روى هذا الحديث ثلاثة نفر من الصدر الاَوّل وهم: كعب الاَحبار، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن عمر.
أمّا حديث كعب الاَحبار، فقد رواه ابن حمّاد، عن الوليد، عن شيخ، عن يزيد بن الوليد الخزاعي، عن كعب، وفيه: (المهديّ من وُلْد العبّـاس).(28)
وأمّا حديث عثمان، فقد أورده محبّ الدين الطبري في (ذخائر العقبى) نقلاً عن أبي القاسم السهمي، عن عثمان، أنّه قال: (سمعت رسول الله (يقول: المهديّ من وُلْد العبّـاس عمّي).(29)
وأمّا حديث ابن عمر، فقد رواه ابن الوردي في (خريدة العجائب) مرسَلاً عن ابن عمر ولم يرفعه، قال: (رجل يخرج من وُلْد العبّـاس).(30)
وفي هذه الاَحاديث الثلاثة ما يأتي:
أمّا الاَوّل فلا حجّة فيه أصلاً، إذ رُوي بلفظ مبهم (عن شيخ) فسنده منقطع اتّفاقاً؛ لاَنّ ما اشتمل سنده على لفظ مبهم يسمّى بالمنقطع اصطلاحاً (31)، وقد يسمّى بالمجهول أيضاً، وهو ما رواه رجل غير موثَّق، ولا مجروح، ولا ممدوح، أو غير معروف أصلاً، كقولهم: عن رجل، أو: عن شيخ، أو: عمّن ذكره.(32)
وحكم الحديث المجهول، أو المنقطع، كحكم المرسَل، قال في الرواشح: (وفي حكم الاِرسال إبهام الواسطة، كعن رجل...)(33) ، ولم تثبت حجّـيّة المرسَل عند الفريقين إلاّ ما كان من احتجاجات الشافعي بمراسيل سعيد بن المسيّب، وقبول بعض علماء الشيعة الاِمامية مراسيل ابن أبي عمير على ما هو معروف لدى المشتغلين بعلوم الحديث.
وحديث ابن حمّاد لا هو من مراسيل ابن المسيّب، ولا هو من مراسيل ابن أبي عمير، فهو ساقط عن الاعتبار جزماً ما لم يؤيّده حديث صحيح، وهو مفقود في المقام.
هذا زيادة على أنّ كعباً لم يرفعه برواية ابن حمّاد، كما أنّ كعباً نفسه فيه قول سـيّئ صدر عن لسان ابن عمر نفسه.(34)
أمّا عن حديث ابن عمر ـ وهو الثالث ـ فمثل الاَوّل في الوقف والاِرسال، ويزيد عليه بعدم التصريح بالمهديّ، إذ قد تكون فيه إشارة إلى أنّ هذا (الرجل) الذي سيخرج من وُلْد العبّاس إنّما سيكون سفّاحاً لا مهديّـاً، والمهمّ أن لا دلالة فيه على ما نحن فيه.
وأمّا عن حديث عثمان ـ وهو الحديث الثاني ـ فقد أجمع العلماء من أهل السُـنّة على ردّه! وإليك التفصيل:
فقد أورده السيوطي في (الجامع الصغير) عن الدارقطني في (الاِفراد) وقال: (حديث ضعيف)(35) ، وقال المنّاوي في شرح الحديث: (رواه الدارقطني في الاِفراد، ثمّ قال: قال ابن الجوزي: فيه محمّـد بن الوليد المقري؛ قال ابن عديّ: يضع الحديث، ويصله، ويسرق، ويقلب الاَسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذّاب؛ وقال السمهودي: ما بعده وما قبله أصحّ منه، وأمّا هذا ففيه محمّـد بن الوليد وضّاع، مع أنّه لو صحّ حُمِل على المهديّ ثالث العبّاسـيّين).(36)
كما أورده السيوطي أيضاً في (الحاوي) عن (الاِفراد) للدارقطني و(تاريخ دمشق) لابن عساكر، ثمّ قال: (قال الدارقطني: هذا حديث غريب، تفرّد به محمّـد بن الوليد مولى بني هاشم)(37) ، أي: مولى العبّاسـيّين.
وأورده ابن حجر الهيتمي في (الصواعق)، وحكى عن الذهبي قوله: (تفرّد به محمّـد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث).(38)
وأورده الصبّان في (إسعاف الراغبين)، عن ابن عديّ، وقال: (وفي إسناده وضّاع ولم يسمعهم).(39)
ونقل الاَُستاذ الفضلي عن الاَلباني أنّه قال في ابن الوليد: (قلت: وهو متّهم بالكذب، قال ابن عديّ: كان يضع الحديث، وقال أبو عروبة: كذّاب، وبهذا أعلّهُ المنّاوي في (الفيض)، نقلاً عن ابن الجوزي، وبه تبيّن خطأ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في الجامع الصغير).(40)
وقال أبو الفيض الغماري الشافعي في (إبراز الوهم المكنون) ـ بعد أن أورده عن الدارقطني ـ: (وهو غريب منكَر، وقد جمع بأنّه عبّاسيّ الاَُمّ، حسنيّ الاَب، وليس بذاك، بل الحديث لا يصحّ).(41)
_______________
(28) الملاحم والفتن: 103.
(29) ذخائر العقبى: 206.
(30) خريدة العجائب وفريدة الغرائب: 199.
(31) مقدّمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح: 144.
(32) معرفة علوم الحديث: 27.
(33) الرواشح السماوية: 171.
(34) راجع تفسير الطبري 22|145 ففيه تكذيب ابن عمر لكعب الاَحبار في مرويّاته التفسيرية صراحة، وطعنه باليهودية، إذ قال بحقّه: (ما تنتكت اليهودية في قلب عبـد فكادت أن تفارقه).
(35) الجامع الصغير 2|672 رقم 9242.
(36) فيض القدير شرح الجامع الصغير 6|278 رقم 9242.
(37) الحاوي للفتاوي 2|85.
(38) الصواعق المحرقة: 116.
(39) إسعاف الراغبين: 151.
(40) في انتظار الاِمام: 37.
(41) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون: 563.
3 ـ حديث: المهديّ من وُلْد العبّاس عمّي:
- الزيارات: 3651