عِظاته
الرياء
الرياء : طلب المنزلة في قلوب الناس بخصال الخير أو ما يدلّ من الآثار عليها باللباس والهيئة والحركات والسكنات ونحوها.
وهو من الكبائر الموبقة والمعاصي المهلكة، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمّه. وقد ورد عن الصادق عليه السلام الكثير من الأحاديث في ذمّه وتنقص صاحبه، فقال مرّة :
كلّ رياء شرك(1) إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل للّه كان ثوابه على اللّه(2).
وقال اُخرى في قوله تعالى : «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً»(3) : الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يريد به وجه اللّه، إِنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن تسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه. ثمّ قال عليه السلام : ما من عبد أسرّ خيراً فذهبت الأيام حتّى يظهر اللّه له خيراً، وما من عبد يسرّ شرّاً فذهبت به الأيام حتّى يظهر اللّه له شرّاً»(4).
وقال طوراً : «ما يصنع أحدكم أن يظهر حسناً ويسرّ سيّئاً، أليس يرجع الى نفسه فيعلم أن ليس كذلك، واللّه عزّ وجلّ يقول : «بل الانسان على نفسه بصيرة»(5) إِن السريرة اذا صحّت قويت العلانية»(6).
أقول : ما أغلاها كلمة، لأن المرائي يرجع الى نفسه فيعرف أنه يُظهر غير ما يُضمر، فيظهر ذلك على أعماله من حيث يدري ولا يدري، لأنه بالرجوع الى نفسه يشعر بهذا الضعف والخداع ولا بدّ أن يبدو الضعف على عمله فيختلج فيه.
أمّا الذي توافق عنده السرّ والعلن في الصلاح فإنه يكون قويّاً في عمله لأنه مطمئنّ من نفسه شاعر بقوّتها، والشعور بالقوَّة يسيطر على أقوال الإنسان وأفعاله.
وقال أيضاً عليه السّلام : من أراد اللّه بالقليل من عمله أظهر اللّه له اكثر ممّا أراد، ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه، وسهر من ليله، أبى اللّه عزّ وجلّ إِلا أن يقلّله في عين مَن سمَعه.
وقال أيضاً : ما يصنع الانسان أن يعتذر بخلاف ما يعلم اللّه منه، إِن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يقول : من أسرّ سريرة ألبسه اللّه رداها إِن خيراً فخيراً، وإِن شرّاً فشرّاً.
وقال عليه السلام : إِيّاك والرّياء، فإنه مَن عمل لغير اللّه وكّله اللّه الى مَن عمل له(7).
أقول : هذه شذرات من كلامه في الرياء، أبان فيها عن سوء هذه النيّة الفاشلة، وخيبة من يريد منها رضى الناس، فتفضحه الأيام فلا عمله زكّاه ولا حصل على ما راءت لأجله.
______________________________
(1) إِذ أن من قصد بعبادة اللّه التقرّب الى الناس فلا يقصد ذلك إِلا حيث يظن أن من قصد التقرّب اليه له الحول والقوّة والنفع والضرّ من دون اللّه تعالى، وهذا هو الشرك بعينه.
(2) الكافي، باب الرياء : 2/293/3.
(3) الكهف : 110.
(4) الكافي : 2/295/12.
(5) القيامة : 14.
(6) الكافي : 2/295/11.
(7) الكافي : 2/293/1.