اليوم الخامس عشر
1- ولادة المنقذ الحجّة بن الحسن العسكرى (عج)
2- وفاة النائب الرابع و الاخير أبوالحسن على بن محمد السمري (رض).
1- ولادة المنقذ الحجّة بن الحسن العسكرى (عج):
تأريخ الولادة
ولد- سلام الله عليه- فى دار أبيه الحسن العسكري(عليه السلام) فى مدينة سامراء أواخر ليلة الجمعة الخامس عشر من شعبان و هى من الليالى المباركة التى يستحب إحياؤها بالعبادة و صوم نهارها طبقاً لروايات شريفة مروية فى الصحاح مثل سنن بن ماجة و سنن الترمذى و غيرهما من كتب أهل السنة[1]إضافة الي ما روى عن ائمة أهل البثيت(عليهم السلام)[2].
و كانت سنة ولادته (255 ه) علي أشهر الروايات، و ثمة روايات أخري تذكر آن سنئ الولادة هي (256 ه( أو (254 ه( مع الاتفاق علي يومها وروى غير ذلك، إلا أن الأرجع هو التأريخ الأول لعدة شواهد، منها وروده فى أقدم المصادر التى سجلت خبر الولادة و هو كتاب الغيبة للشيخ الثقة الفضل بن شاذان الذى عاصر ولادة المهدى(عليه السلام) و توفى قبل وفاة أبيه الحسن العسكرى(عليهما السلام) بفترة و جيزة
و مثل هذا الاختلاف أمر طبيعىجار مع تواريخ ولادات و وفيات آبائه و حتي مع جده الرسول الاعظم(صلي الله عليه و اله) ، دون أن يؤثر ذلك علي ثبوت ولادتهم(عليهم السلام) ، كما أنه طبليعى للغاية بملاحظة سرّيّة الولادة عند وقوعها حفظاً للوليد المبارك
تواتر خبر ولادته (عليه السلام)
روي قصة الولادة أو خبرها الكثير من العلماء بأسانيد صحيحة أمثال أبى جعفر الطبرى و الفضل بن شاذان و الحسين بن حمدان و على بن الحسين المسعودى و الشيخ الصدوق و الشيخ الطوسى و الشيخ المفيد و غيرهم، و نقلها بصورة كاملة أو مختصرة أو نقل خبرها عدد من علماء أهل السنة من مختلف المذاهب الإسلامية
كيفية و ظروف الولادة
يستفاد من الروايات الواردة بشأن كيفية ولادته(عليه السلام)، أن والده الإمام الحسن العسكرى – سلام الله عليه- أحاط الولادة بالكثير من السرية و الخفاء، فهى تذكر أن الإمام الحسن العسكرى قد طلب من عمته السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد أن تبقي فى داره ليلة الخامس عشر من شهر شعبان و اخبرها بأنه سيولد فيها إبنه و حجة الله فى أرضه، فسألته عن أمه فأخبرها أنها نرجس فذهبت إليها و فحصتها فلم تجد فيها أثراً للحمل، فعادت للإمام و اخبرته بذلك،فابتسم(عليه السلام)و بيّن لها أن مثلها مثل أم موسي(عليه السلام) التىلم يظهر حملها و لم يعلم به أحد الي وقت ولادتها لأن فرعون كان يتعقب أولاد بنى إسرائيل خشية من ظهور موسي المبشر به فيذبح ابناءهم و يستحى نساءهم، و هذا الأمر جري مع الءمام المهدى(عليه السلام ) أيضاًلأن السلطان العباسية كانت ترصد ولادته إذ قد تنبأت بذلك طائفة من الأحاديث الشريفة كما سنشير لاحقاً .
و يستفاد من نصوص الروايات أن وقت الولادة كان قبيل الفجر و واضح أنّ لهذا التوقيت أهمية خاصة فى إخفاء الولادة؛ لأن عيون السلطة عادة تغط فى نوم عميق. كما يستفاد من الروايات أنه لم يحضر الولادة سوي حكيمة التى لم تكن تعرف بتوقيتها بشكل دقيق أيضاً
الإخبار المسبق عن خفاء الولادة
أخبرت الكثير من الأحاديث الشريفة بأن ولادة المهدىمن الحسن العسكرى ستحاط بالخفاء و السرية ، و نسبت الءخفاء الي اله تبارك و تعالي و شبهت بعضها إخفاء ولادته باخفاء ولادة موسي و بعضها بولادة ابراهيم(عليهما السلام) ، و بيّنت علّة ذلك الإخفاء بحفظه(عليه السلام) حتي يؤدى رسالته، نستعرض هنا نماذج قليلة منها.
فمثلاًَ روي الشيخ الصدوق فى إكمال الدين و الخزاز فى كفاية الإثر مسنداى عن الإمام الحسن بن على(عليهما السلام) ضمن حديث قال فيه:
«أما علمتم أنه ما منّا إلا و تقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذى يصلّىعيسي بن مريم خلقه؟! و إن الله عز و جل يخفى ولادته و يغيّب شخصه لئلّا يكون لأحد فى عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة النساء يطيل الله عمره فى غيبته ثم يظهره بقدرته...»[3].
و فى حديث رواه الصدوق بطريقين عن الإمام على (عليه السلام ) قال: «... إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد فى عنقه بيعة ، فلذلك تخفي ولادته و يغيب شخصه»[4].
و روي عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنه قال:«فى القائم منا سنن من الأنبياء... و أما من ابراهيم فخفاء الولادة و اعتزال الناس...»[5]
و روى عن الإمام الحسين (عليه السام) أنه قال :«« فى التاسع من ولدى سنّة من يوسف و سنّة من موسي بن عمران و هو .
قائمنا أهل البيت يصلح الله أمره فى ليلة واحدة»[6]
و روي الكلينى فى الكافى بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال – فى حديث - : «انظروا من خفى –عمى) علي الناس ولادته فذاك صاحبكم، أنه ليس منا أحد يشار إليه بالأصابع و يمضغ بالألسن إلا مات غيضاً أو رغم أنفه»[7].
تنقسم حياة الإمام المهدى(عليه السلام) الي أربع مراحل متمايزة ، و هى :
المرحلة الأولي: حياته فى ظل أبيه أى من الولادة سنة (255 ه) حتي يوم استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكرى(عليه السلام) سنة (260 ه). و هى خمس سنوات تقريباً.
المرحلة الثانية: حياته منذ وفاة ابيه(عليه السلام)(سنة 260 ه) حتي انتهاء الغيبة الصغري سنة(329 ه) . و هى تناهز السبعين عاماً .
المرحلة الثالثة: حياته فى الغيبة الكبري و التى بدأت بعد وفاة سفيرة الرابع عام(329 ه) و هى مستمرة حتي يوم ظهوره علي مسرح الأحداث السياسية و الاجتماعية من جديد.
المرحلة الرابعة: حياته فى مرحلة الظهور التى تبدأ بعد انتهاء الغيبة الكبري ، و هو عهد الدولة المهدوية العالمية المرتقبة و التى أخبرت عنها نصوص الكتاب و السنة .
و تتميز كلّ مرحلة من هذه المراحل بمجموعة من الخصائص من يريد ان يطلع اكثر فليراجع المصادر كالبحار: ج 51 و 52و 53 و الكافى : ج 1 و غيرها من المصادر.
2- وفاة النائب الرابع و الاخير أبوالحسن على بن محمد السمرى(رض):
الرابع : من الوكلاء و السفراء: الشيخ أبوالحسن علىّ بن محمد السمرىّ، فانّ الشيخ الحسين بن روح عليه الرحمة لما حضرته الوفاة جعله مقامه بآمر الحجة عليه السلام، فكان الامام عليه السلام يجرى علي يده الكرامات و المعاجز و أجوبة مسائل الشيعة، و كانوا يسلّمون الأموال و الحقوق إليه بأمره عليه السلام، فلمّا حضرته الوفاة اجتمع الشيعة عنده و طلبوا منه أن يعيّن من يقوم مقامه فى السفارة، فقال: لله أمر هو بالغه ، أى لابد من وقوع الغيبة الكبري.
و فى رواية الشيخ الصدوق عليه الرحمة انّ الشيخ أبا الحسن السمرى لمّا حضرته الوفاة اجتمع عنده الشيعة ، فقالوا: من يكون الوكيل بعدك و أىّ شخص يقوم مقامك؟ فقال : انّى لم اومر بأن أوصّى إلي أحد بعدى فىهذا الشأن.
و روي الشيخ الطوسى فى كتاب الغيبة و الشيخ الصدوق فى كمال الدين انّه لمّا دنت وفاة الشيخ أبى الحسن علىّ بن محمد السمرى خرج توقيع إلي الناس:
«بسم الله الرحمن الرحيم، يا علىّ بن محمد السمرى أعظم الله أجر إخوانك فيك فانّك ميّت ما بينك و بين ستة ايّام، فاجمع امرك و لا توص إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور الّا بعد إذن الله و ذلك بعد طول الأمد، و قسوة القلوب، و امتلاء الأرض جوراً ، و سيأتىمن شيعتى من يدّعى المشاهدة، ألا فمن ادّعي المشاهدة قبل خروج السفيانى و الصيحة فهو كذّاب مفتر و لا حول و لا قوّة الّا بالله العلىّ العظيم».
قال الراوى : فنسخنا هذا التوقيع و خرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه و قو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك بعد؟ فقال : لله أمر هو بالغه، و قضي ، فهذا آخر كلام سمع منه رضى الله عنه و أرضاه[8].
و نقل أيضاًعن كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق انّ أبا الحسن السمرى توفى (15) شعبان سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة[9] من الهجرة ، فيكون علي هذا مدّة الغيبة الصغري التى كان الوكلاء و السفراء و النوّاب مأمورين بها من قبل الامام عليه السلام حوالى(74) عام، مضت حوالى (48) عام منها فى سفارة عثمان بن سعيد العمرى و ابنه محمد بن عثمان و مضت حوالى(26عام منها فى سفارةالشيخ أبى القاسم الحسين بن روح و الشيخ أبى الحسن علىّ بن محمد السمرى، ثم انقطعت السفارة و وقعت الغيبة الكبري ، فمن ادعي بعدها السفارة و النيابة الخاصة أو ادعي المشاهدة مع هذه الدعوي فهو كذّاب مفتر علي الحجة عليه السلام.
فيكون المرجع فى الدين و الشرائع العلماء و الفقهاء و المجتهدين بأمر الامام عليه السلام، فانّ النيابة ثابتة لهم علي سبيل العموم، كما ورد فى التوقيع الشريف لماسئل اسحاق بن يعقوب – من أجلة و أخيار الشيعة و حملة الأخبار- الذى أوصلها ءلي الحجة عليه السلام بواسطة محمد بن عثمان بن سعيد العمرى، فسأل مسائل، فأجاب عليه السلام عليها، فقال فى جملتها:
«و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها ءلي رواة حديثنا فانّهم حجّتى عليكم و أنا حجة الله عليهم»[10].
و فى رواية أخري عن الامام الباقر عليه السلام انّه قال:
«انظروا إلي من كان منكم قد روي حديثنا و نظر فى حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكماً، فانّى قد جعلته عليكم حاكماً، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما بحكم الله استخفّ ، و علينا ردّ، و الرادّ علينا رادّ علي الله و هو في حدّ الشرك بالله».
و فى رواية أخري:
«مجارىالأمور بيد العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه» .
فالمستفاد من أوامر هذين الامامين عليهما السلام انّ المكلّفين لا بدّ لهم من الرجوع إلي العلماء و حفظة العلوم و الأخبار و آثار الائمة الأطهار عليهم السلام العارفين بالأحكام الصادرة منهم بالنظر و الاستنباط و العقل و التدبّر، و لا بد للمكلّفين أن يأخذوا مسائل الحلال و الحرام منهم و يرجعوا فى قطع المنازعات اليهم و كلّ ما يقولونه هو حجّة عليهم، لأنهم جمعوا شرائط الفتوي من قوة الاستنباط إلي العدالة و البلوغ و العقل و سائر شرائط الاجتهاد، و لهم النيابة العامّة ، فالناس مكلّفون بالرجوع اليهم اضطراراً، لعدم تعيين نائب مخصوص فى زمن الغيبة الكبري، بل حكم بانقطاع النيابة الخاصة و السفارة.
اليوم الثامن عشر
من شهر شعبان
وفاة النائب الثالث ابوالقاسم الحسين بن روح النوبختى(رض):
الثالث: من الوكلاء و السفراء الحسين بن روح و قد كان فى زمن سفارة محمد بن عثمان متوليّاً بعض الأمور من قبله فقد كان محمد بن عثمان يعتمد علي بعض اخوانه المؤمنين الثقات و الحسين بن روح واحداًمنهم، بل كان عندالناس انّ اعتماد محمد بن عثمان علي غير الحسين بن روح اكثر من اعتماده علي غيره و فى المرواية المعتبرة انّ أبا جعفر محمد بن عثمان العمرى(قدس الله روحه) جمع وجوه الشيعة و شيوخها، فقال لهم: إن حدث علىّ حدث الموت فالأمر إلي أبى القاسم الحسين بن روح النوبختى، فقد امرت أن أجعله فى موضعى بعدى فارجعوا إليه و عوّلوا فىأموركم عليه[11].
و فى رواية معتبرة أخري كما رويت فى البحار انّ جمع من وجوه الشيعة و كبارهم دخلوا علي محمد بن عثمان، فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبوالقاسم الحسين بن روح بن أبى بحر النوبختى القائم مقامى و السفير بينكم و بين صاحب الأمر عليه السلام ، و الوكيل له و الثقة الأمين، فارجعوا إليه فى أموركم و عوّلوا عليه فى مهمّاتكم، فبذلك امرت و قد بلّغت[12].
و ورد توقيع من الامام الحجة عليه السلام للشيخ أبىالقاسم الحسين بن روح، كما ورد ذلك فى البحار عن جمع من الأخيار و الثقات و هو:
« نعرفه عرّفه الله كلّه و رضوانه و آسعده بالتوفيق، و قفنا علي كتابه و هو ثقتنا بما هو عليه و انّه عندنا بالمنزلة و المحلّ اللذين يسرّانه، زاد الله فى إحسانه إليه انّه ولىّ قدير، و الحمد لله لا شريك له و صلّي الله علي رسول محمد و آله و سلّم تسليماً كثيراً»[13].
و ذكر فىأحواله انّه كان شديد التقيّة فى بغداد، و كان يحسن السلوك مع المخالفين من المذاهب الأربعة بحيث نسبه أرباب كلّ مذهب اليهم فكانوا يفتخرون بانّه منهم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - راجع مثلاً مسند أحمد بن حنبل: 2/176، سنن ابن ماجة : 1/444-445، فيض القدير: 4/459، سنن الترمذى: 3/466 و غيرها كثير.
[2] - ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: 101، مصباح المتهجد للشيخ الطوسى : 762إ إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: 718.
[3] - كمال الدين: 315، كفاية الأثر: 317 .
[4] - كمال الدين : 303.
[5] - كمال الدين : 321-322 .
[6] - كمال الدين: 316 .
[7] - الكافي : 1/276 .
[8] - كتاب الغيبة ، ص 242، باختلاف يسير – عنه البحار، ج 51، ص 360، ح 7.
- و كمال الدين ، ج 2، ص 516، ح 44 ، باب 45.
[9] - راجع كمال الدين ، ج 2، ص 503، ضمن حديث 32، و فيه سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة.
- و فى البحار و غيبة الطوسى ما أثبتاه.
[10] - كمال الدين ، ج 2، ص 484، ضمن حديث 4، باب 45 .
[11]البحار ، ج 51، ص 355، ضمن حديث 6 – عن كتاب الغيبة ، ص 226 .
[12] - البحار ، ج 51، ص 355، ضمن حديث 6 – عن كتاب الغيبة، ص 226 .
[13] - البحار، ج 51، ص 356، ضمن حديث 6 – عن كتاب الغيبة، ص 227 .