• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المذاهِب والنِّحَل(الخوارج)

المذاهِب والنِّحَل
4 - الخوارج

ظهرت هذه الفِرقة يوم صفّين بخدعة ابن العاص، حين أشار على معاوية - وقد عجز عن المناهضة - برفع المصاحف، والدعوة لتحكيمها، فلمّا رفعوها مرقت طائفة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام وقالوا هؤلاء يدعوننا إِلى كتاب اللّه وأنت تدعوننا إِلى السيف، فعذلهم عن ذلك، وحاول رجوعهم عن الاغترار بهذه الخدعة، وقال لهم ويحَكُم أنا أعلم بكتاب اللّه، فلم ينفع معهم عذل وردع، ولا إِقامة حجّة وبرهان، بل قالوا لترجعن مالكاً عن قتال المسلمين، أو لنفعلنّ بك كما فعلنا بعثمان، فاضطر إِلى ارجاع مالك بعد أن هزم الجمع وولّوا الدبر، فحملوه على التحكيم، فأراد أن يبعث عبد اللّه بن عباس فأبوا إلا أن يبعث أبا موسى الأشعري، فلمّا كان التحكيم قالت الخوارج: لِمَ حكمت في دين اللّه الرجال ؟ لا حكم إِلا للّه، فمن هنا سمّوا (المحكّمة) وبعد أن رجع أمير المؤمنين من صفّين وهم مصرّون على المروق والعصيان اجتمعوا بحروراء قرب الكوفة فسمّوا (الحروريّة).
وكان آخر أمرهم أن قتل أمير المؤمنين بالنهروان من أصرَّ منهم على المروق، بعد أن أقام عليهم الحجج، وقطع المعاذير، وبعد أن عاثوا في الأرض فساداً، وقتلوا خباباً أحد خيار الصحابة، وبقروا بطون الحبالى.
ولم يستأصل تلك الروح استئصالهم بالنهروان، وما زال في كلّ عصر وزمن قوم على ذلك الرأي والمروق، وقد أزعجوا الملوك والولاة في تلكم الأعصر، وكلّما فني قوم منهم نبغ آخرون، وكانت الناس منهم على رهبة ووَجَل لما يلاقونه منهم من الفتك الذريع والعمل الفظيع، والقسوة وانتهاك الحرمة، وكانوا يحاربون الملوك والولاة عن عقيدة واطمئنان، فمن ثمّ تجدهم يستبسلون ويحاربون بشجاعة ورباطة جأش، فلا تقف الناس لهم وإن كانوا أضعافهم، إِذ لا يحملون عقيدة يناهضون بها تلك العقيدة، ولكنهم إِذا عرفوا من أنفسهم الضعف قوّضوا ليلاً وبعدوا شاحطين، ومن ذاك لا تسلم بلدة من وبالهم وسوء أعمالهم.
وكان لهم ظاهر نسك وعبادة، وما زالوا يستميلون الهمج الرعاع بتلك المظاهر الصالحة، ودعوى الخروج على سلطان الباطل، والدعوة للعمل بالكتاب والسنّة، وإن ناقضوا تلك المظاهر والدعاية بشدة الوطأة والعيث فساداً، إِلا أن السذّج من الناس ربما انخدعوا بظاهرة النسك والصلاح، وقد خدعوا بهاتيك الظواهر الجميلة بعض أهل الكتاب ومن لا يعتقد صحّة دين الاسلام، فضمّوهم اليهم، وكاثروا بهم.
وقد ضعفت بعد ذلك شوكتهم، وهدرت شقاشقهم، واستراح الناس منهم برهة من الزمن، ولكن ظهر لهم شأن أيّام الصادق عليه السّلام فإنَّ أحد رؤسائهم عبد اللّه بن يحيى الكندي - الملقّب بطالب الحق - نهض في حضرموت بعد ما استشار الأباضيّة في البصرة وأوجبوا عليه النهوض، وشخص اليه منهم أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي وبلخ بن عقبة المسعودي في رجال من الأباضيّة، وقد بايعه ألفان وبهم ظهر، ولمّا كثر جمعه توجّه إِلى صنعاء وكتب بذلك إِلى من بها من الخوارج، فجرت بينه وبين عاملها حروب انتصر فيها عبد اللّه واستولى على خزائن الأموال، ثم استولى على اليمن، فلمّا كان وقت الحجّ وجّه أبا حمزة وبلخاً وأبرهة بن الصباح إِلى مكّة والأمير عليهم أبو حمزة في ألف، وأمره أن يقيم بمكّة إِذا صدر النّاس، ويوجّه بلخاً إِلى الشام، فدخلوا مكّة يوم التروية وعليها وعلى المدينة عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك في خلافة مروان الحمار، فكره عبد الواحد قتالهم وفزع الناس منهم فراسلهم عبد الواحد في ألا يعطّلوا على النّاس حجّهم، وأنهم جميعاً آمنون بعضهم من بعض حتّى ينفر الناس النفر الأخير، فلمّا كان النفر الأخير نفَرَ عبد الواحد وترك مكّة لأبي حمزة من غير قتال، ولمّا دخل عبد الواحد المدينة جهّز له جيشاً منها فالتقوا بقديد فكانت الدبرة على جيش المدينة والنصرة للشراة، فبلغ قتلى أهل المدينة ألفين ومائتين وثلاثين رجلاً ثم دخل بلخ المدينة بغير حرب، ورحل عبد الواحد إِلى الشام فجهّز مروان لهم جيشاً عدده أربعة آلاف في فرسان عسكره ووجوههم، ومعهم العدّة الوافرة، وعليه عبد الملك بن عطية السعدي، فلمّا بلغ الشراة توجّه جند الشام اليهم خفوا اليه في ستمائة وعليهم بلخ بن عقبة المسعودي فالتقوا بوادي القرى لأيام خلت من جمادى الاُولى سنة ثلاثين ومائة فتواقفوا ثمّ كانت الدبرة على الخوارج فقتل بلخ والشراة ولم يبق منهم إِلا ثلاثون، فهربوا إِلى المدينة، وكان على المدينة المفضل الأزدي، فدعا عمر بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب الناس لحرب الشراة بالمدينة فلم يجبه أحد، واجتمع عليه البربر والزنوج وأهل السوق، فقاتل بهم الشراة فقتل المفضل وعامّة أصحابه وهرب الباقون، فأقبل ابن عطيّة إِلى المدينة وأقام بها شهراً، وأبو حمزة بمكّة، ثمّ توجّه إليه إِلى مكّة فوقعت بينهما حرب شعواء قتلت فيها الشراة قتلاً ذريعاً وقتل أبو حمزة وأبرهة بن الصباح وأسر منهم أربعمائة ثم قتلوا كلّهم، وصلب ابن عطيّة أبا حمزة وأبرهة وعلي بن الحصين على شُعب الخيف، إِلى أن أفضى الأمر إِلى العبّاسيّين فأنزلوا أيام السفاح، ثمّ أن ابن عطيّة خرج الى الطائف وقد بلغ عبد اللّه بن يحيى طالب الحقّ وهو بصنعاء ما آل اليه أمر أبي حمزة وجماعته فتوجّه الى حرب ابن عطيّة، فشخص ابن عطيّة اليه، ولمّا التقوا قتل من الفريقين جمع كبير، وترجّل عبد اللّه في ألف مقاتل، فقاتلوا حتّى قتلوا كلّهم وقتل عبد اللّه، وبعث ابن عطيّة رأسه الى مروان، ثمّ أقام ابن عطيّة بحضرموت بعد ظفره بالخوارج، فأتاه كتاب مروان بالتعجيل الى مكّة ليحجّ بالناس، فشخّص الى مكّة متعجّلاً مخفّفاً في تسعة عشر فارساً، فندم مروان وقال: قتلت ابن عطيّة سوف يخرج متعجّلاً مخفّفاً من اليمن ليدرك الحجّ فيقتله الخوارج، فكان كما قال، فإنه صادفه جماعة متلفّقة من الخوارج وغيرهم فعرفه الخوارج فحملوا عليه وقتلوه(1).
ثمّ لم يكن الخروج بعد هذا إِلا عقيدة ورأياً من دون أن يكون لهم شأن في محاربة الملوك، وما زال حتّى اليوم منهم اُناس على ذلك المروق، ومنهم قوم في عمان، ولكن لا شأن لهم يرعى ولا سطوة تهاب.
والخوارج هم المارقون الذين أنبأ النبي صلّى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السّلام بأنه سيحاربهم ويظفر بهم.
وكانوا فِرقاً كثيرة يجمعها القول بتكفير علي وعثمان والحَكَمين وأصحاب الجمل وكلّ من رضي بتحكيم الحَكَمين، وتكفير مرتكبي الذنوب، ووجوب الخروج على الامام الجائر، كما حكاه في (الفَرق بين الفِرَق) عن الكعبي ص 55.
لكن حكي عن أبي الحسن الأشعري إِنكار إِجماعهم على تكفير مرتكبي الذنوب، ونقل عنهم تفصيلاً في ذلك، وانتهوا في التفريع على هذا الأصل الى فِرق كثيرة، ولكن أخنى عليها الدهر، والموجودون اليوم منهم في عمان من الأباضيّة، على ما يظهر منهم ويسمع عنهم.
الغلاة ومن خرج عن الاسلام ببعض العقائد:
قد ذكرنا في بدء هذا الفصل أن اُصول الفِرق الاسلاميّة أربعة، ومنها تتفرّع الفِرق جميعاً، وأن فِرق الغلاة من فروع تلك الاُصول، فلا تجد أصلاً إلا وله بعض الفروع الغالية.
وهكذا الشأن فيمن ينتحل شيئاً كالتناسخ والحلول والتشبيه أو غير ذلك ممّا يرجع الى الكفر عند فِرق المسلمين، ولكن التهجّم عليهم بالكفر لما ينسب اليهم من الاعتقاد ليس بالأمر السهل، فإن تكفير من يعترف بالشهادتين لا ينبغي أن يقدم عليه من له حريجة في الدين، دون أن يعتمد على ركن وثيق ومادمنا في فسحة من ذلك فلا نلج هذا الباب، ولا نلقي بأنفسنا من شاهق ثمّ نفحص عن سلّم النجاة، ولا سيّما أن تلك الفِرق التي رميت بالخروج عن ربقة الاسلام الصحيح بانتحالها بعض العقائد الباطلة قد أصبحت في خبر كان، ولم يبق منها إِلا شواذ لا مقام لهم يلحظ بين أبناء الاسلام، ولا يخاف من تسرّب معتقداتهم الفاسدة بل أصبحوا يتكتّمون فيما يعتقدون حذراً من سطوة بني الدين في الحجج والبراهين وإبطال ما يدينون به أو نبزهم بالكفر والمروق عن الاسلام.
والحذر من سراية ذلك الداء الى أرباب الجهل أهمّ ما كان لدى الأوائل ممّن قاوم تلك البدع والضلالات بكلّ ذريعة، ونحن اليوم في أمان من الانخداع بضلالات فِرقهم الحاضرة، فكيف ببدع هاتيك الفِرق البائدة التي أصبحت دائرة العين والأثر.
شبه الإلحاد:
إتما الحذر اليوم من سراية شبه الإلحاد، وشكوك عبدة الدهر وأبناء الطبيعة الذين تسول لهم أنفسهم التخلّص من قيود الدين بكلّ وسيلة، تلك القيود التي تجعل الانسان في صفوف الملائكة والروحيّين، وتخرجه عن الوحشيّة الكاسرة، والشهوات الفاتكة، كما تجعله في أمان من اعتداء أحد على أثمن ما يجده في هذه الحياة: النفس والعرض والمال، كما تجعل الناس في أمان منه على نفائسهم تلك، وتلك الحرّية التي ينشدونها، والتي خرجوا بها عن ربقة أهل العقول والعفاف الى أسراب الوحوش وأرباب الخلاعة والدعارة هي التي خدعت بعض الشباب، وجعلته يقع في تلك الفخاخ، وتصيده هاتيك الشباك، والشباب سريع الانجذاب الى الشهوات ونزع القيود المزعومة، من دون أن يرجع الى رشده ويحكّم قبل الانخداع عقله.

* * *

______________________________
(1) انظر شرح النّهج: 1/455 - 463 تجد تفصيل ما أوجزناه.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page