• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

  • 1

    نص الشبهة:

    كيف يُدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة «رضي الله عنها»؟! وأنتم تتهمونها بالكفر والنفاق والعياذ بالله؟! أليس هذا دليلاً على حبها ورضاه عنها؟!
    الجواب:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
    وبعد . .
    فإننا نجيب بما يلي :
    أولاً : ذكرنا في الجواب على السؤال رقم (25) : أن النبي « صلى الله عليه وآله » قد دفن في بيت فاطمة الزهراء « عليها السلام » ، وقد اثبتنا ذلك بأدلَّة قاطعة لا تقبل الجدل والنقاش . . لكن بعد إخراج الزهراء « عليها السلام » من بيتها بحجة أنها أزعجتهم ببكائها على أبيها استولت عائشة على ذلك البيت . وليس واضحاً إن كان هذا الإستيلاء قد حصل بعد استشهاد الزهراء « عليها السلام » أو قبله!!
    ثانياً : قلنا مرات وكرّات : أننا لا نكفِّر عائشة ، ولا نقول في حقها إلا ما قاله القرآن ، وما ثبت عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » . . ولكنكم تريدون ان تمنعونا من ذكر ما صدر منها ، ومن غيرها ، فتتهموننا بأننا نكفّر الصحابة تارة ، وبأننا نسبّهم أخرى . .
    وقد أثبتت الوقائع : أن أساليب الإرهاب الفكري ، والإتهام بالباطل ، والترهيب لا تجدي في المنع عن ذكر ما ذكره الله تعالى . . وجعله قرآناً يتلى ، وما قاله رسول « صلى الله عليه وآله » حسبما رويتموه أنتم لنا ، فإنه لم يقله لكي نخفيه ، بل قاله ليكون في متناول أيدي الناس ، ومن أسباب هدايتهم إلى الحق .
    ثالثاً : إن دفن النبي « صلى الله عليه وآله » في بيت عائشة لا يدلُّ على حبه لها ، ولا على رضاه عنها ؛ لأن البيت ليس ملكاً لها ، بل هو ملك له . .
    رابعاً : أنتم الذين رويتم لنا : أن الصحابة اختلفوا أين يدفن رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، ثم اتفقوا على أنه « صلى الله عليه وآله » يدفن حيث مات ، لأن هذا هو الواجب في دفن الأنبياء 1 ، فدلَّ ذلك على أمرين:
    أحدهما : أن دفنه « صلى الله عليه وآله » في موضعه إنما كان لأجل تطبيق حكم شرعي ثابت بالنسبة لجميع الأنبياء . .
    الثاني :أنه لم يقرِّر هو « صلى الله عليه وآله » أن يدفن في بيت أحد ، ليقال : إنه قد قرَّر ذلك لهذا الغرض أو لغيره . ولو انه « صلى الله عليه وآله » كان قد قرَّر شيئاً من ذلك لم يختلف الصحابة .
    خامساً : ولو فرضنا أنه « صلى الله عليه وآله » هو الذي أمر بأن يدفن في موضع بعينه ، فليس بالضرورة أن يكون ذلك لحبه لهذا أو لذاك ، فلعله لأجل أن يرغمها على الخروج من ذلك المكان ، أو لعله أراد أن يعرِّف الناس بأن الحجرة له هو وليست لها . أو لعله أراد أن يغيظها بذلك . أو لعله . . أو لعله . .
    سادساً : لو صح قول فريق من الناس : إن النبي « صلى الله عليه وآله » دفن في بيت عائشة ، فإننا نقول : إن ذلك لا يدل على أن لأبي بكر وعمر فضيلة في دفنهما معه « صلى الله عليه وآله » ، لأنهم قد رووا : أن عائشة هي التي أذنت بدفن أبي بكر وعمر في بيتها ، مما يعني : أن دفنهما لم يكن بإذن الرسول « صلى الله عليه وآله » ، ولا بأمره .
    سابعاً : هناك روايات عن عائشة تقول : إن النبي « صلى الله عليه وآله » يدفن حيث يقبض 2 ، ومعنى ذلك : أن دفنه « صلى الله عليه وآله » في موضعه لم يكن بقرار أحد ، كما أنه لم يكن لأجل ملاحظة خاطر عائشة أو غيرها . .
    ثامناً : قد أثبتنا : أن الموضع الذي دفن فيه رسول الله « صلى الله عليه وآله » لم يكن بيت عائشة ، بل هو بيت ابنته فاطمة « عليها السلام » ، ونحن نذكر هنا بحثاً لنا حول هذا الموضوع ، فنقول :
    أين دفن النبي صلى الله عليه وآله ؟!

    قال ابن كثير : « قد علم بالتواتر : أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها ، شرقي مسجده ، في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ، ثم دفن بعده أبو بكر ، ثم عمر . . » 3 .
    وقضية دفنه « صلى الله عليه وآله » في بيت عائشة رواها في صحيح البخاري وغيره عن عائشة بصورة عامة . . وعن ابن أختها عروة بن الزبير ، كما يلاحظ في أكثر الروايات . .
    أما نحن فنشك في ذلك كثيراً ، لأكثر من سبب :
    السبب الأول

    أن بيت عائشة لم يكن في الجهة الشرقية من المسجد ، لأمرين :
    أحدهما : أن خوخة آل عمر الموجودة في الجانب القبلي في المسجد ، وهي اليوم « يتوصل إليها من الطابق الذي بالرواق الثاني من أروقة القبلة ، وهو الرواق الذي يقف الناس فيه للزيارة أمام الوجه الشريف بالقرب من الطابق المذكور . . » 4 ـ هذه الخوخة ـ قد وضعت في بيت حفصة الذي كان مربداً ، وأخذته بدلاً عن حجرتها حين توسيع المسجد . .
    وقد كانت دار حفصة في قبلي المسجد 5 .
    وكان بيت حفصة بنت عمر ملاصقاً لبيت عائشة من جهة القبلة 6 .
    « والمعروف عند الناس : أن البيت الذي كان على يمين الخارج من خوخة آل عمر المذكورة هو بيت عائشة » 7 .
    وعلى هذا . . فيكون بيت عائشة في قبلي المسجد ، لا في شرقيه ، حيث يوجد القبر الشريف ، أي أنه يكون في مقابله وبينه وبينه فاصل كبير . .
    الثاني : مما يدل على أن بيت عائشة كان في جهة القبلة من المسجد من الشرق ، ما رواه ابن زبالة ، وابن عساكر ، عن محمد بن أبي فديك ، عن محمد بن هلال : أنه رأى حُجَر أزواج النبي « صلى الله عليه وآله » من جريد ، مستورة بمسوح الشعر ، فسألته عن بيت عائشة .
    فقال : كان بابه من جهة الشام .
    قلت : مصراعاً كان أو مصراعين ؟!
    قال : كان باب واحد 8 .
    وفي عبارة ابن زبالة : مستورة بمسوح الشعر ، مستطيرة في القبلة ، وفي المشرق ، والشام . ليس في غربي المسجد شيء منها الخ . . 9 .
    وقال ابن عساكر : وباب البيت شامي 10 .
    فيستفاد من ذلك :
    ألف : ما قاله المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني « رحمه الله » :
    « قوله في الحديث : (فسألته عن بيت عائشة) في هذا دلالة على أن الحجرة التي دفن فيها النبي « صلى الله عليه وآله » لم تكن بيت عائشة ، إذ فيه دلالة على أن السائل يعلم أن بيتها لم يكن في الموضع الذي دفن فيه النبي « صلى الله عليه وآله » . . ولذلك فهو يسأل عن موضع بيتها فيما عدا البيت الذي دفن فيه النبي « صلى الله عليه وآله » ليعرفه أين يقع . . » انتهى .
    ب : إن من المعلوم : أن الجهة الشامية للمسجد هي الجهة الشمالية منه ، كما صرحت به الرواية آنفاً ، ويدل على ذلك أيضاً قول ابن النجار :
    « قال أهل السير : ضرب النبي « صلى الله عليه وآله » الحجرات ما بينه وبين القبلة ، والشرق إلى الشام ، ولم يضربها في غربيه . وكانت خارجة عنه مديرة به . وكان أبوابها شارعة في المسجد » 11 .
    وأيضاً : « وجه المنبر ، ووجه الإمام إذا قام على المنبر بجهة الشام » 12 .
    ومن المعلوم : أن الجالس على المنبر يكون ظهره إلى القبلة ، ووجهه إلى الجهة المقابلة لها . .
    فإذا تحقق ذلك . . وإذا كان باب بيت عائشة يقابل الجهة الشمالية ، فإن ذلك معناه : أن بيتها كان في جهة القبلة من المسجد . .
    وكان باب حجرتها يفتح على المسجد مباشرة ، حتى إنها تقول : إنها كانت ترجِّل النبي « صلى الله عليه وآله » ، وهو معتكف في المسجد ، وهي في بيتها ، وهي حائض 13 .
    وقد حاول البعض توجيه ذلك : بأن المراد من الباب الذي لجهة الشام هو الباب الذي شرعته عائشة لما ضربت حائطاً بينها وبين القبور ، بعد دفن عمر . .
    وأجاب السمهودي بقوله :
    « وفيه بُعد ، لأنه سيأتي ما يؤخذ منه أن الحائط الذي ضربته كان في جهة المشرق » 14 .
    وإذا كان في جهة المشرق؛ فلا بد أن يكون الباب فيه مقابلاً للمغرب ، لا لجهة الشام .
    ج : ويدل على كون بيت عائشة في جهة القبلة : أن الحُجر كانت تبدأ من بيت عائشة ، وتنتهي إلى منزل أسماء بنت حسن ، كما نص على ذلك من شاهدها 15 .
    د : إن رواية ابن عساكر ، وابن زبالة المتقدمة تنص على أنه لم يكن لبيت عائشة إلا باب واحد ، بمصراع واحد . .
    وهم يقولون : إنه قد صُلِّي على النبي « صلى الله عليه وآله » ، وهو على شفير حفرته ، ودفن في حجرة لها بابان . .
    فقد روى ابن سعد ، عن أبي عسيم ، قال : لما قبض رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، قالوا : كيف نصلّي عليه ؟
    قالوا : ادخلوا من ذا الباب ارسالاً ارسالاً ، فصلّوا عليه ، واخرجوا من الباب الآخر . . 16 .
    ويمكن المناقشة في الرواية التي كان السؤال فيها عن كون الباب فيه مصراعاً أو مصراعين :
    بأن الجواب لا بد أن يطابق السؤال ، فإذا كان السؤال عن مصاريع الباب ، لا عن عدد الأبواب ، فلا بد أن يكون الجواب عن ذلك أيضاً . . ولا يدل ذلك على أنه لم يكن للحجرة باب آخر .
    هـ : سيأتي : أنهم يزعمون : أن النبي « صلى الله عليه وآله » كان في مرضه (أي قبل انتقاله إلى بيت فاطمة) في حجرة عائشة؛ فكشف الحجاب ؛ فظهر وجهه « صلى الله عليه وآله » للمصلين كأنه ورقة مصحف ، فكاد الناس أن يفتنوا وهم في الصلاة لما رأوا رسول الله « صلى الله عليه وآله » . .
    وهذا يدل على أن حجرة عائشة كانت في طرف القبلة في مقابل المصلِّين . .
    وأما ما ذكرته الرواية من صلاة أبي بكر في الناس فقد كان ذلك بغير رضى من النبي « صلى الله عليه وآله » .
    وقد بادر « صلى الله عليه وآله » إليه رغم مرضه ، وأخرّه ، وصلى مكانه . وقد بحثنا هذا الأمر في موضع آخر من هذا الكتاب . .
    و : بالإضافة إلى أن في روايات بعض أهل السنة : أن بيت فاطمة « عليها السلام » كان في المربعة التي في القبر .
    السبب الثاني

    قال ابن سعد : « واشترى (يعني معاوية) من عائشة منزلها بمئة وثمانين ألف درهم ، ويقال بمائتي ألف . وشرط لها سكناها حياتها . وحمل إلى عائشة المال ، فما رامت من مجلسها حتى قسمته .
    ويقال : اشتراه ابن الزبير من عائشة ، بعث إليها ـ يقال ـ خمسة أجمال بُخت تحمل المال ، فشرط لها سكناها ، حياتها ، فما برحت حتى قسمت ذلك الخ . . » 17 .
    ولا ينبغي أن يتوهم : أن المقصود ببيت عائشة هنا هو البيت الذي أخذته من سودة ، التي توفيت في أواخر خلافة عمر ، إذ قد :
    أسند ابن زبالة ، عن هشام بن عروة ، قال : إن ابن الزبير ليعتد بمكرمتين ما يعتد أحد بمثلها : إن عائشة أوصته ببيتها وحجرتها ، وإنه اشترى حجرة سودة 18 .
    فعائشة إذن ، قد باعت بيتها وأكلت ثمنه ، فكيف يقولون : إن النبي « صلى الله عليه وآله » قد دفن في حجرتها ؟!
    والمفروض : أن الحجرة كانت من الصغر بحيث لا تتسع لدفن ثلاثة أشخاص .
    واحتمال أن يكون المقصود هو بيتها المستحدث ، لا يصح ، لأن سياق الكلام ناظر إلى حجر أزواج النبي « صلى الله عليه وآله » ، التي خُصِّصت لهن من قبله « صلى الله عليه وآله » .
    كما أن معاوية لا يدفع هذا المال الكثير إلا لينال شرفاً ، أو ليحرم الآخرين شرفاً بزعمه . . وهذا الشرف هو الحصول على مكان ينسب إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » . .
    إلا إن كان هدفه هو تعظيم شأن عائشة . ولم نشعر أنه يهتم لها كثيراً ، كما أظهره موقفه منها حين عارضت سياساته في قتل أخيها ، وحجر بن عدي ، وسواهما . .
    السبب الثالث

    أنهم يقولون : إن الموضع قد ضاق حتى لم يعد فيه إلا موقع قبر واحد ، فدفن فيه عمر . .
    فقد روى البخاري ، وغيره : أن عمر بن الخطاب لما أرسل إلى عائشة يسألها أن يدفن مع صاحبيه .
    قالت : كنت أريده لنفسي ، فلأوثرنه اليوم على نفسي . . 19 .
    قال ابن التين : « كلامها في قصة عمر يدل على أنه لم يبق ما يسع إلا موضع قبر واحد » 20 .
    وإن كان هذا يتناقض مع قولها حين دفن الإمام الحسن « عليه السلام » : أنه لم يبقى في حجرة رسول الله « صلى الله عليه وآله » إلا موضع قبرواحد 21 .
    ويؤيد ذلك : أنه « لما أرسل عمر إلى عائشة؛ فاستأذنها أن يدفن مع النبي « صلى الله عليه وآله » وأبي بكر فأذنت .
    قال عمر : إن البيت ضيق ، فدعا بعصا؛ فأتي بها ، فقدر طوله ، ثم قال : احفروا على قدر هذه » 22 .
    ورووا : أنه جاف 23 بيت النبي « صلى الله عليه وآله » من شرقيه ، فجاء عمر بن عبد العزيز ، ومعه عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، فأمر ابن وردان : أن يكشف عن الأساس ، فبينا هو يكشفه إلى أن رفع يده ، وتنحى واجماً ، فقام عمر بن عبد العزيز فزعاً ، فقال عبد الله بن عبيد الله : لا يروعنّك ، فتانك قدما جدك عمر بن الخطاب ، ضاق البيت عنه ، فحفر له في الأساس الخ . .
    وفي الصحيح ، قال عروة : ما هي إلا قدم عمر 24 .
    وإذ قد عرفنا : أن الحجرة التي دفن فيها النبي « صلى الله عليه وآله » قد ضاقت حتى دفن عمر في الأساس . .
    فلننظر إلى بيت عائشة الذي كانت تسكن وتتصرف فيه . . فإننا نجد : أنه كان واسعاً وكبيراً . . وبقيت تتصرف فيه في الجهات المختلفة ، فليلاحظ ما يلي :
    1 ـ تقدم : أن عائشة قد باعت بيتها لمعاوية ، أو لابن الزبير .
    2 ـ إن عائشة قد عرضت على عبد الرحمن بن عوف أن يدفن مع النبي الأكرم « صلى الله عليه وآله » . . 25 .
    ومنع بنو أمية من دفن الإمام الحسن « عليه السلام » عند جده ، حينما ظنوا أن الحسين « عليه السلام » يريد دفنه هناك 26 .
    بل يقال : إن عائشة نفسها هي التي تزعّمت عملية المنع عن دفنه هناك . . 27 ، وإن ادّعى البعض : أنها قد أذنت في ذلك ، لكن بني أمية منعوا منه . . 28 .
    كما أنهم يروون : أن عيسى بن مريم سوف يكون رابع من يدفن هناك . . 29 .
    ثم إن نفس عائشة تصف القبور الثلاثة ثم تقول : « وبقي موضع قبر » 30 .
    وأما ما روي عنها من أنها استأذنت النبي « صلى الله عليه وآله » إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه ، فقال لها : وأنى لك بذلك ، وليس في ذلك الموضع إلا قبري ، وقبر أبي بكر ، وعمر ، وعيسى ابن مريم 31 . لأن الحافظ يقول : لا يثبت 32 .
    ولأنها كانت تريد أن تدفن في ذلك الموضع ، لكن منعها من ذلك أنها أحدثت بعد رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
    أضف إلى ذلك : أن هذا لا يلتقي مع زعمهم أن المكان ضاق حتى حفروا لعمر في الأساس .
    ثم إنهم يروون عنها أنها تقول : ما زلت أضع خماري ، واتفضل في ثيابي حتى دفن عمر ، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جداراً 33 .
    وعن مالك قال :
    قسم بيت عائشة قسمين : قسم كان فيه القبر ، وقسم تكون فيه عائشة ، بينهما حائط 34 .
    وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن الحجرة التي تدعوهم أو تعدهم للدفن فيها ، أو تمنعهم من الدفن فيها كانت متسعة . والمفروض : أن الحجرة التي تدّعي أن النبي « صلى الله عليه وآله » دفن فيه قد ضاقت حتى دفن عمر ، فوضعت في الأساس . فهل هما حجرتان ؟! أم حجرة واحدة ؟!
    أو يقال : إن عائشة قد استولت على بيت فاطمة « عليها السلام » ، وأضافت عليه ما اتسع به . وصارت تجيز هذا وتمنع ذاك .
    وملاحظة أخيرة نذكرها : عن احتجاب عائشة حين دفن عمر وهي : أن هذه القضية قد حيرتنا أيضاً .
    وهل بلغ بها التقى أن صارت تتستر من الأموات وهم في قبورهم ؟! . .
    فكيف إذن لم تتستر من عشرات الألوف من الرجال الأحياء ، حينما خرجت لتحارب أمير المؤمنين « عليه السلام » في حرب الجمل ، وغيرها ؟!
    وكيف توصي ابن الزبير بأن لا يدفنها مع النبي « صلى الله عليه وآله » ، لأنها لا تحب أن تزكى 35 .
    أو لأنها قد أحدثت بعده ؟!
    فَلِمَ لَمْ تعلل ذلك بوجود عمر ؟!
    أليست جثة عمر لا تزال موجودة في ذلك الموضع ؟!
    وعلى كل حال . . فإنه بعد دفن النبي « صلى الله عليه وآله » في تلك الحجرة ، وهي حجرة فاطمة « عليها السلام » كما سيأتي . . أخليت من ساكنيها ، وأظهرت للناس . . واستولت عليها عائشة ، واستولت على غيرها . . وسكنت هناك ، مستفيدة من قوات السلطة وهيبتها . .
    وكان أول من بنى على بيت النبي « صلى الله عليه وآله » جداراً عمر بن الخطاب .
    قال عبيد الله بن أبي يزيد : « كان جداره قصيراً ، ثم بناه عبد الله بن الزبير . . » 36 .
    وعن المطلب قال : كانوا يأخذون من تراب القبر ، فأمرت عائشة بجدار فضرب عليهم ، وكانت في الجدار كوّة ، فكانوا يأخذون منها ، فأمرت بالكوّة فسدّت 37 :
    أو أنهم سدوا أو ستروا على القبر بعد محاولة الحسين دفن أخيه الحسن هناك 38 ، اتقاء منهم لمثل هذا الأمر ، حتى لا يتكرر بعد .
    والسبب الرابع

    أن الأدلة تدل على أنه « صلى الله عليه وآله » قد دفن في بيت ابنته فاطمة الزهراء « عليها السلام » ، ثم استولت عليه عائشة ، واستقرت فيه ، وضربت جداراً بينها وبين القبور ، وبقيت تحتلُّ هذا البيت الطاهر ـ كما قدمنا ـ الذي كان في وسط بيوت أزواج النبي « صلى الله عليه وآله » كما ذكره ابن عمر 39 .
    ونستند في ذلك إلى ما يلي :
    1 ـ روى الصدوق في أماليه رواية مطوّلة ، عن ابن عباس ، جاء فيها :
    « . . فخرج رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وصلّى بالناس ، وخفف الصلاة ، ثم قال : ادعوا لي علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد ، فجاءا ، فوضع « صلى الله عليه وآله » يده على عاتق علي ، والأخرى على أسامة ، ثم قال : انطلقا بي إلى فاطمة .
    فجاءا به ، حتى وضع رأسه في حجرها ، فإذا الحسن والحسين . . » ثم ذكر قضية وفاته هنا 40 .
    2 ـ قال السمهودي : « أسند ابن زبالة ، ويحيى بن سليمان بن سالم ، عن مسلم بن أبي مريم ، وغيره : كان باب فاطمة بنت رسول الله في المربعة التي في القبر .
    قال سليمان : قال لي مسلم : لا تنس حظّك من الصلاة إليها ، فإنها باب فاطمة « عليها السلام » ، الذي كان علي يدخل عليها منه » 41 .
    وعن ابن أبي مريم : « إن عرض بيت فاطمة بنت رسول الله « صلى الله عليه وآله » إلى الاسطوانة التي خلف الاسطوانة المواجهة للزور قال : وكان بابه في المربعة التي في القبر .
    وقد أسند أبو غسان ـ كما قال ابن شبة ـ عن مسلم بن سالم ، عن مسلم بن أبي مريم ، قال : عرس علي « عليه السلام » بفاطمة بنت رسول الله إلى الأسطوانة التي خلف الأسطوانة المواجهة للزور . وكانت داره في المربعة التي في القبر .
    وقال مسلم : لا تنس حظّك من الصلاة إليها ، فإنه باب فاطمة ، التي كان علي يدخل إليها منها ، وقد رأيت حسن بن زيد يصلّي إليها » 42 .
    فهل كان علي « عليه السلام » يدخل على زوجته من وسط حجرة عائشة ؟
    أم أن عائشة أو غيرها من زوجاته « صلى الله عليه وآله » كانت من محارمه « عليه السلام » ؟!
    إن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن ذلك الموضع هو بيت فاطمة التي ظلمت في مماتها ، كما ظلمت في حياتها :﴿... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ 43 . وليس هو بيت عائشة ، كما تريد أن تدعي هي ومحبوها!!
    3 ـ إن لدينا ما يدل على أن شرقي الحجرة كان في بيت فاطمة . وإذن . . فعائشة كانت تسكن في بيت فاطمة حينما ضربت الجدار!! . .
    « قال ابن النجار : وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة ، وفيه محراب ، وهو خلف حجرة النبي « صلى الله عليه وآله » .
    قلت (أي السمهودي) : الحجرة اليوم دائرة عليه ، وعلى حجرة عائشة ، بينه وبينه موضع تحترمه الناس ، ولا يدوسونه بأرجلهم ، يذكر أنه موضع قبر فاطمة « عليها السلام » .
    وقد اقتضى ما قدمناه : أن بيت فاطمة كان فيما بين مربعة القبر ، وأسطوان التهجد » 44 .
    وعن مدفن فاطمة « عليها السلام » يرى ابن جماعة : « أن أظهر الأقوال هو أنها دفنت في بيتها » . وهو مكان المحراب الخشب ، داخل مقصورة الحجرة الشريفة من خلفها . وقد رأيت خدام الحضرة يجتنبون دوس ما بين المحراب المذكور وبين الموضع المزور من الحجرة الشريفة الشبيه بالمثلث ، ويزعمون أنه قبر فاطمة 45 .
    ومن الواضح : أن أسطوان التهجد يقع على طريق باب النبي « صلى الله عليه وآله » مما يلي الزور 46 .
    أي خلف بيت فاطمة 47 .
    قال السمهودي عن موضع تهجد النبي « صلى الله عليه وآله » :
    « قلت : تقدم في حدود المسجد النبوي ما يقتضي أن الموضع المذكور كان خارج المسجد ، تجاه باب جبريل قبل تحويله اليوم . وهو موافق لما سيأتي عن المؤرخين في بيان موضع هذه الاسطوانة » 47 .
    وإذا كان كذلك : فإن بيت علي يقع بين باب النبي « صلى الله عليه وآله » والحجرة الشريفة . وباب النبي « صلى الله عليه وآله » هو أول الأبواب الشرقية مما يلي القبلة ، وقد سُدَّ الآن . .
    ويقولون : إنه سُمِّي بذلك لا لأن النبي « صلى الله عليه وآله » كان يدخل منه ، بل لأنه في مقابل حجرة عائشة . .
    بل نجد ابن النجار يصرح : بأن هذا الباب هو نفسه باب علي « عليه السلام » 46 .
    وهذا يعني : أن ما بين الحجرة التي فيها القبر الشريف ، وباب النبي « صلى الله عليه وآله » كان من بيت فاطمة « عليها السلام » ، وحيث دفنت .
    ويدل عليه : أنها « عليها السلام » دفنت داخل مقصورة الحجرة من خلفها . . أي تماماً حيث كانت عائشة مقيمة ، بعد أن ضربت الجدار على القبور التي كانت مكشوفة لكل أحد ، فتصرفت فيه عائشة بمساعدة السلطة ، بعد أن تركه أهله الذين حرموا منه كما حرموهم من إرث نبيهم . .
    4 ـ ويدل على ما ذكرناه أيضاً : قول السمهودي في مقام بيان موضع باب النبي « صلى الله عليه وآله » ، وباب جبريل : « الثاني : باب علي ، الذي كان يقابل بيته الذي خلف بيت النبي » 48 .
    وقال أيضاً : « ويحتمل أن بيت علي « عليه السلام » كان ممتداً في شرقي حجرة عائشة إلى موضع الباب الأول ، (يعني باب النبي « صلى الله عليه وآله ») فسمي باب علي بذلك ، ويدل له : ما تقدم عن ابن شبة في الكلام على بيت فاطمة ، من أنه كان فيما بين دار عثمان التي في شرقي المسجد ، وبين الباب المواجه لدار أسماء . ويكون تسميته الباب الثاني بباب النبي « صلى الله عليه وآله » لقربه من بابه الخ . . » 49 .
    إذن . . فبيت فاطمة يكون ممتداً من شمالي الحجرة التي دفن فيها النبي « صلى الله عليه وآله » إلى شرقيها ، وإذا صح كلام ابن شبة هذا ، فإنه يصل إلى قبليها أيضاً . .
    والمفروض هو أن باب فاطمة وعلي « عليهما السلام » كان شارعاً في المسجد أيضاً . .
    فكيف استدار بيت فاطمة « عليها السلام » على بيت عائشة وطوقه بهذا الشكل العجيب ، من الشمال إلى الشرق . . ويحتمل إلى القبلة أيضاً ؟! .
    عجيب!! وأي عجيب!! . .
    وما معنى : أن تسكن عائشة في شرقي الحجرة ، وتضرب بينها وبين القبور جداراً ؟
    أوليس شرقي الحجرة كان جزءاً من بيت فاطمة ؟!
    وكيف يكون باب بيت فاطمة « عليها السلام » في نفس حجرة عائشة ؟!
    وهل هناك مسافات شاسعة بين المسجد وبين باب النبي « صلى الله عليه وآله » ، أو باب جبريل ، تسع عدة بيوت وحُجر ؟!
    إن كل ذلك يدل على صحة رواية الصدوق المتقدمة ، وأنه « صلى الله عليه وآله » قد دفن في بيت فاطمة « عليها السلام » ، لا في بيت عائشة . .
    ونعتقد : أنه قد انتقل من دار عائشة إلى دار فاطمة « عليها السلام » في نفس اليوم الذي توفي فيه ، وهو يوم الإثنين 50 ، وذلك لأنه في يوم الإثنين ، وحين صلاة الفجر كان لا يزال في بيت عائشة الذي كان لجهة القبلة ، إذ قد روى البخاري :
    « أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين ، وأبو بكر يصلي لهم ، لم يفجأهم إلا رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم ، وهم في صفوف الصلاة . .
    إلى أن قال : وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم؛ فرحاً برسول الله « صلى الله عليه وآله » . . » 51 .
    وبضم رواية الصدوق المتقدمة ، الدالة على أنه « صلى الله عليه وآله » خرج فصلى بالناس ، وخفف الصلاة ، ثم وضع يده على عاتق علي « عليه السلام » والأخرى على عاتق أسامة ، ثم انطلقا به إلى بيت فاطمة « عليها السلام » ، فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها . .
    ثم يذكر قضية استئذان ملك الموت ، حيث كانت وفاته بعد مناجاته لعلي « عليه السلام »؛ فراجع . .
    فبضم هذه الرواية إلى ما تقدم نفهم أنه قد انتقل إلى بيت فاطمة « عليها السلام » في نفس اليوم الذي توفي فيه ، بعد أن صلى بالناس .
    وأما أنه رفع الستر ثم عاد فأرخاه؛ فلم يَروه حتى توفي حسبما ذكرته رواية البخاري الآنفة الذكر . . فلا يصح؛ لأن رواية ابن جرير تصرح بأنه عزل أبا بكر عن الصلاة في نفس اليوم الذي توفي فيه ، فراجع 52 .
    وبعد ذلك كله . . لا يبقى أي شك أو ريب في أنه « صلى الله عليه وآله » قد دفن في بيت فاطمة « عليها السلام » ، لا في بيت عائشة . ولكن فاطمة قد ظلمت بعد مماتها كما ظلمت في حال حياتها . .
    « وسيعلم الذين ظلموا آل محمد ، عن طريق تزوير الحقيقة والتاريخ ، فضلاً عن مختلف أنواع الظلم الأخرى . . أي منقلب ينقلبون . . » .
    والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 53 .
    -------------------------------
        1. راجع : سنن ابن ماجة ج1 ص521 والملل والنحل للشهرستاني ج1 ص24 وشفاء السقام للسبكي ص279 ونيل الأوطار ج2 ص139 وفتح الباري ج1 ص442 وعمدة القاري ج4 ص187 وعون المعبود ج6 ص22 ومسند أبي يعلى ج1 ص31 و 32 وشرح سنن النسائي ج3 ص200 وتحفة الأحوذي ج2 ص437 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص39 وج17 ص218 ونصب الراية ج2 ص350 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص237 والمواقف للإيجي ج3 ص650 والمحصول للرازي ج4 ص369 والإحكام للآمدي ج2 ص66 وشرح المواقف للجرجانى ج8 ص376 والتمهيد لابن عبد البر ج24 ص399 .
        2. راجع : مجمع الزوائد ج9 ص112 والخصائص الكبرى للسيوطي ج2 ص486 ومسند أبي يعلى ج8 ص279 والبداية والنهاية ج7 ص397 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص394 والغدير ج7 ص189 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص693 .
        3. السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص541 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص342 .
        4. راجع كل ذلك في وفاء الوفاء ج2 ص706 .
        5. رحلة ابن بطوطة ص72 .
        6. وفاء الوفاء ج2 ص543 .
        7. المصدر السابق ج2 ص719 .
        8. الأدب المفرد للبخاري ص168 وإمتاع الأسماع ج10 ص98 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص349 وج12 ص51 وراجع : وفاء الوفاء ج2 ص542 و 459 و 460 وعن سمت النجوم ص218 .
        9. نفس المصادر السابقة .
        10. وفاء الوفاء ج2 ص542 و 459 و 460 .
        11. راجع : وفاء الوفاء ، ج2 ص435 و 459 و 517 و 693 وإمتاع الأسماع ج10 ص89 .
        12. راجع : وفاء الوفاء ج2 ص435 و 459 و 517 و 693 .
        13. صحيح البخاري (ط سنة 1309ﻫ ) ج1 ص229 و 226 و (ط دار الفكر) ج2 ص256 و 260 والطبقات الكبرى لابن سعد ، ج8 ص119 ، وفتح الباري ج4 ص236 عن أحمد والنسائي ، ووفاء الوفاء ج2 ص541 و 542 و نيل الأوطار ج4 ص356 ومسند أحمد ج6 ص234 وعمدة القاري ج11 ص144 و 158 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص267 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص439 وغير ذلك .
        14. وفاء الوفاء ج2 ص542 .
        15. راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص181 وج8 ق2 ص119 و (ط دار صادر) ج1 ص499 وج8 ص167 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص348 وج12 ص50 ووفاء الوفاء ج2 ص459 .
        16. الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص289 ووفاء الوفاء ج2 ص542 وسائر المصادر تقدمت . .
        17. الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص118 و (ط دار صادر) ج8 ص165 ووفاء الوفاء ج2 ص464 عنه ، وإمتاع الأسماع ج10 ص93 وليراجع : حلية الأولياء ج2 ص49 .
        18. وفاء الوفاء ج2 ص464 وراجع : السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص35 ومعرفة السنن والآثار ج4 ص427 وتاريخ مدينة دمشق ج28 ص190 .
        19. صحيح البخاري ج1 ص159 وج2 ص191 و (ط دار الفكر) ج2 ص107 وج4 ص205 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص58 وفتح الباري ج3 ص204 و 205 وعمدة القاري ج8 ص228 وج16 ص209 وأسد الغابة ج4 ص75 وتاريخ مدينة دمشق ج44 ص416 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص338 وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص188 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص576 ونيل الأوطار ج6 ص159 ووفاء الوفاء ج2 ص557 والبحار ج31 ص90 والغدير ج6 ص189 .
        20. فتح الباري ج3 ص205 ووفاء الوفاء ج2 ص557 .
        21. مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهانى ص49 وشرح الأخبار ج3 ص130 وتاريخ مدينة دمشق ج13 ص289 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص111 وترجمة الإمام الحسن « عليه السلام » لابن عساكر ص218 .
        22. الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج3 ق1 ص264 و (ط دار صادر) ج3 ص364 وكنز العمال ج12 ص689 .
        23. جاف الشيء : قعَّرَه .
        24. وفاء الوفاء ج2 ص545 و 554 عن ابن زبالة ، ويحيى ، وكتاب الفتوح لابن أعثم ج2 ص330 وعمدة القاري ج8 ص227 وليراجع : صحيح البخاري ج1 ص159 و (ط دار الفكر) ج2 ص107 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج3 ق1 ص168 و (ط دار صادر) ج3 ص369 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص293 وإمتاع الأسماع ج14 ص604 والسيرة النبوية ج4 ص542 .
        25. وفاء الوفاء ، ج2 ص557 وج3 ص899 عن ابن شبة ، وابن زبالة .
        26. أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج3 ص60 و 62 و 64 و 65 وشرح النهج للمعتزلي ج16 ص13 ومقاتل الطالبيين ص74 ووفاء الوفاء ج2 ص548 وتاريخ ابن عساكر (ترجمة الحسن « عليه السلام ») الحديث رقم 337 فما بعده ، وج21 ص38 وج64 ص99 كما ذكره المحمودي ، وراجع : المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص204 وروضة الواعظين ص168 والإرشاد للمفيد ج2 ص18 والخرائج والجرائح ج1 ص242 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص149 والبحار ج44 ص154 و 157 والأنوار البهية ص92 وقاموس الرجال ج12 ص300 والجمل للشيخ المفيد ص234 وكشف الغمة ج2 ص209 .
        27. مقاتل الطالبيين ص75 وتاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص225 وإعلام الورى للطبرسي ج1 ص415 وراجع المصادر السابقة .
        28. مقاتل الطالبيين ص75 ووفاء الوفاء ج3 ص908 وج2 ص557 .
        29. وفاء الوفاء ج2 ص557 عن يحيى وسنن الترمذي ، ومنتظم ابن الجوزي والطبراني ، وابن النجار ، والزين المراغي . وعمدة القاري ج8 ص225 وتحفة الأحوذي ج10 ص62 وتاريخ مدينة دمشق ج47 ص523 وفتح الباري ج7 ص54 وكتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي ص354 .
        30. وفاء الوفاء ج2 ص557 . وراجع : السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص314 وفتح الباري ج7 ص54 وتحفة الأحوذي ج10 ص62 وعمدة القاري ج16 ص212 .
        31. تحفة الأحوذي ج10 ص62 وفتح الباري ج7 ص54 وعمدة القاري ج16 ص212 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج14 ص620 .
        32. تحفة الأحوذي ج10 ص62 وفتح الباري ج7 ص54 .
        33. الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ق1 ص264 و (ط دار صادر) ج3 ص364 ووفاء الوفاء ج2 ص543 و 544 عنه وعن ابن زبالة ، وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص945 .
        34. الطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج2 ص294 ووفاء الوفاء ج2 ص564 و 565 وعمدة القاري ج8 ص227 .
        35. صحيح البخاري (ط سنة 1309هـ) ج4 ص170 و (ط دار الفكر) ج2 ص107 وفتح الباري ج3 ص204 وعمدة القاري ج8 ص226 والمعجم الكبير ج23 ص17 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص293 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص542 ووفاء الوفاء ج2 ص557 .
        36. الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص294 ووفاء الوفاء ج2 ص544 عن ابن سعد ، وعمدة القاري ج8 ص227 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص349 وج12 ص51 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص186 .
        37. وفاء الوفاء ج2 ص548 عن ابن سعد ، وسبل الهدى والرشاد ج12 ص345 عن ابن زبالة ، وأضواء البيان للشنقيطي ج8 ص352 .
        38. وفاء الوفاء ج2 ص548 عن ابن سعد .
        39. راجع : سفينة البحار ج1 ص115 .
        40. أمالي الشيخ الصدوق (ط النجف سنة 1391ﻫ .) المجلس الثاني والتسعون ص569 و (ط مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة) ص735 وروضة الواعظين ص7 وبحار الأنوار ج22 ص509 ومجمع النورين للمرندي ص70 .
        41. وفاء الوفاء ج2 ص450 وأعيان الشيعة ج1 ص31 .
        42. وفاء الوفاء ج2 ص467 و 469 على الترتيب ، ووأعيان الشيعة ج1 ص314 .
        43. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 227، الصفحة: 376.
        44. وفاء الوفاء ج3 ص469 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص364 وبهج الصباغة ج5 ص19 ورحلة ابن بطوطة ص70 ومعاني الأخبار ص254 وبحار الأنوار ج43 ص185 والكافي (ط دار الإسلامية) ج1 ص383 ووسائل الشيعة ج10 ص288 وفي هامشه عن التهذيب للشيخ الطوسي ، وعن من لا يحضره الفقيه للصدوق .
        45. وفاء الوفاء ج3 ص906 .
        46. a. b. وفاء الوفاء ج2 ص451 و 450 و 452 و 688 .
        47. a. b. المصدر السابق .
        48. وفاء الوفاء ج2 ص688 و 689 . وراجع : شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص584 عن تحقيق النصرة (ط دار الكتب المصرية) ص 76 .
        49. وفاء الوفاء ج2 ص688 و 689 وليراجع : ص469 و 470 .
        50. راجع : قاموس الرجال ج11 (رسالة في تواريخ النبي والآل) للتستري ص36 .
        51. راجع : البخاري (ط سنة 1309ﻫ) ج3 ص61 وج1 ص82 و (ط دار الفكر) ج1 ص183 وج2 ص60 وج5 ص141 والرواية وإن كانت قد ذكرت إقرار النبي « صلى الله عليه وآله » لأبي بكر على الصلاة لكن ذلك غير صحيح . ولهذا البحث مجال آخر . وراجع : البحار ج28 ص144 وعمدة القاري ج6 ص3 وج7 ص280 وج18 ص69 وصحيح ابن خزيمة ج2 ص41 وج3 ص75 وصحيح ابن حبان ج14 ص587 والثقات لابن حبان ج2 ص130 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص217 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص305 .
        52. راجع كنز العمال ج7 ص198 عن ابن جرير ، وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص196 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص440 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1068 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص467 .
        53. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م . ، الجزء الثاني ، السؤال رقم (75) .

  • 1

    أكد رئيس أساقفة فرنسي على معارضته نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قائلا إن الأمر يعد "خطيرا جدا، وبمثابة صب الزيت على النار".

    حذر رئيس أساقفة مدينة تولوز الفرنسية "روبيرت لو غال"، الجمعة، من خطورة نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
    وأشار لو غال في حديث مع إذاعة "فرانس بلو"، إلى حادثة الطعن التي وقعت في كنيسة نوتردام بمدينة نيس، الخميس، واصفا إياها بـ"المروعة".
    وأكد على معارضته نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قائلا إن الأمر يعد "خطيرا جدا، وبمثابة صب الزيت على النار".
    ولفت إلى أن "هذه الرسوم تعتبر إساءة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وينبغي ألا تنتشر أكثر، وجميعنا نرى نتائجها".
    وبخصوص تصنيف الرئيس إيمانويل ماكرون لنشر الرسوم بأنه "حرية تعبير"، قال لو غال إنه "يوجد حدود لحرية التعبير، وينبغي أن ندرك أننا لا نمتلك الحق في إهانة الأديان".
    والخميس قال رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، إن دين الإسلام بريء من "الإرهابيين" في فرنسا، وكندا، وأي مكان في العالم، وذلك في معرض إدانته لهجوم نيس الأخير الذي أسفر عن 3 قتلى.
    وقال ترودو: "الإرهابيون الذين ينفذون هذه الهجمات لا يمثلون الإسلام، ولا يمثلون المسلمين".
    وحذّر مسؤول في الأمم المتحدة من خطورة الإساءة للأديان والرموز الدينية المقدسة، تعليقا على الحملة الفرنسية ضد الإسلام.
    وقال الممثل الأممي السامي لتحالف الحضارات، ميغيل أنخيل موراتينوس، إنه ينبغي أن تحترم بالكامل المعتقدات الدينية لجميع الأديان.
    وشهدت فرنسا خلال الأيام الماضية، نشر صور ورسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، على واجهات بعض المباني، ما أشعل موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي.
    وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، قال ماكرون إن فرنسا لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتيرية"، ما ضاعف موجة الغضب الإسلامي، وأُطلقت في بعض الدول حملات مقاطعة للمنتجات والبضائع الفرنسية.

  • 1

    يوافق الثامن والعشرون من شهر صفر المظفر ذكرى وفاة النبي الأعظم سيد الكائنات محمد (ص)، وبهذه المناسبة الأليمة نسلط الضوء على كلمات للإمام علي (ع) يصف بها النبي الأكرم (ص).

    روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : « يا علي ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلّا الله وأنا » (1).

    أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً ، وأَعَزِّ الأصول مَغْرِساً.

    من النعم الإلهيّة الكبرى التي أفاضها الله سبحانه وتعالى على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ملازمته الدائمة والمستمرّة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ومصاحبته له ، فتربّى في حجره ، واتّبعه اتّباع الفصيل أَثَرَ أمّه ، ولم يفارقه منذ ولادته في جوف الكعبة ، ونصره عند إظهار دعوته ، وشهد معه المشاهد إلّا غزوة تبوك ، وكان أوّل المؤمنين به ، وأوّل المصلّين خلفه ، إلى أن كان آخر المودّعين له حين ارتفاعه إلى الله تعالى.
    هذه المسيرة جعلت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يعطي الإمام علياً عليه السلام المئات ، بل الآلاف من الأوسمة ، والتي يأتي في صدارتها حيازته لتلك المرتبة التي لم يصل إليها أحد من البشر على الإطلاق ، وهي المعرفة التامّة والكاملة بالله تعالى ورسوله الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    ولذا نراه في حديثه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يكشف لنا بوضوح عمق شخصيّته من جميع جوانبها الفرديّة والإجتماعيّة والرساليّة والجهاديّة والأخلاقيّة ، لأنّه حديث العارف المطّلع على مكنونات الشخصيّة العظيمة للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

    المنبت الطيّب
    أمّا المنبت الطيّب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيصفه الإمام علي بكلمات موجزة : « مُسْتَقَرُّه خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ ، ومَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ » (2).
    فالنبيّ كان مستقرّه في الأصلاب الشامخة ، وهو خير مستقر. ونبت في أشرف رحم مطهّرة ، وأسرة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هي أسرة الكرامة والسلامة من أن تدنّس بالتلوّث بأيّ رجس من الأرجاس المعنويّة.

    وفي خطبة أخرى : « حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً ، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ ـ الأصول ـ مَغْرِساً ، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه ، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه ، عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ » (3).

    فالنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من نسل إبراهيم عليه السلام ، شيخ الأنبياء ، وإليه تعود سلسلة آباء النبي ، وهي أفضل أصل يعود إليه إنسان ، ولا يرتبط ذلك بالآباء البعيدين بل إنّ أسرته التي ولد فيها ، وهم بنو هاشم ، خير أسرة.

    وقد استعار لفظ المعدن والمنبت والمغرس لطينة النبوّة التي ولد منها النبي. ووجه الإستعارة أنّ تلك المادّة منشأ لمثله ، كما أنّ الأرض معدن الجواهر ومغرس الشجر الطيّب.

    في ظلّ الرعاية الإلهيّة
    وأمّا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في طفولته ، فيصفه الإمام عليه السلام بأنّه « خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً » ، ويصف عناية الله عزّ وجلّ به وهو طفل بقوله : « ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه صلّى الله عليه وآله وسلّم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه » (4).

    فالعناية الإلهيّة بالأنبياء والرسل لا ترتبط بزمان بعثتهم ، بل هي قبل ذلك ؛ فقد شملت العناية الإلهيّة موسى الكليم عليه السلام منذ أن كان طفلاً ، بما أُلهمت أمّه أن تلقيه في النهر وردّه الله إليها. وهذا النصّ من أمير المؤمنين يشهد على أنّ النبي حتّى قبل بعثته كان محلّاً للعناية الإلهيّة بالتربية التامّة ، ولذا لم يتمكّن أعداء رسول الله ممّن حارب دعوته أن يعيب على رسول الله بشيء من مثالب الأخلاق قبل البعثة مع أنّه قد لبث فيهم أربعين سنة ، يعيش بينهم كعيشتهم ، ولكنّه امتاز عنهم بما وهبه الله من لطف.

    البعثة النبويّة المباركة
    تتعدّد النصوص في نهج البلاغة حول بعثة النبي وظروفها ، فالنّبي بعث في قوم أبعد النّاس عن الحقّ يعيشون في ظلمات الجهل والضلال ، يتقاتلون فيما بينهم ، يقول عليه السلام : « أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الأُمَمِ ، واعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ ، وانْتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ ، وتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا ، وإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا ، واغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا ، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى ، وظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى ، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا ، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا » (5).

    وأمّا أداء الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم لهذه المهمّة فهو ما يذكره الإمام عليه السلام بقوله : « وقَبَضَ نَبِيَّهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقَدْ فَرَغَ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ الْهُدَى بِهِ ، فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ ، ولَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلَّا وجَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً » (6).

    ويصف الإمام عليه السلام التحوّل الذي أوجده النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياة العرب آنذاك ، بعد وصفه لحالهم قبل البعثة كما تقدّم ذكره بقوله : « إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً ولَا يَدَّعِي نُبُوَّةً ، فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ ، وبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ واطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ » (7).

    وفي خطبة أخرى : « دَفَنَ الله بِه الضَّغَائِنَ ، وأَطْفَأَ بِه الثَّوَائِرَ ، أَلَّفَ بِه إِخْوَاناً ، وفَرَّقَ بِه أَقْرَاناً ، أَعَزَّ بِه الذِّلَّةَ ، وأَذَلَّ بِه الْعِزَّةَ » (8).

    فثمار البعثة النبويّة كانت على المستويين الدنيوي والأخروي ؛ فعلى المستوى الأخروي كانت الهداية الضامنة للفوز في الآخرة وعلى المستوى الدنيوي كانت العزّة والسيادة والسؤدد والحياة المليئة بالمحبّة والأخوّة.

    شجاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
    لقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقود الحروب بنفسه ، يدخل فيها كغيره من أصحابه ، ويخطط للقتال ، ويأمرهم بما يجب عليهم ، وينهاههم عمّا يوجب هزيمتهم. وكانت شجاعة الكلّ دون شجاعة الرسول حتّى كان أصحابه يحتمون به عند اشتداد المعركة ، فعن الإمام علي عليه السلام حديث : « كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّم ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ » (9).

    الصفات الخُلقيّة
    يكفي في الهداية إلى الصفات الخلقيّة لرسول الله ما وصفه به الله عزّ وجلّ في كتابه بكلمات موجزة : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ويصفه الإمام علي في خُلُقه : « أكرم الناس عشرة ، وألينهم عريكة ، وأجودهم كفاً ، من خالطه بمعرفة أحبّه ، ومن رآه بديهة هابه » (10). فمن يعاشر النّبي يشعر بالكرم النبوي ، ويجد أنّه ألين الناس طبيعة ، فهو يلين لمن يعيش معه ، ويبسط كفّه بالكرم والعطاء.

    وفي خطبة أخرى يصف الإمام عليه السلام تواضع النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياته اليوميّة ، فيقول : « ولَقَدْ كَانَ صلّى الله عليه وآله وسلّم يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ ، ويَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ ، ويَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ ، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ ، ويُرْدِفُ خَلْفَهُ ، ويَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ : « يَا فُلَانَةُ ـ لإِحْدَى أَزْوَاجِهِ ـ غَيِّبِيهِ عَنِّي ، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وزَخَارِفَهَا » (11).

    حقيقة الدنيا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
    كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل خلق الله ، فإنّ الدنيا كلّها طوع يديه ينال منها ما يريد ، بل عرضت عليه الدنيا فأباها وذلك لأنّه يعرفها على حقيقتها. ويصف الإمام أمير المؤمنين الدنيا في عين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيقول : « قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وصَغَّرَهَا ، وأَهْوَنَ بِهَا وهَوَّنَهَا ، وعَلِمَ أَنَّ اللهً زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً ، وبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً ، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ ، وأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ ، لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً. بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً ، ونَصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً ، ودَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً ، وخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً » (12).

    وفي خطبة أخرى : « أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً ، وأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً ، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، وعَلِمَ أَنَّ اللهً سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ ، وحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ ، وصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ. ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ ورَسُولُهُ ، وتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ الله ورَسُولُهُ ، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلهِ ، ومُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ... فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ ، وأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ ، وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ ، لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، ولَا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً ، ولَا يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً ، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ ، وأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ ، وغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ. وكَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ ، وأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ » (13).

    الإقتداء برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
    إنّ فعل رسول الله صلّى الله علي]ه وآله وسلّم فيه حثٌّ للناس كافّة على التأسّي به في نظرتهم إلى هذه الدنيا وما ينالونه منها. ولذا يحثّ الإمام في وصاياه على الإقتداء برسول الله في ذلك : « تَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى ، وعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى. وأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ ، والْمُقْتَصُّ لأَثَرِهِ. قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً ، ولَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً... ولَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وعُيُوبِهَا : إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ ، وزُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ. فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ : أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّداً بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ ، فَإِنْ قَالَ : أَهَانَهُ ، فَقَدْ كَذَبَ ـ واللَّهِ الْعَظِيمِ ـ بِالإِفْكِ الْعَظِيمِ ، وإِنْ قَالَ : أَكْرَمَهُ ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهً قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ ، وزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ. فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ ، واقْتَصَّ أَثَرَهُ ، ووَلَجَ مَوْلِجَهُ ، وإِلَّا فَلَا يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ ، فَإِنَّ الله جَعَلَ مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم عَلَماً لِلسَّاعَةِ ، ومُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ ، ومُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ. خَرَجَ منَ الدُّنْيَا خَمِيصاً ، ووَرَدَ الآخِرَةَ سَلِيماً. لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ ، وأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ. فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ ، وقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ » (14).

    رثاء علي للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
    لقد كان علي أقرب الناس لرسول الله ؛ فهو الذي كان إلى جانبه في لحظات وفاته ، يقول : « ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي. ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي. ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه صلّى الله عليه وآله وسلّم والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي ، فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ ، مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ ، ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ ، يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِي ضَرِيحِه » (15).

    وفي موضعٍ آخر يقول عليه السلام : « بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإِنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ. خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ ، وعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً. ولَوْلَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ ، ونَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ ، لأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤُوِن وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً وَالكَمَدُ مُحالِفاً وَقَلَّا لَكَ ولَكِنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ رَدُّهُ ، ولَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي أذْكُرْنَاَ عِنْدَ رَبِّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ » (16).

    ونختم الحديث بذكر صلاة الإمام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « اللهم اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ ، ونَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ والْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ ، والْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ والدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيل ، والدَّامِغِ صَوْلَاتِ الأَضَالِيلِ ، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ ولَا وَاه فِي عَزْمٍ ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ ، وأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ ، وهُدِيَتْ بِه الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ والآثَامِ ، وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ ونَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ ، وشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ ، ورَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ » (17).

    الهوامش
    -------------------------------------------------------------------------------------
    1. مختصر بصائر الدرجات ، الحسن بن سليمان الحلّي ، ص 12٥.
    2. نهج البلاغة ، الشريف الرضي ، ج 1 ، خطبة 9٤ ص 187.
    3. م . ن ، ص 18٥.
    4. م . ن ، ج 2 ، خطبة 192 ، ص 157.
    5. م . ن ، ج 1 ، خطبة 89 ، ص 157.
    6. م . ن ، ج 2 ، خطبة 183 ، ص 111.
    7. م . ن ، ج 1 ، خطبة 33 ، ص 81.
    8. م . ن ، ج 1 ، خطبة 96 ، ص 187.
    9. م . ن ، ج 4 ، خطبة 9 ، ص 61.
    10. بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 16 ، ص 147.
    11. نهج البلاغة ، م . س ، ج 2 ، خطبة 160 ، ص ٥9.
    12. م . ن ، ج 1 ، خطبة 109 ، ص 210.
    13. م . ن ، ج 2 ، خطبة 160 ، ص ٥8.
    14. م . ن ، ص ٥8 ـ 60.
    15. م . ن ، ج 2 ، خطبة 197 ، ص 172.
    16. م . ن ، ج 2 ، ص 228.
    17. م . ن ، ج 1 ، ص 122.

    المصدر: وكالة اهل البيت (ع) / أبنا

  • 1

    اضغط علی الصورة لمشاهدة الصورة بحجمها الاصلی

     

    سمِعَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: هِيَ حَلاَلٌ، فَقَالَ الشَّامِيُّ: إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَبِي نَهَى عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللهِ، أَأَمْرَ أَبِي نَتَّبِعُ؟ أَمْ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ؟، فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ: لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    الجامع الكبير للترمذي ج 2 ص 175 ط دار الغرب

  • 1

     

    (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران| 144 .
    جبرائيل بحزن ردد......عنكم رحل اليوم محمد

    تمر علينا الجريمة الكبرى النكراء في اغتيال الرسول محمد (ص) بالسم , وكان فعل مدبر ومخطط له ,وأذا بحثنا في الوضع السياسي الاجتماعي في المدينة سنتجد بأن النبي (ص) مات مستشهدا مسموما من قبل اناس كان همهم السلطة الدنيوية .
    ولذلك دخلت أراء دخيله على الاسلام تمنع البحث في الماضي وتعتبره غير جائز . وللبحث يجب أن نتجرد من تلك الافكار المتمثلة بالعادات والتقاليد ولاتمت بصلة للاسلام. وبسبب قمع حريات التفكير تخرجت اجيال لاتعرف الا القهر والاستبداد والقتل والكراهية وقطع الرؤوس ..ولايسمح الاحرار اليوم بقمع حريات التفكير في أهم قضية تخص المؤمنين الابرار الصادقين الموالين . وا ن الله حث الانسان على التفكير والاستنباط وعدم الركون الى امور جرت عليها عادات وتقاليد .
    والسراج المنير الرسول الكريم (ص) قد ابتلي بجهلة عاصروة وجائوا بعده وتعاملوا واتفقوا مع جهات سياسية لاجل قتله (ص) واهل بيته (ع) .
    والمصادر التاريخية الشيعية والسنية تتفق على ان النبي صلى الله عليه وآله مات مسموماً,ولكن بعض المصادر السنية تحاول ان تتغاضى عن ذلك .. وهذا بحد ذاته يشير الى تورط شخصيات مهمة عندهم في عملية القتل ..
    وكان استشهاد النبي (صلّى الله عليه وآله) في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة العاشرة من الهجرة .
    جاء في السيرة النبوية لآبن كثير :ـ عن الأعمش عن عبد الله بن نمرة عن اب الاحوص عن عبد الله بن مسعود إذقال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل،وذلك لأن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. (1)
    وقال الشعبي: والله لقد سم رسول الله (2)
    . ومما يؤيد هذه الحقيقة أيضا: أن أعراض السم ظهرت على وجه وبدن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قبيل وبعيد وفاته، إذ تذكر كتب السيرة أن درجة حرارة رسول الله ارتفعت ارتفاعا خطيرا في مرضه الذي توفي فيه و بصروة غير طبيعية ،وأن صداعا عنيفا في رأسه المقدس الشريف قد صاحب هذا الارتفاع في الحرارة. ومن المعروف طبياً أن ارتفاع حرارة الجسم والصداع القوي هو من نتاج تجرع السم.
    يذكرابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحم وصدع (3)
    وكانت أم البشر بن البراء قد قالت للرسول: ما وجدتمثل هذه الحمى التي عليك على أحد(4).
    وهذا النص يثبت بدلالة قاطعة أن الحمى التي اعترت المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن حمى طبيعية و ذلك لأنها لم ترى مثل هذه الحمى من قبل ، وهذه الحمى ما هي إلا من السم الذي جرعوه فقد تغير لونه و حالته .
    و الرواية التي ذكرها عبد الله الاندلسي في كتابه تقول :ـ
    بعدما لدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رغما ً عنه
    قال صلى الله عليه و آله وسلم : من فعل هذا ؟؟
    فقالوا : عمك العباس !!!
    ويتضح من قبل المنفذين انكار فعلتهم الشنيعة وأتهموا العباس عم النبي صلى الله عليه وآله و سلم إلا إن ذلك لم يخف عن رسول الله الذي برأ عمه العباس منتلك الفعلة و اتهامهم و دليل ذلك حينما طردهم من داره و ابقى العباس يعاين حاله .
    إذ قال صلى الله عليه و آله : لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لميشهدكم(5) .
    وقالت عائشة بنت ابوبكر: لددنا (قمنا بتطعيم) رسول الله فيمرضه. فقال: ( لا تلدوني). فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال (لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم(6).
    وجاء في كتاب الطبقات ج 2/235 فأُغمِيَ عليه صلى الله عليه وآله حين أفاق والنساء يلددنه, وهو صائم .
    و قالت عائشة: لددنا رسول الله في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء. فقال: (لايبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم.(7)
    ومعنى لغوياً : ( لدننا ) أي جرعنا و سقينا
    ما الذي جرعته عائشة للنبي صلى الله عليه و آله حتى نهى عنها ذلك فغضب و أمر بخروجها من الدار ؟
    ويجيبنا ابن القيم الجوزي :ـ كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر من في الدار بأن لا يلدوه و لا يجرعوه أي دواء مهما كان ، إذ رويأنه قال لهم بعد سقيه إياهم ذلك الدواء المزعوم: (ألم أنهكم أن لا تلدوني)(8).
    وبعد قيامهم بلدالنبي، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عائشة: (ويحها لو تستطيع ما فعلت)(9).
    ويلاحظ من تلك الروايات التي ينقلها علماء من السنة تكشف لنا وجود مؤمره بتخطيط مسبق للسيطرة على دفة الحكم وقلب النظام الاسلامي بأغتيال الرسول الاكرم (ص) وتجريعة سما على انه دواء للشرب .
    و عند مراجعة الرواية السابقة بشكل دقيق نفهم من كلام عائشة ان الفاعل بلد ( سقي ) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه كانوا أكثر من شخص إذ قالت عائشة " لددنا رسول الله فيمرضه ، فقال : لا تلدوني
    و دل على كونهم جمع و ذلك من الجمع في فعل ( لددنا) و إذا افترضنا انها الوحدية التي فعلت ذلك لقالت ( لددت رسول الله في مرضه).
    و لما أحس الرسول بسقيهم أيهاه و شعر بالسم استيقظ من منامه وقال مخاطبا اياهم : لا تلدوني
    وقال صلى الله عليه و آله لم بصيغى الجمع: " ألم أنهكم !!! " و هذا يشير ايضا ً على كونهم جماعة .
    و الأرجح ان من نفذ هذه العملية هي عائشة و حفصة زوجتا النبي صلى الله عليه وآله و بتخطيط من عمر بن الخطاب و ابي بكر و أمر منهما حيث ان المستفيد الاكبرهما و هما اللذان تحققت اهدافهما و مصالحهما بقتل النبي صلى الله عليه و آله
    ولم يكتف عمر باغتيال النبي صلى الله عليه وآله مادياً .. بل قام باغتياله معنوياً في اللحظات الاخيرة من حياته المقدسة...عندما قال قولته المشهورة : ان الرجل ليهجر ..
    ولا نعلم اي القتلتين كانتا اشد على النبي صلى الله عليه وآله .. اغتيال جسده .. ام اغتيال نبوته وشخصه المقدس .. الذي قال عنه رب العالمين : وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يُوحى . ؟؟
    وبعد تلك الحقائق الدامغة نبحث عن افعال عمر بن الخطاب لنرى الوضوح في ان قتل الرسول صلى الله عليه واله وسلم كان معد له منذوا زمن بعيد ,ولكن بطرق مختلفة جاء في سيرة ابن كثير فخرج عمر يوما متوشحاً سيفه ، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ،... فلقيه نعيم بن عبدالله فقال : أين تريد يا عمر ؟ قال : أريد محمداً ، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها ، فأقتله . فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك يا عمر ! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشى على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ ! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ؟ قال : وأي أهل بيتي ؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة ، فقد والله أسلما وتابعا محمداً صلى الله عليه وسلم على دينه ، فعليك بهما . فرجع عمر عائداً إلى أخته فاطمة ، وعندها خباب بن الارت معه صحيفة فيها " طه " يقرئها إياها . فلما سمعوا حس عمر تغيَّب خباب في مخدعٍ لهم أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى الباب قراءة خباب عليها . فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له : ما سمعت شيئاً . قال : بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه . وبطش بختنه سعيد بن زيد ، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها . فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك . فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع وارعوى ، وقال لأخته : أعطيني هذه الصحيفة التي كنتم تقرأون آنفا ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد . وكان عمر كاتباً . فلما قال ذلك قالت له أخته : إنا نخشاك عليها . قال : لا تخافي . وحلف بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها (10).
    ومحاولة ثالثة لاغتيال الرسول (ص) لدى عودة النبي صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك (ابن حزم في المحلي بالاثار ج12 ح2203 كتاب الحدود ) يقول- و اما حديث حذيفة فساقط لانه من طريق الوليد بن جميع- و هو هالك و لانراه يعلم من وضع الحديث فانه قد روي اخبارا فيها ان ابابكر و عمر و عثمان و طلحة و سعد بن ابي وقاص رضي الله عنهم ارادوا قتل النبي صلي الله عليه و اله و القاءه من العقبة في التبوك.....نر ي ان ابن حزم يسقط الحديث لوليدبن جميع.
    و الحال ان وليد من رجال البخاري و مسلم و سنن ابي داود و صحيح ترمذي و سنن نسائي.
    و الحال ان كثير من كتب الرحال صرحوا بوثاقة وليد بن جميع
    وفي زمن حكم عثمان بن عفان ، صرح حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) باسماء الذين حاولوا قتل النبي في العقبة .. وكان منها أسماء ابو بكر وعمر وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأبا موسى الاشعري وأبوسفيان بن حرب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف (11).
    ونطرح سؤال واجابته للدلالة على أن استشهاد النبي (ص) مسموما بمخطط من قبل المذكورين للوصول للسلطة الدنيوية بعيدا عن المنهج الاسلامي ..
    فهل ممكن أن يستشهد الرسول (ص) بدون أن يكتب وصيته والله تعالى قال ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية ) ال عمران |144 .
    فهل من المعقول أن يموت صاحب الشريعة الإسلامية والمقتدى لقوافل المسلمين على مر القرون والأجيال ـ بلا وصية؟؟ هل يمكن أن يأمر النبي أمته بالوصية ويتركها هو؟ وعمله حجة وسنة يأخذ بها المسلمون؟ وهو القائل: (من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية).
    والاجابة أن الرسول (ص) كتب وصيته ..ولكن لماذا لم يطبقها عمر وابو بكر والمذكورين اعلاه ؟ اين حديث الغدير !
    وهذا ايضاح فقط على ان النبي (ص) مات مستشهدا مسموما من قبل أول من تسلم مايسمى بالخلافة المفتعلة سياسيا لا ربانيا .
    وإذا أراد الله نشر فضيلـــة... طويت أتاح لها لسان حسود .
    استشهاد النبي (ص) في حجر علي (ع)
    في مسند احمد والمستدرك عن أم سلمة قالت : والذي أحلف به ، ان كان علي بن أبي طالب لأقرب الناس عهدا برسول الله ( ص ) عدنا رسول الله ( ص ) غداة وهو يقول : ( جاء علي ، جاء علي " مرارا فقالت فاطمة : كأنك بعثته في حاجة قالت : فجاء بعد ، قالت أم سلمة : فظننت ان له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكب عليه رسول الله ( ص ) وجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله ( ص ) من يومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا (12).
    و في تاريخ ابن كثير بسنده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال في مرضه : " ادعوا لي أخي " فدعوا له أبا بكر فأعرض ، عنه ثم قال : " ادعوا لي أخي " فدعوا له عمر فأعرض عنه ، ثم قال : " ادعوا لي أخي " فدعوا له عثمان فأعرض عنه ، ثم قال : " ادعو لي أخي " فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب وأكب عليه فلما خرج من عنده قيل له : ما قال ؟ قال : علمني ألف باب يفتح كل باب إلى ألف باب (13).
    في طبقات ابن سعد في " ذكر من قال توفي رسول الله ( ص ) في حجر علي بن ابي طالب " بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ان كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر : ما كان آخر ما تكلم به رسول الله ( صى ) ؟ فقال عمر : سل عليا ، قال : أين هو ؟ قال : هو هنا ، فسأله فقال علي : اسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة ! فقال كعب : كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون ، قال : فمن غسله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل عليا ، قال : فسأله فقال : كنت أنا أغسله وكان عباس جالسا ، وكان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء (14).
    وكان ابن عبّاس يعبّر عن أساه لما حدث بقوله: «الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله». ولمّا قرب أجله (ص) أوصى عليّا ً بجميع وصاياه، ثمّ فاضت نفسه الطاهرة في حجر علي (ع) (15).
    وعن عمر من حديث قال فيه رسول الله لعلي: وأنت غاسلي ودافني الحديث، (11).
    ولما وضع على السرير وأرادوا الصلاة عليه (صلّى الله عليه وآله) قال علي (ع): لا يؤم على رسول الله أحد، هو إمامكم حياً وميتاً، فكان الناس يدخلون رسلاً رسلاً، فيصلون صفاً صفاً، ليس لهم إمام ويكبرون، وعلي قائم حيال رسول الله يقول: سلام الله عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزلت إليه، ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله عز وجل دينه، وتمت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه، وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان، روى هذا كله باللفظ الذي أوردناه ابن سعد عند ذكره غسل النبي من طبقاته، وأول من دخل على رسول الله يومئذ بنو هاشم، ثم المهاجرون، ثم الأنصار ثم الناس، وأول من صلى عليه علي والعباس وقفا صفاً وكبرا عليه خمساً.
    عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال لما حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه وقال: يا رسول الله: أنا شيخ كبير كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدي دينه.
    فقال: بأبي أنت وأمي أنا شيخ كبير كثير العيال قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما إني سأعطيها من يأخذ بحقها.
    ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتأخذ تراثه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي.
    فنزع خاتمه من إصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي فوضعه علي (عليه السلام) في إصبعه اليمنى فصاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية وسيفي: ذي الفقار وعمامتي: السحاب والبرد والأبرقة والقضيب.
    فقال: يا علي أن جبرائيل أتاني بها.
    فقال: يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستوفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين إحداهما مخصوفة والأخرى غير مخصوفه، والقميص الذي اسري به فيه، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين وقلنسوة كان يلبسها.
    ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالبغلتين: الصهباء والدلدل والناقتين: العضباء والصهباء والفرسين الجناح الذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله لحوائج الناس، يبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الرجل في حاجته فيركبه وحيزوم وهو الذي يقول أقدم حيزوم.
    والحمار اليعفور.
    ثم قال: يا علي إقبضها في حياتي حتى لا ينازعك فيها أحد بعدي.
    وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليها السلام) بأبي وأمي أنت!!! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.
    فقالت فاطمة للحسين (عليه السلام): إنطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدي.
    فانطلق إليه الحسين فدعاه فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) عنده وهي تقول: واكرباه لكربك يا أبتاه.
    فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبياً.
    ثم قال يا علي أدن مني.
    فدنا منه فقال أدخل أذنك في في. ففعل.
    فقال: يا أخي ألم تسمع قول الله تعالى في كتابه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)؟(17) قال: بلى يا رسول الله.
    قال: هم أنت وشيعتك يجيئون غراً محجلين، شباعاً مرويين، أولم تسمع قول الله في كتابه (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)(18)؟ قال: بلى يا رسول الله.
    قال: هم أعداؤك وشيعتهم، يجوزون يوم القيامة ظماء مظمئين، أشقياء معذبين، كفار منافقين، ذلك لك ولشيعتك، وهذا لعدوك ولشيعتهم.
    ولما حضره الموت كان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضراً عنده فلما قرب خروج نفسه (صلّى الله عليه وآله) قال له: ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالى.
    فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
    وأبيض يستقى الغمام بوجهه... ثمال اليتامى عصمة الأرامل
    ففتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عينه، وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم) 19. فبكت طويلاً وأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلل وجهها له.
    ثم قبض (صلّى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت حنكه ففاضت نفسه (صلّى الله عليه وآله) فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.
    وقال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام) أن لا يغسلني غيرك فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله من يناولني الماء؟ إنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أُقلّبك؟ فقال: جبرائيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له فليغمض عينيه، فإنه لا أحد يرى عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه.
    كان الفضل بن العباس يناوله الماء وجبرائيل يعاونه، وعلي يغسله، فلما أن فرغ من غسله وكفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفن النبي (صلّى الله عليه وآله) في بقيع المصلى، وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج علي إلى الناس فقال: يا أيها الناس: أما تعلمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً؟ وهل تعلمون أنه (صلّى الله عليه وآله) لعن من جعل القبور مصلى؟ ولعن من يجعل مع الله إلهاً؟ ولعن من كسر رباعيته وشق لثته؟ فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت.
    فقال: إني أدفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في البقعة التي قبض فيها.
    ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون.
    لما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل الرسول (صلّى الله عليه وآله) استدعى الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله فغسله بعد أن عصب عينيه، ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ إلى سرته وتولى (عليه السلام) غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده، ولم يشترك معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم بالصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام، وينصرفون، وإن الله تعالى لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها.
    فسلم القوم لذلك ورضوا به، ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة، وأنفذ (أرسل) إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك.
    فوجد أبو طلحه فقيل له: احفر لرسول الله.
    فحفر له لحداً، ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي إن نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال ليدخل أنس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام) انزل القبر.
    فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على يديه ودلاّه في حفرته، فلما حصل في الأرض قال له أخرج.
    فخرج ونزل علي (عليه السلام) إلى القبر، فكشف عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب.
    وكان (عليه السلام) يرثي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول:
    الموت لا والداً يبقي ولا ولـد... هذا السبيل إلى أن لا ترى أحد
    هذا النبي ولم يخلد لأمتــــــه... لـــو خلّد الله خلقاً قبله خلـــــدا
    للموت فينا سهام غير خاطئة... من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
    وكان (عليه السلام) يصلح قبر رسول الله بمسحاته، وكانت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)
    سقيفة بني ساعدة
    لمّا استشهد الرسول (ص) اجتمع بعض الأنصار في سقيفة بني ساعدة، واختاروا سعد بن عبادة الخزرجي أميرا ً وخليفة للمسلمين، فوصل الخبر إلى أبي بكر وعمر فأسرعا إلى السقيفة ومعهم أبي عبيدة بن الجرّاح، ودخلوا على الأنصار، واحتجّوا عليهم بأن الرسول منهم فهم أحقّ بمقامه، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الأ ُمراء ومنكم الوزراء، وبعد جدلٍ طويل، ضعفت جبهة الأنصار حينما ضمّ رأي البشير بن سعد واُسيد بن حضير الأنصاريين إلى جانب أبي بكر وصاحبيه، وعندما بايع بشير الأنصاري أبا بكر وبايعه عمر وأبو عبيدة، وبايع الحاضرون سوى سعد بن عبادة وقليل ممّن يرى رأيه، فتمّت البيعة لأبي بكر، والرسول (ص) بعد لم يجهّز، وكان بنو هاشم وغيرهم من المسلمين مشغولين بتجهيزه والصلاة عليه، إلى أن أخبرهم البراء بن عازب بما جرى في السقيفة، فاحتج بنو هاشم وعدد آخر من صحابة النبيّ (ص) على البيعة لأبي بكر، واستمرّ الجدل والخلاف في الرأي حول بيعة السقيفة مدّة ستّة أشهر تقريبا ً20.
    وعن موقف الإمام في ذلك العهد: فلقد أخذوا البيعة من الناس لأبي بكر، وجاؤا إلى علي (ع) ليخرجوه من البيت ليبايع لأبي بكبر فلم تأذن لهم فاطمة (ع) بالدخول في بيتها، فصدر الأمر بالهجوم فهجموا وأخذوا علياً (ع) بعد أن خلعوا عنه سلاحه وأخرجوه من البيت يريدون به المسجد، وخرجت فاطمة (ع) خلفهم وهي بأشد الأحوال، إذ إنها أجهضت جنينها فكأنها نسيت آلامها فجعلت تعدو وتصيح: خلوا عن ابن عمي؟ خلوا عن بعلي! والله لأكشفن عن رأسي ولأضعن قميص أبي على رأسي وأدعوا عليكم!!!
    ووصلت إلى باب المسجد فرأت منظراً مؤلماً لا نستطيع أن نصفه إلا إنها استطاعت أن تخلص زوجها من أيدي الناس وتحول بينهم وبين أخذ البيعة منه، ورافقت زوجها إلى البيت سالماً.
    زيارة االنبي محمد (صلوات الله وسلامه عليه واله وسلم )
    اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نَبِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خاتَمَ النَّبِيّينَ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وَاَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنَكَرِ، وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ، فَصَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ،اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَاَنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لاُِمَّتِكَ، وَجاهَدْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَعَبَدْتَ اللهَ حَتّى اَتاكَ الْيَقينُ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَاَدَّيْتَ الَّذي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ، وَاَنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِالْمُؤْمِنينَ، وَغَلُظْتَ عَلَي الْكافِرينَ، فَبَلَّغَ اللهُ بِكَ اَفْضَلَ شَرَفِ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي اِسْتَنْقَذَنا بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلالَةِ، اَللّـهُمَّ فَاجْعَلْ صَلَواتِكَ، وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ، وَاَنْبِيائِكَ الْمُرْسَلينَ، وَعِبادِكَ الصّالِحينَ، وَاَهْلِ السَّماواتِ وَالاَْرَضينَ، وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ مِنَ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُوِلِكَ وَنَبِيِّكَ وَاَمينِكَ وَنَجِيِّكَ وَحَبيبِكَ وَصَفِيِّكَ وَخاصَّتِكَ وَ صَفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، اَللّـهُمَّ اَعْطِهِ الدَّرَجَةَ الرَّفيعَةَ، وَآتِهِ الْوَسيلَةَ مِنَ الْجَّنَةِ، وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُهُ بِهِ الاَْوَّلُونَ وَالاْخِرُونَ، اَللّـهُمَّ اِنَّكَ قُلْتَ: (وَلَوْ اَنَّهُمْ اِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً) وَاِنّي اَتَيْتُكَ مُسْتَغْفِرًا تائِباً مِنْ ذُنُوبي، وَاِنّي اَتَوَجَّهُ بِكَ اِلَي اللهِ رَبّي وَرَبِّكَ لِيَغْفِرَ لي ذُنُوبي ..


    المصادر

    -------------------------------------------------------------------------------------------------
    1. السيرة النبوية لابن كثير الدمشقي ج 4ص 449 .
    2. مستدرك الحاكم ج 3 ص 60
    3. الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 249 و عيون الأثر لابن سيد الناس ج 2 ص 281
    4. الطبقات الكبرى ج 2 ص 236
    5. تاريخ الطبري ج 2 ص 438 + صحيح البخاري و كذلك في صحيح مسلم
    6. تاريخ الطبري ج 2 ص 438
    7. صحيح البخاري ج 7 ص 17 وصحيح مسلم ج 7 ص 24 و ص 198 .
    8. الطب النبوي لابن القيم الجوزي ج 1 ص 66 .
    9. الطبقات لابن سعد ج 2 ص 203 .
    10. سيرة ابن كثير ج2 ص 32
    11. المحلى لابن حزم الأندلسي ج 11 ص 225ومنتخب التواريخ ص 63
    12. مسند أحمد ج 6 / 300 أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 / 138 - 139 وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ، واعترف بصحته الذهبي في تلخيص المستدرك ، وأخرجه ابن عساكر في بابه أنه كان أقرب الناس عهدا برسول الله ( ص ) من ترجمة الإمام علي ج 3 / 16 - 17 بطرق متعددة ، ومجمع الزوائد لابي بكر الهيثمي 9 / 112 ط . دار الكتاب بيروت ، وكنز العمال ج 15 / 128 ط . الثانية بحيدرآباد ، كتاب الفضائل ، باب فضائل علي بن أبي طالب ، وتذكرة خواص الأمة لابن الجوزي باب حديث النجوى ، والوصية عن كتاب الفضائل لاحمد بن حنبل وخصائص النسائي .
    13. تاريخ ابن كثير ج 7 / 359
    14. طبقات ابن سعد وكنز العمال ج 2 / 262 - 263 .
    15. مسند أحمد 2: 300؛ كفاية الطالب 133 .
    16. ص393 ج 6 في الكنز، وفي هامش ص45 ج 5 من مسند أحمد .
    17. البينة | 7
    18. البينة 6
    19. ال عمران |144 .
    20. تاريخ اليعقوبي 2: 123؛ الإمامة والسياسة 1: 6 وما بعدها، وغيرهما.

  • 1

     

    1ـ الحالة الدينية في الجزيرة العربية :

    إلى جانب عبادة الأصنام والأوثان، ظهرت جماعة من العرب، أنكروا عقائدها الباطلة، واستاءوا من دينها، كما كان اليهود يتوعّدون أهل الأصنام بالنبي قائلين: ليخرجن نبي فليكسّرن أصنامكم. وجاء أيضاً أنّ الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى والكهّان من العرب، قد تحدّثوا بأمر رسول اللّه قبل مبعثه. وظهر كذلك من انتقد عبادتهم من فئة العقلاء وأصحاب الفكر الثاقب، فكان ذلك بمثابة جرس إنذار باقتراب سقوط دولة الوثنيّين وانقراضها واشتهر من هؤلاء بين العرب أربعة:

    1. ورقة بن نوفل، الذي اختار النصرانية.
    2.عبيد اللّه بن جحش، الذي أسلم عند ظهور الاِسلام.
    3.عثمان بن الحويرث، الذي تنصّر عند ملك الروم.
    4.زيد بن عمرو بن نفيل، الذي قال: أعبد رب إبراهيم.(1)

    2. مكانة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند قريش

    حينما كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عمر 35 عاماً واجه اختلافاً كبيراً بين قريش، تمكن بحكمته من إزالة ذلك التخاصم،ممّا كشف عن مدى الاحترام الذي حظا به عند قريش. فعندما هُدمت الكعبة بسبب سيل عظيم، قام القوم بإعادة بنائها، إلاّ أنّهم اختلفوا في وضع الحجر الاَسود في مكانه، فتنازع زعماء قريش فيمن يتولى وضعه،ممّا أخّر عملية البناء مدة خمسة أيّام، وكادت أن تنشب فيما بينهم بسببه حرب دامية، وربما طويلة،حتى قام فيهم شيخ منهم وقال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوّل من يدخُل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه. فقَبِلُوا رأيه فكان أوّلَ داخل عليهم محمّد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: هذا محمّد الأمين، رضينا، هذا محمّد. فقال ص: هلمَّ إليَّ ثوباً فأخذ الحجر ووضعه فيه و قال: لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثوب ثمّ ارفعوه جميعاً. ثمّ وضعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيده في مكانه.(2)

    3. إيمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و آبائه وكفلاؤه قبل الإسلام :

    تدلّ الدلائل التاريخية والعقلية والمنطقية، على أنّ النبي الاَكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يعبد غيرَ اللّه منذُ ولد حتى رحل إلى ربّه، وكذلك ما كان عليه آباؤه وكفلاؤه.

    فجدّه عبد المطلب، طلب من اللّه وهو في الكعبة أن يرد هجوم أبرهة ويهزم جيشه، فقد كان الموحّد الذي لا يلتجىَ في المصائب والمكاره إلى غير كهف اللّه. كما أنّه كان يستسقي بالتوسّل إلى اللّه تعالى. وقد اعترف الموَرّخون بذلك، فقد ذكر اليعقوبي: (ورفض عبد المطلب عبادة الاَوثان والاَصنام، ووحّد اللّه عزّ وجلّ، ووفى بالنذر، وسنّ سنناً نزل القرآن بأكثرها، وجاءت السنّة الشريفة من رسول اللّه بها، وهي الوفاء بالنذر، ومائة من الإبل في الدية، وألا تنكح ذاتُ محرم، ولا توَتى البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق،والنهي عن قتل الموَودة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا والحدّ عليه، والقرعة، وألاّ يطوف أحد بالبيت عرياناً،وتكريم الضيف،وألا ينفقوا إذا حجّوا إلاّ من طيب أموالهم،وتعظيم الأشهر الحرم، ونفي ذات الرايات).(3)

    كل ذلك يؤكد تماماً توحيده وإيمانه باللّه واعترافه برسالة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .

    وكذلك كان عمّه أبو طالب، فله مواقف كثيرة بارزة قبل البعثة، تكشف عن عمق إيمانه وتوحيده، فقد اعتبر حامي الدين والمدافع عن المسلمين، آمن بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واعتبره في قمة الكمال الإنساني، بالإضافة إلى أنّه أحلّه من قلبه محلَ الابن والأخ، فكان يصحبه معه إلى المصلّى، ويستسقي به، حيث كانت دعوته تُستجاب دون تأخير، كما اصطحبه معه في سفره إلى الشام، كما أنّ دفاعه عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن مادياً، فلم يقصد من وراء ذلك كسباً مادياً من مال وثروة، كما لم يهدف للحصول على جاه ومقام وإحراز مكانة اجتماعية مرموقة، لاَنّه كان يمتلك في المجتمع أعلى المناصب، فقد كان رئيساً لمكّة المكرّمة، بل إنّه فقد منصبه ومكانته بسبب موقفه الموالي للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعدم الاستجابة لقومه في تسليمه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم، ممّا استوجب سخط الزعماء عليه واستياءهم منه، وإظهار العداء له ولبني هاشم عامة.

    فالقول بأنّ تضحية أبي طالب في سبيل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنفس والنفيس كان بدافع علاقة القربى والعصبية القبلية، تصوّر باطل، إذ أنّذلك كان بدافع اعتقاده الراسخ برسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي اعتبره مظهراً كاملاً للفضيلة والإنسانية، وأنّ دينه أفضل برنامج للسعادة. ولما كان يحب الحقيقة والكمال والحقّ، فقد كان من الطبيعي أن يدافع عن تلك الفضائل وينصرها بكلّ جهوده وقواه.(4)

    كما أنّ هناك مواقف محددة تؤكد المعنى السابق:

    فقد أصدر تهديداً بمحاربة رجال قريش بالسلاح، إذا أقدموا على أي سوء نحو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد حافظ على حياته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لفترة 42 عاماً، ودافع عنه، وخاصةً في سنوات البعثة العشرة، فهو قد تولى مهمة كفالته والدفاع عنه والمحافظة على حياته بصدق وإخلاص، بالنفس والمال، وإيثاره على نفسه وأولاده والإنفاق عليه من ماله، منذ صِغَره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحتى الخمسين من عمره. ولذا كان لفقده أكبرُ الأثر على سير الدعوة الإسلامية.

    وهو ما دفع ابن أبي الحديد المعتزلي أن ينشد بيتين يوضح تضحيته هو وابنه علي (عليه السلام) :

    و لـولا أبـو طـالب وابنــُه لما مثلُ الدّين شخصاً وقاما = فـذاك بمكـة آوى وحامـى وهذا بيثرب جسّ الحِمامـا(5)

    ويمكن التعرّف على إيمانه و إخلاصه عن طريق أشعاره وخدماته القيّمة في السنوات العشر الأخيرة من عمره، فمن قصائده المطولة نختار البيتين التاليين:

    ليعلم خيارُ النـاس أنّ محمـّداً نبيُّ كموسى والمسيحِ بن مريم = أتـى بهـدى مثلمـا أتيــا بــه فكلّ بأمر اللّه يهدي ويعصم(6)

    لقد كان إيمانه قوياً لدرجة أنّه رضى بأن يتعرض كل أبنائه لخطر القتل والاغتيال ليبقى محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دون أن يمسّه أعداؤه بأيّ سوء. كما أنّه أوصى أولاده عند وفاته قائلاً: أُوصيكم بمحمّد خيراً فإنّه الاَمين في قريش، وهو الجامع لكلّما أوصيكم به. كونوا له ولاةً، ولحزبه حماةً، واللّه لا يسلك أحد منكم سبيله إلاّ رَشَد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلاّ سعد.(7)

    وبينما كفّره البعض من علماء السنة، إلاّ أنّ منهم من حكموا بإسلامه وبإيمانه، مثل: (زيني دحلان) مفتي مكة (المتوفّى 1304هـ)، وقد تمادى بعض منهم في توسيع دائرة الكفر فشملت آباء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، و كان ذلك من آثار الحكومات الأموية والعباسية التي عملت بكلّ جهدها لتأكيد كفر أبي طالب والإعلام ضدّ إيمانه، لأنه كان والد الإمام علي (عليه السلام) الذي اجتهدت الأجهزة الإعلامية لتلك الحكومات في الحط من شأنه دوماً، وخاصةً إنّ إسلامه مع أبيه كان يعد فضيلة بارزة من فضائله.

    أمّا علماء الشيعة الإمامية والزيدية فقد اتّفقوا على أنّه كان من أبرز المؤمنين برسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يخرج من الدنيا إلاّ بقلب يفيض إيماناً بالإسلام وإخلاصاً للّه تعالى وحباً للمسلمين.(8)

    وأمّا أقاربه وما قدّموه من أفعال وأقوال تؤكد موقفه الاِيجابي، فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دفنه بنفسه. كما أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أجاب عندما سئل عن إيمانه قال: ( واعجباً، إنّ اللّه تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافرٍ، وقد كانت (فاطمة بنت أسد) من السابقات إلى الإسلام لم تزل تحت أبي طالب حتى مات).

    وقال (عليه السلام) : (ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان يأمر أن يحجّ عن عبد اللّه وأبيه).

    وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : (إنّ مَثَل أبي طالب مَثَل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين،وكذلك أبو طالب).(9)

    ومن المعروف، أنّه للتعرف على عقيدة فردٍ ونمط تفكيره،ينبغي الاعتماد على:
    ـ دراسة آثاره العلمية والأدبية وما تركه من أقوال وكلمات.
    ـ و أسلوب عمله وتصرفاته في المجتمع.
    ـ و آراء أقربائه ومعارفه حوله.

    وكلّ تلك الجوانب أكدت إسلام أبي طالب، حامي الرسول العظيم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فتسقط كلّ الأقاويل والأحاديث التي بثّها أعداؤه للحط من شأنه وإلصاق الكفر به.

    وكذلك كان أبو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عبد اللّه، فقد ذكر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّه انتقل في الأرحام المطهّرة ممّا يؤَكّد طهارة آبائه وأُمّهاته من كلّ دنس وشرك.

    وقد أشار الشيخ المفيد إلى أنّ الأمامية تتفق على أنّ آباء رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من لدن آدم إلى عبد اللّه بن عبد المطلب كانوا موَمنين باللّه وموحّدين إيّاه، واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار.

    النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل البعثة :

    تدلّ الشواهد التاريخية بالإضافة إلى البراهين العقلية، على أنّه ص كان مؤمناً باللّه وموحّداً إيّاه قبل البعثة، فلم يعبد وثناً قط، ولم يسجد لصنم أبداً. وقد أجمع المؤرّخون على أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يخلو بحراء أشهراً كلّ عام يعبد اللّه تعالى فيه، فقد ذكر الإمام علي (عليه السلام) : (ولقد كان يجاور في كلّسنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري).(10)

    حتى وافاه جبرائيل (عليه السلام) بالرسالة في هذا المكان وفي تلك الحال، وقد صرح بهذا أيضاً أصحاب الصحاح الستة، وجاء في الأخبار أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجّ قبل البعثة عدّة حجّات، وكان يأتي بمناسكها على وجه صحيح بعيداً عن أعين قريش، فقال الإمام الصادق (عليه السلام) : (حجّ رسول اللّه عشر حجّات مستتراً في كلّه).(11)

    وكلّ تلك الوقائع أصدق دليل على إيمانه وتوحيده، وهو النبي الخاتم والأفضل من جميع الأنبياء والمرسلين بنصّ القرآن الكريم. وجاء عن (العلاّمة المجلسي)، أنّه قد وردت أخبار كثيرة أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يطوف ويعبد اللّه في حراء، ويرعى الآداب المنقولة من التسمية والتحميد عند الأكل وغيره،فكيف يمكن للّه تعالى أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة (12)
    نبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مؤمناً موحّداً عابداً للّه ساجداً قائماً بالفرائض العقلية والشرعية، مجتنباً عن المحرمات، عالماً بالكتاب ومؤمناً به إجمالاً،وراجياً لنزوله إليه، إلى أن بعثه اللّه لإنقاذ البشرية عن الجهل وسوقها إلى الكمال.

    فكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أفضل الخلق وأكملهم خلقاً وخُلقاً وعقلاً، وأنّه كان يعمل حسب ما يُلهَم سواء كان مطابقاً لشرع ماقبله أم مخالفاً، وأنّ هاديه وقائده، منذ صباه إلى أن بُعِث هو نفس هاديه بعد البعثة.(14)

    4. الوحي في غار حراء :

    ويقع جبل حراء في شمال مكّة، ويستغرق الصعود إليه مدّة نصف ساعة، ويتكوّن من قطع صخرية لا أثر للحياة فيها. أمّا الغار فيقع في شمال الجبل، وهو يحكي ذكريات رجل طالما تردّد عليه وقضى الساعات والأيام والأشهر في رحابه، يتعبد اللّه ويتأمّل في الكون وفي آثار قدرة اللّه وعظمته. إذ أنّ النبي ص كان يفكّر في أمرين، قبل أن يبلغ مقام النبوة:

    1. ملكوت السماوات والأرض، فيرى في ملامح كلّ من الكائنات نور الخالق العظيم وقدرته وعظمته، فتفتح عليه نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور الإلهي المقدّس.
    2.المسئولية الثقيلة التي ستوضع على كاهله، فكان يفكر في فساد حياة المجتمع المكي، وكيفية رفع كلّ ذلك وإصلاحه.

    وأمّا الرسالة الإلهية إليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد أمر اللّه تعالى جبرائيل (عليه السلام) بأن ينزل على أمين قريش في الغار ويتلو على مسامعه بضع آيات كبداية لكتاب الهداية والسعادة، معلناً بذلك تتويجه بالنبوة ونصبه لمقام الرسالة، وطلب منه أن يقرأ، أو قال: يا محمّد اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال يا محمّد( اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذي خَلَق * خَلَقَ الاِِنْسانَ مِنْ عَلَق * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكرم * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَم * عَلَّمَ الإنسان ما لَمْ يَعْلَم) (15) ثمّ أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ ما أمره به ثمّ صعد إلى العلوّ ونزل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الجبل، وقد غشيه من تعظيم جلال اللّه وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمى والنافض.

    وقد أوضحت هذه الآيات برنامج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبيّنت بشكل واضح أنّ أساس الدين يقوم على القراءة والكتابة والعلم والمعرفة باستخدام القلم. ثمّ خاطبه الملك: (يا محمّد، أنت رسول اللّه، وأنا جبرائيل).

    و قد اضطرب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهذين الحدثين، لعظمة المسؤولية التي أُلقيت على كاهله، فترك غار حراء متوجّهاً إلى بيت السيدة خديجة(عليها السلام) ، التي لاحظت الاضطراب و التعب على ملامحه فسألت عنه، فأجابها وحدّثها بكلّ ما سمع وجرى، فعظمت خديجة(عليها السلام) أمره ودعت له وقالت: (أبشر، فواللّه لا يخزيك اللّه أبد). ثم دثرته فنام بعض الشيء. ثمّ انطلقت إلى بيت ورقة تخبره بما سمعته من زوجها الكريم، فأجابها: إنّ ابن عمّك لصادق وإنّ هذا لبدء النبوة، وإنّه ليأتيه الناموس الأكبر ـ أي الرسالة والنبوة ـ .(16)

    وقد اختلقت قصص كثيرة عن تخوّف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واضطرابه ممّا حدث له في الغار، ودسّت تلك الروايات في التاريخ والتفسير عن قصد وهدف أو دخلت فيها عن غير ذلك. فالنبي الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانت روحه مهيّأة من جميع الجهات وبصورة كاملة لتلقّي السرّ الاِلهي ـ النبوة ـ وما لم تكن نفسيته كذلك، فإنّ اللّه تعالى لم يكن ليمن عليه بمنصب النبوة ويختاره لمقام الرسالة، لاَنّ الهدف الجوهري من انبعاث الرسل و الأنبياء هو هداية الناس وإرشادهم. وتدل تلك القصص على أنّ ثمة يداً إسرائيلية وراءها فصاغتها، ولهذا فإنّ أئمّة الشيعة حاربوا هذه الأساطير بكل قوّة وأبطلوها برمّتها. فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : (إنّ اللّه إذا اتّخذ عبداً رسولاً، أنزل عليه السكينة والوقار، فكان يأتيه من قِبَل اللّه عزّ وجلّ مثل الذي يراه بعينه).(17)

    وفسر العلاّمة الكبير الطبرسي ذلك، بأنّ اللّه لا يوحي إلى رسوله إلاّ بالبراهين النيّرة والآيات البيّنة الدالة على أنّ ما يوحى إليه إنّما هو من اللّه تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزع ولا يفرق.(18)

    أمّا بالنسبة إلى يوم مبعثه، فإنّ هناك اختلافاً فيه مثلما اختلف في يوم ولادته، فاتّفق علماء الشيعة على أنّه بُعث بالرسالة يوم 27 من شهر رجب، وأنّ نزول الوحي بدأ من هذا اليوم، بينما اشتهر عند السنّة أنّه حدث في شهر رمضان. فهناك فرق في نزول القرآن جميعه على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونزول الآيات الأولى عليه يوم المبعث. فالآيات التي تصرح بنزول القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر المباركة، لا تدل على أنّ يوم المبعث ـ الذي نزلت فيه بضع آيات ـ، كان ذلك في الشهر نفسه، لاَنّ الآيات المذكورة الدالّة على أنّ القرآن نزل في شهر رمضان تدل على أنّ مجموع القرآن لا بعضه قد نزل في ذلك الشهر، في حين أنّه لم ينزل في يوم المبعث سوى آيات معدودة. كما أنّ تفسيراً آخر يوَكّد أنّ للقرآن الكريم وجوداً جمعياً علمياً واقعياً،وهو الذي نزل على الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرةً واحدةً في شهر رمضان، وآخر وجوداً تدريجياً كان بدء نزوله على النبي ص في يوم المبعث،واستمر نزوله إلى آخر حياته الشريفة على نحو التدريج. وهو ما قدّمه العلاّمة الطباطبائي من تفسير(19). كما أنّ ثمة قولاً آخر ذهب إلى أنّ ابتعاث الرسول بالرسالة في شهر رجب، لا يلازم نزول القرآن في ذلك الشهر حتماً.(20)

    وأبرز ما في هذا الموضوع، أنّ الرسالة المحمّدية المباركة، بشّر بها جميع الأنبياء المتقدّمين زمنياً على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأشار القرآن إلى ذلك في آيات كثيرة.

    والأمر الهامّ الآخر، إنّه كان خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده و لا رسالة، حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (أرسلت إلى الناس كافةً،وبي خُتِم النبيّون).(21)

    5 ـ أوائل الموَمنين بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والدين الإسلامي :

    بدأ انتشار الإسلام تدريجياً، وكان هناك سابقون كما كان هناك لاحقون،وعُدَّ السبق إلى الإيمان برسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في صدر الإسلام،معياراً للفضل، ولذا كان لابدّ من التعرف على هؤلاء السابقين. ومن المسلّمات، أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) كانت أوّل امرأة آمنت به فلم
    يختلف في هذا أحد. وخاصّة أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أكّد بنفسه ذلك في قوله: (آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس).(22) فهي أوّل من التقته بعد نزول الوحي عليه في الغار، فآمنت به وصدقته.

    كما أنّعلي بن أبي طالب (عليه السلام) كان أوّل من آمن به من الرجال، حيث اتّفق العلماء كلّهم على ذلك، إذ أنّ الإمام (عليه السلام) كان قد عاش في كنف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى بعثه اللّه تعالى نبياً فاتّبعه وآمن به وصدّقه.(23) فكان ممّا أنعم اللّه به على الاِمام (عليه السلام) أنّه كان في حجر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل الإسلام وهو دون الثامنة. فحينما أجدبت مكة وضواحيها وأصاب الناس أزمة شديدة، وكان أبو طالب كثير العيال، رأى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يخفّف عنه، فطلب من عمّه العباس أن يأخذ منه بعض عياله، فكفل العباس جعفراً، وكفل رسول اللّه علياً، وقيل أنّ حمزة أخذ جعفراً، والعباسُ طالباً، وأبو طالب عقيلاً، وقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :(اخترت من اختار اللّه لي عليكم، علي) . (24)

    ويظهر أنّ الهدف من ذلك كان هو أن يتربّى علي (عليه السلام) في حجر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويتغذّى من مكارم أخلاقه ويتبعه في كريم أفعاله.

    ويؤكد الإمام (عليه السلام) موقفه بقوله: (اللّهمّ إنّي أوّل من أناب وسمع وأجاب، ولم يسبقني إلاّ رسول اللّه بالصلاة).(25)
    كما جاء عن (عفيف الكندي) إنّه شاهد النبي صو زوجته و عليّاً (عليه السلام) يوَدّون الصلاة أمام الكعبة.(26)
    وجاء في خطبة له (عليه السلام) قوله: (أنا الصديق الاَكبر، لقد صليت مع رسول اللّه قبل الناس سبع سنين، وأنا أوّل من صلّى معه).(27)
    كما أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أكّد ذلك أيضاً في أحاديثه المتكررة: (أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب).(28)
    ومن أقوال الإمام علي (عليه السلام) في ذلك، يذكر حكيم مولى زاذان،إنّه قال، سمعت علياً يقول: (صلّيت قبل الناس سبع سنين، وكنّا نسجد ولا نركع،وأوّل صلاة ركعنا فيها صلاة العصر). (29)
    و قال أيضاً: (بُعث رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الاِثنين وأسلمت يوم الثلاثاء).(30)
    و قد أكّد هذا الموقف أكثر من ستين صحابياً وتابعياً أيّدوا القول الذي يذكر أنّ الإمام علياً (عليه السلام) كان أوّل القوم إسلاماً.
    و أشهر هؤلاء:
    ـ أنس بن مالك : بُعث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الاِثنين وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء.
    ـ بريدة الاَسلمي: ذكر نفس القول.
    ـ زيد بن أرقم: أوّل من أسلم مع رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علي بن أبي طالب، وأوّل من صلّى مع الرسول صعليّ، وأوّل من آمن باللّه بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّ (عليه السلام) .
    ـ عبد اللّه بن عباس: أوّل من صلّى عليّ.

    لعليّ أربع خصال ليست لأحد هو أوّلُ عربيّ وأعجميّ صلّى مع رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، كان عليّ أوّل من آمن من الناس بعد خديجة (عليه السلام) .

    ـ سلمان الفارسي: أوّل هذه الاَُمّة وروداً على نبيّها الحوض أوّلها إسلاماً، علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
    ـ أبو رافع: مكث عليّ يصلّي متخفياً سبع سنين وأشهراً قبل أن يصلّي أحد.

    ـ كما نقل نفس الأقوال والأعمال التي قام بها الإمام (عليه السلام) كلّمن:

    أبو ذر الغفاري، خباب بن الاَرت، المقداد بن عمرو الكندي، جابر بن عبد اللّه الأنصاري، أبو سعيد الخدري، حذيفة بن اليمان، عمر بن الخطاب، عبد اللّه بن مسعود، أبو أيّوب الأنصاري، هاشم بن عتبة المرقال، مالك بن الحارث الاَشتر، عدي بن حاتم، محمد بن الحنفية، محمّد بن أبي بكر، عبد اللّه بن أبي سفيان، الحسن البصري، الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) .(31)

    6. دعوة الأقربين :

    استمر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدعو إلى دينه سرّاً مدّة ثلاثة أعوام، عمد فيها إلى بناء الكوادر وإعدادها من أفراد محدّدين، كانوا السبب في أن ينجذب إلى الدين الجديد جماعة آخرون تقبّلت دعوته.
    واشتهر من بين السابقين إلى الإيمان برسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (32)

    ـ السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام)ـ علي بن أبي طالب (عليه السلام)
    ـ زيد بن حارثة ـ الزبير بن العوام
    ـ عبد الرحمن بن عوف ـ سعد بن أبي وقاص
    ـ طلحة بن عبيد اللّه ـ أبو عبيدة الجراح
    ـ أبو سلمة ـ الأرقم بن أبي الأرقم
    ـ عثمان بن مظعون ـ قدامة بن مظعون
    ـ عبد اللّه بن مظعون ـ عبيدة بن الحارث
    ـ سعيد بن زيد ـ خباب بن الاَرت
    ـ أبو بكر بن أبي قحافة ـ عثمان بن عفان

    وكان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخرج مع بعض أتباعه إلى شعاب مكّة للصلاة فيها بعيداً عن أنظار قريش، إلاّ أنّ البعض منهم رأوهم يصلُّون، فحدث نزاعٌ قصيرٌ بين الطرفين،حين استنكروا فعلهم، وهو ما جعلَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقرر اتّخاذ بيت (الاَرقم بن أبي الاَرقم) مكاناً للعبادة(33) حيث آمن في هذا البيت عددٌ آخر من المشركين، كان أبرزهم : عمار بن ياسر، وصهيب بن سنان الرومي.

    وقد ركّز الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جهده في الدعوة السريّة، دون عجلة أو تسرّع، يعرض فيها دينه على كلّمن وجده أهلاً لتقبل المبادىَ السامية، من الناحية الفكرية، ففي خلال ثلاثة أعوام اكتفى بالاتّصال الشخصيّ بمن وَجَدَه مؤهلاً وصالحاً للدعوة ومستعداً لقبول الدين الجديد، ممّا ساعده في أن يكسب فريقاً من الاَتباع الذين اهتدوا إلى دينه بقبول دعوته.

    أمّا زعماء قريش فإنّهم لم يعتنوا بالدعوة الجديدة، كما لم يتعرضوا بأي عمل عدائي للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل ظلوا ينظرون إليه باحترام، مراعين قواعد الآداب والسلوك، في الوقت الذي لم يتعرض فيه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً لأصنامهم وآلهتهم بسوء، ولا تناولها بالنقد والاعتراض بصورة علنية، وذلك أنّ زعماء قريش كانوا متأكدين من أنّ دعوته ستنتهي في العاجل بقولهم: إنّها أيّام وتنطفئ بعدها شعلة الدعوة هذه فوراً، كما انطفأت من قبل دعوة (ورقة وأُميّة) اللّذين دعيا إلى نبذ الوثنية واعتناق المسيحية،ثمّ نسي الأمر.

    وقد جمع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في السنوات الثلاث الأولى، أربعين شخصاً، لم يكن فيهم كفاية لاَن يصبحوا قوة دفاعية لحماية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورسالته، ممّا جعله يسعى إلى دعوة أقربائه، فكسر بذلك جدار الصمت،بالشروع في دعوة الأقربين ثمّ الناس أجمعين،فالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يوَمن ويعتقد أنّ أي إصلاح وتغيير لابدّ أن يبدأ من إصلاح الداخل وتغييره،ومن هنا أمره اللّه تعالى بأن يدعو عشيرته الاَقربين، الذين تمنّى أن يكوّنَ منهم سياجاً قوياً يحفظه ويحفظ رسالته من الأخطار المحتَملة: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاََقْرَبين) (34) كما خاطبه بصدد دعوة الناس عامة  ( فَاصْدَعْ بِما تُوَْمَرُ وَأَعْرِضْعَنِ الْمُشْرِكينَ* إِنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزئِين) .(35)
    وقد اتّخذ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُسلوباً مميزاً في دعوة أقربائه، إذ أنّه أعدّ لهم مائدةً كبرى، لـ45 فرداً من سراة بني هاشم ووجهائهم،ليكشف لهم أمر رسالته خلال تلك الضيافة، إلاّ أنّ الجو لم يناسب الحدث، فانفضّ المجلس دون تحقيق الغرض، ممّا اضطرّه إلى إعادتها في اليوم التالي. فقام النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد تناول الطعام، خطيباً فيهم وقال: (إنّ الرائد لا يكذب أهله، واللّه الذي لا إله إلاّ هو، إنّي رسول اللّه إليكم خاصةً وإلى الناس عامةً، واللّه لتموتنّ كما تنامون، ولتبعَثُنّ كما تستيقظون،ولتحاسبنّ بما تعملون، وإنّها الجنة أبداً والنار أبداً. يا بني عبد المطلب، إنّي واللّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه عزّ وجلّ أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤمن بي ويوَازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟) فقام علي (عليه السلام) وهو في الثالثة عشرة أو الخامسة عشرة من عمره قائلاً: (أنا يا رسول اللّه أكونُ وزيرُك على ما بعثك اللّه). وبعدما تكرّر هذا الموقف ثلاث مرّات، أخذ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيد عليّ (عليه السلام) والتفت إلى القوم قائلاً: (إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ).

    فضحك الجميع مستهزئين،وقالوا لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيعه وجعله عليك أميراً.(36)

    إنّ هذا الإعلان عن وصاية الإمام علي (عليه السلام) وخلافته في مطلع عهد الرسالة وبداية أمر النبوة، يفيد أنّ هذين المنصبين ليسا منفصلين، فقد أعلنهما الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في يوم إعلانه للدعوة والنبوة، ممّا يؤكد أنّ النبوة والإمامة يشكّلان قاعدة واحدة، وإنّهما حلقتان متصلتان لا يفصل بينهما شيء، كما أنّ موقف الإمام علي (عليه السلام) يكشف عن مدى شجاعته الروحية، حينما أعلن بكلّ جرأة وشجاعة، مؤازرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حضور قوم ضمّ شيوخهم وسادتهم،معلِناً استعداده للتضحية في سبيل دينه،وهو غلام لم يتعد الخامسة عشرة.

    وقد تناول (أبو جعفر الاِسكافي) هذا الموقف موضحاً إذ كتب يقول:

    هل يكلّف عمل الطعام،ودعاء القوم، صغيرٌ غير مميّز وغيرُ عاقل؟! و هل يؤتَمن على سرّ النبوة طفل؟! و هل يُدعى في جملة الشيوخ والكهول إلاّ عاقل لبيبٌ وهل يضع رسول اللّه ص يده في يده، ويعطيه صفقة يمينه بالأخوة والوصية والخلافة، إلاّ وهو أهلٌ لذلك، بالغُ التكليف، محتمل لولاية اللّه، وعداوة أعدائه، ما بالُ هذا الطفل لم يأنس بأقرانه ولم يلصق بأشكاله، ولم يُر مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه،ولم ينزَع إليهم في ساعة من ساعاته، بل ما رأيناه إلاّ ماضياً على إسلامه، مصمّماً في أمره، محقّقاً لقوله بفعله، ولصق برسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بين جميع من حضره، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته.

    7. الدعوة العامة وتطوّر ردود أفعال قريش تجاهها

    بعد تلك السنوات الثلاث، عمد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى إعلان الدعوة جهراً، حين وقف ذات يوم على صخرة عند جبل الصفا منادياً بصوت عالٍ: (أرأيتكم إن أخبرتكم إنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدّقونني؟) قالوا: بلى. قال: (فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد).(37)فرد عليه أحدهم: تبّاً لك ألهذا دعوتنا؟ فتفرّق الناس على أثر ذلك. إلاّ أنّه بعد فترة من الدعوة العامة، تشكلت جماعة قوية متعاطفة متحابّة، من السابقين واللاحقين، أو القدامى والجدد، كانت بمثابة إنذار لأوساط الكفر والشرك والوثنية، وهم المخالفون،وقد تألّفت تلك الجماعة من قبائل مختلفة منعوا الكفّار من التعرض لهم، إذ لم يكن اتّخاذ أي قرار حاسم بحقّهم، أمراً سهلاً ومريحاً. ولذا قرر سادة قريش مواجهة قائد تلك الجماعة ومحركهم، بوسائل الترغيب والترهيب، بالإغراء والتطميع، والإيذاء والتهديد، واستمرت برامج قريش و موقفها من الدعوة بهذه الأساليب طيلة عشر سنوات هي عمر الدعوة العامة في مكة، حتى اتّخذوا قرارهم النهائي بالتخلّص منه بقتله،في الوقت الذي تمكن (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من إبطال مؤامرتهم وإفشالها بالهجرة إلى المدينة.

    وقد بدأوا التحرك في مطالبة كفيله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبي طالب بأن يبعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عنهم قائلين له: يا أبا طالب إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفَّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، وإمّا أن تُخلّي بينا و بينه. إلاّ أنّ أبا طالب رَدّهم بقولٍ جميلٍ حكيمٍ.(38)

    ولكن الدين الجديد انتشر بقوّة بين العرب، والقادمين إلى مكّة خلال الأشهر الحرم، فأدرك طغاة قريش أنّ محمّداً بدأ يفتح له مكاناً في قلوب جميع القبائل، فكثّر أنصاره منها، الأمر الذي دفعهم إلى مقابلة أبي طالب مرةً أُخرى، ليذكّروه إشارة وتصريحاً، بالأخطار التي أحدقت بهم وبعقائدهم نتيجة نفوذ الإسلام وقوّته : إنّا واللّه لا نصبرُ على هذا من شتم آبائنا وعَيب آلهتنا حتى تكفّه عنّا أو ننازله وإيّاك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين. فسكّن غضبهم وأطفأ ثائرَتهم وهدّأ خواطرهم، ليتم معالجة هذه المشكلة بطريقةٍ أفضل.

    فأتى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخبره بأمرهم، فردّ عليه بالجواب التاريخي الخالد، والذي يعتبر من أسطع وألمع السطور في حياة قائد الإسلام الأكبر محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :

    (يا عمّ، واللّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمرَ في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهِرَه اللّه، أو أهلك فيه، ما تركته). ممّا أثر في عمّه بتلك الكلمات العظيمة، فأظهر استعداده الكامل للوقوف إلى جانبه قائلاً: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببتَ ،فواللّه لا أُسْلِمَكَ لشيءٍ أَبد).

    وحاولت قريشٌ مساومة أبي طالب مرةً أُخرى، للتخلّص من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودعوته، إلاّ أنّه رفض أي نوع من المساومة في هذه القضية، محافظاً على محمّد ودينه.

    فسلكوا طريقاً آخر، ووسيلة أجدى لإثناء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن المضي في دعوته،وهي تطميعه بالمناصب والهدايا والأموال والفَتَيات الجميلات:فإن كنتَ إنّما جئتَ بهذا الحديث تطلبُ به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالاً، وإن كنتَ إنّما تطلب الشرفَ فينا فنحن نسوِّدُكَ ونشرِّفك علينا،وإن كان هذا الذي يأتيك تابعاً من الجنّ قد غلب عليك،بذلنا أموالنا في طِبّك.

    إلاّ أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعمّه: (يا عمّ أريدهم على كلمةٍ واحدة يقولُونها،تدين لهم العرب، وتوَدّي إليهم بها العجم الجزية).

    قالوا: ما هي؟ قال: (لا إله إلاّ اللّه). فقاموا فزعين قائلين: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إِنْ هذا لشيء عجابٌ) .(39)

    8. استخدام الأساليب المتعدّدة لمنع انتشار الدعوة الجديدة

    بعد استخدام أُسلوب الأخذ والردّ مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن طريق كفيله، وعدم جدواه، اضطرّت قريش إلى تغيير أُسلوبها ونهجها مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في منع انتشار دينه، مهما كلّف الثمن. فقرّروا اتخاذ سلاح السخرية والاستهزاء، والإيذاء والتهديد.

    وكان أبو طالب من جانب آخر، قد طلب من بني هاشم جميعاً القيام بحماية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فلبّوا نداءه سواء بدافع الإيمان أو الرحم، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع من إيقاع الاَذى بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما وجدوا الفرصة السانحة، وخاصةً إذا وجدوه وحيداً بعيداً عن أعين حماته.

    إنّ التاريخ يشهد بأنّ وجود رجال ذوي بأس شديد وقوة بين صفوف المسلمين، مثل (حمزة) الذي أصبح فيما بعد أحد كبار قادة الاِسلام، كان لهم أثر كبير في حفظ الإسلام وحماية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودعم جماعته.فقد جاء عنه: لما أسلم حمزة عرفت قريش أنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عزّ وامتنع، فكفّوا عمّا كانوا يتناولون منه.(40)

    أمّا أساليب قريش فتعددت في الإيذاء والإيقاع بالرسول وجماعته، فقد كمن أبو جهل للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حينما وقف للصلاة بين الركن اليماني والحجر الأسود، ليضربه بحجر، إلاّ أنّه رجع عن عزمه دون أن ينفّذ خطته، مجيباً أصحابه في ذلك: قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلمّا دنوتُ منه عرض لي دونه ما لا رأيت مثله في حياتي، فتركته.(41)

    ولا شكّ أنّ قوةً غيبيةً أدركت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تلك اللحظة وحفظته، كما وعده اللّه تعالى قائلاً: (إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئين) (42) فالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يواجهُ في كلّ يوم نوعاً خاصاً من الأذى والمضايقة من هؤلاء الأشرار، وأشهرهم: عقبة بن أبي معيط الذي شتمه وضربه، فكان أشدّ خصومه بغضاً له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . وعمّه أبو لهب الذي تعرض النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لإذاه مع زوجته أُمّ جميل، فقد كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يجاورهم فقاموا بإيذائه وإزعاجه، بإلقاء الرماد والتراب على رأسه الشريف، ونشر الشوك على طريقه أو عند باب بيته. والأسود بن عبد يغوث، أحد المستهزئين، والوليد بن المغيرة، شيخ قريش وحكيمها وأكبر الملاّك فيها، وأُمية وأُبيّ، ابنا خلف، وأبو جهل(أبو الحكم بن هشام)، و العاص بن وائل، والد عمرو بن العاص الذي وصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأبتر.

    وعندما فشلت أساليب قريش وأسلحتها الصدئة في القضاء على الدين الجديد وأهله، عمدوا إلى استخدام سلاح جديد لعلّه يكون أقوى من سوابقه، للحيلولة دون انتشار الإسلام واتساع رقعته، وقطع علاقته بالمجتمع العربي، وهو سلاح الدعاية ضدّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . و من أساليبه:

    الاتّهامات الباطلة، وقد أقرّوا استخدامها في دار الندوة، حين طرحوا فكرتها على (الوليد بن المغيرة)(43) الذي كان ذا مكانة مميزة عندهم، فقال: يا معشر قريش، إنّه قد حضر هذا الموسم وإنّ وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأياً واحداً ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً ويرد قولكم بعضه بعضاً، ورأى ألاّ يقولوا عنه كاهن أو مجنون أو ساحر. و هكذا تحيّروا في ما ينسبون إلى رسول اللّهص حتّى اتّفقوا على أن يقولوا: إنّه ساحر جاء بقول هو سحر يفرق بين المرء وأبيه وأخيه وزوجته وعشيرته، والدليل على ذلك ما أوجده من خلاف وانشقاق وتفرّق بين أهل مكّة الّذين عرفوا بالوحدة والاِتفاق.(44)

    كما أشاعوا عنه الجنون، وأنّما يقوله ويقرأه ما هو إلاّ من نسج الخيال ومن أثر الجنون الذي لا يتنافى مع الزهد والأمانة.

    وقد ردّ القرآن الكريم على جميع تلك الاتهامات في آيات كثيرة وفنّدها.

    وقد استمر أُسلوبهم في الاتهام والتشويش على شخصية النبي الاَكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والرسالة المحمدية بكلّ الصور والمظاهر، فوصفوه بالكاهن، والساحر، والمجنون، وأنّه معلّم من قبل نصراني، وكذّاب و مفتر و شاعر، وما يقوله أضغاث أحلام.

    ولما لم تأت كلّ تلك الاتهامات بالنتيجة المرجوّة، ولم تنفع في الإيقاع به، لمعرفة الناس بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصفاته وأخلاقه منذ سنين بعيدة، اتجهوا إلى أُسلوب آخر، وهو معارضة القرآن الكريم عن طريق (النضر بن الحارث) أحد أعداء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي تعلم في العراق شيئاً من أساطير الفرس وحكاياتهم، ليقصّ منها على الناس فيلهيهم عن السماع لرسول اللّه والإصغاء للقرآن الكريم. إلاّ أنّ ذلك لم يدم طويلاً، فقد سأمت قريش أحاديثه فتفرقت عنه.

    فاتجهوا إلى أُسلوب المجادلات الجاهلية والمآخذ السخيفة على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورسالته، وهي تبرز تكبّرهم وعنادهم وجهلهم التي  طبعوا عليها. ومن أمثال هذه الوسيلة الاعتراض على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للأمور التالية :

    1.عدم نزول القرآن على أحد أثريائهم.
    2.عدم إرسال الملائكة إليهم.
    3. تبديل الآلهة بإله واحد.
    4.جدّد الحياة يوم القيامة.
    5.عدم تملّكه لمعجزات متعدّدة كما كان لموسى (عليه السلام) .

    وفي الوقت نفسه قدموا مقترحات لإصلاح الوضع بينهم وبين النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثل:

    ـ أن يقوم بعبادة أصنامهم سنة، على أن يعبدوا إلهه سنة أُخرى.
    ـ تبديل القرآن على ألاّ يحتوي على شجب عبادة الأوثان.
    ـ مطالب مادية عجيبة مستحيلة ومتناقضة، كأن يفجر لهم ينابيع، أو يأتي باللّه سبحانه وتعالى.

    وعندما قدم وفدٌ مسيحيٌ تكوَّن من عشرين رجلاً من قبل أساقفة الحبشة لتقصّي الحقائق في مكة والتعرّف على الإسلام، وزيارة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مكّة، فجالسوه في المسجد وكلّموه وسألوه بعض المسائل، حتى عرض عليهم دينه وقرأ عليهم آيات من القرآن الكريم، فتأثرت نفوسهم وآمنوا به وصدّقوه.

    وكان أبو جهل قد شاهد ما حدث فوبَّخهم على موقفهم وبما عملوا دون أن يوَدّوا عملهم كوفد من بلدهم، إلاّ أنّهم لم يردوا عليه إلاّ بخير. فكان لهذا الموقف أثره السيئ في قريش دفعهم إلى تكوين وفد من (النضر بن الحارث وعقبة ابن أبي معيط) للسير إلى أحبار يهود المدينة وسؤالهم عن دين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبرهم اليهود أن يسألوه عن ثلاث، إذا عرفها فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فهو متقوّل.

    1. عن فتيه ذهبوا في الدهر الأول.
    2. عن رجل طوّاف.
    3. عن الروح، ما هي؟

    فأجابهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالآيات القرآنية، عن الروح في الآية 85 من سورة الإسراء، وأصحاب الكهف وذي القرنين في سورة الكهف.

    فالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قابل تلك الآراء الشاذة والمقترحات المؤذية بصبر عظيم وثبات هائل، حرصاً منه على إبلاغ رسالته.

    وبعد هذه الخطة الفاشلة، نفذوا خطة أُخرى وهي: منع كلّ من رغب في الإسلام وقدم إلى مكّة للتعرف على النبي والاتّصال به، وذلك بنشر الجواسيس في الطرقات للتعرض لهوَلاء ومنعهم من الوصول إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وممّن تعرضوا له في الطريق: الشاعر الأعشى، الذي قدم إلى مكّة ليهدي للرسول أبياتاً شعرية ويعلن إسلامه على يديه، فأقنعوه بالعودة إلى بلده بعد أن أخبروه أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحرم الخمر، وكان الأعشى يحب الخمر والنساء. وقد مات في نفس العام فلم يفد على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .(45) كما تعرّضوا للطفيل بن عمرو الدوسي الذي خشيت قريش أن يقوم بالاتصال بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو شاعر حكيم، صاحب نفوذ وكلمة مسموعة في قبيلته، فخوّفوه من كلام النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسحره. إلاّ أنّه عندما سمع شيئاً من أقوال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دون وعي منه، أحسن القولَ فأسلم وشهد شهادة الحقّ، ورجع إلى بلاده داعياً قومه إلى الاِسلام، إلى أن تمّ اتصاله بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بخيبر فبقي معه حتى قبض (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّّ شارك المسلمين بعد ذلك في معارك اليمامة زمن الخلفاء الراشدين، وقتل فيها.(46)

    وتطورت وسائل وأساليب قريش في التخلّص من دعوة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإيقاف زحف تلك الدعوة الإسلامية واتّساعها في مدّة غير طويلة، إلى فرض حصار اقتصادي قويّ على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمين، تُقطع به كلّ الشرايين الحيوية لهم، فتحدّ بذلك من سرعة انتشار الدين، وتخنق مؤسسه وأنصاره. ولهذا وقَّع زعماء قريش في دار الندوة ميثاقاً كتبه:(منصور بن عكرمة) و علّقوه في جوف الكعبة، وتحالفوا على الالتزام ببنوده حتى الموت، وذلك في السنة السابعة من البعثة. وقد ضم الميثاق البنود التالية:

    1. عدم التعامل التجاري مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنصاره.
    2.عدم التزاوج منهم.
    3. عدم التحدّث معهم أو تناول الطعام معهم.
    4. وأن يكونوا يداً واحداً على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنصاره.

    فما كان من (أبي طالب)إلاّ أن طلب من بني هاشم وبني المطلب، الاستعداد للدفاع عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحفاظ على حياته وسلامته، على أن يستقرّوا خارج مكّة في شعب بين جبال مكّة عُرِفَ بشعب أبي طالب، والذي شمل بعض البيوت البسيطة، كما عيَّن بعض الرجال في جوانب مختلفة ومتفرقة، لمراقبة الطرق وحراسة المكان تحسباً لأي طارئ.(47)

    ويشهد التاريخ أنّ أقوى العوامل في ثبات أقلية وصمودها في وجه الأكثرية هو: قوة الإيمان و الاعتقاد، وهذا ما تجلّى في أبي طالب و بني هاشم في هذه المأساة.

    فقد استمر الحصار ثلاثة أعوام، جاع فيها الأطفال والكبار متحمّلين قسوة الحال، فكان يعيشُ الفردُ منهم على تمرة واحدة طوال اليوم، وربما تقاسمها اثنان.

    ولمّا كان لايُسمح لهم بالخروج من الشعب إلاّ في الأشهر الحرم حيث يسود الأمن في أنحاء الجزيرة العربية، فيخرج بنو هاشم للشراء والبيع ثمّ العودة إلى الملجأ، فإنّالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يستغل هذا الموسم في نشر دينه ودعوته. إلاّ أنّ تجّار قريش كانوا يزيدون في سعر السلعة إذا أرادها مسلمٌ، على أن يقوم أبو لهب والوليد بن المغيرة بتعويض خسارة هؤلاء التجار. كما أنّهم عينوا الجواسيس على الطرق الموَدية للشعب حتى يمنعوا الاتّصال بالمسلمين. إلاّ أنّ بعضاً من أنصار النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يوصل الطعام إليهم سراً خلال الليل كما أنّ قريشاً كانوا يصادرون مال كلّمن أراد التعامل مع أصحاب الشعب، في الوقت الذي اشتدّ إيذاؤهم لمن أعلن إسلامه.

    ولكنّهم تأكدوا بعد فترة ليست قليلة بأنّ حصارهم هذا لم يأت بنتيجة مرجوة، ولم يتحقّق هدفهم منه و من غيره من الوسائل والأساليب، ففكروا في نقض الميثاق بأيّ شكل. فقد صرّح (زهير بن أبي أُميّة) في مجلس قريش في المسجد الحرام بعدما اتّفق مع عدد آخر من المعارضين لمقاطعة بني هاشم:

    يا أهل مكّة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يُباع لهم ولا يُبتاع منهم؟ واللّه لا أقعد حتى تُشَقّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.

    وقام (المطعم بن عدي) إلى الصحيفة ليشقّها، فوجد أنّ الأرضة قد أكلتها إلاّ عبارة :(باسمك اللّهم) فأسرع ( أبو طالب) إلى الشِّعب يخبر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما جرى، وانفك الحصار وعاد المحاصرون إلى منازلهم مرّة أُخرى. وكان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عَلِم بأمر تقطيع الصحيفة والأرضة التي أكلتها إلاّ اسم اللّه، فأخبر أبا طالب بذلك، الذي قام بإخبار زعماء قريش بذلك، واتّفق معهم على: إن كان حقّاً ما ذكر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاتّقوا اللّه وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم والجور وقطيعة الرحم، وإن كان باطلاً دفعته إليكم، فإن شئتم قتلتُموه وإن شئتم استحييتموه. وفقالوا : رَضينا ، وتعاقدوا على ذلك. إلاّ أنّهم نقضوا اتّفاقهم و نكثوا عهدهم لما شاهدوا وتأكدوا ما قاله النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل ازدادوا شراً وعناداً، ورجع بنو هاشم مرّة أُخرى إلى الشِّعب محاصَرين فيه فترة أُخرى، حتى نقضها (هشام بن عمرو) فانتهى الحصار الاقتصادي لبني هاشم في منتصف شهر رجب من السنة العاشرة للبعثة النبوية الشريفة.

    وإلى جانب ذلك، فإنّ أفراداً من المسلمين تعرّضوا لإيذاء قريش وتحمّلوا أشدّ أنواع العذاب، واشتهر منهم:

    1. بلال الحبشي، الذي كان غلاماً ل(أُميّة بن خلف) و هو أشدّ أعداء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فعمد إلى تعذيب هذا الغلام انتقاماً و تشفياً من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ أنّه تردد ـ أي أُميّة ـ من إلحاق الأذى به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خوفاً من عشيرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحامية له.(48)

    2. وعمار بن ياسر، الذي كان والده من السابقين إلى الإسلام، فعمد المشركون إلى إيذائهم وتعذيبهم بعد ما انضموا إلى المسلمين، فكانوا يُخرِجون (عماراً وياسر وسمية) في وقت الظهيرة ويبقونهم طويلاً تحت أشعة الشمس، حتى مات ياسر، كما طعن أبو جهل بالرمح سُميّة في قلبها فماتت، فاعتُبرا أوّل شهيدين في الإسلام.(49)

    أمّا عمّار فقد استخدم التقية للإبقاء على نفسه، حيث تظاهر بترك الدين الإسلامي حسب طلبهم، فانصرفوا عنه وتركوه. ولما ندم على فعله، طَمأنَه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له: (كيف تجد قلبك؟) قال: مطمئن بالإيمان. فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (إن عادوا فَعُدْ).

    3. (عبد اللّه بن مسعود) الذي أبدى استعداداً للقيام بتلاوة القرآن جهراً على مسامع قريش في المسجد الحرام، فقرأ (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمن الرَّحيم* الرَّحْمن* عَلَّم القُرآن) فقام إليه الجميع يضربونه في وجهه وهو يقرأ حتى أُدمي جسمه ووجهه فتركوه، وهو مسرور بما عمله في تمكين قريش من الاستماع إلى كتاب اللّه تعالى وآياته المباركة.(50)

    4.وأبو ذر، أيضاً جاهر بالدين حين كان المسلمون يدعون سراً، فقد نادى في المسجد: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله.(51) ويوَكد التاريخ أنّ نداءه هذا كان أوّل نداء تحدّى جبروت قريش وظلمها، أطلقه رجل غريب عن مكّة وأهلها. فهجم عليه جماعة من قريش وضربوه بشدّة حتى أنقذه(العباس بن عبد المطلب) من الموت. بحجّة أنّه من غفار، وتمر تجارة قريش على بلده، فخافوا على تجارتهم فأمسكوا عنه.

    ولما لم يحن الوقتُ بعد للدخول في مواجهات ساخنة مع المشركين، فإنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمره بأن يلحق بقومه يدعوهم للإسلام:(إلحق
    بقومك فإذا بلغك ظهوري فأتني).

    وقد تمكن من التأثير في قومه، فأسلم أبواه، ونصف رجال قبيلته ـ غفار ـ ثمّ أسلم ا لباقي بعد هجرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة، ثمّ تبعتها قبيلة (أسلم) التي وفدت على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واعتنقوا الإسلام.

    وقد التحق (أبو ذر) بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المدينة وأقام بها (52) و هو أوّل المجاهرين بالإسلام، ورابع أو خامس من أسلم، فكان من

    السابقين والأوّلين، الذين لهم مكانة عظيمة عند اللّه تعالى ومقاماً لا يضاهى.

    اقتباس وتنسيق شبكة الحسنين (عليهما السلام) للتراث الإسلامي . المصدر : كتاب  السيرة المحمّدية ، دراسة تحليليَّة للسيرة المحمّدية على ضوء الكتاب والسُّنّة والتاريخ الصحيح ،  الأستاذ المحقّق الشيخ جعفر السبحاني ، إعداد واقتباس: تعريب الدكتور يوسف جعفر سعادة ـ الشيخ جعفر الهادي ، الصفحات 49 ـ 80 .
    ---------------------------------------------------------------------------------
    1 ـ السيرة النبوية:1/225.
    2 ـ السيرة النبوية:1/192؛ فروع الكافي:4/217.
    3 ـ تاريخ اليعقوبي:2/9.
    4 ـ  وقد أشار إلى كلّ ذلك في قصائده وأشعاره. ونقل ابن هشام في سيرته:1/352 ، 15 بيتاً من قصيدته.
    5 ـ شرح نهج البلاغة:14/84.
    6 ـ مجمع البيان:7/37؛ الحجة:57؛مستدرك الحاكم:3/623.
    7 ـ السيرة الحلبية: 1/35.
    8 ـ يوضح هذا الجانب جيداً صاحب موسوعة الغدير، العلاّمة الاَميني.
    9 ـ أُصول الكافي:1/448.
    10 ـ نهج البلاغة: الخطبة 192.
    11 ـ وسائل الشيعة:8/88.
    12 ـ بحار الاَنوار:18/280.
    14 ـ للتوسع في ذلك يراجع مفاهيم القرآن للموَلف:5/135.
    15 ـ العلق:1ـ5.
    16 ـ طبقات ابن سعد:1/195.
    17 ـ بحار الاَنوار:18/262؛ الكافي:1/271.
    18 ـ مجمع البيان:10/384.
    19 ـ تفسير الميزان: 2/14.
    20 ـ للمزيد من التوضيح و التوسع راجع البحار:18/184، 253؛ الكافي:2/460.
    21 ـ طبقات ابن سعد:1/128.
    22 ـ صحيح مسلم:7/134؛صحيح البخاري: 5/39؛ أُسد الغابة:5/428؛ البحار:16/8.
    23 ـ السيرة النبوية: 1/246؛ البداية والنهاية: 2/25.
    24 ـ  مقاتل الطالبيين: 26؛ الكامل:1/37؛ السيرة النبوية :1/245.
    25 ـ نهج البلاغة:2/182.
    26 ـ الاِصابة:2/480.
    27 ـ خصائص النسائي: 3؛ سنن ابن ماجة:1/57؛ مستدرك الحاكم:1/112.
    28 ـ الغدير:3/220.
    29 ـ شرح نهج البلاغة :3/258.
    30 ـ مجمع الزوائد: 9/102.
    31 ـ الصواعق المحرقة: 72؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي : 112.
    32 ـ السيرة النبوية:1/245.
    33 ـ وكان البيت عند جبل الصفا عرف إلى فترة بدار الخيزران. أُسد الغابة:4/44؛ السيرة الحلبية:1/283.
    34 ـ الشعراء:214.
    35 ـ الحجر:94ـ95.
    36 ـ هذا ملخّص لتفصيل ما رواه أكثر المفسرين والموَرّخين دون أن يشكّك في صحته أحد، إلاّ ابن تيمية الذي اتخذ موقفاً فريداً من أهل البيت (عليهم السلام) راجع تاريخ الطبري:2/62؛ الكامل:2/40؛ مسند أحمد:1/11؛شرح نهج البلاغة:13/210.
    37 ـ السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية:1/194.
    38 ـ السيرة النبوية: 1/264.
    39 ـ السيرة الحلبية:1/303؛ تاريخ الطبري:2/65.
    40 ـ الكامل: 2/56.
    41 ـ السيرة النبوية:1/298.
    42 ـ الحجر:95.
    43 ـ أبو خالد بن الوليد.
    44 ـ السيرة النبوية:1/270.
    45 السيرة النبوية:1/386.
    46 ـ السيرة النبوية:1/382.
    47 ـ السيرة النبوية:1/350؛ تاريخ الطبري:2/78.
    48 ـ قتله بلال بالاِضافة إلى ابنه بعد أن أُسر في معركة بدر.
    49 ـ بحار الاَنوار:18/241؛ السيرة الحلبية:1/300.
    50 ـ السيرة النبوية:1/314.
    51 ـ حلية الاَولياء: 1/158، طبقات ابن سعد:4/225؛ الاستيعاب:4/63.
    52 ـ  الدرجات الرفيعة:225ـ 230.
    الشيخ جعفر السبحاني

  • 1

    اضغط على الصورة لمشاهدة الصورة بحجمها الاصلي

    عن جابر بن عبد اللّه:

    أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أقام أيّاما لم يطعم طعاما حتّى شقّ ذلك عليه، و طاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة شيئا، فأتى فاطمة عليها السّلام فقال: «يا بنية! هل عندك شيء آكله فاني جائع؟
    فقالت: لا، و اللّه، بأبي أنت و أمي» .

    فلما خرج من عندها بعثت إليها جاريتها برغيفين و قطعة لحم، فأخذته منها و وضعته في جفنة لها و غطت عليها، و قالت: «لاوثرن بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على نفسي و من عندي» .

    و كانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام، و بعثت حسنا و حسينا عليهما السّلام إلى رسول اللّه فرجع إليها فقالت: «بأبي أنت و أمي، قد آتانا اللّه بشيء فخبأته، قال: هلمي» .

    فأتته فكشفت عن الجفنة، فإذا هي مملوءة خبزا و لحما، فلمّا نظرت إليه بهتت فعرفت أنّها كرامة من اللّه تعالى، فحمدت اللّه تعالى و صلّت على نبيّه،
    فقال صلّى اللّه عليه و آله «أنّى لك هذا بنية؟
    قالت: هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب،
    فقال: الحمد للّه الّذي جعلك شبيهة بسيدة نساء العالمين في نساء بني إسرائيل في وقتهم، فإنّها كانت إذا رزقها اللّه تعالى فسئلت، قالت: هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب» .

    فبعث رسول اللّه اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى عليّ فأكل رسول اللّه هو؛ و عليّ؛ و فاطمة؛ و الحسن؛ و الحسين؛ و جميع نساء النبيّ؛ و أهل بيته جميعا؛ و شبعوا و بقيت الجفنة كما هي،
    قالت فاطمة عليها السّلام: «فأوسعت منها على جميع جيراني فجعل اللّه فيها البركة و الخير، كما فعل اللّه عزّ و جل لمريم عليها السّلام» .

    و سمعت-هذا الحديث، عن الشيخ الإمام عبد الحميد البرايقني- مختصرا-برواية جابر بن عبد اللّه أيضا.

    مقتل الحسين  خوارزمی ص۹۷-۹۸

  • 1

    حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:

    «لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ، وَرَضَاعَةُ الْكَبِيرِ عَشْرًا، وَلَقَدْ كَانَ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي،فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ، دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا».
    سنن ابن ماجة، باب 36 حدیث 1944، ص 211، ط. بیت الافکار الدولیة

    اضغط على الصورة لمشاهدة الصورة بحجمها الاصلي

  • 1

    عدد الروايات : ( 8 )
     
    مسند أحمد - باقي مسند النصار - حديث أبي الطفيل... - رقم الحديث : ( 22676 )
     - حدثنا : ‏ ‏يزيد ‏ ‏، أنبئنا : ‏ ‏الوليد يعني إبن عبد الله بن جميع ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي الطفيل ‏ ‏قال : ‏ ‏لما أقبل رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏من غزوة ‏ ‏تبوك ‏ ‏أمر منادياً فنادى أن رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏أخذ ‏ ‏العقبة ‏ ‏فلا يأخذها أحد فبينما رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏يقوده ‏ ‏حذيفة ‏ ‏ويسوق به ‏ ‏عمار ‏ ‏إذ أقبل ‏ ‏رهط ‏ ‏متلثمون ‏ ‏على الرواحل ‏ ‏غشوا ‏ ‏عماراً ‏ ‏وهو يسوق برسول الله ‏ (ص) ‏ ‏وأقبل ‏ ‏عمار ‏ ‏يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏لحذيفة ‏ ‏قد قد حتى هبط رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏فلما هبط رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏نزل ورجع ‏ ‏عمار ‏ ‏فقال : يا ‏ ‏عمار ‏ ‏هل عرفت القوم فقال : قد عرفت عامة الرواحل والقوم ‏ ‏متلثمون ‏ ‏قال : هل تدري ما أرادوا قال الله ورسوله أعلم ، قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله ‏ (ص) ‏ ‏فيطرحوه قال : فسأل ‏ ‏عمار ‏ ‏رجلاً من ‏ ‏أصحاب رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏فقال : نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب ‏ ‏العقبة ‏ ‏فقال : أربعة عشر فقال : إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر فعدد رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏منهم ثلاثة قالوا : والله ما سمعنا منادي رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏وما علمنا ما أراد القوم ‏ ‏فقال : ‏ ‏عمار ‏ ‏أشهد أن ‏ ‏الإثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد قال : ‏ ‏الوليد ‏ ، ‏وذكر ‏ ‏أبو الطفيل ‏ ‏في تلك الغزوة أن رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏قال للناس وذكر له أن في الماء ‏ ‏قلة ‏ ‏فأمر رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏منادياً فنادى ‏ ‏أن لا ‏ ‏يرد ‏ ‏الماء أحد قبل رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏فورده رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏فوجد ‏ ‏رهطاً ‏ ‏قد وردوه قبله فلعنهم رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏يومئذ.

    الرابط:
    http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?hnum=22676&doc=6

    الهيثمي - مجمع الزوائد - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 110 )
     425 - وعن أبي الطفيل ، قال : خرج رسول الله (ص) إلى غزوة تبوك فإنتهى إلى عقبة فأمر مناديه فنادى لا يأخذن العقبة أحد فإن رسول الله (ص) يسير يأخذها وكان رسول الله (ص) يسير وحذيفة يقوده وعمار بن ياسر يسوقه فأقبل رهط متلثمين على الرواحل حتى غشوا النبي (ص) فرجع عمار فضرب وجوه الرواحل فقال النبي (ص) لحذيفة قد قد فلحقه عمار فقال : سق سق حتى أناخ فقال : لعمار هل تعرف القوم فقال : لا كانوا متلثمين وقد عرفت عامة الرواحل قال : أتدري ما أرادوا برسول الله (ص) قلت الله ورسوله أعلم ، قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله (ص) فيطرحوه من العقبة فلما كان بعد ذلك نزع بين عمار وبين رجل منهم شئ ما يكون بين الناس فقال : أنشدك بالله كم أصحاب العقبة الذين أرادوا أن يمكروا برسول الله (ص) قال : نرى أنهم أربعة عشر قال : فإن كنت فيهم فكانوا خمسة عشر ويشهد عمار أن إثنى عشر حزباً لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

    الرابط:
    http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=272&CID=7&SW=425#SR1

     

    الهيثمي - مجمع الزوائد - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 110 )
    426 - قال الطبراني ، حدثنا : علي بن عبد العزيز ، ثنا : الزبير بن بكار قال : تسمية أصحاب العقبة معتب بن قشير بن مليل من بني عمرو بن عوف شهد بدراً وهو الذي قال : يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن علي خلائه وهو الذي قال : لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا ، قال : الزبير وهو الذي شهد عليه الزبير بهذا الكلام ، ووديعة بن ثابت بن عمرو بن عوف وهو الذي قال : إنما كنا نخوض ونلعب وهو الذي قال : ما لي أرى قرانا هؤلاء أرغبنا بطونا واجبننا عند اللقاء ، وجد بن عبد الله بن نبتل بن الحارث من بني عمرو بن عوف وهو الذي قال جبريل (ع) : يا محمد من هذا الأسود كثير شعر عيناه كأنهما قدران من صفر ينظر بعيني شيطان وكبده كبد حمار ، يخبر المنافقين بخبرك وهو المخبر بخبره ، والحارث بن يزيد الطائي حليف لبني عمرو بن عوف وهو الذي سبق إلى الوشل يعني البئر التي نهى رسول الله (ص) : إن يسبقه أحد فاستقى منه ، وأوس بن قبطي وهو من بني حارثة وهو الذي قال : إن بيوتنا عورة وهو جد يحيى بن سعيد بن قيس ، والجلاس بن سويد إبن الصامت وهو من بني عمرو بن عوف وبلغنا أنه تاب بعد ذلك ، وسعد بن زرارة من بني مالك بن النجار وهو المدخر على رسول الله (ص) وهو أصغرهم سناً وأخبثهم ، وسويد وراعش وهما من بلحبلى وهما ممن جهز إبن أبي في غزوة تبوك لخذلان الناس وقيس بن عمرو بن فهد ، وزيد بن اللصيب وكان من يهود قينقاع فأظهر الإسلام وفيه غش اليهود ونفاق من نافق ، وسلالة بن الحمام من بني قينقاع فأظهر الإسلام ، رواه الطبراني في الكبير من قول الزبير بن بكار كما ترى.

    الرابط:
    http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=272&CID=7&SW=426#SR1

    البيهقي - السنن الكبرى - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 198 )
     15430 - أخبرنا : أبو عبد الله الحافظ ، ثنا : أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا : أحمد بن عبد الجبار ، ثنا : يونس بن بكير ، عن إبن إسحاق في قصة تبوك وما كان على الثنية من هم المنافقين أن يرجموا فيها رسول الله (ص) وما كان من أقوالهم وإطلاع الله سبحانه نبيه (ص) على أسرارهم ، قال : فإنحدر رسول الله (ص) من الثنية وقال : لصاحبيه يعنى حذيفة وعمار أهل تدرون ما أراد القوم قالوا : الله ورسوله أعلم فقال رسول الله (ص) : أرادوا أن يرجمونى في الثنية فيطرحوني منها فقالا : أفلا تأمرنا يا رسول الله فنضرب أعناقهم إذا إجتمع اليك الناس فقال : أكره أن يتحدث الناس أن محمداً قد وضع يده في أصحابه يقتلهم ، ثم ذكر الحديث في دعائه اياهم وأخباره اياهم بسرائرهم وإعتراف بعضهم وتوبتهم وقبوله منهم ما دل على هذا ، قال إبن إسحاق : وأمره أن يدعو حصين بن نمير فقال له ويحك ما حملك على هذا قال : حملني عليه إني ظننت إن الله لم يطلعك عليه فأما إذا أطلعك الله عليه وعلمته فإني أشهد اليوم إنك رسول الله ، وإني لم أؤمن بك قط قبل الساعة يقيناً ، فأقاله رسول الله (ص) عثرته وعفا عنه بقوله الذى قال.

    الرابط:
    http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=598390

    مسند البزار - البحر الزخار - أبو الطفيل ، عن حذيفة
    2432 - حدثنا : عباد بن يعقوب ، قال : ، أخبرنا : محمد بن فضيل ، قال : ، أخبرنا : الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة (ر) قال : لما كان غزوة تبوك أمر رسول الله (ص) منادياً فنادى أن رسول الله (ص) أخذ العقبة فلا تأخذوها فسار رسول الله (ص) في العقبة ، وعمار يسوق ، وحذيفة يقود به فإذا هم برواحل عليها قوم متلثمون ، فقال رسول الله (ص) : قد قد ، ويا عمار سق سق ، فأقبل عمار على القوم فضرب وجوه رواحلهم فلما هبط رسول الله (ص) من العقبة قال : يا عمار ، قد عرفت القوم ، أو قال : قد عرفت عامة القوم أو الرواحل أتدري ما أراد القوم ؟ ، قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله (ص) ، وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلاّ ، عن حذيفة ، عن النبي (ص) ، وقد روي ، عن حذيفة من غير هذا الوجه ، وهذا الوجه أحسنها إتصالاً ، وأصلحها إسناداً ألا إن أبا الطفيل ، قد روى ، عن النبي (ص) أحاديث ، والوليد بن جميع هذا فمعروف ألا إنه كانت فيه شيعية شديدة ، وقد إحتمل أهل العلم حديثه ، وحدثوا عنه.

    الرابط:
    http://www.sonnaonline.com/Hadith.aspx?HadithID=252276

    إبن كثير - البداية والنهاية - الجزء : ( 5 ) - رقم الصفحة : ( 26 )
    - وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في مسنده قال : ، حدثنا : يزيد - هو إبن هارون - أخبرنا : الوليد بن عبد الله بن جميع ، عن أبي الطفيل ، قال :
    لما أقبل رسول الله (ص) من غزوة تبوك أمر منادياً ، فنادى أن رسول الله آخذ بالعقبة فلا يأخذها أحد ، فبينما رسول الله (ص) يقوده حذيفة ويسوقه عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عماراً وهو يسوق برسول الله (ص) وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل ، فقال رسول الله (ص) لحذيفة قد قد حتى هبط رسول الله (ص) من لوادي ، فلما هبط ورجع عمار قال : يا عمار هل عرفت القوم ؟ ، قال : قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون قال : هل تدري ما أرادوا ؟ ، قال الله ورسوله أعلم ، قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه قال : فسار عمار رجلاً من أصحاب النبي (ص) ، فقال : نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة ؟ ، قال : أربعة عشر رجلاً ، فقال : إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر ، قال : فعذر رسول الله (ص) منهم ثلاثة قالوا : ما سمعنا منادي رسول الله وما علمنا ما أراد القوم ، فقال عمار : أشهد أن الإثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

    الرابط:
    http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=251&CID=70&SW=منادياً#SR1

    إبن كثير - السيرة النبوية - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 34 )
    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
    - وقال إبن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير يقال : لما قفل رسول الله (ص) من تبوك إلى المدينة هم جماعة من المنافقين بالفتك به وأن يطرحوه من رأس عقبة في الطريق ، فأخبر بخبرهم ، فأمر الناس بالمسير من الوادي وصعد هو العقبة ، وسلكها معه أولئك النفر وقد تلثموا ، وأمر رسول الله (ص) عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان أن يمشيا معه ، عمار آخذ بزمام الناقة وحذيفة يسوقها ، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم قد غشوهم ، فغضب رسول الله وأبصر حذيفة غضبه فرجع إليهم ومعه محجن فإستقبل وجوه رواحلهم بمحجنه ، فلما رأوا حذيفة ظنوا أن قد أظهر على ما أضمروه من الأمر العظيم ، فأسرعوا حتى خالظوا الناس ، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله (ص) فأمرهما فأسرعا حتى قطعوا العقبة ووقفوا ينتظرون الناس ، ثم قال رسول الله (ص) لحذيفة : هل عرفت هؤلاء القوم ؟ ، قال : ما عرفت إلاّ رواحلهم في ظلمة الليل حين غشيتهم ، ثم قال : علمتما ما كان من شأن هؤلاء الركب ؟ ، قالا : لا ، فأخبرهما بما كانوا تمالاوا عليه وسماهم لهما وإستكتمهما ذلك ! فقالا : يا رسول الله أفلا تأمر بقتلهم ؟ ، فقال : أكره أن يتحدث الناس أن محمداًً يقتل أصحابه ، وقد ذكر إبن إسحاق هذه القصة ألا إنه ذكر أن النبي (ص) : إنما أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان وحده ، وهذا هو الأشبه والله أعلم ، ويشهد له قول أبي الدرداء لعلقمة صاحب إبن مسعود : أليس فيكم يعني أهل الكوفة صاحب السواد والوساد ، يعني إبن مسعود ، أليس فيكم صاحل السر الذي لا يعملمه غيره ، يعني حذيفة ، أليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان محمد يعني عماراً ، وروينا ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (ر) : أنه قال : لحذيفه : أقسمت عليك بالله أأنا منهم ؟ ، قال : لا ولا أبرى بعدك أحداًً ، يعني حتى لا يكون مفشياً سر النبي (ص) ، قلت : وقد كانوا أربعة عشر رجلاً ، وقيل : كانوا إثني عشر رجلاً ، وذكر إبن إسحاق أن رسول الله (ص) بعث إليهم حذيفة بن اليمان فجمعهم له ، فخبرهم رسول الله (ص) بما كان من أمرهم وبما تمالاوا عليه ، ثم سرد إبن إسحاق أسماءهم ، قال : وفيهم أنزل الله عز وجل : وهموا بما لم ينالوا.

    إبن كثير - السيرة النبوية - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 36 )
    - وروى البيهقي من طريق محمد بن سلمة ، عن أبى إسحاق ، عن الأعمش ، عن عمرو إبن مرة ، عن أبي البختري ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : كنت آخذاًً بخطام ناقة رسول الله (ص) أقود به وعمار يسوق الناقة وأنا أسوق وعمار يقود به حتى إذا كنا بالعقبة ، إذا بإثني عشر راكباًً قد إعترضوه فيها ، قال : فأنبهت رسول الله (ص) ، فصرخ بهم فولوا مدبرين ، فقال لنا رسول الله : هل عرفتم القوم ؟ قلنا : لا يا رسول الله : قد كانوا متلثمين ، ولكنا قد عرفنا الركاب قال : هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة ، وهل تدرون ما أرادوا ؟ قلنا : لا ، قال : أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها ، قلنا : يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ ، قال : لا ، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمداًً قاتل بقومه ، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ، ثم قال : اللهم إرمهم بالدبيلة ، قلنا : يا رسول الله وما الدبيلة ؟ ، قال : هي شهاب من نار تقع على نياط قلب أحدهم فيهلك. 

  • 1

     
    الصلاة على النبي و آله بسبعة ألفاظ مختلفة

    الترتيبالمدةالحجمالتحمیلالإستماع
    01
    1 00:00:45 584 KB التحمیل
    02
    2 00:00:23 330 KB التحمیل
    03
    3 00:00:37 496 KB التحمیل
    04
    4 00:00:26 356 KB التحمیل
    05
    5 00:00:58 736 KB التحمیل
    06
    6 00:01:08 853 KB التحمیل
    07
    7 00:00:41 536 KB التحمیل
     
  • 1

    المدة : 37 دقائق و 37 ثواني

    05 شعبان المعظم 1440

    المحاضرات الاخلاقية - الصلاة على النبي

  • 1

    شاء الله سبحانه وتعالى أن يستأثر برسوله الاعظم "صلى الله عليه وآله" وينقله الى جواره في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة 11هـ على وفق اوثق الروايات التي وصلت الينا، وتولى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب "عليه السلام" غُسله وتجهيزه، كما اجتمعت على ذلك أغلب مصادر المسلمين وأرباب التاريخ.
    يقول أمير المؤمنين "عليه السلام" مستذكراً ساعة رحيل النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله" :" ولقد قبض رسول الله، وان رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي"([1])، يظهر من قول أمير المؤمنين انه كان آخر الناس عهداً بالنبي الاكرم "صلى الله عليه وآله" في الحياة الدنيا، اذ وضعه في حجره، ورأسه "صلى الله عليه وآله" على صدره، ما من شك ان النبي أخبر الامام "عليه السلام" بقرب رحيله ودنو أجله، واراد ان يكون قريباً منه على هذا النحو من القرب المكاني، للتأكيد من خلاله على حقيقة القرب الروحي بينهما، فضلا عن القرب الايماني والاجتماعي والاسري .  مما يؤكد هذه الحقيقة سلمان الفارسي قال: دخلت عليه -أي على النبي- صبيحة قبل اليوم الذي مات فيه، فقال لي: يا سلمان، ألا تسأل عما كابدته الليلة من الألم والسهر، أنا وعلي؟! فقلت: يا رسول الله، أما أسهر ليلة معك بدله؟! فقال: لا، هو أحق بذلك منك"([2]).
    مسح الامام علي "عليه السلام" وجهه بروح النبي الاعظم" صلى اله عليه وآله" بعد ان سالت على كفه، تيمناً وتبركاً وتشرفاً وتوحداً مع هذه النفس المقدسة التي وحدها الله تعالى مع نفسه بنص آية المباهلة في قوله تعالى ﴿... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾([3] )، اذ توحد الامام مع النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله" بعد ان تشربت نفسه من هذه النفوس المقدسة مده خمس وثلاثين سنة امضاها مع النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله"  اذ يؤكد الامير علي "عليه السلام" تلك الصلة بقوله:" وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ"([4]) وفق هذه  الرواية يكون قرب أمير المؤمنين "عليه السلام" من النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله" قرباً ربانياً اشاء الله تعالى ان يختم به حياة النبي في الدنيا كما بدأها به ([5]) .
    ومن دلالة اخرى في النص تؤكد على ان أمير المؤمنين "عليه السلام"  كان وظل أقرب الناس الى النبي الاعظم حتى لحظة رحيله عن الدنيا، والامام بهذا الوصف، اذ استعمل اسلوب التوكيد بوجوهه المختلفة هي:" ولقد... وان... لعلى... ولقد" فكانت هذه المظاهر الاسلوبية ثوابت لا تحتمل التغير المحتمل في الكلمات لأنها استمدت ثباتها الحقيقي من حقيقة ما فعله أمير المؤمنين "عليه السلام" في غسل النبي الاكرم وتجهيزه ودفنه فيما بعد في قوله هذا([6]).
    غسل النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله"
    يقول أمير المؤمنين علي "عليه السلام":" وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ -أي النبي- وَالْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ وَالْأَفْنِيَةُ مَلَأٌ يَهْبِطُ وَمَلَأٌ يَعْرُجُ وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ" هنا اراد أمير المؤمنين علي "عليه السلام" ان يبين مساله مهمه الا وهي من له الحق في غسل النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله" ،اذ جاء في الروايات ان جبرائيل "عليه السلام" قال:" يا محمد، قل لعلي: إن ربك يأمرك أن تغسل ابن عمك، فإن هذه السُنَّة، لا يُغَسِّلُ الأنبياء غير الأوصياء، وإنما يغسل كل نبي وصيه من بعده"([7])  نستنتج من ذلك ان  الله امر وصي رسول الله علي ابن ابي طالب، ان يتكفل بغُسل النبي الاعظم "صلى الله عليه وآله"،  مما يؤكد صلته بالنبي محمد فهو قريب من النبي ودان منه، وصديق ونصير وتابع ومحب والخليفة والوصي، فقد غسله وقميصه عليه، وقد روى ابن سعد في كتابه :" بينما هم يغسلون النبي اذ نودوا لا تجردوا رسول الله "([8])، ثم يشير أمير المؤمنين "عليه السلام" الى معونة الملائكة في غُسل النبي الاكرم بقوله " وَالْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي". اذن كيف كانت معونة الملائكة للإمام علي ابن ابي طالب؟.

    اغلب الروايات تؤكد ان العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة ابن زيد حضروا مع أمير المؤمنين علي "عليه السلام" غُسل النبي الاكرم وكان الامام علي يغُسله والفضل وأسامة يحجبانه والعباس قاعد عند السترة ([9])، ولم يعترض أمير المؤمنين معونتهم، لان الملائكة تكفلوا بتغسيل الجسد الطاهر بإجماع المسلمين، وقد احس أمير المؤمنين "عليه السلام" بهذه المعونة في تغسيله من خلال سهولة ذلك ويسره عليه اذ يقول عليه السلام"، " فما تناولت عضواً الا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله"([10]) .

    وثم يأتي قول أمير المؤمنين "عليه السلام": قائلا" فَضَجَّتِ الدَّارُ وَالْأَفْنِيَةُ مَلَأٌ يَهْبِطُ وَمَلَأٌ يَعْرُجُ وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ"  هنا اراد أمير المؤمنين علي "عليه السلام"  بيان اشتراك الملائكة مع المسلمين في تأبين الرسول الاعظم اذ ضجت الدار وافنيتها بهم، حيث ان هذه الافواج من الملائكة كانت تصيح مستغيثة من شدة المشقة بفقد النبي الاكرم "صلى الله عليه وآله" على وفق معاني الضجيج في اللغة، وكان أمير المؤمنين يسمع هذا الضجيج ولم تغب عن سمعه. فقد جاء مثل هذا في قوله عن رسول الله "... انك تسمع ما أسمع وترى ما أرى الا انك لست بنبي، ولكنك وزير وانك لعلى خير"([11]). ويختم امير المؤمنين قوله عن تجهيز رسول الله ودفنه بقوله" اني كنت آخر الناس عهدا برسول الله ودليته في حفرته"([12])، فحفر له لحداً، ودخل أمير المؤمنين ليتولى دفن رسول الله "صلّى الله عليه وآله" فنزل القبر ووضع أمير المؤمنين رسول الله "صلّى الله عليه وآله" على يديه ، فكشف عن وجه رسول الله "صلّى الله عليه وآله" ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب ([13]).
    جعفر رمضان

    --------------------------------------------------------------------------------------------------------
    [1] لابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم، (منشورات مكتبة ابة الله العظمى المرعشي النجفي، دار احياء الكتب العربية)، ص172.
    [2] علي النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة ابحار، تحقيق حسن بن علي النمازي،( قم المقدسة: مؤسسة النشر الاسلامي)، ج7، ص 381.
    [3] سورة ال عمران: الآية 61.
    [4] لابن ابي الحديد، المصدر السابق، ص 474.
    [5] حاكم حبيب الكريطي، اقوال الامام علي في غسل النبي ودفنه قراءة تأويلية، مجلة جامعة الكوفة، ص 544-550.
    [6] المصدر نفسه.  
    [7] حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة ،( قم: المطبعة العلمية،1399هـ)،ج3، ص154.
    [8] ابن سعد ، الطبقات الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا،( بيروت: دار الكتب العلمية، 1410)، ج2، ص276.
    [9] محمد بن جرير الطبري، المسترشد في امامة امير المؤمنين، تحقيق احمد الحمودي،( قم: مطبعة سلمان الفارسي) ، ص337.
    [10] محمد بن جرير الطبري، المصدر السابق، ص 337.
    [11] لابن ابي الحديد، المصدر السابق، ص 157.
    [12] أبو جعفر محمد بن علي ابن بأبويه القمي الصدوق ، الخصال، تحقيق علي أكبر غفاري،( قم المقدسة: مؤسسة النشر الاسلامي)، ص 572.
    [13] علي بن الحسين الهاشمي، المطالب المهمة في تاريخ النبي والزهراء والائمة،( النجف الاشرف: منشورات المكتبة الحيدرية،1388هـ)، ص11-12. 

  • 1

     

    بسم الله الرحمن الرحيم    
    بماذا مات الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟
    الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيِّد المرسلين محمد وآله سادة الخلق وساسة العباد وقادة البلاد،لعن الله الظالمين لهم والراضين بظلمهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين..وبعد.
    لقد دار خلافٌ بين علماء الخاصة والعامة حول السبب في وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله في الثمن والعشرين من شهر صفر في آخر العام العاشر الهجري وقبل بداية العام الحادي عشر الذي يصوِّر فيه المخالفون بأن وفاة نبينا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) كانت في العام الحادي عشر بناءً على القاعدة المنكوسة التي سنَّها لهم عمر بن الخطاب بأن بداية العام الهجري هو شهر محرَّم الحرام وليس ربيع الأول،ووافقهم على ذلك بعض علماء الشيعة المائلين إلى أقيستهم وإستحساناتهم،متجاهلين أخبارنا الصحيحة الدالة على أن هجرة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله كانت في اليوم الأول من ربيع الأول وقد أبات على فراشه مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
    (والحاصل ):أن الخلاف حول السبب في الوفاة هل هي وفاة طبيعيَّة أو قهريَّة بسبب عاملٍ تخريبيٍّ طرأ على شخص الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله ؟؟.
    المشهور بين المؤرخين العامة والخاصة بل يكاد مجمعاً عليه بين محققيهم بشكلٍ خاصٍ أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مات مسموماً،أمَّا السواد الأعظم من علماء الفريقين فهم كالسواد العام  يجهلون التحقيق في المطالب العلميَّة بل هم أقرب إلى التقليد منهم إلى التحقيق في المطالب والإجتهاد بفهمها.... فالموت بالسُمَ لا خلاف فيه بين المحصِّلين، لكنَ الخلاف وقع بمسبَب السُّم أي الداس للسمّ في دواء أو طعام تناوله النبيّ الأعظم :هل هو إمرأةٌ يهودية كما ادعى جمهور العامة على ذلك، ام أن المسبّب هو بعض أزواج النبي (صلَّى الله عليه وآله) كما هو شائع ومشهور بين محققي الإمامية القدامى والجدد، ولا عبرة بقول الشواذ منهم ممن لا تحصيل عنده....وها نحن نستعرض أدلة المخالفين ومناقشتها ثمَّ ندلي بدلونا لإثبات مطلوبنا بعونه تبارك وتعالى.
    أدلة المخالفين:
    إستدل المخالفون على أن المسبِّب لموته صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسٌّم هو امراة يهودية بعد معركة خيبر في السنة السابعة للهجرة فلم يؤثر فيه السُّم إلاّ في السنة العاشرة للهجرة كما هو الصحيح بحسب التحقيق بأن موته صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في السنة العاشرة،وأما المخالفون فيقولون أنَّه في الحادية عشرة للهجرة في شهر صفر،والخلاف في تحديد السنة يرجع إلى الخلاف بيننا وبينهم في مبدأ رأس السنة الهجريَّة هل هو محرَّم الحرام أو ربيع الأول...وقد اعتمدوا على دليلين لإثبات أن القاتل للرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هما التالي:
    (الدليل الأول): ليس بين أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من كان عدواً لرسول الله حتى يقوم بعملية قتله صلّى الله عليه وآله وسلّم  بالسٌّم ، لأن كلَّ اصحابه مؤمنون مرضيون...إذن لا بد أن يكون القتل بواسطة أشخاص آخرين غير الأصحاب...
    يرد على هذا الدليل:
    دعوى أن الأصحاب كلَّهم مؤمنون طيبون مخالفة لصريح الكتاب والسنة النبوية...
    أما الكتاب: فمنه قوله تعالى: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق...) التوبة 101.
    نصت الآية أن الناس في المدينة لم يكونوا بأجمعهم من المسلمين واقعاً بالله تعالى ورسوله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام  بل إنَّ بعضهم من المتظاهرين بحب النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهؤلاء منافقون لا علاقة لهم بالإسلام...
    وقوله تعالى أيضاً: (يا أيها الّذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً) النساء/136.
    فالخطاب المتكرر بالذين آمنوا واضح في دلالة الآية المباركة على وجود  منافقين متظاهرين بالإيمان دون تصديقٍ واقعيٍّ ،من هنا جاء تكرار لفظ الإيمان بقوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا ..﴾ ولو لم يكن ثمة منافقون في المدينة لما صحَّ التكرار المذكور ،لذا أكدت الآية المئة وثمانية وثلاثين من نفس السورة على تهديد المنافقين بأن لهم عذاباً شديداً بقوله تعالى ﴿ بشِّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً﴾ فهذه الآية قرينة واضحة على وجود منافقين في الوسط المدني في عصر النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    وقوله تعالى(ولتعرفنهم_اي للمنافقين_في لحن القول)محمّد 3
    ورد عن أبي سعيد الخدري أنه قال مفسِّراً لهذه الآية حسبما ورد في الدر المنشور وأسد الغابة ج4/29 :قال: ببغضهم علياً(عليه السلام).
    وقوله تعالى( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا)الأحزاب/58
    ذكر جمعٌ من المفسرين انها نزلت في الإمام أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، لأن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه، نقل ذلك صاحب تفسير القرطبي والخازن.
    وقوله تعالى( وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)آل عمران/144
    الخطاب في الآية للمسلمين في عصر النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بحسب مورد نزولها، وأنهم سينقلبون ويرتدون عن الإسلام بعد موت النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ما حصل فعلاً بعد شهادته صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث اعتدوا على وصيِّه الأعظم أمير المؤمنين عليٍّ وزوجته الطاهرة سيِّدة نساء العالمين ووليِّة الله الكبرى الزهراء البتول صلوات الله عليهما.
    وأمَّا السنة النبوية: فقد دلت على ارتداد أكثر الصحابة بعد شهادة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد روى البخاري وغيره من محدثي العامة أخباراً في هذا المضمون :راجع البخاري أخبار الحوض:ج6ص79_80 وص232ح4625 وحديث رقم 4170_وجزء 7 ص 264 و ج6 ص 149 ح 4403، وها نحن نستعرض أخباراً كثيرة من صحيح البخاري وهو كتاب مقدَّس عند المخالفين على قاعدة(إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) وقاعدة(من فمك أدينك) وهي الآتي:  
    (الخبر الأول):حدثني أحمد بن اشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة فقال يا ابن أخي انك لا تدرى ما أحدثنا بعده.راجع صحيح البخاري ج5 ص 191
     (الخبر الثاني):حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أخبرنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قال كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين إلى آخر الآية ثم قال الا وان أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الا وانه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
    راجع:صحيح البخاري - البخاري - ج 7 - ص 206 - /209باب في الحوض وقول الله تعالى انا أعطيناك الكوثر...
    (الخبر الثالث):قال عبد الله بن زيد قال النبي صلى الله عليه وسلم اصبروا حتى تلقوني على الحوض حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم انا فرطكم على الحوض.
    (الخبر الرابع):وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
    (الخبر الخامس): حدثنا وهيب حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليردن عليَّ ناسٌ من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك .
    (الخبر السادس):حدثنا سعيد ابن أبي مريم حدثنا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اني فرطكم على الحوض من مر على شرب ومن شرب لم يظمأ ابدا ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم.
    (الخبر السابع):قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول انهم مني فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي.
    وقال ابن عباس سحقا بعدا يقال سحيق بعيد سحقه واسحقه أبعده.
    (الخبر الثامن):وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة انه كان يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقري. (الخبر التاسع):حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن أبن شهاب عن ابن المسيب انه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يرد عليَّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول يا رب أصحابي فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقري.
    (الخبر العاشر):وقال شعيب عن الزهري كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجلون وقال عقيل فيحلؤون وقال الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي عن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    (الخبر الحادي عشر): حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا انا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين قال إلى النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم قلت أين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم .
    (الخبر الثاني عشر):حدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم اني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم انا نعوذ بك ان نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا أعقابكم تنكصون ترجعون على العقب.
     
    راجع:صحيح البخاري - البخاري - ج 8 - ص 90 – 91،باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض حدثنا عمر بن حفص حدثني أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق قال قال عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة أخبرني واقد عن أبيه عن ابن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا ترجوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا قرة بن خالد.
    بما تقدَّم من أخبار البخاري الذي لا يعدله كتاب عند المخالفين، يتضح عدم صحة مقالة كون الصحابة عدولاً  لا يصدر منهم فسقٌ أو مروقُ أو خيانة، بعد كونهم أناساً عاديين معرَّضين لما يتعرض إليه الناس العاديون، مع عدم كونهم معصومين عن الخطأ والزلل، فإذا لم يكونوا كذلك فلم لا يقدمون على قتل بعضهم البعض، فضلاً عن إقدامهم على قتل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد حدثنا التاريخ أنهم تركوا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في معركة أُحد يتعرض لسيوف الكفار وليس معه إلاّ أمير المؤمنين عليٌّ وعمّار وبعض المخلّصين من تلامذة أمير المؤمنين علي عليه الآف التحية والسلام.
    (الدليل الثاني): الأخبار الواردة في مصادر العامة التي تمسكوا بها على أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم مات مسموماً بفعل ذراع شاة قدّمتها له إمرأة يهودية، وقد روى هذه الأخبار: البخاري في ج5 ص 179 وإبن هشام في السيرة النبوية ج3 ص 352 ومسلم في صحيحه ج14 ص 149 حديث 2190 ونحن نكتفي هنا بنص إبن هشام فقال: ( فلما إطمأن رسول الله_في خيبر_ أهدت له زينب بنت الحارث، إمرأة سلام بن مشكم شاة مصليةً،وقد سألتْ أي عضوٍ من الشاة أحبّ إلى رسول الله؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السمّ ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يدي رسول الله، تناول الذراع، فلاك منها مضغةً، فلم يسغها،ومعه بِشر بن البراء إبن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليُخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملِكاً استرحتُ منه، وإن كان نبياً فسيُخبر، قال فتجاوز عنها رسول الله، ومات بِشر من أكلته التي أكل.
    قال إبن هشام، قال إبن إسحاق: وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المُعلّى قال: كان رسول الله قد قال في مرضه الذي توفى فيه، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أم بشر:إن هذا الأوان وجدتُ فيه إنقطاع أبهري (الابهر:عرق متصل بالقلب) من الأكلة التي أكلتُ مع أخيك بخيبر...
    ثم قال: فإن المسلمين ليرون أن رسول الله مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
    هذه الأخبار العامية الصريحة في شهادة النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسمِّ على يد إمرأة يهوديَّة، يوجد بعضٌ منها في مصادرنا  سيَّما في البحار ج17 ص317 ص 395 وص 405 وص 406_ 408 .
    وهذه الأخبار على طوائف ثلاث:
    (الطائفة الأولى):تشير إلى أنَّ الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد استضافته إمرأة يهوديَّة تظاهرت بالإيمان وسمَّت له شاة فلمَّا أراد الأكل منها أنطق الله تعالى الذراع فتكلمت قائلةً له : " بأنَّي مسمومة فلا تأكلني " فأحجم النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الأكل منها بعدما أكل منها البراء فمات مباشرةً .
    (الطائفة الثانية): تشير إلى أنَّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم  لم يأكل أصلاً من الشاة،والفارق بين هذه الطائفة وبين السابقة عليها هو أن الطائفة الأولى همَّ النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ليأكل منها لكنه أحجم بعدما تكلم الذراع،وأمَّا الطائفة الثانية فقد دلت على أن النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّملم يهمّ أصلاً للأكل منها.
    (الطائفة الثالثة):تشير إلى أن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أكل من الشاة وأصاب جوفه سمُّها ثمَّ تكلم الذراع وأخبره بأنَّه مسموم،أي تكلمت الذراع بعدما أكل منها.
    وهذه الأخبار مبثوثة في بحار الأنوار الجزء السابع عشر وهي على الشكل التالي:
    (أخبار الطائفة الأولى):ما رواه المجلسي من التفسير المنسوب إلى مولانا الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في خبرٍ طويلٍ جداً ما لفظه الآتي في صفحة317: (...وأما كلام الذراع المسمومة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من خيبر إلى المدينة وقد فتح الله له جاءته امرأة من اليهود قد أظهرت  الايمان، ومعها ذراع مسمومة مشوية وضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذه؟ قالت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله همني أمرك في خروجك إلى خيبر، فإني علمتهم رجالا جلدا، وهذا حمل كان لي ربيبة أعده كالولد لي، وعلمت أن أحب الطعام إليك الشواء، وأحب الشواء إليك الذراع، ونذرت لله لئن سلمك الله منهم لأذبحنه ولأطعمنك من شوائة ذراعيه، والآن فقد سلمك الله منهم وأظفرك عليهم ، وقد جئتك بنذري ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله البراء بن معرور وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني  بالخبز، فاتي به فمد البراء بن المعرور يده وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه، فقال  علي بن أبي طالب عليه السلام: يا براء لا تتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال البراء وكان أعرابيا: يا علي كأنك تبخل رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ! فقال علي عليه السلام: ما أبخل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكني أبجله وأوقره ليس لي ولا لك ولا لاحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله بقول ولا فعل ولا أكل ولا شرب، فقال البراء: ما أبخل  رسول الله صلى الله عليه وآله، قال علي عليه السلام ما لذلك قلت، ولكن هذا جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلته بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت  إلى نفسك يقول علي هذا والبراء يلوك  اللقمة، إذ  أنطق الله الذراع فقالت : يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت ولم يرفع إلا ميتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالمرأة فاتي بها، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: وترتني وترا عظيما ، قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي وابني، ففعلت هذا وقلت: إن كان ملكا فسأنتقم منه، وإن كان نبيا كما يقول وقد وعد فتح مكة والنصر والظفر فيمنعه الله  منه ويحفظه ولن يضره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيتها المرأة لقد صدقت، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يغرك موت البراء فإنما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفي شره وسمه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع لي فلانا وفلانا، وذكر قوما من خيار أصحابه فيهم سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وصهيب وبلال وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة وعلي عليه السلام حاضر معهم، فقال: اقعدوا وتحلقوا عليه، ووضع  رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال : " بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ ولا داء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثم قال: كلوا على اسم الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وأكلوا حتى شبعوا، ثم شربوا عليه الماء، ثم أمر بها فحبست، فلما كان اليوم الثاني جاء بها  فقال: أليس هؤلاء أكلوا ذلك السم بحضرتك؟ فكيف رأيت دفع الله عن نبيه وصحابته؟ فقالت: يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة، والآن قد  أيقنت أنك رسول الله حقا، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله وحسن إسلامها.
    (أخبار الطائفة الثانية):عن المجلسي عن أمالي الصدوق:عن إبن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن أبي جميلة، عن سعد بن ظريف ، عن الأصبغ، عن علي عليه السلام قال: إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا: يا عبدة قد علمت أن محمدا قد هد ركن بني إسرائيل، وهدم اليهودية، وقد غالى  الملأ من بني إسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا  على أن تسميه في هذه الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة فشوتها ثم جمعت الرؤساء في بيتها وأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا محمد قد علمت ما توجب لي من حق الجوار، وقد حضرني رؤساء اليهود فزيني بأصحابك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه علي عليه السلام وأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وجماعة من المهاجرين، فلما دخلوا وأخرجت الشاة سدت اليهود آنافها بالصوف، وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: اقعدوا، فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به، وكذبت اليهود عليها لعنة الله، إنما فعلت ذلك مخافة سورة  السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها فقالت: مه يا محمد لا تأكلني فإني مسمومة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عبدة فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان كاذبا أو ساحرا أرحت قومي منه، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: السلام يقرئك السلام ويقول: قل: بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن، وبه عز كل مؤمن، وبنوره الذي أضاءت به السماوات والأرض، وبقدرته التي خضع لها كل جبار عنيد، وانتكس كل شيطان مريد، من شر السم والسحر واللمم، بسم العلي  الملك الفرد الذي لا إله إلا هو، وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " فقال النبي صلى الله عليه وآله: ذلك، وأمر أصحابه فتكلموا به، ثم قال: كلوا  ثم أمرهم أن يحتجموا .
    (أخبار الطائفة الثالثة):عن المجلسيّ عن مناقب ابن شهرآشوب: عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله، وزاد بعد قوله: وسهل بن حنيف: وفي خبر وسلمان والمقداد وعمار وصهيب وأبو ذر وبلال والبراء بن معرور. ثم قال بعد تمام الخبر: وفي خبر إن البراء بن معرور أخذ منه لقمة أول القوم: فوضعها في فيه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا تتقدم رسول الله في كلام  له جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإن أكلته بأمر رسول الله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلك إلى نفسك، فنطق الذراع وسقط البراء ومات وروي أنها كانت زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مسلم، والآكل كان بشر بن البراء بن معرور، وأنه دخلت أمه على النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته فقال: يا أم بشر ما زالت اكلة خيبر التي اكلت مع ابنك تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري، ولذلك يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله مات شهيدا. وعن عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه.
    وعن المجلسيّ أيضاً عن بصائر الدرجات بأسناده عن: أحمد بن محمد، عن الأهوازي، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سم رسول الله يوم خيبر فتكلم اللحم فقال: يا رسول الله إني مسموم، قال: فقال: النبي صلى الله عليه وآله عند موته: اليوم قطعت مطاياي  الاكلة التي أكلت بخيبر: وما من نبي ولا وصي إلا شهيد . بيان: المطايا جمع المطية وهي الدابة، ولعلها استعيرت هنا لما يعتمد عليه الانسان من الأعضاء والقوى، ويحتمل أن يكون في الأصل  مطاي، أي ظهري فصحف.
       وعن المجلسيّ عن بصائر الدرجات: إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمت اليهودية النبي صلى الله عليه وآله في ذراع، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الذراع والكتف، ويكره الورك لقربها من المبال، قال: لما أوتي بالشواء أكل من الذراع وكان يحبها، فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع: يا رسول الله إني مسموم فتركه، وما زال ينتفض  به سمه حتى مات صلى الله عليه وآله .
    وعن المجلسيِّ  في بحاره ج17ح 37 قال:روي أن امرأة عبد الله بن مشكم أتته بشاة مسمومة، ومع النبي صلى الله عليه وآله بشر بن البراء بن عازب، فتناول النبي صلى الله عليه وآله الذراع، فتناول بشر الكراع، فأما النبي صلى الله عليه وآله فلاكها ولفظها، وقال: إنها لتخبرني أنها مسمومة، وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات، فأرسل إليها فأقرت، فقال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: قتلت زوجي وأشراف قومي، فقلت: إن كان ملكا قتلته، وإن كان نبيا فسيطلعه الله.
    تم..............................
    وهذه الأخبار في مصادر الفريقين تعارضها أخبارٌ أُخرى أصحُّ سنداً وأقوى دلالة على موت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسمِّ على أيدي بعض أزواجه سوف نشير إليها بعد قليلٍ.
    أدلتنا نحن الشيعة الإمامية:
    تحقيقنا في المقام: بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مات مسموماً بواسطة زوجتيه حفصة وعائشة بإيحاءٍ من والديهما أبي بكر وعمر... ونستدل على ذلك بدليلين:
    (الدليل الأول): الآية الشريفة الدالة على أن موت النبيِّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم إنما سيكون بفعل عاملِ قسريٍّ، وهي قوله تعالى(وما محمد إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل إنقلبتم على أعقابكم...) فقد دلت على أن النبيَّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم سيُقتل،وأنَّ قتله سيكون سبباً للإستيلاء على الحكم، والإستيلاء على الحكم سببٌ للإعتداء على أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام،سيَّما سيِّدة نساء العالمين التي استشهدت على يد عمر بن الخطاب بإيعازٍ من أبي بكر،فقتل النبيِّ وبضعته الطاهرة مع ما ترتب على ذلك من الإعتداء على مقام سيِّد الوصيين وإمام المتقين عليه السلام سببٌ  آخر يضاف إلى السبب الأول لإرتدادهم عن الدين، وحيث إن الفريقين متفقان على أنه إرتحل مسموماً، ثبت ما ندعيه نحن الشيعة، والمسبّب لقتله هو بعض أصحابه كأبي بكر وعمر بواسطة حفصة وعائشة...وهو ما أشارت إليه روايات الحوض الدالة على إرتداد بعض الصحابة عن الدين،ولا يمكن تفسير الإرتداد بما ادَّعاه بعض العامة من كون المقصود بالإرتداد مالك بن نويرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه وأصحابه الذين امتنعوا عن دفع الزكاة لأبي بكر ،وذلك لأن الإمتناع عن دفع الزكاة لا يوجب الإرتداد سيَّما وأنَّ مالكاً رضي الله عنه لم يكن يعترف بخلافة أبي بكر ،من هنا إمتنع عن دفع الزكاة لمن إغتصب الخلافة من أهلها ،ولا أقل من التبرير له كما برر أبو بكر لخالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة واغتصب له زوجته في نفس الليلة،وقد اعترف عمر بن الخطاب بأن خالداً قتل مالكاً ظلماً وعدواناً وطالب أبا بكر بالقود من خالد وكان دائماً يقول لأبي بكر (إقتل خالداً فإن في سيفه رهقاً) ولكنَّ أبا بكر كان دائماً يردد المقالة المشهورة (لقد تأوَّل فأخطأ) وليكن مالكٌ كخالد ممن تأوَّل فأخطأ في إمتناعه عن دفع الزكاة لعتيق بن أبي قحافة ــ أي أبي بكر ـــ وهل يجوز التأوُّل لخالد ولا يجوز لمالك؟؟!! ولماذا التفريق بين هذا وذاك لولا أن خالداً من أتباع أبي بكر  دون مالك الذي كان من أتباع أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين عليهما السلام !! وهل يجوز التأوُّل للظالم ولا يجوز للمظلوم؟! نعم ،عند أبي بكر يجوز ذلك ولم يعتنِ بإستنكار عمر بن الخطاب عليه ولم يكترث لفداحة الظلامة على مالك وما فُعل بزوجته،كلُّ ذلك بسبب المشاكلة في الظلم وحبّ الإعتداء على المستضعفين الأبرياء..!!.
    (الدليل الثاني): الأخبار الدالة على أن حفصة وعائشة سقتاه سماً ،فالسمُّ الفتاك الذي جلباه من بلاد الحبشة ـــ كما تشير مصادر العامة ـــ كان السبب الوحيد لقتله وشهادته صلّى الله عليه وآله وسلّم .
    فقد روى المجلسي بعضاً من هذه الأخبار في  بحار الأنوار ـ العلامة المجلسي ـ ج 22باب أحوال عائشة وحفصة وباب وصيته قرب موته صلّى الله عليه وآله وسلّم ،وها نحن نستعرض بعضاً من تلكم الأخبار المبثوثة في المصادر الحديثيَّة :
    (الخبر الأول):قال علي بن إبراهيم في تفسيره المعروف بتفسير القمي حدثنا أحمد بن إدريس عن الحسين بن سعيد عن إبن سيَّار عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قوله تعالى ﴿يا أيها النبيّ لمَ تحرِّم ما أحلَّ الله لك ..﴾ قال اطلعت عائشة وحفصة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو مع مارية فقال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : واللهِ ما أقربها فأمره الله أن يكّفر عن يمينه، وكان سبب نزولها أن رسول الله كان في بعض بيوت نسائه، وكانت مارية القبطية تكون معه تخدمه، وكان ذات يوم في بيت حفصة فذهبت حفصة في حاجة لها فتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) مارية، فعلمت حفصة بذلك فغضبت وأقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله هذا في يومي وفي داري وعلى فراشي، فاستحيى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: كفي فقد حرمت مارية على نفسي ولا أطأها بعد هذا أبدا، وأنا أفضي إليك سرا، فإن أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فقالت: نعم ما هو؟ فقال: ان أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثم بعده أبوك فقالت: من أخبرك بهذا؟ قال: الله أخبرني، فأخبرت حفصة عايشة في يومها بذلك، وأخبرت عايشة أبا بكر فجاء أبو بكر إلى عمر فقال له: إن عايشة أخبرتني عن حفصة بشئ ولا أثق بقولها، فاسئل أنت حفصة، فجاء عمر إلى حفصة فقال لها: ما هذا الذي أخبرت عنك عايشة، فأنكرت ذلك، وقالت: ما قلت لها من ذلك شيئا، فقال لها عمر: إن كان هذا حقا فأخبرينا حتى نتقدم فيه فقالت: نعم قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك، فاجتمعوا أربعة على أن يسموا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه السورة: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " إلى قوله: " تحلة أيمانكم " يعني قد أباح الله لك أن تكفر عن يمينك ﴿والله موليكم وهو العليم الحكيم﴾ ﴿وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به﴾ " أي أخبرت به ﴿وأظهره الله عليه﴾ يعني أظهر الله نبيه على ما أخبرت به وما هموا به من قتله " عرف بعضه " أي خبرها وقال: لم أخبرت بما أخبرتك؟ وقوله: ﴿وأعرض عن بعض﴾ قال: لم يخبرها بما يعلم مما هموا به من قتله ﴿قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير﴾ ﴿إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو موليه وجبرئيل وصالح المؤمنين﴾ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ﴿والملائكة بعد ذلك ظهير﴾ يعني لأمير المؤمنين (عليه السلام) ثم خاطبها فقال: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا " .
    (الخبر الثاني): وفي البحار باب أحوال عائشة وحفصة بأسناده إلى الصراط المستقيم: في حديث الحسين بن علوان والديلمي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا﴾ هي حفصة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): كفرت في قولها: " من أنبأك هذا " وقال الله فيها وفي أختها: ﴿إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما﴾ أي زاغت، والزيغ: الكفر. وفي رواية: إنه أعلم حفصة أن أباها وأبا بكر يليان الامر فأفشت إلى عايشة فأفشت إلى أبيها فأفشى إلى صاحبه، فاجتمعا على أن يستعجلا ذلك على أن يسقياه سمَّاً، فلما أخبره الله بفعلهما همَّ بقتلهما فحلفا له أنهما لم يفعلا، فنزل: يا ﴿أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم﴾.                 
    (الخبر الثالث):وفي البحار في باب وصيَّة النبيّ عند قرب وفاته بالإسناد المتقدِّم، عن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهم السلام) قال: لما كانت الليلة التي قبض النبي (صلى الله عليه وآله) في صبيحتها دعا عليَّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وأغلق عليه وعليهم الباب وقال: يا فاطمة، وأدناها منه، فناجاها من الليل طويلا، فلما طال ذلك خرج علي ومعه الحسن والحسين وأقاموا بالباب والناس خلف الباب، ونساء النبي (صلى الله عليه وآله) ينظرن إلى علي (عليه السلام) ومعه ابناه، فقالت عائشة: لأمر ما أخرجك منه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخلا بابنته دونك في هذه الساعة، فقال لها  أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام): قد عرفت الذي خلابها وأرادها له، وهو بعض ما كنت فيه وأبوك وصاحباه مما قد سمَّاه: فوجمت أن ترد عليه كلمة، قال علي (عليه السلام): فما لبث أن نادتني فاطمة (عليها السلام) فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يجود بنفسه، فبكيت ولم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه، فقال لي: ما يبكيك يا علي؟ ليس هذا أو ان البكاء، فقد حان الفراق بيني وبينك، فأستودعك الله يا أخي، فقد اختار لي ربي ما عنده، وإنما بكائي وغمي وحزني عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي فقد أجمع القوم على ظلمكم، وقد أستودعكم الله، وقبلكم مني وديعة يا علي، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنقذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمها إليه وقبل رأسها، وقال: فداك أبوك يا فاطمة، فعلا صوتها بالبكاء، ثم ضمها إليه وقال: أما والله لينتقمن الله ربي، وليغضبن لغضبك فالويل ثم الويل ثم الويل للظالمين، ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال علي (عليه السلام): فوالله لقد حسبت بضعة مني قد ذهبت لبكائه حتى هملت عيناه مثل المطر، حتى بلت دموعه لحيته وملاءة كانت عليه، وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها ورأسه على صدري، وأنا مسنده، والحسن والحسين يقبلان قدميه ويبكيان بأعلا أصواتهما قال علي (عليه السلام): فلو قلت: إن جبرئيل في البيت لصدقت، لأني كنت أسمع بكاء ونغمة لا أعرفها، وكنت أعلم أنها أصوات الملائكة لا أشك فيها، لان جبرئيل لم يكن في مثل تلك الليلة يفارق النبي (صلى الله عليه وآله)، ولقد رأيت بكاء منها أحسب أن السماوات والأرضين قد بكت لها، ثم قال لها: يا بنية، الله خليفتي عليكم، و هو خير خليفة، والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله وما حوله من الملائكة والسماوات والأرضون وما فيهما، يا فاطمة والذي بعثني بالحق لقد حرمت الجنة على الخلائق حتى أدخلها، وإنك لأول خلق الله، يدخلها بعدي كاسية حالية ناعمة، يا فاطمة هنيئا لك، والذي بعثني بالحق إنك لسيدة من يدخلها من النساء، والذي بعثني بالحق إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا صعق، فينادي إليها أن: يا جهنم ! يقول لك الجبار: اسكني بعزي، واستقري حتى تجوز فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) إلى الجنان، لا يغشاها قتر ولا ذلة، والذي بعثني بالحق ليدخلن حسن وحسين: حسن عن يمينك، وحسين عن يسارك، ولتشرفن من أعلى الجنان بين يدي الله في المقام الشريف ولواء الحمد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) يكسى إذا كسيت، ويحبى إذا حبيت والذي بعثني بالحق لأقومن بخصومة أعدائك، وليندمن قوم أخذوا حقك، وقطعوا مودتك، وكذبوا علي، وليختلجنَّ دوني فأقول: أمتي أمتي فيقال: إنهم بدلوا بعدك، وصاروا إلى السعير.         
    (الخبر الرابع):عن العياشي رضي الله عنه في تفسيره المعروف  بالعياشي في سورة آل عمران: عن عبد الصمد بن بشير، عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تدرون مات النبيصلّى الله عليه وآله وسلّم أو قُتِل إن الله يقول: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فسمَّ قبل الموت إنهما سقتاه، فقلنا: إنهما وأبوهما شر من خلق الله.
    (الخبر الخامس):وعن العياشي رحمه الله تعالى بالأسناد عن الحسين بن المنذر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى ﴿أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم﴾ القتل أم الموت؟ قال عليه السلام :يعني أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا.إنتهى.
    والمراد بذيل الخبر الرابع بقوله "أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا .." هو التآمر على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والتخطيط لقتله وقد نجحوا في ذلك حيث أوعزا إلى إبنتيهما عائشة وحفصة ليدسا السمَّ له في الدواء أو في الطعام .
    وأخبارنا المتقدِّمة مدعومة ومؤيدة بأخبار مشابهة له في مصادر العامة أيضاً كما سوف نذكر بعضاً منها كالآتي.
    (الخبر الأول): ويتناول سقيَّ النبيِّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسمِّ وهو مستفيض في أخبارالعامة وفحوى هذه الأخبار أن عائشة وحفصة لدّتا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بدواء فيه سمٌّ،فقد أورد الطبري في تاريخه قسماً من هذه الأخبار،منها ما في إسناده إلى سفيان قال حدثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت: لددنا رسول الله في مرضه،فقال: لا تلدوني.
    (الخبر الثاني): وروى إبن الجوزي في الطب النبوي في الصحيح عن أُمُّ سلمة قالت:(بدأ رسول الله بمرضه في بيت ميمونة ..واشتد شكواه حتى غُمر ومن شدة الوجع إجتمع عنده نساؤه وعمه العباس وأم الفضل بنت الحرث وأسماء بنت عميس فتشاوروا في لدِّه، فلدوه وهو مغمور_أي مقهور_فلمّا أفاق، قال:من فعل بي هذا؟ هذا من عمل نساء جئن من ها هنا، وأشار بيده إلى أرض الحبشة.
    وهذا إعتراف من رسول الله بأنه سقي سماً بالطريقة التي تسقي بها الحبشة رجالها،وقد تكرر من عائشة وحفصة وميمونة سقيّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم سمَّاً  في الدواء وليس دفعةً واحدة لئلا يعرف الناس بأنهنَّ سقينه السمَّ ،لذا تناوبوا على السقيّ القليل الممزوج بالدواء لأجل رفع الشبهة عنهنَّ من جهة،ومن جهةٍ أُخرى كي يعتقد الناس أن السقيّ كان لأجل رفع داء ذات الجنب  وهو مرض السل أو السرطان.
    (الخبر الثالث):وعن الطبري بأسناده عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت: ثمَّ نزل رسول الل فدخل بيته وتتامَّ به وجعه حتى غُمر واجتمع عنده نساء من نسائه أُمُّ سلمة وميمونة ونساء من المؤمنين منهنّ أسماء بنت عميس وعنده عمه العباس بن عبد المطلب وأجمعوا على أن يلُدُّوه،فقال العباس لألدَّنه،قال: فلما أفاق رسول الله قال: من صنع بي هذا؟ قالوا يا رسول الله عمك العباس! قال: هذا دواءٌ أتى به نساءٌ من نحو هذه الأرض وأشار بيده نحو أرض الحبشة،قال: ولمَ فعلتم ذلك؟! فقال العباس: خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب!فقال: إن ذلك لداءٌ ما كان الله ليعذبني به...لا يبقى في البيت أحد إلاَّ لدّ إلاَّ عمي فلقد لدَّت ميمونة وإنها لصائمة لقسم رسول الله عقوبة لهم بما صنعوا ..إنتهى خبر الطبري في فصل مرض النبيّ.
    ويلاحظ في هذا الخبر بوضوح كيف تناوبوا على لدِّ رسول الله بالدواء المسموم الذي جلبته بعض نسوته من بلاد الحبشة،وليس ثمة إمرأة تفعل ذلك سوى عائشة وحفصة بقرينة قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم (هذا دواء أتى به نساء من نحو هذه الأرض وأشار إلى أرض الحبشة)،وثمة قرينة أُخرى تدلُّ على عملية اللدِّ وقد شاركت زوجتُه ميمونة أيضاً بعضَ نسوته القائمين على عملية اللدِّ وهما عائشة وحفصة،من هنا فقد ندمت ميمونة على فعلتها فأرادت التوبة من فعلتها بالصيام تكفيراً لها عمَّا جنته مع تينك الزوجتين وقد عللت صيامها بأنها صامت لأجل قسم رسول الله على معاقبتهنَّ لأجل ما صنعوا.
    وتشير الأخبار في مصادر العامة أن النبي الاكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم تكرر منه الإستنكار على نسائه لأجل مزاولتهنَّ فعل اللدّ مما يعني أن ثمة شيئاً مريباً كان في الدواء وهو السمُّ ، كما تشير مصادرهم أنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم تألم كثيراً في مرضه،حيث كان يغمى عليه من شدته ،مما يقتضي وجود سُمّ دخل إلى جوفه فآلمه كثيراً، فعن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أشدَّ عليه الوجع من رسول الله... ،وقد أشارت أخبار كثيرة في طبقات إبن سعد في فصل إشتداد المرض على رسول الله حتى كاد يتقلب على فراشه من شدة الوجع ،مما يجعلنا نطمئن بل ونقطع بأن شدة الوجع والتقلب على الفراش مردُّه دخول السمّ إلى جوفه فآلمه كثيراً  وهو ملحوظ عند من يبتلي بحالة التسمم،فقد روى إبن سعد عن عبد الرحمان بن شيبة عن عائشة قالت: إن رسول الله طرقه وجعٌ فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه،فقالت له عائشة: يا رسول الله لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه! فقال لها رسول الله :أوما علمت أن المؤمن يشدد عليه ليكون كفارة لخطاياه..إنتهى.
    لست أدري ما هو الذنب الذي ارتكبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والعياذ بالله حتى يشدّد عليه ربُّه ليغفر له خطاياه؟؟!! كلا ثمَّ كلا !لم يتوجع  النبيّ بسبب ذنبٍ إرتكبه،بل وجعه الشديد بسبب السمّ،إذ لا يجوز أن يُنسب إلى الأنبياء المعاصي والأخطاء ،لأن ذلك خلاف الإخلاص لله تعالى،وغير المخلص لا يجوز تنصيبه رسولاً من قبل الله تعالى لعامة خلقه،فرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يذنب طرفة عين قط وإلاَّ لما صحَّ ان يكون نبيَّاً مرسلاً، ولكنَّ المسألة أعمق مما ذكرته الرواية وهو شيء عظيم أدَّى إلى توجع النبيّ لا لذنبٍ وإنَّما لأجل السمّ .
    ولم يقتصر الأمر على الوعك الشديد الذي ألمَّ برسول الله بل تعداه إلى أن قاء (بأبي هو وأمي ونفسي ) دماً،والتقيء دماً علامة شدة السمّ ،وقد ذكر ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الشريفة في رثاء مولاتنا الصديقة الكبرى فاطمة عليها السلام بقوله(فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت بين نحري وصدري نفسك) فقد اشار إبن أبي الحديد في تفسيره لنهج البلاغة بأن النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مات مسموماً وأنه قد قذف دماً حال مرضه،فقال: يروى أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قذف دماً يسيراً وقت موته...إلى أن قال:وبعضهم زعم أن مرضه كان أثراً لأكلة السم التي أكلها واحتجوا بقوله "ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري".
    وفي خطبة أخرى قال (ع): (ولقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإن رأسه لعلى صدري ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي ..) وقد فسّرها الشيخ محمد عبده في شرح النهج في الجزء الثاني ص172بأن (معنى نفسه هو دمه فقد روي أن النبيّض قاء في مرضه فتلقى أمير المؤمنين في يده ومسح به وجهه..)إنتهى.
    وما ذكره إبن أبي الحديد من أن قذف الدم كان بسبب سمّ خيبر ليس دقيقاً لقرائن قوية سوف نستعرضها لكم ، بل الصحيح ما ذكرناه من أن قذف الدم هو بسبب قوة السمّ بفعل اللدّ الذي كثُر على نبينا المظلوم صلّى الله عليه وآله وسلّم من بعض أصحابه ونسوته،واللدُّ لغة هو الإرغام على أخذ الدواء كما يرغم الصبي فيؤخذ لسانه فيمد إلى أحد شقيه ويوجر الدواء في الصدف بين اللسان وبين الشدق...وهذا يعني أن ثمة شيئاً غريباً جداً أرادوا تمريره بسقيهم الدواء وهو مغمى عليه وهو من الغرائب في التعاطي مع المريض المحتاج إلى الدواء،مما يجعلنا نعتقد بتدبير مكيدة السم لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى يتخلّصوا منه ليتمَّ لهم الإستيلاء على مقاليد السلطة والحكم، فتدبروا جيداً.
    وخلاصة المقال:أن جماعة من نسوته وصحابته لدّوا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم السمَّ وقد تكرر من عائشة وحفصة ذلك حتى وهو مغمى عليه كما أشرنا،وقد أشاعتا بين الناس بأن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم مصاب بداء الجنب وهو السل أو السرطان،حتى تبرران شنعتهما ودفع تساؤل البعض عن إصرارهما على سقيّ زوجيهما الدواء،فكان الجواب حاضراً بأنه مصاب بداء الجنب ،فمن هنا ردَّ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا الإدعاء قائلاً بأن الله تعالى لا يصيبه به لكونه من الخبائث والأنبياء منزهون عن ذلك وأن الله تعالى يكرمهم بإبعاد الأمراض الخبيثة عنهم،فعملية تكرار اللد مع نهيه صلّى الله عليه وآله وسلّم لهنَّ عن ذلك يكشف كشفاً أنيَّاً بأن ثمة مكيدة كانت عائشة وحفصة دبرتاها للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد نجحتا في ذلك.
    علاج التعارض بين أخبار الخاصة والعامة!
    قلنا أن المشهور عند العامة أن النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مات مسموماً نتيجة الذراع المسمومة بعد يوم خيبر، وهذا يتعارض مع الأخبار الأخرى الدالة على أن عائشة وحفصة سمتاه، ووجه علاج هذه الأخبار هو بوجهين:
    (الوجه الأول):أن نطرح الأخبار الموجودة في مصادرنا لأجل موافقتها لأخبار العامة،وذلك لما ورد عنهم في الصحيح بردِّ الأخبار المنسوبة إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام مع موافقتها لأخبار العامة لأن الرشد في خلافهم لكثرة ما لفقوه على نبينا وأئمتنا الطاهرين عليهم السلام من الكذب والإفتراء للتنقيص من قدرهم حتى يتساووا مع خلفاء الضلالة بالنقائص والعورات.
    ولكنَّ الطرح وإنْ كان هو القاعدة الأساسيَّة في ترجيح خبرٍ على خبرٍ آخر أو طائفة على طائفة أُخرى في حال عدم إمكان الجمع بين المتعارضات ـــ ضمن شروط ليس ههنا محلُّها ـــ وأمّا في حال إمكان الجمع بين الأخبار المتنافرة فلا مانع من إعمال وإستخدام قواعد الجمع الدلالي الذي عمل به مشهور فقهاء الطائفة المحقة،من هنا كانت القاعدة التالية (الجمع أولى من الطرح) هي المعوَّل عليه في قواعد الجمع الفقهي بين الأخبار المتنافرة عرضاً،بشرط عدم الإخلال بالأسس الأصيلة في الكتاب والسنّة الدالة على تنزيه المعصوم عليه السلام عن الدنس والجهل والرجس،بالإضافة إلى شرط آخر في قواعد الترجيح وهو أن يكون أحد الخبرين المتعارضين أكثر ملائمة وموافقة للقرائن الخارجية التي تثبت صحة أحدهما وترجحه على الآخر،وحيث إن أخبار اللدّ بالسمّ بواسطة عائشة وحفصة فيها ما يؤيدها من القرائن الخارجية ،وحيث إنَّها أكثر قبولاً من معارضها من الناحية العقلية والشرعية،وحيث إن أخبار اللدِّ عند المخالفين أقل بكثير من أخبار سمِّ اليهودية،يتعيَّن علينا الأخذ بأخبار اللدّ وطرح أخبار سمِّ اليهوديَّة للشروط التي أشرنا إليها آنفاً.
    (الوجه الثاني): أن نأخذ بكلا الطائفتين من الأخبار المتعارضة وذلك لإمكانية الجمع بينهما دون أن يترتب عليه محذور شرعيّ أو عقليّ ،لذا لا مانع من الأخذ بهما معاً وبالتالي  يكون كلا السمّين دخيلين في شهادته صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    والتحقيق الدقيق عندنا هو الوجه الأول لأقوائيته وترجّحه على الوجه الثاني وخلوه عن الإشكالات التي سوف نعرضها على العلماء المحققين والفقهاء الورعين والفُطُن من المتعلمات والمتعلمين...وقد سبق منَّا في بحوثنا السابقة الميل إلى ما ذهب إليه المحدِّث المجلسيّ في الجزء السابع عشر /باب وفاة النبيِّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنَّ سمَّ اليهوديّة ثم سمَّ عائشة لهما دخلٌ في شهادة النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم جمعاً بين الأخبار المتعارضة،ولكنّنا عدلنا عنه بعد التحقيق الدقيق فيه ،وجدناه غير صالحٍ لوجود خللٍ فيه وذلك لعدم توفر شروط الجمع الدلالي الذي يجب توفره فيه،ومن أهمها التكافؤ بين الخبرين المتعارضين ،ولا تكافؤ في البَين،لوهن أخبار سمِّ اليهودية وإضطرابها وتشوشها وموافقتها لأخبار المخالفين،فهي ساقطة من أساسها ،فلا تصلح لمعارضة أخبار سمِّ عائشة،وبالتالي فلا يصح الإعتماد عليها لا منضمةً إلى أخبار سمِّ عائشة ولا مستقلةً بطريقٍ أولى....
      وإذا اتضح ما ذكرنا لا يكون ما ذكره المجلسيّ رحمه الله وجهاً نقيَّاً لعلاج المعارضة الذي ادَّعاه،فالصحيح ما ذكرناه،والله تبارك شأنه هو العاصم فهو حسبنا ونعم الوكيل.
     
    أخبار سمّ اليهوديَّة يوم خيبر مضطربة ومشوَّشة
    لقد دلت بعضُ الأخبار في مصادرنا كما هو في مصادر المخالفين بان النبيَّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد سمَّته إمرأة يهودية في السنة السابعة بعد معركة خيبر،وهذه الأخبار هي حصيلة الجمع بين أخبار الخاصة والعامة في الوجه الثاني المتقدِّم،وهو ضعيفٌ جداً لا يصلح لمقاومة الوجه الأول،لذا فإنَّ لدينا عدة قرائن قطعيَّة تثبت زيف الأخبار الدالة على سمّ اليهوديَّة في الوجه الثاني،ونحن نستعرض هذه القرائن تباعاً بالوجوه الآتية:
    (الوجه الأول):لقد أجمعت كلُّ هذه الأخبار على أن النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يأكل من الذراع المسمومة لأنَّه صلوات ربي عليه أخذها فلاك منها مضغة فلم يُسغها ثمَّ لفظها،بل في بعض هذه الأخبار أن الذراع تكلمت بقدرة الله فقالت:يا رسول الله لا تأكلني فإنّي مسمومة،فإذا لم يأكلها أو أنَّه لفظها بعدما لاكها في فمه ثم بصقها فكيف يمكن أن يتسرب السمُّ إلى جوفه ويؤثر أثره العجيب مدة ثلاث أو أربع سنين على أبعد تقدير ؟؟!! فهل يعقل أن لا يؤثر السمُّ على جسمه المبارك مباشرة بعد مضغه لقطعةٍ منها في حين أنَّه أثَّر عليه بعد سنين ؟؟!!...فالفارق الزمني الطويل الفاصل بين المضع والموت كفيلٌ بردِّ هذه الدعوى المناهضة لقانون الصحة فضلاً عن قواعد ترجيح الأخبار بعضها على بعض..!.إذ كيف يتصوَّر الجمع بين الأخبار القائلة بأنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يأكل أصلاً من الشاة المسمومة لا مضغاً ولا إزدراداً ـــ أي بلعاً ـــ وبين الأخبار القائلة بأنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّممضغها ثمَّ لفظها وبين الأخبار القائلة بأنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أكل من الذراع ما شاء الله تعالى ثم نطق الذراع قائلاً كيا رسول الله إنِّي مسموم فتركه...؟؟!! وهل يصحُّ الجمع بين المتناقضات يا أُولي الألباب ؟؟!!.
    فذلكة الكلام:أنَّ طبيعة السموم فتكها لضحاياها في أيامٍ معدودات ولا تمهلهم سنين متمادية لتقضي عليهم،وهو أمرٌ ملحوظٌ في تجارب السموم في التاريخ ،والطبُّ الحديث يؤيده،كما أن الروايات الصحيحة عند القوم تؤيد عدم أكل النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم من طعام خيبر كما أشار البخاري إلى بعضٍ منها في صحيحه،وعليه فإن هذا دليلٌ على أن قضية موت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بسمّ خيبر مكذوبة من أساسها وبالتالي فإن ما روي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله: " ما زالت أكلة خيبر تعاودني كلَّ عام " محبوكة بالتلفيق والكذب عليه صلوات الله عليه وآله،لفقها عليه إعلام السلطة المغتصبة وألقوا تبعتها على أكلة خيبر .
    (الوجه الثاني):لم تروِ رواية واحدة تشير إلى معاناة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم من مرضٍ جسديّ بسبب الأكل من طعام خيبر أو غيره،بل العكس هو الصحيح فقد جاء في سيرته الشخصيَّة قوة نشاط في بنيته الجسديَّة وكان يمارس ويزاول أعماله وحروبه بشكلٍ طبيعيٍّ سيَّما أنَّه شارك في معارك كبرى بعد معركة خيبر كمعركة حنين وحرب بني قريظة وصلح الديبية وفتح مكة وغير ذلك ولم يروَ أنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم عانى من ضعفٍ بسبب أكلة خيبر مما يعني أن القضية فيها ما فيها من التلفيق والتزوير ..!!.
    (الوجه الثالث):إنَّ أكثر أخبار سمّ اليهوديَّة ضعيفة السند،ولو فرضنا جدلاً صحة أسانيدها ـــ وفرض المحال ليس محالاً ـــ إلاَّ أنَّ متونها ودلالاتها غير سليمة وليست نقيَّةً،ولا يجوز التعويل في مثل المقام على روايات غير نقية السند والدلالة لكونه من الركون إلى التقول على شخص النبيِّ الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم بغير علمٍ،وهو موجب لأليم العذاب وسوء الحساب .
    (الوجه الرابع):إنَّ هذه الأخبار في هذه الطائفة مضطربة في متونها ومشوَّشة في دلالاتها،فمنها يقول:أنَّ الضحيَّة التي ماتت من أصحاب النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بفعل الأكلة من الشاة هي:البراء بن معرور،وفي بعضٍ آخر أنَّه:بشر بن براء بن معرور،وفي ثالثة أنَّه:بشر بن البراء بن عازب...
    (الوجه الخامس):أنَّ أرباب التراجم (سيَّما إبن الأثير الجزري في أُسد الغابة في معرفة الصحابة في ترجمة البراء بن معرور ) يقولون:أنَّ البراء بن معرور قد توفيَّ قبل أن يهاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة بشهرٍ،والشاة المسمومة إنَّما كانت في السنة السابعة بعد الهجرة،فكيف يكون البراء بن معرور قد مات من أكلةِ خيبر في حين أنَّه مات قبلها بسبع سنين؟!.وأمَّا إذا كان المقصود بالضحيَّة هو بشر بن البراء  الذي مات في خيبر كما يقول إبن الأثير،فمردودٌ أيضاً وذلك لمعارضته للأخبار الأخرى الدالة على أن الضحية كان البراء وليس إبنه،لأن أكثر الروايات تصرَّح بأن الذي مات من الأكلة إنَّما هو البراء وليس إبنه بشر،فترجَّح روايات البراء على الرواية الأخرى المصرِّحة بإسم إبنه بشر،وحيث إن روايات البراء مضطربة بذاتها فلا تصلح حينئذٍ للإعتماد عليها فضلاً عن أن تكون مرجّحةً على غيرها من الروايات.
    (الوجه السادس): الأخبار تقول:أن اليهوديَّة هي زوجة سلام بن مشكم،وفي أخبار أُخرى تقول أنَّها:زوجة عبد الله بن مشكم،وفي ثالثة أن إسمها زينب،وفي رواية رابعة أن إسمها عبدة...فتنوع الأسماء بالمرأة اليهودية يؤدي بها إلى إختلالها من أساسها وهذا مسوِّغ شرعيٌّ لسقوطها عن الحجيَّة .
    (الوجه السابع):على فرض أنَّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أكل من الشاة المسمومة،فكيف للسمِّ أنْ يستمر بجسمه الشريف أكثر من أربع سنين دون أيّ تأثيرٍ،ثمَّ بعد ذلك يتوفى بسببه؟!.
    (الوجه الثامن):لو تنازلنا عن كلِّ المحاذير المتقدِّمة ثم فرضنا  جدلاً أنَّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم أكل من الذراع المسمومة ولكنَّه ليس سبباً وافياً وكافياً بكونه العلَّة الرئيسة بموته حسبما يدَّعي المخالفون وبعض الجهلة من علماء الشيعة بل ثمة عاملٌ آخر أدَّى إلى الموت وهو السمُّ الآخر الذي دسته عائشة وحفصة للنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم في دوائه،لأن بعض الأخبار العاميّة  تشير إلى أنَّ النبيَّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعانِ من مرضٍ بسبب السمِّ ولا أصابته حمى شديدة كالتي أصابته يوم أعطى الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم أمراً بتجهيز جيش أُسامة،فقد أشار إبن سيّد الناس في كتابه عيون الأثر ج2ص281أن النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر بحملة أُسامة يوم الإثنين،فلمَّا كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجعه وصدع.
    ومما يؤكد ما ذكرنا :أن الحزب القرشي المتمثل بأبي بكر وعمر وأعوانهما قد عرفوا هدف الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم من أمرهم بالإلتحاق في جيش أسامة لمحاربة الروم في بلاد الشام، ومن المؤكد أيضاً أن النبيَّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد بإرسالهم في جيش أسامة هو أمران:أحدهما، إبعادهم عن المدينة ليصفو الوضع لإبن عمه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الذي نصّبه وليَّاً على المسلمين بأمرٍ من الله تعالى،وثانيهما،القضاء عليهم في تلك الغزوة التي لو التحقوا بها لكانوا في عداد الموتى قطعاً وذلك لجبنهم وعدم قدرتهم على القتال،بل لم يعهد منهما أنهما خاضا حرباً في معركة على الإطلاق مع وجود سيّد العالم وبطل الأبطال مولانا إمام المتقين عليّ عليه السلام ،فكيف بهم يخوضون حرباً ضروساً دون معين لهم ولا نصير من أحد أولئك الذين خاضوا معارك البطولة دون خوف أو وجلّ..!!! لهذين السببين المضافين إلى أسباب أُخرى كالطمع بالخلافة والقضاء على أهل بيت النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وتغيير معالم الشريعة المحمدية والولاية العلوية الفاطمية،كلُّ هذه الأسباب دعت الحلف القرشي أن يضع الخطط للتخلص من الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بشكلٍّ سريٍّ ماكرٍ لئلا يُفتضحوا أمام المسلمين..!!.
    (الخلاصة): لقد أوعز أبو بكر وفصيله عمر إلى إبنتيهما ليضعا السمَّ لرسول الله بجرعة بسيطة لا تؤدي إلى الموت السريع في طعامه حتى يصورا للناس بأنَّه محموم وهو بحاجة إلى الدواء،وهكذا كان،فقد سمُّوا النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بدهاءٍ عظيمٍ قلمَّا يتفطنُ إليه أكثرُ الناس...وعلى ضوء ذلك أصابت  الحمى الخفيفة النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم بعد ذلك بدءا بوضع السمّ قليلاً فقليلاً وعاونهم أناسٌ آخرون من غير بني هاشم(1) ليقوى عليه المرض بسبب السمّ في الدواء ..إلى أن  فارق الدنيا مظلوماً مكروباً مغموماً محزوناً على أهل بيته الطاهرين وما سيصيبهم من الأذى من قومه وبعض أصحابه ونسوته...وبسمّهما لرسول الله خرجتا من الدين، من هنا أعربت الآيةفي سورة التحريم أنهما أي عائشة وحفصة قد كفرتا بما فعلتاه برسول الله قال تعالى(وإذا أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره اللهُ عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا؟قال نبأني العليم الكبير، إن تتوبا إلى الله فقد صغت_أي زاغت_قلوبكما وإن تظاهرا عليه_أي تتفقان على قتله_ فإن الله هو مولاه وجبريلُ وصالحُ المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير...) التحريم 3_4 وفي رواية في البحار ج22 ص 246 ح17 تدل على أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أراد قتل أبي بكر وعمر فنهاه الله عز وجل عن ذلك فراجع.

    (1) وإن كانت بعض مصادرهم تتهم العباس بن عبد المطلب في عمليّة اللد حتى إذا انكشف أمرهم قالوا للناس أن العباس لدَّه بالسم لأجل الخلافة .

    هذا ما أحببنا إيراده على قضيّةٍ مهمة حاول المخالفون التغطية عن مرتكبيها دون النظر إلى خلفيات الإنقلاب على السلطة الشرعيَّة وما فعلوه بالرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا كان على فراش الموت وما نعتوا به نبيُّهم الكريم بعبارات يستحي إنسانٌ كافر نعت النبيّ به،ودون النظر إلى ما فعلوه بإبن عمِّه ووصيِّه أمير المؤمنين عليّ وإبنة رسولهم الكريم سيِّدة النساء الصدِّيقة الكبرى الزهراء البتول عليها السلام،ودون النظر إلى ما كانت عائشة وحفصة تكنانه من المشاكسة والبغض لرسول الله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وما كان يظهره النبيُّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم من تحذير لهما وعلى وجه الخصوص عائشة،إلى غير ذلك من الخلفيات الكثيرة التي لم نرد إثارتها حرصاً على سير بحثنا العلمي المختصر ههنا،وللتفصيل الإستدلالي الأعمق له مجالٌ آخر ،نأمل منه تبارك اسمه وتعالى مجده أن يوفقنا لذلك وأن يلهمنا معرفة الحقائق وتقبل الحقّ مهما كانت نتائجه مُرَّة،سائلاً الله عزَّ ذكره أن يمنَّ علينا بفرج مولانا الإمام المعظَّم المهديّ المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)وأن يردَّ كيد من أراد به كيداً وأن يحفظه ويحفظ شيعته الموالين والواقفين على الثغر المحاذي لإبليس وجنوده،وهو حسبنا ونعم الوكيل ،والحمد لله ربّ العالمين وصلواته على رسوله محمد وآله الغرّ المطهرين عليهم السلام آمين.

    حرّرها الراجي رضا إمامه المولى المعظَّم الإمام بقيَّة الله المهديّ المنتظر(عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) عبده محمد جميل حمود العاملي
    جبل عامل ،بتاريخ 27صفر1431هـــ الموافق يوم الأربعاء 2شباط 2011م .

  • 1

    بحسب المتحدّث رشيد البرغوثي، تقدَّم "اثنان أو ثلاثة من أولياء أمور" التلاميذ بشكوى إلى إدارة هذه المدرسة الابتدائيّة، مفادها أنّ رسما كاريكاتوريا يُظهر النبي قد عرِض أمام "أولاد في الصفّين الخامس والسادس" من مرحلة التعليم الابتدائي.

    أوقِف مدرّس عن العمل هذا الأسبوع في بروكسل بسبب عرضه على تلاميذه الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و11 عاما، رسما كاريكاتوريا للنبي محمد عليه السلام نشرته صحيفة شارلي إيبدو.
    وهذه المعلومات التي كشفتها صحيفة "لا ليبر بلجيك"، أكّدها لوكالة فرانس برس المتحدّث باسم منطقة مولينبيك التي جرت فيها الوقائع.
    وعلِم مدير المدرسة بمبادرة المدرّس، فأبلغ السلطات المعنيّة المتمثّلة بأعضاء المجلس البلدي. وقال البرغوثي؛ إنّ السلطة المعنيّة استمعت إلى المدرّس الخميس وقد تمّ فصله.
    وقد اختار المدرّس أن يعرض الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته شارلي إيبدو، في إطار درس حول حرّية التعبير، بعد أن اغتيل هذا الشهر مدرّس فرنسي عرض على تلاميذه رسوما كاريكاتوريّة عدّة تُصوّر النبي محمد  عليه السلام.

  • 1

    أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر، المعروف بالخطيب البغدادي صاحب كتاب تاريخ بغداد يحدث بسنده عن ابن عباس بانه قال :
     كُنْتُ أَنَا وَأَبِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَالِسَيْنِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَشَّ بِهِ وَقَامَ إِلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ،
    فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُحِبُّ هَذَا؟
    فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَلَّهُ أَشَدُّ حُبًّا لَهُ مِنِّي، إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذُرِّيَّةَ كُلِّ نَبِيٍّ فِي صُلْبِهِ، وَجَعَلَ ذُرِّيَّتِي فِي صُلْبِ هَذَا "
    تاريخ بغداد ت بشار : الخطيب البغدادي    ج : 2  ص : 158

  • 1

    السيد منير الخباز
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ورد عن الرسول محمدٍ أنّه قال: ”حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسينًا وأبغض الله مَنْ أبغض حسينًا“
    صدق الرسول الكريم

    الحديث الشريف له خمسة معانٍ نتعرض إليها على نحو الاختصار:

    المعنى الأول: العلاقة النورية.
    كثرت النصوص الدالة على وجود عالمٍ يسمّى بعالم الأنوار، الفلاسفة يقسّمون العوالم إلى عوالم متعدّدة: عالم اللاهوت وهو عالم الأسماء الصفات، وعالم الناسوت وهو عالم المادة، وعالم الجبروت وهو عالم العقول الكلية، وعالم الملكوت وهو عالم الأرواح، هناك عالمٌ سبق هذا العالم المادي وهو عالم الأرواح المسمى عندهم بعالم الملكوت، أي أنّ الله خلق الأرواح جميعًا في عالم قبل خلق المادة وهذا ما عبّر عنه الرسول محمدٌ في بعض أحاديثه: ”الأرواح جنودٌ مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف“، عالم الأرواح المسمّى بعالم الملكوت كان جزءٌ منه خُلِقَ للأرواح النورية، يعني جزء من عالم الملكوت كان يضم الأرواح النورية وهي الأرواح التي تفيض نورًا وطهرًا وقدسًا، كان تسبيحًا وتهليلاً وتكبيرًا لله تبارك وتعالى، هناك مجموعة من الأرواح كانت أرواح نورية لا تعرف إلا التسبيح والتهليل وهي أرواح محمدٍ وآلِ محمدٍ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

    وهذا ما أشارت إليه بعض النصوص كما في زيارة الجامعة الكبيرة: ”خلقكم الله أنوارًا فجعلكم بعرشه محدقين حتى منّ علينا بكم فجعلكم في بيوت - يعني صار لقاء في عالم المادة - فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه“ وفي زيارة الحسين : ”أشهد أنك كنت نورًا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها“ وفي الحديث عن النبي المصطفى : ”إنّ الله خلق نوري ونور علي بن أبي طالب قبل أن يخلق الكون“ المقصود بالكون عالم المادة.

    إذن عالم الأرواح النورية كان هناك نورٌ واحدٌ يسبّح الله ويهلّله وهذا النور الواحد يتصل بعضه بالبعض الآخر، أوله بآخره وآخره بأوله، إذن ”حسينٌ مني“ إشارة إلى ذلك العالم، إشارة إلى العلاقة النورية، ”حسينٌ مني وأنا منه“ يعني أنّ نورنا نور واحد، بيننا علاقة نورية منذ أن خلق الله وبرأ الله عالم الملكوت فبيننا علاقة نورية منذ ذلك العالم، وهذا طبعًا يشترك فيه الحسين وغير الحسين ولذلك في بعض الأحاديث الشريفة: ”إنّ عليًا مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي“.

    المعنى الثاني: العلاقة النفسية.
    الإنسان عندما يريد أن يعبّر عن حبّه لشخص من الأشخاص، عندما يقول أن أحب فلان وفلان يحبّني، من أجل أن يعبّر عن عمق المحبة وعن عمق المودّة وعن وثاقة العلاقة القلبية والودية بني الروحين، روح فلان تعشقني وروحي تعشق روح فلان، لكي أعبّر عن حالة العشق والمحبة والمودة بيننا أقول: «فلان مني وأنا منه» أي أنني أشعر أنّ نفسه هي نفسي التي بين جنبيه وهو يشعر أنّ نفسه هو نفسي التي بين جنبيّ، إذن العلاقة النفسية بيننا علاقة وثيقة وعميقة إلى حدّ كلٌّ منّا يعتبر نفسه نفس الآخر وأنّ الآخر منه وهو من الآخر، ”حسينٌ مني وأنا من حسين“ إشارة إلى عمق العلاقة النفسية بينهما، ولذلك كان الرسول محمدٌ يظهر حبه ويظهر علاقته القلبية بولده الحسين، يلثمه ويقبله ويقعد الحسين على ظهر جدّه رسول الله وهو ساجد فيبطئ في السجود رفقًا بالحسين ، وإذا رآه دخل المسجد ترجّل من المنبر واحتضنه إلى صدره وقال: ”حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا وأبغض الله من أبغض حسينًا حسينٌ سبط من الأسباط“.

    المعنى الثالث: العلاقة الاعتبارية.
    الوجود كما يقسّمه العلماء ينقسم إلى وجود حقيقي ووجود اعتباري، ما هو الفرق بين الوجود الحقيقي والوجود الاعتباري؟ مثلاً: الإنسان وجوده الحقيقي انحدر من أبيه وأمه، وجود الحقيقي تحقّق وانحدر من قبل أبويه أبيه وأمه، هذا وجوده الحقيقي، ولكن ربّما يحصل الإنسان على وجود اعتباري غير وجوده الحقيقي، ربّما يصبح هذا الإنسان إنسانًا عالمًا، فكونه إنسانًا عالمًا يعطيه نوعًا من الوجود يسمى بالوجود الاعتباري غبر وجوده الحقيقي، ربّما هذا الإنسان يصبح صاحب ثروة هائلة ومن خلال ثروته أو منصبه الاجتماعي يكتسب نوعًا آخر من الوجود يسمى بالوجود الاعتباري فالوجود الحقيقي هو الوجود المنحدر من الأبوين، الوجود الاعتباري هو الوجود الذي يكتسبه الإنسان من خلال عنوان من العناوين الاجتماعية، ككونه إنسانًا عالمًا أو كونه إنسانًا ثريًا أو كونه إنسانًا مصلحًا أو أي شيء آخر، هذا يسمى بالوجود الاعتباري.

    أحيانًا الإنسان ينتسب إلى وجوده الاعتبار ولا ينتسب إلى وجوده الحقيقي، لأن وجوده الاعتباري أكبر وأقوى من وجوده الحقيقي، مثلاً: لو كانت أمه من عائلة معروفة بالعلم أو معروفة بالثروة وأبوه من عائلة مغمورة غير معروفة فإنّه ينتسب إلى عائلة أمّه، لماذا؟ لأن الوجود الاعتبار وليس في عائلة أبيه، فيظهر أنّه منتسب لهذه العائلة وأنّه منحدر من هذه العائلة لأن وجودها الاعتبار أقوى من الوجود الحقيقي الذي لديه.

    الحديث الشريف عن النبي عندما يقول: ”حسينٌ مني وأنا من الحسين“ يشير إلى الوجود الاعتباري، الحسين له وجود حقيقي من علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما، هذا الوجود الحقيقي، لكن للحسين وجود اعتباري وهو كونه ابن محمدٍ المصطفى ، النبي لم يخلّف أولاد، لم يخلّف إلا فاطمة صلوات الله عليها، بما أنّه لم يخلّف أولاد من بعده نُسِبَ الحسنان إليه فقيل عنهما: ولدا رسول الله، وقال عنهما المصطفى: ”ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا“ إذن الحسين كان له وجود اعتباري يتشرّف به ويظهر به ويتشبّث به ألا وهو أنّه يعدذ بين أبناء المجتمع الإسلامي ولد النبي المصطفى .

    وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين يوم صفين، الإمام علي يوم صفين أعطى الراية راية القتال لولده محمد بن الحنفية وتقدّم محمد بن الحنفية يقود الجيوش المقاتلة، اعترض بعض الأصحاب، قالوا: يا أبا الحسن! كيف قدّمتَ محمد وعندك الحسن والحسين والحسنان أفضل من محمد؟ قال: ”أما تدرون؟ محمد ولدي أزجّ به في المهالك والحسن والحسين ولدا رسول الله أحافظ على حياتهم وأقيهما وأفديهما“ إذن الانطباع العام عن الحسن والحسين أنّهما ولدا رسول الله ، وكان هذا الانطباع يحافظ عليه الإمام أمير المؤمنين ، هذا نسميه بالوجود الاعتباري. إذن ”حسينٌ مني“ يعني حسينٌ يستمدّ وجوده الاعتباري منّي أنا، يستمدّ حيثيته ووجوده الاعتباري منّي أنا لأنه يُنْسَبُ إليّ بحسب العرف الإسلامي والاجتماعي في المجتمع الإسلامي آنذاك.

    ”وأنا من حسين“ أيضًا إشارة إلى الوجود الاعتباري، النبي له وجود حقيقي ووجوده حقيقي امتدّ في أولاد الحسين وفي أولاد الحسن، لم يختص بأولاد الحسين، الوجود الحقيقي للنبي امتدّ في ذرية أولاد الحسين وأولاد الحسن، ولكنّ الوجود الاعتباري للنبي اختصّ بالحسين ، صحيحٌ أنّ أولاد الحسين وأولاد الحسن كلاهما، كلا الطرفين ذريته، كلا الطرفين امتداده، ولكنّ الوجود الاعتباري للنبي المصطفى وهو وجود العلم، وجود العصمة، وجود التقوى، وجود المعرفة، الوجود الاعتباري للنبي اختصّ بالحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه، فلولا الأئمة من ذرية الحسين لما تحقّق للنبي وجود اعتباري، فالوجود الاعتباري للنبي اكتسبه من الحسين، إذن الحسين اكتسب وجود الاعتباري من النبي، والنبي اكتسب وجوده الاعتباري من الحسين لأنه امتدّ في الأئمة الهداة من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    إمامُ الهدى ثقلُ النبوةِ والدُ الأئمةِ
    وفيهِ   رسولُ   اللهِ  قالَ  وقولُهُ
    حبي   بثلاثٍ   ما  أحاطَ  بمثلها
    له   تربةٌ   فيها   الشفاءُ  وقبةٌ
    وذريةٌ     ذريةٌ    منه    تسعةٌ     

    ربُّ   النهي   مولىً   له  الأمرُ
    صحيحٌ صريحٌ ليسَ في ذلكم نكرُ
    نبيٌ  فمن زيدٌ هناك ومَنْ عمرو
    يجابُ بها الداعي إذا مسّهُ الضرُّ
    أئمةُ  حقٍ  لا  ثمانٍ  ولا  عشرُ

    المعنى الرابع: العلاقة العرفانية.
    الحديث عن النبي المصطفى محمدٍ : ”الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق“ الإنسان يسير نحو الله، حتى الإنسان الكافر، حتى الإنسان العاصي، كلّ إنسان يسير نحو الله من حيث يشعر أو لا يشعر، ﴿أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ «1»، كلّ إنسان يسير إلى الله تبارك وتعالى، غاية ما في الأمر الإنسان المؤمن يلتقي مع الله من خلال صفة، والإنسان الكافر يلتقي مع الله من خلال صفة أخرى، الإنسان المؤمن يلتقي مع الله من خلال صفة الرحمة، فيجد رحمةً ورضوانًا، والإنسان الكافر يلتقي مع الله من خلال صفة «شديد العقاب»، كلّ إنسان يسير نحو الله ويلتقي مع الله يومًا من الأيام من خلال صفة من صفاته ووجهًا من وجوهه تبارك وتعالى.

    ”الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق“، كلّ إنسان لو فتّش في قلبه لرأى طريقًا يوصله إلى الله ليس عند الطرف الآخر، هناك إنسان يصل إلى الله عبر العلم، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾«2» هناك إنسان يصل إلى الله عبر الأخلاق العالية، الأخلاق أحيانًا توصلك إلى الله وإن لم تكن إنسانًا عابدًا ولا عالمًا، وهناك إنسان ذلك يصل إلى الله عبر العبادة، ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ «3»، إذن الطرق إلى الله تختلف باختلاف طاقات البشر وواهب البشر وملكات البشر، ”الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق“، وهناك أناسٌ يصلون إلى الله تبارك وتعالى عبر الوسيلة، ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ «4» وسيلتي إلى الله، أنا أصل إلى الله عبر فاطمة الزهراء سلام الله عليها، فاطمة الزهراء مظهر من مظاهر الله، فاطمة الزهراء تجلٍ من تجليات الله، ”فاطمةٌ بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها“ فاطمة صورة، مظهر، تجلٍ من تجليات الله تبارك وتعالى، أنا أصل إلى الله من خلال فاطمة، من خلال التأمّل في سيرة فاطمة، من خلال الارتباط بخطّ فاطمة أصل إلى الله تبارك وتعالى، هذا طريق إلى الله.

    الحسين بن علي كان طريقه إلى الله النبي محمد ، كان الحسين بن علي يتخذ رمزًا بنيه وبين الله، يتخذ شعارًا بنيه وبين الله يجعله طريقًا إلى الله، ذلك الرمز وذلك الشعار وتلك الوسيلة التي اتخذها الحسين في وصوله إلى ربّه هي جدّه النبي المصطفى .

    وكان النبي المصطفى مع أنّه أشرف الخلق، مع أنّه أفضل الخلق، مع أنّه أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، كان النبي المصطفى كما في بعض الروايات يتوسّل بالحسين بن علي إلى الله تبارك وتعالى، الحسين بن علي بلغ بشهادته وصبره وتحمّله وما لقي في سبيل فدائه للإسلام والمبادئ والقيم حصل على شأن عظيم وحصل على عظمة كبيرة إلى حدّ كان النبي يرى الحسينَ وجهًا من وجوه الله ويرى الحسينَ مظهرًا من مظاهر الله في صبره وجلده وقوة إرادته وقوة تحمّله وعرفانه وارتباطه بالله تبارك وتعالى.

    وليس هذا غريبًا فالنبي يوم المباهلة توسّل بالأطهار صلوات الله عليهم أجمعين لما نزل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ «5»، يذكر الزمخشري في كشّافه والرزاي في تفسيره: خرج النبي وبيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين وخلفه فاطمة وخلف فاطمة علي، وهو يقول: ”إذا دعوت فأمّنوا“، فلمّا رآهم أسقف نصارى نجران قال: إنّي أرى وجوهًا لو أقسمت على الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها فلا تباهلوهم فتهلكوا.

    إذن النبي عندما أخذ الأربعة معه كان يتوسّل بهم إلى الله، كان يريد أن يقول للأمّة: إذا أردتم وسيلة إلى الله فالوسيلة الأسمى والوسيلة الأجلّى هم هؤلءا الصفوة المطهّرة الطاهرة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ «6». ”حسينٌ مني“ حسينٌ يستمدّ طريقه إلى الله مني، ”وأنا من حسين“ وأنا أتخذ من الحسين رمزًا ووسيلة وشعارًا إلى الله تبارك وتعالى.

    المعنى الخامس: العلاقة الخطية والمنهجية.
    لولا النبي لما ثار الحسين، ولولا الحسين لما بقي دين النبي ولما بقي ذكر النبي، ”حسينٌ مني“ يعني الحسين استقى ثورته مني، استقى حرارته ولهيبه مني، استقى صرخته وصموده مني، الحسين ماذا قال؟
    إن كان دين محمدٍ لم يستقم           إلا  بقتلي  يا سيوف خذيني

    والنبي ماذا كان يقول؟ كان يتقدّم المقاتلين وهو يقول: ”أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب“، الحسين ماذا كان يقول؟ كان يقول: ”ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلة“ والرسول ماذا كان يقول؟ كان يقول: ”واللهِ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه“.

    إذن الحسين استقى خطّه واستقى طريقه من النبي المصطفى، استقى الصمود وقوة الإرادة وقوة التحدي وأصبح إعصارًا لا يلين ولا يتنازل ولا يتردّد ولا يتراجع، ”لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد“، أصبح صمودًا وعنفوانًا أمام أعاصير الأعداء وأراجيفهم استقاءً واستمدادًا من خطّ النبي المصطفى محمدٍ . فحسينٌ مني وأنا أيضًا من حسين، لولا دم الحسين لما بقيت، لولا دم الحسين لخمد ذكري، لولا دم الحسين لانقرض وجودي، لولا دم الحسين لتبخّرت جميع طاقتي وجميع مشاريعي وجميع أتعابي، إذن جهود النبي، طاقات النبي، مشاريع النبي، جراح النبي، كلّها لولا دم الحسين لتبخّرت وانقرضت.

    جاء رجلٌ للإمام زيد العابدين ، قال له: أيهما انتصر: أبوك أم يزيد بن معاوية؟ وكان يظن هذا المسكين أنّ النصر هو النصر العسكري ولم يدرِ أنّ النصر هو النصر المعنوي التاريخي السماوي، قال له علي بن الحسين: ”إذا دخل وقت الصلاة وسمعت المؤذن ينادي:“ أشهد ألا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله ”ستعرف من انتصر أبي أم يزيد بن معاوية“.

    إذن علي بن الحسين يريد أن يقول: إنّ أبي ما ثار إلا لأجل إبقاء ذكر النبي، لأجل إبقاء مشاريع النبي، لأجل إعلاء راية النبي، فإذا بقي ذكر النبي ورايته عالية مرفرفة إذن فالمنتصر هو الحسين، فولا الحسين لما بقي النبي، ”حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا وأبغض الله من أبغض حسينًا، حسينٌ سبط من الأسباط“.

    وبقي الحسين وبقيت كربلاء رمزًا لا للحسين بل رمزًا للنبي المصطفى، رمزًا لجهاد النبي، لبطولة النبي، لأخلاق النبي، لقيم النبي، لمبادئ النبي المصطفى ، بقيت كربلاءُ هذه البقة المباركة بقعة أخرى كالمدينة المنورة ومكة المكرّمة، بقيت كربلاءُ منارًا آخر يضمّ إلى المنارين السابقين، فالنبي له منارات متعددّة، ومن مناراته أرض كربلاء، هذه البقعة الطاهرة، هذه البقعة التي هي بقعة من الجنة، بقعة ضمت الأجساد الطاهرة والأضرحة والقبور المشرقة المضيئة.
    ---------------------------------------------------------------------------
    [1]  سورة الانشقاق، الآية 6.
    [2]  سورة فاطر، الآية 28.
    [3]  سورة الحجر، الآية 99.
    [4]  سورة المائدة، الآية 35.
    [5]  سورة آل عمران، الآية 61.
    [6]  سورة الأحزاب، الآية 33.

  • 1

     

    رويت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أحاديث كثيرة في مناقب السيّدة خديجة عليها السلام، نسلّط الضوء على بعضاً منها:
    1. يا خديجة إنّ الله عزّوجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا(1).
    2. والله ما أبدلني الله خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس(2).
    3. خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله(3).
    4. خير نساء الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون)(4).
    5. خديجة سبقت جميع نساء العالمين بالإيمان بالله وبرسوله(5).
    6. أحببتها من أعماق فؤادي(6).
    7. أحبّ من يحبّ خديجة(7).
    8. لم يرزقني الله زوجة أفضل من خديجة أبداً(8).
    9. لقد اصطفى الله عليّاً والحسن والحسين وحمزة وجعفر وفاطمة وخديجة على العالمين(9).
    10. وقال صلى الله عليه وآله يخاطب عائشة: لا تتحدّثي عنها هكذا، لقد كانت أوّل من آمن بي، لقد أنجبت لي وحُرِمتِ(10).
    ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
    1. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 18، ص 243 – الأربلي، كشف الغمة، ج 2، ص 72.
    2. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 82 – ابن حجر، الإصابة، ج 4، ص 275.
    3. ابن الأثير، أسد الغابة، ج 5 ، ص 537.
    4. ابن عبد البرّ، الاستيعاب، ج 2 ، ص 720.
    5. الحاكم، مستدرك الصحيحين، ج 2، ص 720.
    6. البحراني، العوالم، ج 11، ص 32.
    7. محلاتي، رياحين الشريعة، ج 2، ص 206.
    8. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 80.
    9. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 37، ص 63.
    10. القاضي نعمان، شرح الأخبار، ج 3، ص 20.

  • 1

     

    يوافق الثامن والعشرون من شهر صفر الأحزان ذكرى وفاة سيد الكائنات محمد (ص)، فبهذه المناسبة أليمة نسلط الضوء على خصائص شخصيته العظيمة (ص).

    قال تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (۱)

    عندما يتعرض الإنسان إلى شخصية ؛ لابد أن يلاحظ فيها أبرز تلك الصفات التي اختصت بها ، والخصائص التي تميّزت بها ، فكيف به إذ يتعرض لشخصية أفضل خلق الله ، وخاتم الأنبياء والمفضل من قبل ربّ السماء ! ذلك الرجل الذي حارت فيه العقول .

    نعم حارت العقول ، وكيف لها أن لا تتحيّر في شخصية وصلت إلى الكمال المطلق ، فهذا أمير المؤمنين الذي حارت فيه عقول البشر ، يقول في رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( ما أنا إلا عبد من عبيد محمد (صلى الله عليه وآله) )) (۲) ، ولكن ما أعظمها من كلمة ؛ عندما يعبر بها هذا الرجل الذي له الكثير من المقامات ، والذي كان عبداً من عبيد محمد (صلى الله عليه وآله) .

    ولنا أن نتكلم وبشكل مختصر عن خصائصه التكوينية ؛ فخصائصه التكوينية التي دلت على أكمليته هي تلك الصفات التي اختصه الله سبحانه وتعالى ، وفضّله بها على سائر الأنبياء والمرسلين وعلى الخلق أجمعين ؛ لأنّ هذه الخصائص فيها أسرار جليلة لابدّ من إيكال علمها إلى الله تعالى والراسخين في العلم ، وهي على قسمين :

    الأول: ما اختص به من عالم الذر ، أو ما يسمى عالم الأنوار إلى عالم الدنيا من صفاته (صلى الله عليه وآله) .

    الثاني: ما اختص به (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة ، والتي منها يتضح لنا بعض تلك الأسرار التي جعلته أفضل الخلق ، وأفضل جميع الأنبياء والمرسلين

    ۱ـ الخلق النوراني :

    قد أشارت بعض الروايات(۳) الدالة على أنّ الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله) قبل خلق السماوات والأرض ، والعرش والكرسي ، واللوح والقلم ، والجنة والنار ، وقبل خلق آدم ونوح وإبراهيم ، وقبل أن يخلق الأنبياء كلهم بأربع مائة وأربعة وعشرين ألف سنة ، والتي دلّت أنّه سبّح الله وعبده قبل جميع العابدين والمسبّحين ، وأنّ الملائكة تعلّموا التسبيح منه .

    ۲ـ خلقه علة الإيجاد :

    وهذا مما دلت عليه الروايات أنه (صلى الله عليه وآله) علة غائية ؛ لإيجاد الخلق ، كما ورد في الحديث القدسي: (( لولاك لما خلقت الأفلاك )) (۴) .

    اخذ الميثاق منها : رواية عبدالأعلى عن الصادق (عليه السلام) ، والتي تدل على أنّ أخذ الميثاق من جميع الأنبياء لنبينا (صلى الله عليه وآله) : (( إن بعض قريش قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : بأيّ شيء سبقت الأنبياء ، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟ فقال : إني كنت أول من آمن بربي ، وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ، فكنت أنا أول نبي قال : بلى ، فسبقتهم بالإقرار بالله عزّوجل )) (۵) .

    وأيضاً دل على ذلك القرآن الكريم ، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (۶) .

    ولقد أكّد أغلب المفسرين على هذا المعنى بمفرد هذه الآية ، إلا أنّ صاحب الميزان له كلام في المقام ، يفهم منه أنّها تدل بمجموع سياق الآيات على المراد ، حيث قال : ” وما ذكره بعض المفسرين أنّ المراد بالآية أنّ أخذ الميثاق من النبيين أن يصدقوا محمداً (صلى الله عليه وآله) ، ويبشروا أممهم بمبعثه ، فهو وإن كان صحيحاً ؛ إلا أنّه أمر يدل على سياق الآيات دون الآية نفسها لعموم اللفظ ، بل من حيث وقوع الآية ضمن الاحتجاج على أهل الكتاب ولومهم وعتابهم على انكبابهم على تحريف كتبهم ، وكتمان آيات النبوة والعناد مع صريح الحق” (۷) .

    ۳ـ معجزته الخالدة :

    أعطى الله تبارك وتعالى كل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الآيات والمعجزات الدالة على صدقه وصحة ما جاء به عن ربه ؛ فيه كفاية وحجة لقومه الذين بعث إليهم , وهذه المعجزات كانت وقتية ، انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها .

    وأما نبينا (صلى الله عليه وآله) ؛ فكانت معجزته العظمى التي أختص بها دون غيره هي القرآن العظيم ، الحجة المستمرة الدائمة القائمة في زمانه وبعده إلى يوم القيامة ، كتاب خالد لا ينضب معينه ، ولا تنقضي عجائبه ،ولا تنتهي فوائده ، محفوظ بحفظ الله من التغيير والتبديل والتحريف، وقد بشره الله تعالى بذلك حيث قال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (۸) .

    وقال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (۹)

    ۴ـ التعظيم الرباني في الخطاب :

    من الخصائص التي دلت على أكمليته ؛ أنّ الله تعالى وقرّه في ندائه ، فناداه بأحب الأسماء وأسنى الأوصاف ، كقوله:  يا أيُّها الرَّسُولُ  (۱۰) ، و  يا أيُّها النَبِيُّ  (۱۱) ، وقد نادى الأنبياء بأسمائهم فقال:  يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ  (۱۲)، وقوله تعالى:  يَا إبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا(۳۱) ، وقوله:  يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّة (۱۴) .

    بل لم يكتف بذلك ؛ وإنما نهى حتى أمته أن تناديه : يا محمد ، بقوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(۱۵) ، فقد روي عن ابن عباس : ” أنّ الصحابة كانوا يقولون وينادون : يا محمد ! أو : يا أبا القاسمّ ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك إعظاماً لنبيه (۱۶) .

    ۵ـ اعتراف الجمادات له بالرسالة :

    منها: تسليم الحجر عليه (۱۷) ، وحنين الجذع إليه (۱۸) ، ونبع الماء من تحت أصابعه (صلى الله عليه وآله) (۱۹) ، فإنّه أبلغ في خرق العادة من تفجيره من الحجر ؛ لأن جنس الأحجار مما يتفجر منه الماء ، وكانت معجزته بانفجار الماء من بين أصابعه ؛ أبلغ من انفجار الحجر لموسى (عليه السلام) ، والتي لم تكن ولم تثبت لواحد من الأنبياء .

    ۶ـ الاسراء والمعراج

    ومما اختص به رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ معجزة الإسراء والمعراج فقد أسري به ببدنه وروحه ، يقظة من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس بإيلياء في جنح الليل , ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ، ثم إلى حيث شاء الله عز وجل ورجع مكة من ليلته .

    وأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذه الآية العظيمة بكرامات كثيرة , منها : ما رأى من آيات ربه , وإمامته للأنبياء في بيت المقدس .

    فدل ذلك على أنه هو الإمام الأعظم ، والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين .

    وقد ثبت الإسراء بالقرآن , كما ثبت المعراج بالمتواتر من الحديث , وإليه أشار القرآن قال الله تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(۲۰) ، وقال تعالى مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ٭ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٭ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى٭ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى٭ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ٭ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ٭فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى٭فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ٭ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ٭ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ٭ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ٭ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ٭ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ٭إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى٭ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى٭لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى(۲۱).

    ۷ـ مفاتيح وخزائن الارض

    أكرم الله عبده ورسوله محمداً (صلى الله عليه وآله) واختصه على غيره من الأنبياء ؛ بأن أعطاه مفاتيح خزائن الأرض ، وهي ما سهل الله تعالي له ولأمته من بعده من افتتاح البلاد المتعذرات ، والحصول على كنوزها وذخائرها ومغانمها ، واستخراج الممتنعات من الأرض ؛ كمعادن الذهب والفضة وغيرها .

    هذه بعض أوصافه ومزاياه التي ثبتت له في الدنيا وما قبلها

    ۸ـ خصائصه في الحياة الأخروية

    لقد ادخر الله تعالى لنبيه أسمى المراتب وأشرفها مقاماً ، فقد خصّه بالوسيلة ، وهي أعلى درجة في الجنة ، لا تنبغي لعبد من عباد الله .

    وأوّل شافع يوم القيامة ، بل له الشفاعة المطلقة ، بل صرّحت جملة من الروايات (۲۲) أنّه تحرم الجنة على الأنبياء حتى يدخلها النبي (صلى الله عليه وآله) ، وإكرامه بالحوض دون الأنبياء .

    كذلك ما دلّ على أنّ آدم وجميع من خلقه الله ؛ يستظلون تحت لوائه يوم القيامة ، كما صرّح بذلك (صلى الله عليه وآله) : ( بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمن دونه ) (۲۳) .

    فهل لنا أن نتعرّف على هذه الشخصية العظيمة والتي من أجلها فُضّلنا على سائر الأمم ؟! ولكن هذه الأمة في الواقع لم ترعَ له حقاً ، رغم ما عرفته من مكانته وأفضليته عند الله سبحانه وتعالى ، فلقد ابتلي (صلى الله عليه وآله) بهذه الأمة ، فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم .
    -----------------------------------------------------------
    ۱- النساء: ۱۱۳
    ۲- الكافي ۱ : ۹۰ / ۵ ، باب الكون والمكان
    ۳- انظر: الكافي ۳: ۴۸۲ـ۴۸۶، باب نوادر الصلاة ، الخصال: ۴۸۲ / ۵۵ ، معاني الأخبار : ۳۰۶ / ۱
    ۴- بحار الأنوار ۱۶ : ۴۰۶
    ۵- الكافي ۲ : ۱۰ / ۱
    ۶- آل عمران: ۸۱
    ۷- الميزان في تفسير القرآن ۳ : ۳۳۵ ـ ۳۳۶
    ۸-  الحجر: ۹
    ۹-  فصلت: ۴۱و۴۲
    ۱۰- المائدة : ۴۱
    ۱۱- الأنفال : ۶۴
    ۱۲- البقرة: ۳۵
    ۱۳- الصافات : ۱۰۴ ـ ۱۰۵
    ۱۴- مريم : ۱۲
    ۱۵- النور: ۶۳
    ۱۶- انظر: الدر المنثور ۵ : ۱۱۰
    ۱۷- انظر: الخرائج والجرائح ۱ : ۴۶
    ۱۸- انظر: الخرائج والجرائح ۱ : ۲۶
    ۱۹- انظر: الخرائج والجرائح ۱ : ۲۸
    ۲۰- الاسراء: ۱
    ۲۱-  سورة النجم الآيات من ۳ الى ۱۸
    ۲۲- انظر: الخصال: ۴۱۳ / ۱ ، مناقب آل أبي طالب ۱ : ۱۸۹
    ۲۳- مجمع الزوائد: ۸ : ۲۵۴

    الکاتب: الشيخ عبد الجليل المكراني
    المصدر : وكالة الحوزة

  • 1

    و اعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام زعموا أن عمر كان أسوس منه و إن كان هو أعلم من عمر و صرح الرئيس أبو علي بن سينا بذلك في الشفاء في‌ الحكمة و كان شيخنا أبو الحسين يميل إلى هذا و قد عرض به في كتاب الغرر ثم زعم أعداؤه و مباغضوه أن معاوية كان أسوس منه و أصح تدبيرا و قد سبق لنا بحث قديم في هذا الكتاب في بيان حسن سياسة أمير المؤمنين ع و صحة تدبيره و نحن نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك مما يليق بهذا الفصل الذي نحن في شرحه .

    اعلم أن السائس لا يتمكن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه و بما يرى فيه صلاح ملكه و تمهيد أمره و توطيد قاعدته سواء وافق الشريعة أو لم يوافقهاو متى لم يعمل في السياسة و التدبير بموجب ما قلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله و 1أمير المؤمنين كان مقيدا بقيود الشريعة مدفوعا إلى اتباعها و رفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب و الكيد و التدبير إذا لم يكن للشرع موافقا فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن لم يلتزم بذلك و لسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب و لا ناسبين إليه ما هو منزه عنه و لكنه كان مجتهدا يعمل بالقياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و يرى تخصيص عمومات النص بالآراء و بالاستنباط من أصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص و يكيد خصمه و يأمر أمراءه بالكيد و الحيلة و يؤدب بالدرة و السوط من يتغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك و يصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب كل ذلك بقوة اجتهاده و ما يؤديه إليه نظره و لم يكن أمير المؤمنين ع يرى ذلك و كان يقف مع النصوص و الظواهر و لا يتعداها إلى الاجتهاد و الأقيسة و يطبق أمور الدنيا على أمور الدين و يسوق الكل مساقا واحدا و لا يضيع و لا يرفع إلا بالكتاب و النص فاختلفت طريقتاهما في الخلافة و السياسة و كان عمر مع ذلك شديد الغلظة و السياسة و كان علي ع كثير الحلم و الصفح و التجاوز فازدادت خلافة ذاك قوة و خلافة هذا لينا و لم يمن عمر بما مني به علي ع من‌التي أحوجته إلى مداراة أصحابه و جنده و مقاربتهم للاضطراب الواقع بطريق تلك الفتنة ثم تلا ذلك فتنةو فتنةثم فتنةو كل هذه الأمور مؤثرة في اضطراب أمر الوالي و انحلال معاقد ملكه و لم يتفق لعمر شي‌ء من ذلك فشتان بين الخلافتين فيما يعود إلى انتظام المملكة و صحة تدبير الخلافة .
    شرح نهج البلاغة ,ابن ابي الحديد    ج10  صفحه 212

  • 1

    أَنَّ يَهُودِيًّا مِنْ فُصَحَاءِ الْيَهُودِ جَاءَ إِلَى عُمَرَ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَخْلَاقِ رَسُولِكُمْ،
     فَقَالَ عُمَرُ: اطْلُبْهُ مِنْ بِلَالٍ فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.
     ثُمَّ إِنَّ بِلَالًا دَلَّهُ عَلَى فَاطِمَةَ ثُمَّ فَاطِمَةُ دَلَّتْهُ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا سَأَلَ عَلِيًّا عَنْهُ
    قَالَ [عليه السلام]: صِفْ لِي مَتَاعَ الدُّنْيَا حَتَّى أَصِفَ لَكَ أَخْلَاقَهُ،
     فَقَالَ الرَّجُلُ: هَذَا لَا يَتَيَسَّرُ لِي،
     فَقَالَ عَلِيٌّ:عَجَزْتَ عَنْ وَصْفِ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ عَلَى قِلَّتِهِ حَيْثُ قَالَ: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ [النِّسَاءِ: 77] فَكَيْفَ أَصِفُ أَخْلَاقَ النَّبِيِّ وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَظِيمٌ حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [الْقَلَمِ: 4]
    تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ،ذالرازي، فخر الدين  :  ج 32  ص222

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page