مشاهير الثقات من رواته من الشيعة
اذا كان الرواة الثقات الذين أحصتهم كتب الرجال أربعة آلاف أو يزيدون فليس من الصواب أن نذكرهم جميعاً ههنا، على أن كتب الرجال قد استقصت اكثرهم ذكراً وترجمة، كما أنه ليس من الصحيح إِهمالهم فإن استطراد ذكرهم دخيل في القصد، فرأينا أن نذكر المشاهير عن ثقاتهم خاصّة فإن به إِيراداً لناحية من نواحي حياته عليه السلام، وبُعداً عن السعة المملّة.
أبان بن تغلب :
أبو سعد أبان بن تَغِلب الكبري الجريري، روى عن السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام ومات أيام الصادق عليه السلام 141، وقيل عام 140، ولمّا بلغ نعيه أبا عبد اللّه عليه السلام قال : «أما واللّه لقد أوجع قلبي موت أبان» وهذا ينبيك عن كبير مقامه لديه، وعظيم منزلته عنده، يا ترى ما شأن من يوجع موته قلب الصادق عليه السلام ؟
وكان غزير العلم قويّ الحجّة، ويشهد لذلك قول الباقر عليه السلام له : اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس فإني احبّ أن يُرى في شيعتي مثلك. وقول الصادق عليه السلام له : ناظر أهل المدينة فإني احبّ أن يكون مثلك من رجالي.
فلو لم يكن بتلك الغزارة من الفضل، والقوّة في الحجّة، لما عرَّضاه لتلك المآزق والمخاطر، فإن فشله فشل لهما.
وقد روى عن الصادق فحسب ثلاثين ألف حديث، كما أخبر عن ذلك الصادق نفسه، وأمر أبان بن عثمان أن يرويها عنه.
وما كان متخصّصاً بالحديث والكلام فحسب بل كان متضلّعاً في عدّة علوم جليلة، كالتفسير والأدب واللغة والنحو والقراءة، وسمع من العرب وحكى عنهم وصنَّف كتاب الغريب في القرآن، وذكر شواهده من الشعر.
ومن سموّ مقامه اتّفاق الفريقين على وثاقته، فقد وثّقه جهابذة القوم في الحديث مع اعترافهم بتشيّعه، منهم أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي وابن عدي وابن عجلان والحاكم والعقيلي وابن سعد وابن حجر وابن حيّان وابن ميمونة والذهبي في ميزان الاعتدال، وعدُّوه في التابعين، وكفى بهذا دلالة على بلوغه من الوثاقة والفضل حدّاً لا يسع أحداً إِنكاره.