هناك كلام في دراية هذا الحديث من عدّة جهات
الجهة الاولى:
أنّ الامام صلوات الله عليه أنبأ عن غيبة صاحب الامر (عليه السلام) قبل مولده، وهذا في الواقع جزء من مخطّط متكامل في الشريعة الاسلامية، بدأ بالنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قضيّة التبشير والانباء والاخبار عن أصل قضية ظهور صاحب الامر (عليه السلام) وغيبته وعن تفاصيل بعض هذا الموضوع، وما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) في موضوع الغيبة جزء من هذا المخطط؟
فالعمليّة عمليّة إعداد للامّة لكي تستقبل هذا الامام الثاني عشر صلوات الله وسلامه عليه بما يحف إمامته من خصوصيات، ومن أهم وأبرز هذه الخصوصيات قضية غيبته (عليه السلام)، فكان ما ورد من الرسول والائمة الاطهار (عليهم السلام) في هذا المورد عبارة عن عملية تعبئة نفسيّة للامة الاسلامية لاستقبال هذا الحدث المهم، حدث الغيبة.
الجهة الاخرى:
أن هذا الحديث قسّم الغيبة إلى قسمين: غيبة قصيرة وغيبة طويلة، وربّما يعبّر عنها بالصغرى والكبرى، وبتعبير المفيد (قدس سره) القصرى والطولى(1).
____________
1 ـ الارشاد: 346.
هنالك غيبة قصيرة وغيبة طويلة كما نعلم، القصيرة التي نتكلّم عنها، وهنالك عدة جهات للبحث في هذه الغيبة القصيرة ستأتي إن شاء الله قبل الافاضة فيها.
بقية جهات هذا الحديث الشريف على نحو الاجمال:
هنالك غيبتان بحسب فرض هذا الحديث الشريف، وكذلك نعتت الغيبة الصغرى القصيرة بأنه يرجع فيها إلى أهله، والمقصود هنا بأهله ليس المعنى المتعارف، إنما المقصود بأهله هو ما عبّرت عنه الرواية في لفظ آخر: «يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته»، فالمقصود من أهله: الخاصة من شيعته، يعني النواب الخاصون، وكذلك الوكلاء الذين وكّلهم (عليه السلام) في القضايا الجزئية أو القضايا الشخصية، كما سيأتينا أيضاً إن شاء الله تعالى أن للامام (عليه السلام) في غيبته الصغرى نوعين من النواب: هناك النواب العامون عن الامام (عليه السلام) وهم الاربعة، وهناك النواب الخاصون، والمقصود بالخاصين يعني في القضايا الجزئية والشخصية، هناك مقابلات في قضايا محدّدة ووقائع محدّدة نصّ عليها المؤرّخون جرت بين الامام سلام الله عليه وبين بعض الخواص.
فإذن المقصود هنا بالاهل ليس خصوص الاهل بمعنى الاسرة التي يرجع إليها، ذلك أمرٌ آخر ليس الحديث في صدده، الحديث ليس في
صدد غيبته عن أسرته، الحديث في صدد غيبته عن أمّته وشيعته، يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، وقد قلنا بأنّ المقصود هو النوعان من النواب، النواب العامون في زمن الغيبة الصغرى، والمقصود منهم هم الذين ينوبون عن الامام سلام الله عليه في مختلف المسائل التي خوّلوا فيها.
ومن الطبيعي أنّ هناك مختصات للامام سلام الله عليه طبق مقام إمامته وولايته ومركزه وموقعه، لا نتكلّم عن ذلك العالم، ذلك عالم آخر لمقامهم صلوات الله عليهم، إنّما نتكلّم في حدود الصلاحيات العامّة التي يفوّضها (عليه السلام) لهؤلاء النواب العامين طبق الشروط والظروف الموضوعية القائمة آنذاك.