اعمال النصف من رجب
عمل ليلة النصف من رجب، غير ما قدمناه
وجدنا ذلك في الروايات الشاهدات للسعاداتبالعبادات بإسناد محمد بن علي الطرازي،فقال ما هذا لفظه:
أبو محمد عبد اللّه بن الحسين بن يعقوبالفارسي رضي اللّه عنه ببغداد، قال: حدثنامحمد بن علي بن معمر، قال: حدثنا حمدان بنالمعافى، قال: حدثنا عبد اللّه بن نجران،عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه قال:
قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام: تصلّي ليلة النصف من رجب اثنتي عشرركعة، تسلّم بين كلّ ركعتين، تقرء في كلّركعة أمّ الكتاب اربع مرات و سورة الإخلاصأربعاً و سورة الفلق اربع مرات، و سورةالناس اربع مرات و آية الكرسي أربع مرات، و«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِالْقَدْرِ» اربع مرات، ثم تشهد و تسلّم وتقول بعد الفراغ بعقب التسليم اربع مرات:اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لا اشْرِكُ بِهِشَيْئاً وَ لا اتَّخِذُ مِنْ دُونِهِوَلِيّاً، ثم ادع بما أحببت.
اعمال يوم الأول الرجب
تعظيم شهررجب و التنبيه على شرف محله و تحف فضله
اعلم انّنا كنا ذكرنا في أَوائل هذا الجزءو بعد إثبات أبواب هذا الكتاب انّ الشهوركالمراحل إلى الموت و ما بعده من المنازل،و انّ كلّ منزل ينزله العبد في دنياه فيشهوره و أيّامه، فينبغي أن يكون محلّه علىقدر ما يتفضّل اللَّه جلّ جلاله فيه منإكرامه و انعامه.
و مذ فارقت أيّها الناظر في كتابنا هذاشهر ربيع الأول الّذي كان فيه مولد سيدنارسول اللَّه صلّى الله عليه وآله، و ماذكرناه فيه من الفضل المكمّل، لم تجد منالمنازل المتشرّفة بزيادة المكتسب أفضلمن هذا شهر رجب، لاشتماله على وقت إرسالاللَّه جلّ جلاله رسوله محمّداً صلواتاللَّه عليه إلى عبادة و إغاثة أهل بلادهبهدايته و إرشاده،
و لأجل حرماته التي يأتي ذكرها في رواياتبركاته و خيراته.
فكن مقبلا على مواسم هذا الشهر بعقلك وقلبك، و معترفا بالمراحل و المكارمالمودعة فيك من ربّك، و املأ ظهور مطاياهمن ذخائر طاعتك لمولاه و رضاه و ممّا يسرّكان تلقاه، و اجتهد ان لا تبقى في المنزلالّذي تعلم انّك راحل عنه ما تندم على تركهأوّلًا بذلك منه، فكلّما أنت تاركه منهوبمسلوب و أنت مطلوب مغلوب، و سائر عن قليلوراء مطايا أعمالك، و نازل حيث حملت ماقدّمت من قماشك و رحالك، فاحذّر نفسي وإياك ان يكون المقتول من الذخائر ندما وشرابه علقماً و عافيته سقماً.
فهل تجد انّك تقدر على إعادة المطايا إلىدار الرّزايا تعيد عليك ما مضى من حياتك، وتستدرك ما فرّطت فيه من طاعاتك و نقلمهماتك و سعاداتك، هيهات هيهات لقد كنتتسمع و أنت في الدنيا بلسان الحال تلهّفالنادمين و تأسّف المفرطين و صارت الحجّةعليك لربّ العالمين، فاستظهر رحمك اللَّهاستظهار أهل الإمكان في الظفر بالأمان والرضوان.
و سوف نذكر من طريق الاخبار طرفا منالعبادات و الأسرار في اللّيل و النّهارالمقتضية لنعيم دار القرار، فلا تكن عنالخير نوّاماً و لا لنفسك يوم القيامةلوّاماً، و إذا لم نذكر إسناداً لكلّهافسوف نذكر أحاديث مسندة عن الثقات انّه منبلغه اعمال صالحة و عمل بها فإنّه يظفربفضلها، و قد قدّمناها في أول المهمّات، وانّما اعددناها هاهنا في المراقبات.
فمن ذلك انّنا روينا بإسنادنا إلى أبي جعفر بنبابويه رضوان اللَّه عليه من كتاب ثوابالأعمال فيما رواه بإسناده إلى صفوان عنأبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام انّهقال: من بلغه شيء من الخير فعمل به كان لهأجر ذلك، و ان كان رسول اللَّه صلّى اللهعليه وآله لم يقله.
أقول: و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوبالكليني رحمه اللَّه من كتاب الكافي، فيباب من بلغه ثواب من اللَّه تعالى على عملفصنعه فقال ما هذا لفظه:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبيعمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّهعليه السلام قال: من سمع شيئاً من الثوابعلى شيء فصنعه كان له و ان لم يكن كمابلغه.
و وجدنا هذا الحديث في أصل هشام بن سالمرحمه اللَّه عن الصادق عليه السلام.
و من ذلك بإسنادنا أيضا إلى محمد بن يعقوب فقال: عنمحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمدبن سنان، عن عمران الزعفراني، عن محمد بنمروان قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من بلغهثواب من اللَّه عزّ و جلّ على عمل، فعملذلك العمل، التماس ذلك الثواب أوتيه، و انلم يكن الحديث كما بلغه.
أقول: و هذا فضل من اللَّه جلّ جلاله و كرمما كان في الحساب، انك تعمل عملا لم ينزلهفي الكتاب و لم يأمر اللَّه جلّ جلالهرسوله ان يبلّغه إليك فتسلم ان يكون خطرذلك العمل عليك، و تصير من سعادتك في دنياكو آخرتك.
فاعلم انّ هذا له مدخل في صفات الإسعاد والإرفاد، فكيف لا يكون في صفات رحمتهوجوده لذاته و من لا نهاية لهباته و من لاينقصه الإحسان و لا يزيده الحرمان، و منكلّما وصل إلى أهل مملكته، فهو زائد فيمملكته و تعظيم دولته، و لقد رويت و رأيتاخباراً لابن الفرات الوزير و غيره انّهمزوّر عليهم جماعة رقاعاً بالعطايا،فعلموا انّها زوّر عليهم و أطلقوا ما وقعفي التزوير، و هي من الأحاديث المشهورةعند الأعيان فلا أطيل بذكرها في هذاالمكان.
و قد جاءت شريعتنا المعظّمة بنحو هذهالمساعي المكرمة، و ذاك انّ حكم الشريعةالمحمّديّة انّه لو التقى صفّ المسلمين فيالحرب بصفّ الكافرين فتكلّم واحد من أهل
الإسلام كلمة اعتقدها كافر انّه قد أمّنهبذلك الكلام، لكان ذلك الكافر أماناً منالقتل و درعاً له من دروع الإسلام و الفضل،و قد تناصر ورود الروايات: «ادرءوا الحدودبالشبهات»، فكن فيما نورده عاملا علىاليقين بالظفر و معترفاً بحق محمد صلواتاللَّه عليه سيّد البشر.
فضل أوّل ليلة من شهررجب بالمعقول من الأدب
فنقول: قد عرفت انّ الحديث المتظاهر والعمل المتناصر اتّفقا على انّ هذه أوّلليلة من شهر رجب، من الليالي الأربع التيتحيي بالعبادات و المراقبات لعالمالخفيّات، و من فضل هذه الليلة انّالإنسان لمّا خرج شهر محرّم عنه، و كأنّهقد فارق الأمان الذي جعله اللَّه جلّجلاله بالأشهر الحرم، و أخذ ذلك الأمانمنه، فإذا دخلت أوّل ليلة من شهر رجبالمقبل عليه، فقد أنعم اللَّه جلّ جلالهعليه بالأمان الّذي ذهب منه، و أدخله فيالحمى و الحرم الذي كان قد خرج عنه.
و ما يخفى عن ذوي الألباب الفرق بينالخروج عن حمى الملوك الحاكمين في الرّقابو مفارقة ما جعلوه أماناً عند خوف العتابأو العقاب، و بين الدخول في التشريفبالمقام في معاينة الثواب، فليكن الإنسانمعترفاً للَّه جلّ جلاله في أوّل ليلة منشهر رجب بهذا الفضل الذي غير محتسب ومتمسّكاً بقوّة هذا السبب.
و اعلم انّه إذا كانت أشهر الحرم قد اقتضتفي الجاهليّة و الإسلام ترك الحروب والسكون عن الفعل الحرام، فكيف يحتمل هذهالشّهور ان يقع محاربة بين العبد و مالكهفي شيء من الأمور، و كيف يعظّم وقوعالمحارم بين عبد و عبد مثله و لا يعظمأضعاف ذلك بين العبد و بين مالك امره كلّه،فالحذر الحذر من التهوين باللَّه في هذهالأوقات المحرّمة، و ان يهتك العبد شيئاًمن شهورها المعظّمة.
عمل أوّل ليلة من رجب بالمنقول عن ذوي الرتب
فمن ذلك الدعاء عند هلال رجب، وجدناه في كتب الدعوات، و مرويّ عن رسولاللَّه صلّى الله عليه وآله أنّه كان يقول:اللّهُمَّ أَهِّلْهُ عَلَيْنابِالْأَمْنِ وَ الإِيمانِ وَ السَّلامَةِوَ الإِسْلامِ، رَبِّي وَ رَبُّكَاللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ.
و روي أنّه عليه السلام كان إذا رأى هلالرجب قال:
اللّهُمَّ بارِكْ لَنا فِي رَجَبٍ وَشَعْبانَ، وَ بَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ،وَ أَعِنَّا عَلَى الصِّيامِ وَالْقِيامِ، وَ حِفْظِ اللِّسانِ، وَغَضِّ الْبَصَرِ، وَ لا تَجْعَلْ حَظِّنامِنْهُ الْجُوعَ وَ الْعَطَشَ.
قال: و يستحبّ أن يقرء عند رؤية الهلالسورة الفاتحة سبع مرّات، فإنّه من قرأهاعند رؤية الهلال عافاه اللَّه من رمدالعين في ذلك الشّهر.
و روي أنّه عليه السلام كان إذا رأى الهلالكبّر ثلاثاً و هلّل ثلاثاً ثمَّ قال:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَشَهْرَ كَذا، وَ جاءَ بِشَهْرِ كَذا.
فضل الغسل في أول رجب و أوسطه و آخره
وجدناه في كتب العبادات عن النبي عليهأفضل الصلوات انّه قال: من أدرك شهر رجب،فاغتسل في أوله و أوسطه و آخره، خرج منذنوبه كيوم ولدته أمّه.
حديث الملك الداعيإلى اللَّه في كلّ ليلة من رجب
نقلناه من كتب العبادات عن النبيّ صلواتاللَّه عليه أنّه قال: إنَّ اللَّه تعالىنصب في السّماء السَّابعة ملكاً يقال له:الداعي، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملككلَّ ليلة منه إلى الصّباح: طوبىللذاكرين، طوبى للطّائعين، و يقول اللَّه تعالى:
أنا جليس من جالسني، و مطيع من أطاعني، وغافر من استغفرني، الشّهر شهري، و العبدعبدي، و الرّحمة رحمتي، فمن دعاني في هذاالشهر أجبته، و من سألني أعطيته، و مناستهداني هديته، و جعلت هذا الشّهر حبلًابيني و بين عبادي، فمن اعتصم به وصل إليّ.
الدعاء في أول ليلةمن رجب بعد العشاء الآخرة
روينا بإسنادنا إلى أحمد بن محمّد بنعيسى- و قد زكاه النّجاشي و أثنى عليه -بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام قال:تدعو في أوّل ليلة من رجب بعد عشاء الاخرةبهذا الدعاء:
اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَمَلِيكٌ، وَ أَنَّكَ عَلى كُلِّشَيْءٍ مُقْتَدِرٌ، وَ أَنَّكَ ماتَشاءُ مِنْ أَمْرٍ يَكُونُ، اللّهُمَّإِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَبِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّالرَّحْمَةِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، يا مُحَمَّدُ يا رَسُولَ اللَّهِإِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَى اللَّهِ رَبِّيوَ رَبِّكَ
لِيُنْجِحَ بِكَ طَلِبَتِي، اللّهُمَّبِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، وَبِالأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِأَنْجِحْ طَلِبَتِي، ثمَّ تسأل حاجتك.
صلاة أول ليلة من شهررجب و الدعاء بعدها
نقلناه من كتاب المختصر من كتاب المنتخب،فقال ما هذا لفظه:
تصلّي أوّل ليلة من رجب عشر ركعات مثنىمثنى، تقرء في كلِّ ركعة فاتحة الكتابمرَّة واحدة، و «قُلْ هُوَ اللَّهُأَحَدٌ» مائة مرَّة، و تقول سبعين مرَّة:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ لِماتُبْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ، ثُمَّ عُدْتُفِيهِ، وَ أَسْتَغْفِرُكَ لِماأَعْطَيْتُكَ مِنْ نَفْسِي ثُمَّ لَمْأَفِ لَكَ بِهِ، وَ أَسْتَغْفِرُكَ لِماأَرَدْتُ بِهِ وَجْهَكَ الْكَرِيمَ وَخالَطَهُ ما لَيْسَ لَكَ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِلذُّنُوبِ الَّتِيقَوَّيْتُ عَلَيْهَا بِنِعْمَتِكَ وَسِتْرِكَ، وَ أَسْتَغْفِرُكَلِلذُّنُوبِ الَّتِي بارَزْتُكَ بِهادُونَ خَلْقِكَ، وَ أَسْتَغْفِرُكَلِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُ وَ لِكُلِّسُوءٍ عَمِلْتُ.
وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاإِلهَ إِلّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُذُو الْجَلالِ وَ الإِكْرامِ، غافِرُالذَّنْبِ وَ قابِلُ التَّوْبِ،اسْتِغْفارَ مَنْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِنَفْعاً وَ لا ضَرّاً، وَ لا مَوْتاً وَ لاحَياةً وَ لا نُشُوراً إِلّا ما شاءَاللَّهُ.
و تقول بعد ذلك:
سُبْحانَكَ بِما تَعْلَمُ وَ لاأَعْلَمُ، وَ سُبْحانَكَ بِما تَبْلُغُهُأَحْكامُكَ وَ لا أَبْلُغُهُ، وَسُبْحانَكَ بِما أَنْتَ مُسْتَحِقُّهُ وَلا يَبْلُغُهُ الْحَيَوانُ مِنْخَلْقِكَ، وَ سُبْحانَكَ بِالتَّسْبِيحِالَّذِي يُوجِبُ عَفْوَكَ وَ رِضاكَ، وَسُبْحانَكَ بِالتَّسْبِيحِ الَّذِي لَمْتُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْخَلْقِكَ، وَ سُبْحانَكَ بِعِلْمِكَ فِيخَلْقِكَ كُلِّهِمْ، وَ لَوْعَلَّمْتَنِي أَكْثَرَ
مِنْ هذا لَقُلْتُهُ.
اللّهُمَّ لا خَرابَ عَلى ماعَمَّرْتَ، وَ لا فَقْرَ عَلى ماأَغْنَيْتَ، وَ لا خَوْفَ عَلى مَنْأَمِنْتَ، وَ أَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَنْتَ عالِمٌ بِحاجَتِي، فَاقْضِها ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللّهُمَّ يارافِعَ السَّماءِ فِي الْهَواءِ، وَكابِسَ الْأَرْضِ عَلَى الْماءِ، وَمُنْبِتَ الْخُضْرَةِ بِما لا يُرى،صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَ عَلى آلِمُحَمَّدٍ، وَ افْعَلْ بِي ما أَنْتَأَهْلُهُ، وَ لا تَفْعَلْ بِي ما أَنَاأَهْلُهُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَ ابْنُعَبْدِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍفِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ،أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَسَمَّيْتَ بِهِ نَفْسِكَ، أَوْأَنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ، أَوْعَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَنْتَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَجَلاءَ حُزْنِي، وَ ذِهابَ هَمِّي وَغَمِّي.
اللّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو يااللَّهُ يا رَحْمانُ يا رَحِيمُ يا ذَاالْجَلالِ وَ الإِكْرامِ، اللّهُمَّخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لَكَ وَ ضَلَّتِالْأَحْلامُ فِيكَ، وَ ضاقَتِالْأَشْياءُ دُونَكَ، وَ مَلأَ كُلَّشَيْءٍ نُورُكَ، وَ وَجِلَ كُلُّشَيْءٍ مِنْكَ، وَ هَرَبَ كُلُّشَيْءٍ إِلَيْكَ، وَ تَوَكَّلَ كُلُّشَيْءٍ عَلَيْكَ.
أَنْتَ الرَّفِيعُ فِي جَلالِكَ، وَأَنْتَ الْبَهِيُّ فِي جَمالِكَ، وَأَنْتَ الْعَظِيمُ فِي قُدْرَتِكَ، وَأَنْتَ الَّذِي لا يَؤُدُكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، يا غافِرَزَلَّتِي، وَ يا قاضِيَ حاجَتِي، وَ يامُفَرِّجَ كُرْبَتِي، وَ يا وَلِيَّنِعْمَتِي، أَعْطِنِي مَسْأَلَتِي لاإِلهَ إِلَّا أَنْتَ.
أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ عَلىعَهْدِكَ وَ وَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ،أَعُوذُ بِكَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمالِي،وَ أَسْتَغْفِرُكَ مِنَ الذُّنُوبالَّتِي لا يَغْفِرُها غَيْرُكَ،فَاغْفِرْ لِي وَ ارْحَمْنِيبِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَالرَّاحِمِينَ، يا مَنْ هُوَ فِيعُلُوِّهِ دانٍ، وَ فِي دُنُوِّه
عالٍ، وَ فِي إِشْراقِهِ مُنِيرٌ، وَ فِيسُلْطانِهِ عَزِيزٌ، ائْتِنِي بِرِزْقٍمِنْ عِنْدِكَ، لا تَجْعَلْ لِأَحَدٍعَلَيَّ فِيهِ مِنَّةً، وَ لا لَكَ فِيالآخِرَةِ عَلَيَّ تَبِعَةٌ إِنَّكَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَالْحَرَقِ وَ الشَّرَقِ وَ الْهَدْمِ وَالرَّدْمِ، وَ أَنْ اقْتَلَ فِيسَبِيلِكَ مُدْبِراً أَوْ أَمُوتَلَدِيغاً، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَبِأَنَّكَ مَلِكٌ، وَ أَنَّكَ عَلىكُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرٌ، وَ ما تَشاءُمِنْ أَمْرٍ يَكُونُ، أَنْ تُصَلِّيَعَلى مُحَمَّدٍ وَ عَلى آلِمُحَمَّدٍ، وَ أَنْ تُفَرِّجَ عَنِّي وَتَكْشِفَ ضُرِّي، وَ تَبْلُغَنِيامْنِيَّتِي، وَ تُسَهِّلَ لِيمَحَبَّتِي، وَ تُيَسِّرَ لِي إِرادَتِي،وَ تُوصِلَنِي إِلى بُغْيَتِي سَرِيعاًعاجلًا، وَ تَجْمَعَ لِي خَيْرَالدُّنْيا وَ الاخِرَةِ بِرَحْمَتِكَ ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
و تقول بعد ذلك و في كلِّ ليلة من لياليرجب: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ أَلف مرَّة.
صلاة أخرى في أولليلة من رجب و ثوابها
وجدنا ذلك في كتب العبادات مروياً عنالنبيّ عليه أفضل الصلوات، قال عليهالسلام: ما من مؤمن و لا مؤمنة صلّى فيأوَّل ليلة من رجب ثلاثين ركعة، يقرأ فيكلِّ ركعة الحمد مرّة و «قُلْ يا أَيُّهَاالْكافِرُونَ» مرّة، و «قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ»، ثلاث مرّات إلّا غفراللَّه له كلَّ ذنب صغير و كبير، و كتبهاللَّه من المصلّين إلى السنة المقبلة، وبريء من النفاق.
فضل أول يوم من رجب وصومه
روينا ذلك بإسنادنا إلى أبي جعفر بنبابويه فيما ذكره في كتاب ثواب الأعمال وأماليه فقال ما هذا لفظه: قال: قال رسولاللّه صلّى الله عليه وآله: الّا أنّ رجبشهر اللّه الأصم و هو شهر عظيم، و انّماسمّي الأصم لأنّه لا يقاربه شهر من الشهورحرمة و فضلًا عند اللّه و كان أهلالجاهليّة يعظّمونه في جاهليّتها، فلمّاجاء الإسلام لم يزده الّا تعظيماً وفضلًا، الّا انّ رجب شهر اللّه و شعبانشهري و رمضان شهر أمّتي.
الّا فمن صام من رجب يوماً ايماناً واحتسابا استوجب رضوان اللّه الأكبر، وأطفأ صومه في ذلك اليوم غضب اللّه، و أغلقعنه باباً من أبواب النّار، و لو أعطى ملأالأرض ذهباً ما كان بأفضل من صومه، و لايستكمل أجره بشيء من الدنيا دون الحسناتإذا أخلصه للّه، و له إذا أمسى عشر دعواتمستجابات ان دعا بشيء من عاجل الدنيا
أعطاه اللّه، و الّا ادّخر له من الخيرأفضل ما دعا به داع من أوليائه و أحبائه وأصفيائه.
و من ذلك ما رواه الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي فيكتاب الحسني بإسناده إلى الباقر عليهالسلام، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال:قال رسول اللّه صلّى الله عليه وآله: منصام أوّل يوم من رجب وجبت له الجنّة.
فضل صوم أيّاممتعيّنة منه أيضا و الشهر كلّه
روينا ذلك في عدّة أحاديث من عدّة طرق،منها بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسيبإسناده إلى الصادق عليه السلام قال: قالرسول اللّه صلّى الله عليه وآله: من صامثلاثة أيام من رجب كتب اللّه له بكلّ يومصيام سنة، و من صام سبعة أيّام من رجبغلّقت عنه سبعة أبواب النار، و من صامثمانية أيّام فتحت له أبواب الجنّةالثمانية، و من صام خمسة عشر يوما حاسبهاللّه حسابا يسيرا، و من صام رجب كلّه
كتب اللّه له رضوانه، و من كتب له رضوانهلم يعذّبه.
صوم يوم من رجب مطلقاً
روينا ذلك بإسنادنا عن أبي جعفر بن بابويهمن كتاب ثواب الأعمال و إلى جدّي أبي جعفرالطوسي من كتاب تهذيب الأحكام بإسنادهماإلى أبي الحسن موسى عليه السلام انه قال:رجب نهر في الجنّة أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل، من صام يوما من رجب سقاهاللّه من ذلك النهر.
اعمال وفضائل أول من شهررجب
تعظيم شهررجب و التنبيه على شرف محله و تحف فضله
اعلم انّنا كنا ذكرنا في أَوائل هذا الجزءو بعد إثبات أبواب هذا الكتاب انّ الشهوركالمراحل إلى الموت و ما بعده من المنازل،و انّ كلّ منزل ينزله العبد في دنياه فيشهوره و أيّامه، فينبغي أن يكون محلّه علىقدر ما يتفضّل اللَّه جلّ جلاله فيه منإكرامه و انعامه.
و مذ فارقت أيّها الناظر في كتابنا هذاشهر ربيع الأول الّذي كان فيه مولد سيدنارسول اللَّه صلّى الله عليه وآله، و ماذكرناه فيه من الفضل المكمّل، لم تجد منالمنازل المتشرّفة بزيادة المكتسب أفضلمن هذا شهر رجب، لاشتماله على وقت إرسالاللَّه جلّ جلاله رسوله محمّداً صلواتاللَّه عليه إلى عبادة و إغاثة أهل بلادهبهدايته و إرشاده،
و لأجل حرماته التي يأتي ذكرها في رواياتبركاته و خيراته.
فكن مقبلا على مواسم هذا الشهر بعقلك وقلبك، و معترفا بالمراحل و المكارمالمودعة فيك من ربّك، و املأ ظهور مطاياهمن ذخائر طاعتك لمولاه و رضاه و ممّا يسرّكان تلقاه، و اجتهد ان لا تبقى في المنزلالّذي تعلم انّك راحل عنه ما تندم على تركهأوّلًا بذلك منه، فكلّما أنت تاركه منهوبمسلوب و أنت مطلوب مغلوب، و سائر عن قليلوراء مطايا أعمالك، و نازل حيث حملت ماقدّمت من قماشك و رحالك، فاحذّر نفسي وإياك ان يكون المقتول من الذخائر ندما وشرابه علقماً و عافيته سقماً.
فهل تجد انّك تقدر على إعادة المطايا إلىدار الرّزايا تعيد عليك ما مضى من حياتك، وتستدرك ما فرّطت فيه من طاعاتك و نقلمهماتك و سعاداتك، هيهات هيهات لقد كنتتسمع و أنت في الدنيا بلسان الحال تلهّفالنادمين و تأسّف المفرطين و صارت الحجّةعليك لربّ العالمين، فاستظهر رحمك اللَّهاستظهار أهل الإمكان في الظفر بالأمان والرضوان.
و سوف نذكر من طريق الاخبار طرفا منالعبادات و الأسرار في اللّيل و النّهارالمقتضية لنعيم دار القرار، فلا تكن عنالخير نوّاماً و لا لنفسك يوم القيامةلوّاماً، و إذا لم نذكر إسناداً لكلّهافسوف نذكر أحاديث مسندة عن الثقات انّه منبلغه اعمال صالحة و عمل بها فإنّه يظفربفضلها، و قد قدّمناها في أول المهمّات، وانّما اعددناها هاهنا في المراقبات.
فمن ذلك انّنا روينا بإسنادنا إلى أبي جعفر بنبابويه رضوان اللَّه عليه من كتاب ثوابالأعمال فيما رواه بإسناده إلى صفوان عنأبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام انّهقال: من بلغه شيء من الخير فعمل به كان لهأجر ذلك، و ان كان رسول اللَّه صلّى اللهعليه وآله لم يقله.
أقول: و من ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يعقوبالكليني رحمه اللَّه من كتاب الكافي، فيباب من بلغه ثواب من اللَّه تعالى على عملفصنعه فقال ما هذا لفظه:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبيعمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّهعليه السلام قال: من سمع شيئاً من الثوابعلى شيء فصنعه كان له و ان لم يكن كمابلغه.
و وجدنا هذا الحديث في أصل هشام بن سالمرحمه اللَّه عن الصادق عليه السلام.
و من ذلك بإسنادنا أيضا إلى محمد بن يعقوب فقال: عنمحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمدبن سنان، عن عمران الزعفراني، عن محمد بنمروان قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من بلغهثواب من اللَّه عزّ و جلّ على عمل، فعملذلك العمل، التماس ذلك الثواب أوتيه، و انلم يكن الحديث كما بلغه.
أقول: و هذا فضل من اللَّه جلّ جلاله و كرمما كان في الحساب، انك تعمل عملا لم ينزلهفي الكتاب و لم يأمر اللَّه جلّ جلالهرسوله ان يبلّغه إليك فتسلم ان يكون خطرذلك العمل عليك، و تصير من سعادتك في دنياكو آخرتك.
فاعلم انّ هذا له مدخل في صفات الإسعاد والإرفاد، فكيف لا يكون في صفات رحمتهوجوده لذاته و من لا نهاية لهباته و من لاينقصه الإحسان و لا يزيده الحرمان، و منكلّما وصل إلى أهل مملكته، فهو زائد فيمملكته و تعظيم دولته، و لقد رويت و رأيتاخباراً لابن الفرات الوزير و غيره انّهمزوّر عليهم جماعة رقاعاً بالعطايا،فعلموا انّها زوّر عليهم و أطلقوا ما وقعفي التزوير، و هي من الأحاديث المشهورةعند الأعيان فلا أطيل بذكرها في هذاالمكان.
و قد جاءت شريعتنا المعظّمة بنحو هذهالمساعي المكرمة، و ذاك انّ حكم الشريعةالمحمّديّة انّه لو التقى صفّ المسلمين فيالحرب بصفّ الكافرين فتكلّم واحد من أهل
الإسلام كلمة اعتقدها كافر انّه قد أمّنهبذلك الكلام، لكان ذلك الكافر أماناً منالقتل و درعاً له من دروع الإسلام و الفضل،و قد تناصر ورود الروايات: «ادرءوا الحدودبالشبهات»، فكن فيما نورده عاملا علىاليقين بالظفر و معترفاً بحق محمد صلواتاللَّه عليه سيّد البشر.
الأعمال في ايام رجب
كيفيّة النيّة فيمايصام من رجب و غيره من الأوقات المرضيّة
اعلم انّا كنّا ذكرنا في كتاب المضمار منتحرير النيّات للصيام ما فيه كفاية لذويالأفهام، و نقول هاهنا:
ان من شروط الصيام و المهامّ ان تكونذاكراً قبل دخولك في الصيام، انّ المنّةللّه جلّ جلاله عليك في استخدامك فيالشرائع و الأحكام و تأهيلك لما لم تكن لهأهلًا من الانعام و الإكرام و سعادةالدنيا و دار المقام.
فأنت تعرف من نفسك انّه لو استحضرك بعضالملوك المعظّمين، و شغلك بمهماته و كلامهيوما طول النّهار بين الحاضرين، سهّل عليكترك الطعام و الشراب في ذلك اليوم لأجله، واعتقدت انّ المنّة له عليك حيث أدخلك تحتظلّه و شملك بفضله، مع علمك انّ الملك ماخلقك و لا ربّاك، و لا خلق لك دنياك و لاأخراك، فلا يحلّ في العقل و النقل ان يكوناللّه جلّ جلاله دون أحد من عباده، و قدقام لك بما لم يقدر عليه غيره
من إسعاده و إرفاده.
و متى نقصت اللّه جلّ جلاله في صومك عمّانجده في خدمة الملك، من نشاطك و سرورك واهتمامك و اعتقاد المنّة له في إكرامك، والذّنب لك ان ضاع منك صوم نهارك، و تكونأنت قد هوّنت باللّه جلّ جلاله و عملت مايقتضي هجرانه لك و غضبه عليك و استعادة ماوهبك من مسارك و مبارك و طول اعمارك.
أقول: و ان اشتبه عليك صوم إخلاص النيّاتبصوم الرّياء و الشبهات فاعتبر ذلك بعدّةإشارات:
منها: ان تعرض على نفسك حضور الإفطار فيذلك النهار بمحضر الصائمين من الأخيار،فإن وجدت نفسك تستحيي من مشاهدتهم لإفطاركبين الصُيّام، فاعلم انّ في صومك شبهةتريد بها التقرّب إلى قلوب الأنام.
و منها: ان تعتبر نفسك أيّما أسرّ لها وأحبّ إليها، ان يطلع اللّه جلّ جلاله وحدهعليها، أو تريد ان يعلم بها و يطّلع عليهامع اللّه تعالى سواه، ممّن يمدحها أوينفعها اطّلاعه في دنياه، فان وجدت نفسكتريد مع اطّلاع اللّه عزّ و جلّ على صيامكمعرفة أحد غير اللّه تعالى بصومك ليزيد فيإكرامك، أو وجدت اطّلاع أحد على صومك احلىفي قلبك من اطّلاع ربك، فاعلم أنّ صومكسقيم و انّك عبد لئيم.
و منها: انّك تعتبر نفسك في صومها هل تجدهامع كثرة الصائمين هي أنشط في الصوم لربالعالمين، و مع قلة الصائمين أو عدمهم هيأضعف و أكسل عن الصوم لمالك يوم الدين، فانوجدتها تنشط للصّوم عند صومهم و تتكاسلعند إفطارهم، فاعلم أنّك تصوم طلبالموافقتهم و تبعا لارادتهم، و صومك سقيمبقدر اشتغالك بأتباعهم عن اتّباع مالكناصيتك و ناصيتهم.
و منها: ان تعتبر هل صومك لأجل مجردالثّواب أو لأجل مراد ربّ الأرباب، فإنوجدت نفسك لو لا الثّواب الّذي ورد فيالاخبار، و انّه يدفع إخطار النار، ماكنت
صمت، و لا تكلّفت الامتناع بالصوم منالطعام و الشراب و المسارّ، فأنت قد عزلتاللّه جلّ جلاله عن انّه يستحق الصوملامتثال أمره، و عن انّه جلّ جلاله أهلعبادة لعظيم قدره، و لو لا الرشوة والبرطيل ما عبدته و لا راعيت حقّ إحسانهالسّالف الجزيل، و لا حرمة مقامه الأعظمالجليل.
و منها: ان تعتبر صومك إذا كان لك سعة وثروة في طعام الفطور نشطت لسعته و طيبته، وإذا كان طعام فطورك يكفيك و لكنّه ما همبلحم و لا ألوان مختلفة في لذّته، فتكونغير نشيط في الصوم لعبادة اللّه جلّ جلالهبه و طاعته، فأنت انّما نشطت لأجل الطعام،فذلك النّشاط الزّائد لغير اللّه مالكالانعام شبهة في تمام الصيام.
و منها: ان تراعي عقلك و قلبك و جوارحك فيزمان الصيام، فتكون مستمرّ النيّةالخالصة الموصوفة بالتّمام، و مثالالعوارض المانعة من استمرار النيّاتكثيرة في العبادات:
و منها: ان تصوم بعض النهار بإخلاص النيّةثم يعرض لك طعام طيّب، أو زوجة قد تجمّلتلك و أنت تحبّها، أو سفر فيه نفع، أو ما جرىهذه الأمور الدنيويّة، يصير إتمام صيامذلك النهار عندك مستثقلًا ما تصدق متىتخلص منه و توعد عنه، و أنت تعلم انك لوخدمك غلامك، و هو مستثقل لخدمتك و مستثقلمن طاعتك، كان أقرب إلى طردك له و هجرانك وتغيّر إحسانك.
و منها: انّه إذا عرض لك من فضل الإفطار مايكون أرجح من صيام المندوب فلا تستحيي منمتابعة مراد علّام الغيوب، و أفطر بمقتضىمراده و لا تلتفت إلى من يأخذ ذلك عليك منعباده.
و مثال هذا ان تكون صائماً مندوباً فيدعوكأخ لك في اللّه جلّ جلاله إلى طعام قد دعاكإليه، فأجب داعي اللّه جلّ جلاله و امتثلأمر رسوله صلوات اللّه عليه و آله في ترجيحالإفطار على الصيام.
و مثال آخر ان تكون صائماً مندوبا فترىصومك في بعض النهار قد اضعفك عن بعض الفروضالواجبة أو ما هو أهم من صوم المندوب،فابدء بالأهمّ إلى ترك الصيام، و عظّم ماعظّم اللّه جلّ جلاله و صغّر من شريعةالإسلام، و لا تقل: انّ الّذين رأونيصائماً ما يعلمون عذري في الإفطار، يكونصومك في ذلك النهار لأجلهم رياء وكالعبادة لهم من الذنوب الكبار.
و منها: انّه متى عرض لك صارف عن استمرارالنيّة من الأمور الدنيويّة التي ليستعذرا صحيحا عند المراضي الإلهيّة، فبادرإلى استدراك هذا الخطر بالتوبة و الندم وإصلاح استمرار نيّة الإخلاص في الصيام والاستغاثة باللّه جلّ جلاله على القوّة والتّوفيق للتّمام، فإنّك متى أهملت تعجيلاستدراك الإصلاح، صارت تلك الأوقاتالمهملة سقماً في تلك العبادة المرضيّة.
أقول: و إذا عرض لك ما يحول بينك و بيناستمرار نيّتك، فتذكر انّ كلّما ينقلك عنطاعتك فإنّه كالعدو لك و لمولاك، فكيفتؤثر عدوك و عدوّه عليه، و سيّدك يراك، وإذا آثرت غيره عليه فمن يقوم لك بما تحتاجإليه في دنياك و أخراك.
أقول: و يكون نيّة صومك انك تعبد اللّه جلّجلاله به، لأنّه عزّ و جلّ أهل للعبادة،فهذا صوم أهل السعادة.
العمل لمن كان له عذرعن الصيام و قد جعل اللّه جلّ جلاله لهعوضاً في شريعة الإسلام
اعلم انّنا كنا قد ذكرنا و نذكر فضلاعظيماً لصوم شهر رجب، و ليس كلّ أحد يقدرعلى الصوم لكثرة اعذار الإنسان، و فيأصحاب الأعذار من يتمنّى عوضاً عن الصّومليغتنم أوقات الإمكان، فينبغي ان نذكر مايقوم مقام الصيام عند عدم التمكّن
منه، فانّ اللّه جلّ جلاله بالغ في تركيبالحجّة و طلب إقبال عباده عليه و صيانتهمعن الاعراض عنه.
و قد روينا في الاخبار عوضاً عن الصومالمندوب يحتمل ان يكون لأهل اليسار وعوضاً آخر يحتمل ان يكون عوضاً لأهلالاعتبار.
أقول: فامّا العوض الذي يحتمل ان يكونلأهل اليسار.
فقد رأينا و روينا بإسنادنا إلى محمد بنيعقوب الكليني و غيره عن الصادقين عليهمالسلام: انّ الصدقة على مسكين بمدّ منالطعام يقوم مقام يوم من مندوبات الصّيام.
و روي عوض عن يوم الصّوم درهم، و لعلّ التفاوت بحسب سعة اليسار و درجاتالاقتدار.
و سيأتي رواية في أواخر رجب انّه يتصدّقعن كل يوم منه برغيف عوضاً عن الصومالشريف، و لعله لأهل الإقتار تخفيفاًللتكليف.
أقول: و امّا ما يحتمل ان يكون عوضاً عنالصوم في رجب لأهل الإعسار.
فانّنا رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفرالطوسي رحمه اللّه انّه قال: و روى أبوسعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللهعليه وآله: الّا انّ رجب شهر اللّه الأصم- وذكر فضل صيامه و ما لصيام أيّامه منالثواب- ثم قال في آخره: قيل: يا رسولاللّه، فمن لم يقدر على هذه الصفّة يصنع ماذا لينال ما وصفت؟ قال: يسبّح اللّه تعالىفي كلّ يوم من رجب إلى تمام ثلاثين بهذاالتسبيح مائة مرة:
سُبْحانَ الإِلهِ الْجَلِيلِ، سُبْحانَمَنْ لا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ الَّالَهُ، سُبْحانَ الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ،سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّةَ وَ هُوَلَهُ اهْلٌ.
أقول: فلا ينبغي للمؤمن الموسر أن يتركالاستظهار بإطعام مسكين عن كلّ يوم من
أيّام الصّيام المندوبات، و يقتصر علىهذه التسبيحات، بل يتصدّق و يسبّحاحتياطاً للعبادات.
عمل أوّل جمعة من شهررجب
اعلم انّ مقتضى الاحتياط للعبادة و طلبالظفر بالسّعادة، اقتضى ان نذكر عمل هذهاللّيلة الجمعة في أوّل ليلة من هذا الشهرالشريف، لجواز ان يكون أوّل ليلة منهالجمعة، فيكون قد احتطنا للتّكليف، و انلم يكن أوّله الجمعة، فيكون قد اذكرناك فيأوّل الشهر بها إلى حين حضور أوّل ليلةجمعة منه لتعمل بها.
وجدنا ذلك في كتب العبادات مرويّا عنالنبي صلّى الله عليه وآله، و نقلته أنا منبعض كتب أصحابنا رحمهم اللّه، فقال فيجملة الحديث عن النبي صلّى الله عليه وآلهفي ذكر فضل شهر رجب ما هذا لفظه: و لكن لاتغفلوا عن أوّل ليلة جمعة منه، فإنّهاليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرغائب، وذلك انّه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك فيالسماوات و الأرض الّا يجتمعون في الكعبةو حواليها، و يطّلع اللّه عليهم اطلاعةفيقول لهم: يا ملائكتي سلوني ما شئتم،فيقولون: ربنا حاجتنا إليك ان تغفر لصوّامرجب، فيقول اللّه تبارك و تعالى: قد فعلتذلك.
ثم قال رسول اللّه صلّى الله عليه وآله: مامن أحد صام يوم الخميس أوّل خميس من رجب ثميصلّى بين العشاء و العتمة اثنتي عشرةركعة، يفصل بين كلّ ركعتين بتسليمة، يقرءفي كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرة و «إِنَّاأَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»ثلاث مرات، و «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»اثنتي عشرة مرة، فإذا فرغ من صلاته صلّىعليّ سبعين مرة، يقول: اللّهُمَّ صَلِ
عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّوَ عَلى آلِهِ.
ثم يسجد و يقول في سجوده سبعين مرة:سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِوَ الرُّوحِ، ثم يرفع رأسه و يقول: رَبِّاغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ تَجاوَزْ عَمَّاتَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّالاعْظَمُ.
ثمّ يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قالفي السجدة الأولى، ثم يسأل اللّه حاجته فيسجوده، فإنه تقضى ان شاء اللّه تعالى.
ثم قال رسول اللّه صلّى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لا يصلّي عبد أو أمة هذهالصلاة إلّا غفر اللّه له جميع ذنوبه، و لوكانت ذنوبه مثل زبد البحر و عدد الرّمل ووزن الجبال و عدد ورق الأشجار، و يشفع يومالقيامة في سبعمائة من أهل بيته ممّن قداستوجب النار، فإذا كان أول ليلة نزولهإلى قبره بعث اللّه إليه ثواب هذه الصلاةفي أحسن صورة بوجه طلق و لسان ذلق، فيقول:يا حبيبي أبشر فقد نجوت من كل شدة، فيقول:من أنت فما رأيت أحسن وجهاً منك و لا شممترائحة أطيب من رائحتك؟ فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصلاةالّتي صلّيتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهركذا في سنة كذا، جئت الليلة لأقضي حقّك وآنس وحدتك و ارفع عنك وحشتك، فإذا نفخ فيالصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك وانّك لن تعدم الخير من مولاك ابداً.
صلاة ركعتين لكل ليلة من رجب:
رواها عبد الرحمن بن محمّد بن عليّالحلوانيّ في كتاب التحفة، قال رسولاللَّه صلّى الله عليه وآله: من صلّى فيرجب ستّين ركعة في كلِّ ليلة منه ركعتين،يقرأ في كلِّ ركعة منهما
فاتحة الكتاب مرّة و «قُلْ يا أَيُّهَاالْكافِرُونَ» ثلاث مرّات، و «قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ» مرّة.
فإذا سلّم منهما رفع يديه و قال:
لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاشَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُالْحَمْدُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَحَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَ لا حَوْلَ وَ لاقُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّالْعَظِيمِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلىمُحَمَّدٍ وَ عَلى آلِ مُحَمَّدٍ،النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَ آلِهِ.
و يمسح بيديه وجهه، فانّ اللَّه سبحانهيستجيب الدّعاء و يعطي ثواب ستّين حجّة وستّين عمرة.
أقول: وجدت في بعض كتب عمل رجب صلاة فيأوّل ليلة من الشهر، فرأيت أنّ ذكرها فيأوّل ليلة أليق بها لأنّها ليلة تحييبالعبادات فيحتاج إلى زيادة الطّاعات، ولأنّ الإنسان ما يدري إذا أخّر هذه الصلاةعن أوّل ليلة هل يتمكّن منها في غيرها أملا، و هذه الصلاة تروي عن سلمان رضي اللَّه عنهقال: قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله:من صلّى ليلة من ليالي رجب عشر ركعات، يقرأفي كلّ ركعة فاتحة الكتاب و «قُلْ ياأَيُّهَا الْكافِرُونَ» و «قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ» ثلاث مرّات، غفر اللَّهتبارك و تعالى له كلّ ذنب عمل و سلف له منذنوبه، و كتب اللَّه تبارك و تعالى له بكلّركعة عبادة ستّين سنة، و أعطاه اللَّهتعالى بكلّ سورة قصراً من لؤلؤة فيالجنّة، و كتب اللَّه تعالى له من الأجركمن صام و صلّى و حجّ و اعتمر و جاهد في تلكالسّنة و كتب اللَّه تعالى له إلى السّنةالقابلة في كلّ يوم حجّة و عمرة، و لا يخرجمن صلاته حتّى يغفر اللَّه له.
فإذا فرغ من صلاته ناداه ملك من تحت العرش:استأنف العمل يا وليّ اللَّه فقد أعتقكاللَّه تعالى من النار، و كتبه اللَّهتعالى من المصلّين تلك السنة كلّها، و إنمات فيما بين ذلك مات شهيداً، و استجاباللَّه تعالى دعاءه، و قضى حوائجه، وأعطاه كتابه
بيمينه، و بيّض وجهه، و جعل اللّه بينه وبين النّار سبع خنادق.