وصاياه
الصحبة في السفر
إن للسفر آداباً خاصّة لا تضارعها الآداب في الحضر وقد تجد عند أوّل نظرة أن من الفتوّة وشرف النفس وعلوّ الهمّة بل حُسن الصحبة أن تتوسّع في النفقة والإطعام بما يربو على رفاقك، ولكن الصادق عليه السّلام ينهى عن ذلك في السفر، لأنه تكليف للرفيق بما لا يقدر عليه إن أراد المباراة أو إِذلال له إِن أمسك عن المجاراة، وليس من الأدب وجميل العِشرة أن تكلّف رفيقك أو تذلّه، فيقول لشهاب بن عبد ربّه(1) : لا تفعل يا شهاب إِن بسطت وبسطوا أجحفت بهم، وإِن هم أمسكوا أذللتهم، فاصحب نظراءك، اصحب نظراءك.
هذا بعد أن قال شهاب للإمام : قد عرفت حالي وسعة يدي وتوسيعي على إخواني، فأصحب النفر منهم في طريق مكّة فأوسع عليهم(2).
أقول : وكما يذلّ المرء سواه اذا ربا عليه بالإنفاق، يذلّ نفسه اذا ربا عليه غيره، وكما نهى الإمام في الأوّل عن صحبة الأضعف حالاً، نهى في الثاني عن صُحبة الأقدر مالاً، فقال لأبي بصير : ما احبّ أن يذلّ نفسه، ليخرج مع مَن هو مثله.
وهذا بعد أن سأله أبو بصير عن الرجل يخرج مع القوم المياسير، وهو أقلّهم شيئاً فيخرج القوم النفقة، ولا يقدر هو أن يخرج مثلما أخرجوا.
وقال لهشام بن الحكم وقد سأله عن مثل ذلك : «إِصحب مثلك»(3) فالإمام قد جعل المحور في الحالين صحبة النظير، لئلا يذلّ غيره أو يذلّ نفسه، وهذه إِحدى حكمه البليغة، ورغباته في حُسن الأدب للناس.
______________________________
(1) الكوفي وهو من أصحاب الصادق عليه السلام وثقات الرواة، وروى عنه الثقات أمثال ابن أبي عمير.
(2) الوسائل، باب أنه يستحب للمسافر أن يصحب نظيره : 8/302/1.
(3) المصدر السابق : 8/303/5.