غزوة بئر معونة
السبايا في كربلاء
موقف جابر بن عبدالله الانصاري
اليوم العشرون من صفر
غزوة بئر معونة:
بسم الله الرحمن الرحيم : ((ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياءٌ عند ربّهم يُرزقون)) سورة آل عمران : آيه 169.
في شأن نزول هذه الآية اقوال منها انها نزلت في شهداء بئر معونة في صفر سنة (4) هجرية كما في مجمع البيان الجزء الثاني ونُقِل في يوم (20) من صفر.
كانت غزوة بئر معونة على رأس أربعة أشهر من اُحد، وذلك أنّ أبابراء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنّة قدم على رسول الله بالمدينة فعرض عليه الإسلام فلم يسلم، وقال: يا محمد إن بعثت رجالاً إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال: (أخشى عليهم أهل نجد).
فقال أبو براء: أنا لهم جار.
فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في بضعة وعشرين رجلاً، وقيل: في أربعين رجلاً، وقيل: في سبعين رجلاً من خيار المسلمين ، منهم: الحارث ابن الصمّة، وحرام بن ملحان، وعامر بن فهيرة. فساروا حتّى نزلوا بئر معونة ـ وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم ـ فلمّا نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلمّا أتاه لم ينظر ]عامر[ في كتابه حتّى عدا على الرجل فقتله ، فقال: الله أكبر فزت وربّ الكعبة.
ثمّ دعا بني عامر إلى قتالهم فأبوا أن يجيبوه وقالوا : لا نخفر أبا براء، فاستصرخ قبائل من بني سليم: عصيّة ورعلاً وذكوان، وهم الذين قنت عليهم النبيّ صلّى الله عليه وآله ولعنهم ، فأجابوه وأحاطوا بالقوم في رحالهم، فلمّا رأوهم أخذوا أسيافهم وقاتلوا القوم حتّى قتلوا عن آخرهم.
وكان في سرح القوم عمرو بن اُميّة الضمري ورجل من الأنصار، فلم يكن ينبئهما بمصاب القوم إلاّ الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إنّ لهذا الطير لشأناً، فاقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، فقال الأنصاري لعمرو: ما ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكنى لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ن فقاتل القوم حتّى قتل، ورجع عمرو إلى المدينة فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال: (هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهاً).
فبلغ ذلك أبا براء، فشقّ عليه إخفار عامر إيّاه وما أصاب من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، ونزل به الموت. فحمل ربيعة بن براء على عامر بن الطفيل وطعنه وهو في نادي قومه فأخطأ مقاتله وأصاب فخذه ، فقال عامر: هذا عمل عمّي أبي براء، إن متّ فدمي لعمّي لا تطلبوه به، وإن اعشُ فسأرى فيه رأيي.
السبايا في كربلاء:
سارت قافلة السبايا راجعة إلى المدينة فلما انفصلت من الشام ووصلت إلى العراق قالوا للدليل: مرَّ بنا على طريق كربلاء.
فوصلوا إلى موضع المصرع فوجدوا هناك الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري وجماعة من بني هاشم ورجلاً من آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام فوافوا في وقت واحد، وقد قيل ان أول زائر للحسين عليه السلام من الإنس هو جابر بن عبدالله الأنصاري يوم العشرين من صفر، وكان جابر ومن معه من آل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وجماعة بني هاشم عند قبر الحسين عليه السلام عندما لاح لهم سواد قد طلع عليهم من بعيد من ناحية الشام فقال جابر لعبده: إنطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلنا نلجأ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين عليه السلام فأنت حر لوجه الله تعالى، فمضى العبد فما كان بأسرع من أن رجع و هو يقول : يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم هذا زين العابدين قد جاء بعمَّاته واخواته ، فقام جابر يمشي حافي الاقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدين عليه السلام، فقال له زين العابدين عليه السلام: أنت جابر، فقال: نعم يابن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، فقال عليه السلام جابر ههنا والله قتلت رجالنا، وذبحت أطفالنا ، وسُبيت نساؤنا، وحرقت خيامنا، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد واجتمع إليهم نساء الحي ورجالهم وقاموا ينوحون على الحسين عليه السلام أياماً.
موقف جابر بن عبدالله الانصاري:
جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام، الأنصاري الخزرجي هو من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين والباقر عليهم الصلاة والسلام.
(شهد بدراً وثمانية عشر غزوة مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مات سنة 78 هـ).
وكان موقف جابر بن عبدالله من المواقف المشكورة التي وقفها لأهل البيت نبيه إذ وقف على قبر الحسين عليه السلام فأجهش بالبكاء وقال: يا حسين، ثلاثاً، فلم يسمع جواباً، فقال:
حبيب لا يجيب حبيبه، وأنى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك، وفرِّق بين رأسك وبدنك، فأشهد أنك بن خاتم النبيين وابن سيد المؤمنين، وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكساء وابن سيد النقباء، وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، ومالك لا تكون كذلك وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان وفطمت بالاسلام، فطبت حياً وطبت ميتاً غير أن قلوب المؤمنين غير طيِّبة بفراقك ولا شاكَّة في الخيرة لك فعليك سلام الله ورضوانه وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا، ثم أجال بصره حول القبر وقال:
السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين عليه السلام وأناخت برحله، أشهد انكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً بالحق نبياً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه، فقال له عطية العوفي: كيف ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم واُوتمت أولادهم واُرملت الأزواج؟!، فقال جابر: إني سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: من أحب قوماً كان معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمداً بالحق نبيّاً إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليه السلام واصحابه.