سياسات
على مشارف نينوى [38]
لمّا أصبح الحسين (عليه السلام) وهو مع أصحابه في طريقه بعد قصر بني مقاتل نزل وصلّى بهم الغداة ثمّ عجّل الركوب وأخذ يساير بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيردّه وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه، فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى... فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية، فقال له الحسين (عليه السلام):
دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه، يعني نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفيّة، فأبى عليه الحر ذلك.
فقال زهير بن القين للحسين (عليه السلام): إنّي والله ? أرى أن يكون بعد الذي ترون إلاّ أشدّ ممّا ترون، يابن رسول الله إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما ? قبل لنا به.
فقال الحسين (عليه السلام): ما كنت لأبدءهم بالقتال، ثم نزل.
قال الراوي: فقام الحسين (عليه السلام) خطيباً في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه، ثم قال:
إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرّت حذاء ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق ? يعمل به، وإلى الباطل ? يتناهى، عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً فإنّي ? أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً.
_____________________________________
[38] بحار الأنوار 44/380 ـ 381، عن إرشاد المفيد واللّهوف:...