• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عِظاته (الخوف والرجاء)

 عِظاته
الخوف والرجاء

إِنَّ اللّه سبحانه جمع بين العظمة والرأفة، وبين الغضب والرضى، فعلى سعة رحمته عظيم سخطه، وعلى جزيل ثوابه كبير عقابه، ومن كانت رحمته واسعة كان الأمل بشمولها للمجرم قريباً، ومن كان عقابه شديداً كان الخوف من سخطه أكيداً، فلا بدَّ للمؤمن إِذن أن يكون دائماً بين الخوف والرجاء، لأنه لا يدري بأيّة زلّة يُؤخذ فيكتب في ديوان المجرمين، ولا يعلم على أيّة حسنة يُثاب فيُحسب من المحسنين، فيجب عليه أبداً أن يحذر الزلّة فيتّقيها، ويرعى الحسنة فيوافيها، وتعاليم الصادق عليه السلام الواردة عنه هي من أعظم ما ورد في هذا الباب تشرح حقيقة الخوف والرجاء وكيف يجتمعان وضرورة اجتماعهما في المؤمن وأثر انعدامهما على الانسان، وما الى ذلك، فقال في الخوف :
«خف اللّه كأنك تراه وإِن كنت لا تراه فانّه يراك، وإِن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإِن كنت تعلم أنه يراك ثمّ بدرت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك».(1)
أقول : أمّا الكفر بإنكار رؤيته للناس فلأن معناه إِنكار علمه بالموجودات وهو يساوق إِنكار خلقه بل إِنكار وجوده.
وأمّا أنه يكون أهون الناظرين فواضح لأن المرء إِذا أحسّ أن أحداً ذا شأن وبطش وقوّة مشرف على عمله ساخط عليه قادر على الفتك به، فإنه لا محالة يكفّ عن العصيان خجلاً أو حذراً وخوفاً، وإِنما يكون التهاون بالناظر والمطّلع إِذا كان ممّن لا يتّقى أو يخشى أو كان ممّن يستهان برضاه وغضبه وثوابه وعقابه، فالمبادر بالمعصية مع علمه بأنه تعالى لا يراه لا محالة قد جعله أهون الناظرين.
وقال عليه السلام أيضاً : من عرف اللّه خافه، ومن خاف اللّه سخت نفسه عن الدنيا(2).
وقال عليه السلام : إِن من العبادة شدة الخوف من اللّه عزّ وجل، يقول اللّه عزّ وجل : «إِنما يخشى اللّهَ من عباده العلماء»(3) وقال جلّ ثناؤه : «فلا تخشَوا الناس واخشَونِ»(4) وقال تبارك وتعالى : «ومن يتّقِ اللّه يجعل له مخرجاً»(5)، إِن حُبّ الشرف والذكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب(6).
وقال عليه السلام في قوله عزّ وجل : «ولمن خاف مقام ربّه جنّتان»(7) : من علمَ أن اللّه يراه ويسمع ما يقول، ويعلم ما يعمله من خير أو شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الذي خاف مقام ربّه، ونهى النفس عن الهوى.
وقال عليه السلام : المؤمن بين مخافتين، ذنب قد مضى لا يدري ما صنع اللّه فيه، وعُمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إِلا خائفاً ولا يصلحه إِلا الخوف(8).
أقول : كذلك صلاح المؤمن يكون بالخوف أبداً، لأنه إِذا خاف اتجه بكلّ جارحة وجانحة لدفع ما يخاف منه، فينصرف عن العصيان ويقبل على الطاعة.
وقال عليه السلام : من خاف اللّه أخاف اللّه منه كلّ شيء ومن لم يخف اللّه أخافه من كلّ شيء(9).
وقال عليه السلام في الخوف والرجاء معاً : ينبغي للمؤمن أن يخاف اللّه تعالى خوفاً كأنه مُشرِف على النارِ، ويرجو رجاءً كأنه من أهل الجنّة - ثمّ قال - : إِنّ اللّه تعالى عند ظنّ عبده إِن خيراً فخيراً، وإِن شرّاً فشرّاً(10).
أقول : كذلك ينبغي للمؤمن أن يكون بين الخوف والرجاء كما قال تعالى : «يدعون ربّهم خوفَاً وطمعاً»(11) لأن الخوف وحده قد يبعث على اليأس والقنوط، واليأس من رحمة اللّه مذموم يثبّط العبد عن العمل الصالح، والرجاء وحده قد يدفع بالعبد على الأمن من مكر اللّه وهو ضلال وخيبة يقعد بالعبد عن النشاط للعبادة، وأمّا المراد من أن اللّه تعالى عند ظنّ عبده فلا يبعُد أن يكون أنه في رعاية العبد ومكافاته على حسب ما يظن، لا أنه يكون كذلك بمجرّد الظن وإِن عمل ما لا يرتضيه اللّه تعالى من السوء وهو يظنّ فيه الخير، كما سينبّه عليه.
وقال عليه السلام : لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو(12).
أقول : لأن العمل مظهر الخوف والرجاء فإن لم يعمل كان كاذباً في دعوى الخوف والرجاء، وعليه الوجدان، فإن من خاف أحداً على نفسه أو نفيسه اجتهد في الحيطة والحذر، ومن رجا توسّل بالذرائع التي تقرّبه من المرجو.
وقال عليه السلام : حسن الظنّ باللّه ألا ترجو إِلا اللّه ولا تخاف إِلا ذنبك(13).
أقول : لأن رجاء غير اللّه لا يكون إِلا عن شكّه في قدرة اللّه ورحمته لعباده أو عن توهّم أن غير اللّه له قدرة مستغنية عنه تعالى وهذا سوء ظنّ بالقادر الرحيم، وكذلك خوف غير الذنب من نحو الخوف من الموت والانسان والمخلوقات الاُخرى فإنه يستلزم الشكّ في قدرة اللّه ورحمته.
وقيل له : قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت، فقال عليه السلام : هؤلاء يترجّحون(14) في الأماني، كذبوا ليسوا براجين، من رجا شيئاً طلبه ومن خاف من شيء هرب منه(15).
أقول : فإن المرجو لا ينال بغير السعي والطلب إِلا صدفة، والمخاف لا يسلم منه بغير الهرب إِلا صدفة، وهل يتَّكل العاقل الرشيد في أمريه على الصدف.
______________________________
(1) الكافي، باب الخوف والرجاء : 2/67/2.
(2) نفس المصدر : 2/68/4.
(3) الملائكة : 28.
(4) المائدة : 44.
(5) الطلاق : 2.
(6) الكافي، باب الخوف والرجاء : 2/69/7.
(7) الرحمن : 46.
(8) الكافي : 2/71/12.
(9) مجالس الشيخ الطوسي، المجلس /42، والكافي : 2/68/3.
(10) الكافي : 2/72/3.
(11) السجدة : 16.
(12) الكافي، باب الخوف والرجاء : 2/71/11.
(13) الكافي، باب حسن الظن باللّه : 2/72/4.
(14) يتذبذبون.
(15) الكافي، 2/68/5.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page