وهذا الحديث أخرجه الترمذي في سننه بسنده، عن أبي هريرة، أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (تخرج من خراسان رايات سود، فلا يردّها شيء حتّى تُنصب بإيلياء).(25)
والكلام فيه كالكلام في ما تقدّم عليه؛ إذ لا تصريح فيه بكون المهديّ عبّاسـياً.
وقد أجاب ابن كثير عن هذا الحديث بعد أن أورده فقال: (هذا حديث غريب، وهذه الرايات السود ليست هي التي اقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أُميّة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أُخرى تأتي بصحبة المهديّ ـ إلى أن قال: ـ والمقصود أنّ المهديّ الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويُبايَع له عند البيت، كما دلّ على ذلك نصّ الحديث، وقد أفردت في ذكر المهديّ جزءاً على حدة ولله الحمد).(26)
أقـول:
إنّ استغلال أحاديث المهديّ من قبل العبّاسـيّين ـ كما ستقف عليه ـ قد نتجت عنه آثار سلبية في تقييم بعض أحاديث المهديّ عليه السلام لاسيما حديث الرايات، فهذا الحديث قد روي بطرق شتّى من قبل الفريقين، وقد صحّح الحاكم بعض طرقه على شرط الشيخين البخاري ومسلم (27)، وتضعيف بعض طرق الحديث لا يعني ردّ حديث الرايات بتمام طرقه والحكم عليه بالوضع.
ولا يبعد اتّخاذ بني العبّاس لبس السواد شعاراً لهم بهدف احتواء الاَحاديث الصحيحة الواردة في توطئة حكم الاِمام المهديّ على أيدي أصحاب الرايات السود، وهم قوم من المشرق؛ تمهيداً لدعواهم في المهديّ العبّاسي، وإلاّ فمن الصعب جدّاً القول بضعف حديث الرايات، لتضافر طرقه لدى الفـريقين.
__________________________
(25) سنن الترمذي 4|531 رقم 2269.
(26) النهاية في الفتن والملاحم 1|55.
(27) مستدرك الحاكم 4|502.
2 ـ حديث نصب الرايات السود بإيلياء:
- الزيارات: 5014