عِظاته
الظلم
قبح الظلم بمعنى الجور والاعتداء على الغير من أشهر ما تطابقت عليه آراء العقلاء وتسالمت عليه العقول، وهو من الواضحات التي لا يشكُّ فيها واحد، ولذا أنّ اللّه تعالى لمّا أراد ذمّ الشرك واستهجانه ذمّه لأنه ظلم فقال : «إن الشرك لظلم عظيم»(1).
وقد وردت الآيات والآثار الكثيرة في ذمّه وحُرمته ومنها ما سيأتي عن إِمامنا الصادق عليه السلام.
غير أنه يختلف كثرةً وقلّةً، وشدةً وضعفاً، كما دلّت عليه الآية، ولذلك يقول عليه السلام : ما من مظلمة أشدّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عوناً إِلا اللّه(2).
أقول : وآية ذلك أن الضعيف عاجز عن الانتصاف لنفسه، فيكون اللّه تعالى نصيره والآخذ بحقّه، وكيف حال مَن كان اللّه خصمه والمنتصف منه، وهذا مثل ما يروى عن زين العابدين عليه السلام من قوله : إِيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إِلا اللّه(3).
ولا تحسبنّ أن الظالم هو المباشر فقط، بل كما قال أبو عبد اللّه عليه السلام : العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، كلّهم شركاء ثلاثتهم(4).
بل زاد على هؤلاء الثلاثة بقوله عليه السلام : من عذر ظالماً بظلمه سلّط اللّه عليه من يظلمه، إِن دعا لم يستجب له، ولم يؤجره اللّه على ظلامته.
ولشدّة قبح الظلم يكون من لا ينوي الظلم مأجوراً، كما قال عليه السلام : مَن أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر اللّه له ما أذنب ذلك اليوم، ما لم يسفك دماً أو يأكل مال يتيم حراماً.
ودخل عليه رجلان في مداراة(5) بينهما ومعاملة، فلم يسمع لهما كلاماً بل قال عليه السلام : «أما إِنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إِن المظلوم يأخذ من دَين الظالم اكثر ممّا يأخذه الظالم من مال المظلوم» ثمّ قال عليه السلام : «مَن يفعل الشرّ بالناس فلا ينكر الشرّ إِذا فعل به، أما إِنه إِنما يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس يحصد أحد من المرّ حلواً، ولا من الحلو مرّاً» فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.
أقول : ما أبلغها عظة وما أصدق التمثيل، غير أن النفوس طبعت على السوء وحبّ الاعتداء والغلبة فتعمى عن مثل هذه الآثار، وإِلا كيف يأمل أحد أن يحصد الحلو من المرّ والخير من الشرّ، وهو نفسه لا يجازي المسيء بالإحسان والظلم بالصفح، فكيف يرجو أن يُكافأ وحده بغير ما يعمل دون الناس ؟
ودخل عليه زياد القندي(6) فقال عليه السلام له : يا زياد ولّيت لهؤلاء ؟ قال : نعم يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لي مروّة، وليس وراء ظهري مال، وإِنّما اُواسي اخواني من عمل السلطان، فقال عليه السلام : يا زياد أما اذا كنت فاعلاً ذلك، فاذا دعتك نفسك الى ظلم الناس عند القدرة على ذلك فاذكر قدرة اللّه عزّ وجلّ على عقوبتك، وذهاب ما أتيت اليهم عنهم، وبقاء(7) ما أتيت الى نفسك عليه والسلام(8).
أقول : إِن الوالي معرّض للظلم، ولكن اللّه تعالى أقدر على عقوبة الظالم والانتصاف منه، ويستطيع أن يذهب عن المظلوم الظلامة وإِرجاعها على الظالم، فلو أن الانسان ساعة يريد الظلم يخطر هذه الحقائق بباله لكفَّ عمّا أراد، وهذه أجمل الوسائل للارتداع عن الظلم.
ولعظم جريمة الظلم عند اللّه سبحانه يستجيب دعوة المظلوم على ظالمه كما قال أبو عبد اللّه عليه السلام : اتقوا الظلم، فإن دعوة المظلوم تصعد الى السماء(9).
أقول : إِن صعود الدعوة الى السماء كناية عن الإجابة وعدم الردّ.
______________________________
(1) لقمان : 13.
(2) الكافي : 2/331/4.
(3) الكافي : 2/331/5.
(4) الكافي، باب الظلم : 2/333/16.
(5) منازعة.
(6) ابن مروان القندي الأنباري بقي الى أيام الرضا عليه السلام وذهب الى الوقف، كان وكيلاً للكاظم عليه السلام وتخلّفت عنده أموال كثيرة بسبب حبس الكاظم فطالبه الرضا بالمال بعد أبيه كما طالب علي بن أبي حمزة وعلي بن عيسى فقالوا بالوقف طمعاً بالمال على أن زياداً ممّن روى النصّ على الرضا وهو ثقة في الرواية.
(7) ذهاب وبقاء معاً معطوفان على عقوبتك، فالتقدير وعلى ذهاب وعلى بقاء.
(8) مجالس الشيخ الطوسي طاب ثراه، المجلس /11.
(9) الكافي، باب من تستجاب دعوته : 2/509/4.