المختار من كلامه
2 - عِظاته
ما زال إِمامنا عليه السلام ينشر مواعظه الخالدة بين الناس لتهذيبهم وإِرشادهم الى طريق اللّه تعالى اللاحب، وحرصاً على سعادتهم في الدارين، والذي وصل الينا منها الشيء الكثير الذي يفوت الحصر وهو مبثوث في غضون الكتب التي بين أيدينا.
وقد رأينا أن نورد أهمّ ما وصل الينا من هذه المواعظ مرتّباً على الأبواب على نحو ما يأتي :
المعرفة
معرفة اللّه تعالى أوّل الواجبات، وأساس الفضائل والأعمال، بل هي غاية الغايات، ومنتهى كمال الانسان، وعلى قدر التفاضل فيها يكون التفاضل بين الناس، ولأجله جعلناها في طليعة مواعظه، وكفى من كلامه فيها أن نورد هذه الشذرات الآتية التي يدعو فيه الى المعرفة، ويحثّ عليها كاشفاً عن جليل آثارها وعظيم لذّتها، فقال عليه السلام :
«لو يعلم الناس ما في فضل معرفة اللّه عزّ وجل ما مدّوا أعينهم الى ما متّع اللّه به الأعداء من زهرة هذه الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة اللّه عزّ وجل وتلذّذوا به تلذّذ من لم يزل في روضات الجنّات مع أولياء اللّه، إِن معرفة اللّه عزّ وجل أنس من كلّ وحشة، وصاحب من كلّ وحدة، ونور من كلّ ظلمة، وقوّة من كلّ ضعف، وشفاء من كلّ سقم».
ثمّ قال عليه السلام : «قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير، وتضيق عليهم الأرض برحبها فما يردهم عمّا عليه شيء ممّا هم فيه، من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذى، بل ما نقموا منهم إِلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد، فاسألوا درجاتهم، واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم»(1).
إِنّه عليه السلام يصف المعرفة كمن ذاقها، فيحبّذ هذا الطعم الشهي للناس، ونحن لاسترسالنا في الغفلة لا نعرف ذلك المذاق، سوى أننا نفقه أن من اتّجه الى معرفة اللّه تعالى ودنا من حظيرة القدس شبراً بعدُ عن متاع هذا الوجود ميلاً، وكلّما تجرّد عن زخرف هذا الوجود استزهد ما دون معرفة واجب الوجود.
______________________________
(1) الكافي : 8/207/347.