• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإهليلجة

الإهليلجة

سميّ هذا التوحيد بالاهليلجة لأن الصادق عليه السّلام كان مناظراً فيه لطبيب هندي في إهليلجة كانت بيد الطبيب، وذلك أن المفضّل بن عمر كتب الى الصادق عليه السّلام يخبره أن أقواماً ظهروا من أهل هذه الملّة يجحدون الربوبيّة ويجادلون على ذلك، ويسأله أن يردّ عليهم قولهم ويحتجّ عليهم فيما ادّعوا بحسب ما احتجّ به على غيرهم.
فكتب اليه الصادق فيما كتب: وقد وافاني كتابك ورسمت لك كتاباً كنت نازعت فيه بعض أهل الأديان من أهل الإنكار، وذلك أنه كان يحضرني طبيب من بلاد الهند، وكان لا يزال ينازعني في رأيه ويجادلني عن ضلالته، فبينا هو يوماً يدقّ إهليلجة ليخلطها دواءً احتجت اليه من أدويته إِذ عرض له شيء من كلامه الذي لم يزل ينازعني فيه، من ادّعائه أن الدنيا لم تزل ولا تزال شجرة تنبت واُخرى تسقط، ونفس تولد واُخرى تتلف، وزعم أن انتحالي المعرفة للّه دعوى لا بيّنة عليها ولا حجّة لي فيها، وأن ذلك أمر أخذه الآخر عن الأول والأصغر عن الأكبر، وأن الأشياء المختلفة والمؤتلفة والباطنة والظاهرة إِنما تعرف بالحواسّ الخمس: النظر والسمع والشمّ والذوق واللمس، ثمّ قاد منطقه على الأصل الذي وضعه، فقال: لم يقع شيء من حواسّي على خالق يؤدّي الى قلبي إِنكار اللّه تعالى.
ثمّ قال: أخبرني بم تحتجّ في معرفة ربّك الذي تصف قدرته وربوبيّته وإِنما يعرف القلب الأشياء كلّها بالدلالات التي وصفت لك ؟
قلت: بالعقل الذي في قلبي، والدليل الذي أحتجّ في معرفته، قال: فأنّى يكون ما تقول وأنت تعرف أن القلب لا يعرف شيئاً بغير الحواس، فهل عاينت ربّك ببصر، أو سمعت صوته باُذن، أو شممته بنسيم، أو ذقته بفم، أو مسسته بيد، فأدّى ذلك المعرفة الى قلبك ؟
قلت: أرأيت اذا أنكرت اللّه وجحدته لأنك زعمت أنك لا تحسّه بحواسك التي تعرف بها الأشياء وأقررتُ أنا به هل بدّ من أن يكون أحدنا صادقاً، والآخر كاذباً، قال: لا، قلت: أرأيت إِن كان القول قولك، فهل تخاف عليّ شيء ممّا اُخوّفك به من عقاب اللّه، قال: لا، قلت: أفرأيت إِن كان كما أقول والحقّ في يدي، ألست قد أخذت فيما كنت اُحاذر من عقاب اللّه بالثقة، وإِنك قد وقعت بجحودك وإنكارك في الهلكة، قال: بلى، قلت: فأيّنا أولى بالحزم وأقرب من النجاة، قال: أنت، إِلا أنك من أمرك على ادّعاء وشبهة وأنا على يقين وثقة، لأني لا أرى حواسّي الخمس أدركته، وما لم تدركه حواسّي فليس عندي بموجود، قلت: إِنه لمّا عجزت حواسّك عن إِدراك اللّه أنكرته، وأنا لمّا عجزت حواسّي عن إِدراك اللّه صدّقت به، قال: وكيف ذلك ؟ قلت: لأن كلّ شيء جرى فيه أثر التركيب لجسم أو وقع عليه بصر للون(1) فما أدركته الأبصار ونالته الحواس فهو غير اللّه سبحانه لأنه لا يشبه الخلق ولا يشبهه الخلق، وأن هذا الخلق ينتقل بتغيير وزوال، وكلّ شيء أشبه التغيير والزوال فهو مثله، وليس المخلوق كالخالق، ولا المحدَث كالمحدِث(2).
ثمّ أن الصادق عليه السّلام قال: قلت له: أخبرني هل أحطت بالجهات كلّها وبلغت منتهاها ؟ قال: لا، قلت: فهل رقيت الى السماء التي ترى، أو انحدرت الى الأرض السفلى فجلت في أقطارها ؟ أو هل خضت في غمرات البحور واخترقت نواحي الهواء فيما فوق السماء أو تحتها الى الأرض وما أسفل منها، فوجدت ذلك خلاء من مدبّر حكيم عالم بصير ؟ قال: لا، قلت: فما يدرك لعلّ الذي انكره قلبك هو في بعض ما لم تدركه حواسّك ولم يحط به علمك، قال: لا أدري لعلّ في بعض ما ذكرت مدبّرا وما أدري لعلّه ليس في شيء من ذلك شيء.
أقول: ربّما يتوهّم بأن في كلام الصادق هذا إِشعاراً بالتجسيم لأنه جوّز أن يكون في جهة معيّنة وهو من شؤون الجسم، ولكن ذلك كان منه إنكاراً على الطبيب الذي يريد أن يستدلّ على عدم الوجود بعد الوجدان، وإِنما أراد الصادق أن يكذّب دعواه بعدم الوجدان فيورد عليه احتمال وجوده في جهة لم يصل اليها الطبيب، وأن احتمال وجوده في جهة كافٍ في ردّ دعواه بعدم الوجدان، وهذا من باب الإلزام للخصم وإِبطال حجّته لا من باب إِثبات وجوده في جهة، وقد سبق من كلامه إِنكار إِدراكه بالحواس، والمثبت في جهة خاصّة مدرك بالحواس.
ثمّ قال الصادق عليه السّلام: قلت: أما إِذ خرجت من حدّ الإنكار الى منزلة الشكّ فإني أرجو أن تخرج الى المعرفة، قال: فإنما دخل عليّ الشكّ لسؤالك إيّاي عمّا لم يحط به علمي، ولكن من أين يدخل عليّ اليقين بما لم تدركه حواسّي ؟ قلت: من قِبل إهليلجتك هذه، قال: ذاك إِذن أثبت للحجّة، لأنها من آداب الطبّ الذي اذعن بمعرفته.
ثمّ أن الصادق عليه السّلام صار يلقي عليه الأسئلة عمّا يخصّ الاهليلجة من كيفيّة صنعتها، ومن وجود أمثالها في الدنيا، والطبيب يراوغ في الجواب حذراً من الالتزام بالصنعة الدالّة على الصانع، الى أن ألزمه بما لا يجد محيصاً من الاعتراف به وهو أنها خرجت من شجرة.
ثمّ قال الصادق: أرأيت الاهليلجة قبل أن تعقد، إِذ هي في قمعها ماء بغير نواة ولا لحم ولا قشر ولا لون ولا طعم ولا شدّة، قال: نعم، قال الصادق عليه السّلام: قلت له: أرأيت لو لم يرقق الخالق ذلك الماء الضعيف الذي هو مثل الخردلة في القلّة والذلّة ولم يقوّه بقوّته ويصوّره بحكمته ويقدّره بقدرته، هل كان ذلك الماء يزيد على أن يكون في قمعه غير مجموع بجسم ولا قمع وتفصيل، فإن زاد زاد ماءً متراكباً غير مصوّر ولا مخطّط ولا مدبّر بزيادة أجزاء ولا تأليف أطباق.
قال: أريتني من تصوير شجرتها وتأليف خلقتها وحمل ثمرتها وزيادة أجزائها وتفصيل تركيبها أوضح الدلالات وأظهر البيّنات على معرفة الصانع، ولقد صدقت بأن الأشياء مصنوعة، ولكني لا أدري لعلّ الاهليلجة والأشياء صنعت نفسها.
ثمّ أن الصادق عليه السّلام أثبت له أنها مصنوعة لغيرها، لسبقها بالعدم ولأن صنعتها تدلّ على أن صانعها حكيم عالم، الى غير ذلك من البراهين.
ثمّ ما زال الصادق يسايره في الكلام، ومحور الكلام الاهليلجة، إِلى أن أرغمه الدليل على الاعتراف بالصانع الواحد، بعد أن صار كلامهما إِلى النجوم والمنجّمين.
ثمّ صار الصادق يدلي عليه بالبيان عن تلك العلامات على ذلك الصانع الواحد، والدلالات على ذلك الحكيم القدير والعالم البصير، من مصنوعاته من السماء والأرض والشجر والنبات والأنعام وغيرها وكيفيّة دلالتها عليه.
ثمّ أخذ في بيان صفاته من اللطف والعلم والقوّة والسمع والبصر والرأفة والرحمة والإرادة(3).
أقول: وما حداني على الاشارة الى مواضع هذه الرسالة دون إيرادها إِلا رعاية الإيجاز، على أن هذه الرسالة جمعت فنوناً من العلم الى قوّة الحجّة وجَودة البيان، وما كان محور المناظرة فيها إِلا اهليلجة، وهي من أضعف المصنوعات، وأصغرها جرماً وشأناً.
______________________________
(1) اللام في لجسم وللون لام الابتداء المفتوحة وجسم ولون خبر أن.
(2) الأول اسم مفعول وهو بفتح الدال والثاني بكسره وهو اسم فاعل.
(3) بحار الانوار: 3/ 152 - 170.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page