المذاهِب والنِّحَل
2 - المعتزلة
لا نشكّ في أن الاعتزال وليد عصر الصادق عليه السّلام، وفي ذلك العصر نشأ وشبَّ، وذلك حين اعتزل عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وغيرهما حوزة الحسن البصري فنبذوهم بهذا اللقب، وما قيل من أنه وليد عصر أمير المؤمنين عليه السّلام حينما اعتزل سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأُسامة بن زيد حروب أمير المؤمنين فلا وجه له، لأن ذلك الاعتزال لم يكن إِعتزالاً مذهبيّاً على أساس في الرأي أو شبهة في الدين، وما كان إِلا انحرافاً عن أمير المؤمنين عليه السّلام ولذا لم يكن اسم الاعتزال معروفاً في ذلك العهد، ولا سمّي هؤلاء بالمعتزلة في ذلك اليوم، ولا أن المعتزلة ينتمون إِلى أُولئك في المذهب.
والمعتزلة افترقت فِرقاً كثيرة بعد أن اتفقت على الاعتزال، وليس في يومنا الحاضر أحد معروف النسبة اليه على ما أحسب، والذي يجمع عقيدة الاعتزال ما نقله صاحب «الفرق بين الفِرَق» ص 94 عن الكعبي في مقالاته:
إِن المعتزلة أجمعت على أن اللّه عزّ وجل شيء لا كالأشياء، وأنه خالق الأجسام والاعراض وأنه خَلق كلّ ما خَلقه من لا شيء، وأن العباد يفعلون أعمالهم بالقدر التي خلقها اللّه سبحانه وتعالى فيهم، قال: وأجمعوا على أن اللّه لا يغفر لمرتكبي الكبائر بلا توبة.
هذا ما حكاه عن الكعبي في القول الجامع في الاعتقاد لِفرق المعتزلة، ونكتفي به عن الكلام عمّا يعتقدون، ولسنا بصدد التمحيص لنضع هذا الكلام في ميزان النقد، ونتعرّف صحة ما صوَّبه صاحب الفرق نحو هذا الزعم كما دعانا هذا لإغفال ما ينسبه اليهم ابن حزم والشهرستاني وصاحب الفرق من الأقوال الكثيرة.
ثمّ اننا بعد هذا لانتبسّط في البحث عن فروع ذلك الأصل، وما يمتاز به كلّ فرع منها في الاعتقاد فيما يزيد على الجامع، فإن التبسّط خروج عن الخطّة الموسومة، مع اننا لا نأمن من العِثار.
وهل القدريّةِ هم هؤلاء المعتزلة ؟ أو هم نفس الأشاعرة ؟ ذلك موضع الشكّ، لأنّا إن أردنا من القدريّة من يقول: بأن أفعال العباد مخلوقة لهم وأنها من صنعهم وتقديرهم وإِنما خلق اللّه فيهم قوّة وقدرة بها يفعل العباد أعمالهم فهم المعتزلة، على ما نقل عنهم من القول الجامع السابق، ولا يكونون على هذا نفس الأشاعرة، لأن الأشاعرة على العكس من ذلك يرون أن الأفعال كلّها من صنع اللّه تعالى وتقديره دون العبد.
وإِن أردنا من القدريّة من يقول بأن القدر خيره وشرّه من اللّه تعالى فيكونون حينئذٍ هم الأشاعرة يقيناً.
وقد روى الشهرستاني عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قوله: القدريّة مجوس هذه الأُمّة، وقوله: القدريّة خصماء اللّه في القدر.(1)
ولا ندري - إن صحّت الرواية - أين يتوجّه هذا الذمّ الصريح، والسمة الفاضحة.
_____________________________
(1) انظر المِلل والنِحل المطبوع على هامش الفصل: 1/ 50 - 51.