، قضى على مبدأ القرابة والعشيرة الذي كان سائداً أيام الخليفة عثمان.
وقد تضرّر بعضهم من هذه الاجراءات فأرسلوا إليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط مندوباً فجاءه وقال له: يا أبا الحسن! إنّك قد وترتنا جميعاً، ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم على ان تضع عنّا ما أصبناه من المال أيام عثمان، وأن تقتل قتلته وإنّا إنْ خفناك تركناك فالتحقنا بالشام... فردّ (عليه السلام) عليهم: «أمّا ماذكرتم من وتري إيّاكم ، فالحقّ وتركم، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم ، فليس لي أن اضع حقاً عنكم ولا عن غيركم» [1].
وقد حاول هؤلاء الموتورون من عدالته ثنيه عن خطّته الاصلاحية ، ولكنه (عليه السلام) أبى ومضى على مبدئه وصلابته في الاسلام الذي تلقّاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أوصاه الله إليه وأمره باتباعه.
فكان يلزم ولاته بالنصح لعباد الله وإشاعة العدل بينهم ومعاملتهم باللين والحبّ ، فنراه يوصي عبد الله بن عباس حين استخلفه على البصرة بقوله: «تسعِ الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإيّاك والغضب فإنّه طيرةٌ من الشيطان واعلم أنّ ما قرّبك من الله يباعدك من النار، وما باعدك من الله يقرّبَك من النار»[2].
هذا إضافة إلى متابعته (عليه السلام) لولاته ومراقبته لهم، فقد ورد أنّه (عليه السلام) بلغه أن عثمان بن حنيف (رض) واليه على البصرة دعاه بعض أثرياء أهل البصرة إلى مأدبة فخشي الإمام (عليه السلام) أنْ تستميله تلك الوسائل فينحرف عن خطّ العدالة فيجور في أحكامه ومعاملته للامة أو يميل لأحد، فكتب اليه كتاباً : «أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها..» إلى آخر ما جاء في ذلك الكتاب[3].
أمّا بالنظر لأهميّة جهاز الجباية فقد أولاه الإمام (عليه السلام) عناية فائقة لا من أجل ان يجمع أكبر نصيب من المال كما يفعل حكّام الجور، وإنّما من أجل أن يتّصف ذلك الجهاز بالعدالة الاسلاميّة المثلى فكان (عليه السلام) يمنح تلك المسؤولية إلى من اتّصف بأقصى درجات العدل والفضيلة والنبل والشعور بالمسؤولية.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر شرح النهج 7: 38 ـ 39.
[2] انظر نهج البلاغة: رسالة رقم 76.
[3] انظر نهج البلاغة : كتاب رقم 45.