• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمامة

الإمامة

إن المسلمين على مذاهب في الإمامة بعد أن أجمعوا على وجوبها، باعتبار أنّ الإمام هو الجامع لشتاتها، والهادي لضلالها، والناهض بها لنشر أعلام الشريعة، وبثّ روح تعاليمها الحيّة.
ومن سياسة صاحب الشريعة وبدائع حكمة أمره بمعرفة الإمام، حتّى أنه جعل «من مات ولم يعرف إِمام زمانه ميتاً على الجاهلية»(1)، كأن لم يدخل في ربقة الاسلام.
فهذا الفرض لو عمل به المسلمون، وقاموا بما يحتّمه الواجب من معرفته والاستماع لقوله بعد الوصول اليه لأصبحوا جيشاً واحداً وقائدهم الإمام، فلا يبقى عند ذاك امرؤ مسلم يجعل أحكام الدين، أو يعلمها ولا يعمل بها، ولا يبقى بلد في العالم لم تخفق عليه بنود الاسلام.
كانت الخلافة والإمامة ميداناً للسباق، لا يقبض على ناصيتها إِلا من حاز قصب السبق، ولو بالدماء المراقة، والحرمات المنتهكة، بل حتّى لو كان الخليفة نفسه بعد استلامه زمام الحكم ماجناً خليعاً لا يبالي بما فعل.
غير أن الشيعة الإمامية كانت من العهد الأوّل لا تقيم وزناً لمثل هذه الخلافة ولا تعترف بمثل هذه الإمامة، بل ترى أن الخليفة والإمام من كان جامعاً لصفات الكمال كلّها، عارياً عن خصال النقص جميعاً، عاملاً بأوامر الشريعة في السرّ والعلن آمراً بها، مرتدعاً عن نواهيها فيما ظهر وبطن ناهياً عنها، منصوصاً عليه من صاحب الشريعة، أو من الإمام قبله أمراً من اللّه سبحانه، لأنه تعالى أنظر لعباده، وأبصر بمن يصلح لهذا المنصب الخطير.
ولا ترى الإمام من قام بالناس بل الإمام من قامت الدلالة عليه، ودلّت الاشارة اليه، وإِن قعد الناس عن اتباعه، بل وإِن قاموا في وجهه صدّاً له عن أدائه فروض إِمامته وواجبات زعامته.
وإِن قعودهم عن طاعته أو قيامهم في معارضته لا تخدش في كفايته للنهوض بأعباء الإمامة، بل حظّهم اخطأوه وسبيل هدى أضاعوه.
فالإمام - على ما تراه الإماميّة - هو الحامل لأعباء الإمامة قام أو قعد، نطق أو سكت، تقدّم للسباق أو تأخّر، لأن إِمامته ليست باللباس المستعار يلبسه إِن استلبه من غيره، ويتعرّى عنه إِن استلبوه منه.
ولمّا كان الإمام هو الحجّة البالغة، وجب عليه إِعلام الناس بإمامته وإِقامة الأدلّة عليها عند الحاجة الماسّة، كما وجب على الاُمّة معرفته وطاعته إِذا عرفوه.
وأما إِقامته الدلالة على إمامته فبالتصريح مرّة وبالتلويح اُخرى، وكفى في الدلالة أن يدلي بالكرامات والمعجزات، ويبدي من العلم ما يعجز الناس عن الحصول على مثله، إِلا أن تحجز السيوف دون بيانه، ولكن أعماله وسجاياه ناطقة بمقامه وإِن صمت لسانه.
والإمامة من الأبحاث التي مازالت موضع الجدل والخصام بين المسلمين من يوم مضى صاحب الدعوة الاسلاميّة، قلماً ولساناً، وسيفاً وسناناً، وإنما تبتني اُسسها اليوم على أنقاض الماضي، وهي اليوم وغداً كما كانت أمس الفارق بين الفِرق، مع وحدتهم في النبي والكتاب والقبلة، وفي الفِرق اليوم وأمس من ذوي العقول الراجحة والآراء السديدة رجال بإمكانها أن يجمعوها تحت لواء واحد، كاشفين لهم الستار عمّا حدا بالامامة إِلى التخالف والتنابز، ويعرّفوها فوائد الاُلفة، وينذروها سوء الفرقة، ويلمسوها ما أنزله ذلك الخصام بالاسلام من الويلات والتدمير والشتات.
ولمّا كانت الامامة هي المفترق للطرق، وجب أن يكون عندها اجتماع ذلك الافتراق، فلو عرف الناس اليوم حقيقة الامامة ومَن الامام، لأوشك أن يهبّ ولو بعضهم إِلى وحدة عندها مجتمع الفِرق، ولمّ الشتات، في هذه الساعة العصيبة التي سادت فيها الفوضويّة وانشقاق الكلمة.
وإِنّي لاُحاول أن أرمز إِلى بعض ما يجب في الامام، وإن ذهبت كلمتي أدراج الرياح، لا تسترعي انتباه غافل، ولا هبة يقظان، ولا يغيظني ذلك مادام القصد صحيحاً والغاية غالية، وهي طلب مراضيه سبحانه.
أقول: إِن النظام الذي جاء به خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه وآله نظام عامّ يجمع بين السيرتين، سيرة المرء مع الخالق، وسيرته مع المخلوق، وإِنَّ مَن جاء بهذا النظام وجب أن يكون قديراً على تطبيقه وتنفيذه حتّى لو ثنيت له الوسادة، فانبسطت دعوته على المعمورة جمعاء، وخيّمت شريعته على العالم كلّه، فالنبي عند تطبيق شريعته وتنفيذها يكون ذا سلطتين زمنيّة وروحيّة، ولّما دعاه اللّه اليه، انتبهت الاُمّة إِلى الضرورة التي دعته إِلى عقد الامامة في حياته، فرأوا أن القيام بوظائف صاحب الدعوة حتمّي ولا يقوم بها إِلا إِمام تكون له الزعامة العامّة على الاُمّة الاسلاميّة كلّها وتكون له السلطتان اللتان كانتا للرسول الأمين صلّى اللّه عليه وآله وإِلا بقي ذلك النظام الكافل للسعادتين بلا تنفيذ، فلا تتمّ الفوائد من تلك الجهود التي قاساها صاحب الرسالة.
فلمّا كانت الامامة على الاُمّة واجبة بحكم الضرورة، فمَن الأليَق بتلك الوظيفة الكبرى ؟ أترى الأليَق بها من هو كصاحب الرسالة وصورة حاكية له في العلم والعمل، مهديّ في نفسه هاد لغيره، يقوم بالحجّة فيقطع الحجج، لا يعتري برهانه وهن، ولا حجّته فلل، إِن طلب الناس منه المعجز في الفعل والقول استطاع الإتيان به من غير مطل وعناء، وإِن احتيج لقطع العذر من المسترشد أو المتعنّد على المجيء بالكرامة الباهرة قوي عليها من دون كدّ وجهد، يعلم كلّ ما جاء به صاحب الشريعة عاملاً به، يعرف القرآن تنزيله وتأويله، مرتدياً بجميل الخصال لا تفرّ عنه منها واحدة، بل هو أفضل في كلّ خصلة من الناس كافة، عارياً عن ذميم الصفات لا يرتدي منها واحدة ولو لحظة، وجملة القول أنه المثال الصادق للرسول في جميع ملكاته وصفاته وخصاله وفعاله.
أو الأليَق بها مَن لا يعرف هذه الخلال ولا تعرفه، أو يتقمّص ببعضٍ ويتعرّى عن بعض، لا ريب في أنك سوف تقول: إِن الأوّل أليَق وأحقّ بهذا المنصب الرفيع، وهل يقدم بصير على القول بأحقّيّة الثاني.
ولكني أحسبك تقول: إِن الشأن كلّه في إِثبات أمرين في هذا الباب الأول وجوب نصب إمام على هاتيك السجايا والمزايا، الثاني وجوده جامعاً لهذه الخلال والخصال في الاُمّة الاسلاميّة، ولو ثبت لدينا أن الامام يجب أن يجمع هذه الصفات، وأنه يوجد في الاُمّة ذلك الجامع، لكان التخلّف عن القول بإمامته، لأوامره عناداً محضاً لا يرتضيه ذو دين وبصيرة.
فأقول: إِني سأثبت لك هذين الأمرين، راجياً أن تكون ممّن ألقى السمع وهو شهيد.
أمّا الدليل على الأول فموجزه: إن النبي صلّى اللّه عليه وآله كان عليماً بما صدع به، لا يجهل ما يُسأل عنه، شريعته واحدة ليس فيها اختلاف، وخالدة إِلى يوم البعث، حلال محمّد حلال إِلى يوم القيامة وحرامه حرام إِلى يوم القيامة، فلو ألقى الحبل على الغارب للاُمّة في ارتياد الامام القائم بوظائفه لألفينا الاُمّة جاهلة بأحكام الشريعة لا تعرف الحرام من الحلال، ولا الحلال من الحرام إِذ ليس لديها حكم فصل في علم الشريعة ترجع إِلى قوله، وحاكم عدل في إِمضاء الحدود تخضع لأمره، فتتشعّب لذلك إِلى مذاهب ونحل، وكلّ يقوم بالحجّة على صحّة رأيه ويقيم الأدلّة على صدق عقيدته كما كان ذلك كلّه حين اختار بعض الناس من أنفسهم لأنفسهم إِماماً وخليفة اختاروا خلفاء لا يعلمون جميع ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وآله ويجهلون كثيراً ممّا يُسألون عنه، ولمّا كانوا بعد الاختيار لهم هم الحكم الفصل والحاكم العدل، ولمّا لم يجد الناس عند هؤلاء القائمين بالأمر مطلوبهم في الحكومة والأحكام صار كلّ يبدي مذاهبه وآراءه، وليس عند أحد حجّة قاهرة، وبرهان نيّر يصدع به شبه تلك المذاهب، وشكوك هذه الآراء، وتعارضت النِّحل، وكلّ ينسب ما لديه إِلى الشريعة، وما عنده إِلى الدين، فأين الحلال والحرام اللذان لا يتبدّلان إِلى الساعة الأخيرة من هذا الوجود، وأين الشريعة الواحدة الخالدة عمر الدهر، وقد أصبح في الاسلام بعد نبيّه مشرّعون وشرائع، وأديان ومذاهب.
ولمّا كان هذا التبديل والتحريف طارئاً عن اختيار الناس لمن لا يعلم جميع ما جاء في الشريعة ليكون العالم والحاكم في ساعة واحدة، يقطع حجج المتأوّلين وألسنة المتقوّلين بالبرهان مرّة وحدود الشفار اُخرى فلا تخالفه الناس بعد ذاك ولا تختلف في الآراء والأهواء، وجب على الاُمّة أن تختار لها إِماماً عالماً بكلّ ما جاءت به الشريعة الأحمديّة، عاملاً في تنفيذ علمه، عنده علم ما يُسأل عنه ولديه الحجّة على إِزالة الأوهام والأباطيل والجهالات والأضاليل، لتبقى الشريعة الغرّاء على ما صدع بها الرسول صلّى اللّه عليه وآله أبد الدهر وحلاله وحرامه لا يتبدّلان مدى العمر، فلا شرائع ولا مشرّعين ولا مذاهب ولا أديان.
ولكن أين للاُمّة اختيار ذلك الحاكم العالم ؟ ومن أين تعرفه ؟ ولو عرفته فمن أين له اتفاق الكلمة عليه، والناس مختلفو النزعات متباينو الأغراض ؟
فوجب عليه تعالى أن ينصب لهم هذا الامام، ويعرّفهم بواسطة الرسول ذلك الخلف العادل، والعالم العامل، لأن اللّه سبحانه أنظر لعباده، وأدرى بمن يليق لهذا المنصب الخطير، والمقام العظيم.
فاذا كان نصب الامام واجباً عليه تعالى استحال في العقول أن يهمل سبحانه الواجب فيما يصلح عباده، ويهدي خليقته، كما يستحيل على الرسول أن يترك التبليغ عنه تعالى بنصب هذا الامام، ولو جاز عليه ترك هذا الواجب لجاز عليه غيره.
فمتى وجب الرسول وجب الامام، ومتى بعث اللّه رسولاً نصب الامام، فلا رسول بلا إِمام، ولا شريعة بغير تفسير وتنفيذ.
وأمّا الدليل على الثاني وهو وجود هذا الامام فالأمر فيه سهل بعد ما تقدّم، لأنا إِذا اعتقدنا بوجوب نصب الامام على تلك الصفات وأنه قد نصبه اللّه تعالى لخلقه اعتقدنا أنه تعالى لا يجعله مجهول الاسم والنسب ويعسر على الاُمّة معرفته، ولا نعرف في الاُمّة أئمة ادّعي فيهم ذلك وادّعوها لأنفسهم غير علي وبنيه عليهم السّلام، فلو لم يكونوا هم الأئمة لكانت الامامة وذلك الوجوب لغواً.
فلم يبق إذن إِلا أن نعرف عنهم أنهم اولئك العلماء الذين لا يجهلون، والعدولالذين لا يجورون، أمّا العدل فلم يحكم منهم أحد غير أمير المؤمنين وشأنه لا يحتاج إِلى ايضاح، وأمّا العلم فآثارهم ناطقة به فتتبع تجد صدق ما قيل ويقال وهذا الكتاب بين يديك رشحة من ذلك العلم الغمر(2).

* * *

______________________________
(1) هكذا الحديث في أصل الكتاب ولم نعثر عليه في الكتب الموجودة، والذي عثرنا عليه هو هذا النص «من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية» كنز العمال: 1/103.
 (2) إِن شئت المزيد في بحث الإمامة فارجع إِلى رسالتنا المطبوعة «الشيعة والإمامة».


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page