هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي
و كانت وفاة الحجّاج في شوّال سنة خمس و تسعين ، و قيل: كانت وفاته لخمس بقين من شهر رمضان و له من العمر أربع و خمسون سنة ، و قيل : ثلاث و خمسون سنة ، و كانت ولايته العراق عشرين سنة ، و لما حضرته الوفاة استخلف على الصلاة ابنه عبد الله بن الحجّاج ، و استخلف على حرب الكوفة و البصرة يزيد بن أبي كبشة ، و على خراجها يزيد بن أبي مسلم، فأقرّهما الوليد بعد موته و لم يغيّر أحداً من عمّال الحجّاج . و نقل في الثالث عشر من شهر رمضان كان هلاكه و مات بواسط، و اجري على قبره الماء ، فاندرس و انتهى خبره.
ولد و نشا في الطائف (بالحجاز) سنة (40 ه( [1].
هو الحجّاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن عامر بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف أبو محمّد الثقفيّ.
قال الأوزاعيُّ: قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها و جئنا بالحجّاج لغلبناهم. قال منصور: سألنا إبراهيم الشُّجاعىَّ عن الحجّاج فقال: ألم يقل الله: ((أَلا لَعنَةُ الله عَلى الظّالمينَ))[2]. قال الشافعيُّ: بلغني أنّ عبد الملك بن مروان قال للحجّاج : ما من أحد إلّا و هو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك و لا تخبأ منها شيئاً. قال : يا أمير المؤمنين أنا لجوجٌ حقود. فقال له عبد الملك : إذاً بينك و بين إبليس نسب. فقال: إنّ الشيطان إذا رآني سالمني[3].
قال الحسن : سمعتُ عليّاً على المنبر يقول: اللهمّ ائتمنتهم فخافوني، و نصحتهم فغشّوني ، اللهمّ فسلّط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم و أموالهم بحكم الجاهليّة! فوصفه و هو يقول: الزيال، مفجر الأنهار، يأكل خضرتها و يلبس فروتها. قال الحسن: هذه و الله صفة الحجّاج .
قال حبيب بن أبي ثابت : قال علىّ لرجل: لا تموت حتى تدرك فيّ ثقيف . قيل له: يا أمير المؤمنين ما فيّ ثقيف؟ قال: ليقالنّ له يوم القيامة اكفنا زاوية[4] من زوايا جهنّم، رجل يملك عشرين أو بضعاً و عشرين سنة لا يدع لله معصية إلّا ارتكبها حتى لو لم تبق إلّا معصية واحدة و بينه و بينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه.
و قيل: أحصى من قتله الحجّاج صبراً فكانوا مائة ألف و عشرين ألفاً .
و قيل: إنّ الحجّاج مرّ بخالد بن يزيد بن معاوية و هو يخطر في مشيته، فقال رجل الخالد: مَن هذا؟ قال خالد: بخ بخ ! هذا عمرو بن عاص. فسمعهما الحجّاج فرجع و قال: و الله ما يسرّني أنّ العاص و لدني ، و لكنّي ابن الأشياخ من ثقيف و العقائل من قريش، و أنا الذي ضربتُ بسيفي هذا مائة ألف، كلّهم يشهد أنّ أباك كان يشرب الخمر و يضمر [5] الكفر. ثمّ ولّي و هو يقول: بخ بخ عمرو ابن العاص!فهو قد اعترف في بعض أيّامه بمائة ألف قتيل على ذنب واحد.
و قد قتل الحجاج الكثيرين من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، فكميل بن زياد النخعي و قنبر مولى أمير المؤمنين كان استشهادهما على يديه، كما جلد عبد الرحمان بن أبي ليلى الأنصاري حتى اسودّ كتفاه، فقد أمره بسبّ أمير المؤمنين عليه السلام فأبى ، و راح بدلاً عن سبّه يعدد مناقبه، فأمر الحجاج به فقتل ، كما أمر بقطع أطراف يحيي بن أم الطويل أحد شيعة و حواريي الأمام السجاد عليه السلام حتى استشهد على الأثر، و كان آخر قتلاه سعيد بن جبير، و لم يمض على مقتل سعيد سوي خمسة عشر يوماً حتى أصيب الحجاج بمرض الآكلة في جوفه، و كان ذلك سبب هلاكه.
كان أمير المؤمنين عليه السلام قد أخبر في أحاديثه مع أهل الكوفة مرة تلو ألاخرى عن إمارة الحجاج و عن سفكه للدماء في وقت لم يكن الحجاج قد رأى الدنيا بعد، فقد جاء في إحدى خطبه بعد أن تعرض لغدر أهل الكوفة مشيراً إلى ما سببه له الغدر من غصص و آلام .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - اعلام الزرگلى ، ج 2، ص 168.
[2] - سورة هود 11، الآية 18.
[3] - ساملنى.
[4] - رؤية.
[5] - و يضمن.