• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الأول سورة البقرة آیات 89الی93


مجمع البيان ج : 1 ص : 310
وَ لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَبٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَ كانُوا مِن قَبْلُ يَستَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الْكَفِرِينَ(89)
الإعراب
مصدق رفع لأنه صفة لكتاب و لو نصب على الحال لكان جائزا لكنه لم يقرأ به في المشهور و قيل ضم على الغاية و قد ذكرنا الوجه فيه فيما تقدم من قوله قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و أما جواب لما في قوله « و لما جاءهم كتاب من عند الله » فعند الزجاج و الأخفش محذوف لأن معناه معروف يدل عليه قوله « فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به » كما حذف جواب لو من نحو قوله و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى و تقديره و لو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسيرت بهذا القرآن و قيل إن قوله « كفروا » جواب لقوله « و لما جاءهم كتاب من عند الله » و لقوله « فلما جاءهم ما عرفوا » و إنما كرر لما لطول الكلام عن المبرد .

النزول
قال ابن عباس كانت اليهود يستفتحون أي يستنصرون على الأوس و الخزرج برسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب و لم يكن من بني إسرائيل كفروا به و جحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل و بشر بن البراء بن معرور يا معشر اليهود اتقوا الله و أسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد و نحن أهل الشرك و تصفونه و تذكرون أنه مبعوث فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه و ما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية و روى العياشي بإسناده رفعه إلى أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ما بين عير و أحد فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يقال له حداد فقالوا حداد و أحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء و بعضهم بفدك و بعضهم بخيبر فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه و قال لهم أمر بكم ما بين عير و أحد فقالوا له إذا مررت بهما فأذنا بهما فلما توسط بهم أرض المدينة قال ذلك عير و هذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله و قالوا له قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة بنا إلى إبلك فاذهب حيث شئت و كتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك و خيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا
مجمع البيان ج : 1 ص : 311
فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار و اتخذنا بها الأموال و ما أقربنا منكم فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم و اتخذوا بأرض المدينة أموالا فلما كثرت أموالهم بلغ ذلك تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم ثم أمنهم فنزلوا عليه فقال لهم إني قد استطبت بلادكم و لا أراني إلا مقيما فيكم فقالوا له ليس ذلك لك إنها مهاجر نبي و ليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك فقال لهم فإني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده و نصره فخلف حيين تراهم الأوس و الخزرج فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود فكانت اليهود تقول لهم أما لو بعث محمد لنخرجنكم من ديارنا و أموالنا فلما بعث الله محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) آمنت به الأنصار و كفرت به اليهود و هو قوله تعالى « و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا » إلى آخر الآية .

المعنى
« و لما جاءهم » أي جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصفهم الله « كتاب من عند الله » يعني به القرآن الذي أنزله على نبيه محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « مصدق لما معهم » أي للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله تعالى قبل القرآن من التوراة و الإنجيل و غيرهما و فيه وجهان ( أحدهما ) أن معناه إنه مصدق لما تقدم به الأخبار في التوراة و الإنجيل فهو مصدق لذلك من حيث كان مخبره على ما تقدم الخبر به ( و الآخر ) إنه مصدق لهما أي بأنهما من عند الله تعالى و أنهما حق « و كانوا » يعني اليهود « من قبل » أي من قبل مبعث النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و نزول القرآن « يستفتحون » فيه وجوه ( أحدها ) أن معناه يستنصرون أي يقولون في الحروب اللهم افتح علينا و انصرنا بحق النبي الأمي اللهم انصرنا بحق النبي المبعوث إلينا فهم يسألون عن الفتح الذي هو النصر ( و ثانيها ) أنهم كانوا يقولون لمن ينابذهم هذا نبي قد أطل زمانه ينصرنا عليكم ( و ثالثها ) أن معنى يستفتحون يستعلمون من علمائهم صفة نبي يبعث من العرب فكانوا يصفونه لهم فلما بعث أنكروه ( و رابعها ) أن معنى يستفتحون يستحكمون ربهم على كفار العرب كما قال :
ألا أبلغ بني عصم رسولا
فإني عن فتاحتكم غني أي عن محاكمتكم به و قوله « على الذين كفروا » أي مشركي العرب « فلما جاءهم ما عرفوا » يعني محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أي عرفوا صفته و مبعثه « كفروا به » حسدا و بغيا و طلبا
مجمع البيان ج : 1 ص : 312
للرياسة « فلعنة الله » أي غضبه و عقابه « على الكافرين » و قد فسرنا معنى اللعنة و الكفر فيما مضى .
بِئْسمَا اشترَوْا بِهِ أَنفُسهُمْ أَن يَكفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَن يُنزِّلَ اللَّهُ مِن فَضلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضب عَلى غَضب وَ لِلْكَفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ(90)
القراءة
قرأ أبو عمرو أن ينزل خفيفة كل القرآن إلا في الأنعام أن ينزل آية فإنه شددها و قرأ ابن كثير بالتخفيف كل القرآن إلا في سبحان و ننزل من القرآن و حتى تنزل فإنه شددها و قرأ حمزة و الكسائي كل القرآن بالتشديد إلا في الم و حم عسق ينزل الغيث فإنهما قرءاها بالتخفيف و قرأ الباقون بالتشديد كل القرآن و اتفقوا في الحجر و ما ننزله أنه مشدد .

الحجة
نزل فعل غير متعد و يعدى بالإضراب الثلاثة و هي النقل بالهمزة و تضعيف العين و حرف الجر فأنزل و نزل لغتان و مما عدي بالحرف قوله تعالى نزل به الروح الأمين فيمن رفع الروح و قد كثر مجيء التنزيل في القرآن فهذا يقوي نزل و لم يعلم فيه الإنزال و كثر فيه مجيء أنزل .

اللغة
بئس و نعم فعلان ماضيان أصلهما على وزن فعل و فيها أربع لغات نعم و بئس مثل حمد و نعم و بئس بسكون العين و نعم و بئس بكسر الفاء و العين و نعم و بئس و اشتروا افتعلوا من الشراء و أكثر الكلام شريت بمعنى بعت و اشتريت بمعنى ابتعت قال يزيد الحميري :
و شريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامة و ربما استعمل اشتريت بمعنى بعت و شريت بمعنى ابتعت و الأكثر ما تقدم و البغي أصله الفساد مأخوذ من قولهم بغى الجرح إذا فسد و قيل أصله الطلب لأن الباغي يطلب التطاول الذي ليس له ذلك و سميت الزانية بغيا لأنها تطلب و الإهانة الإذلال .

الإعراب
قال الزجاج بئس إذا وقعت على ما جعلت معها ما بمنزلة اسم منكور
مجمع البيان ج : 1 ص : 313
و إنما كان ذلك في نعم و بئس لأنهما لا يعملان في اسم علم إنما يعملان في اسم منكور دال على جنس أو اسم فيه ألف و لام يدل على جنس و إنما كانت كذلك لأن نعم مستوفية لجميع المدح و بئس مستوفية لجميع الذم فإذا قلت نعم الرجل زيد فقد قلت استحق زيد المدح الذي يكون في سائر جنسه و كذا إذا قلت بئس الرجل زيد دللت على أنه قد استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه فلم يجز إذ كان يستوفي مدح الأجناس أن يعمل من غير لفظ جنس فإذا كان معها اسم جنس بغير ألف و لام فهو نصب أبدا و إذا كانت فيه ألف و لام فهو رفع أبدا نحو نعم الرجل زيد و نعم الرجل زيد و نعم رجلا زيد و إنما نصبت رجلا للتمييز و في نعم اسم مضمر على شريطة التفسير و لذلك كانت ما في نعم بغير صلة لأن الصلة توضح و تخصص و القصد في نعم أن يليها اسم منكور أو اسم جنس فقوله « بئسما اشتروا به أنفسهم » تقديره بئس شيئا اشتروا به أنفسهم قال أبو علي قوله و لذلك كانت ما في نعم بغير صلة يدل على أن ما إذا كانت موصولة لم يجز عنده أن تكون فاعلة نعم و بئس و ذلك عندنا لا يمتنع و جهة جوازه أن ما اسم مبهم يقع على الكثرة و لا يخصص واحدا بعينه كما أن أسماء الأجناس تكون للكثرة و ذلك في نحو قوله تعالى و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فالقصد به هنا الكثرة و إن كان في اللفظ مفردا بدلالة قوله و يقولون هؤلاء و تكون معرفة و نكرة كما أن أسماء الأجناس تكون معرفة و نكرة و قد أجاز أبو العباس المبرد في الذي أن تلي نعم و بئس إذا كان عاما غير مخصوص كما في قوله و الذي جاء بالصدق و إذا جاز في الذي كان في ما أجوز فقوله « بئسما اشتروا به أنفسهم » يجوز عندي أن تكون ما موصولة و موضعها رفع بكونها فاعلة لبئس و يجوز أن تكون منكورة فتكون اشتروا صفة غير صلة و يدل على صحة ما رأيته قول الشاعر :
و كيف أرهب أمرا أو أراع له
و قد زكات إلى بشر بن مروان
فنعم مزكا من ضاقت مذاهبه
و نعم من هو في سر و إعلان أ لا ترى أنه جعل مزكا فاعل نعم لما كان مضافا إلى من و هي تكون عامة غير معينة و أما قوله « أن يكفروا بما أنزل الله » فموضعه رفع و هو المخصوص بالذم فإن شئت رفعته على أنه مبتدأ مؤخر و إن شئت على أنه خبر مبتدإ محذوف أي هذا الشيء المذموم كفرهم بما أنزل الله و قوله « بغيا » نصب بأنه مفعول له كقول حاتم :
و أغفر عوراء الكريم ادخاره
و أعرض عن شتم اللئيم تكرما
مجمع البيان ج : 1 ص : 314
المعنى أغفر عوراءه لادخاره و أعرض عن الشتم للتكرم و موضع أن الثانية نصب على حذف حرف الجر يعني بغيا لأن ينزل الله أي من أجل أن ينزل الله .

المعنى
ثم ذم الله سبحانه اليهود بإيثارهم الدنيا على الدين فقال « بئسما اشتروا به أنفسهم » أي بئس شيئا باعوا به أنفسهم أو بئس الشيء باعوا به أنفسهم « أن يكفروا » أي كفرهم « بما أنزل الله » يعني القرآن و دين الإسلام المنزل على محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فإذا سأل كيف باعت اليهود أنفسها بالكفر فالجواب أن البيع و الشراء إزالة ملك المالك إلى غيره بعوض يعتاضه منه ثم يستعمل ذلك في كل معتاض من عمله عوضا خيرا كان أو شرا فاليهود لما أوبقوا أنفسهم بكفرهم بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أهلكوا خاطبهم الله بما كانوا يعرفونه فقال بئس الشيء رضوا به عوضا من ثواب الله و ما أعده لهم لو كانوا آمنوا بالله و ما أنزل الله على نبيه النار و ما أعد لهم بكفرهم و نظير ذلك الآيات في سورة النساء من قوله أ لم تر الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت إلى قوله و آتيناهم ملكا عظيما و قوله « بغيا » أي حسدا لمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إذا كان من ولد إسماعيل و كانت الرسل قبل من بني إسرائيل و قيل طلبا لشيء ليس لهم ثم فسر ذلك بقوله « إن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده » و هو الوحي و النبوة و قوله « فباءوا بغضب على غضب » معناه رحبت اليهود من بني إسرائيل بعد ما كانوا عليه من الانتصار بمحمد و الاستفتاح به و الإخبار بأنه نبي مبعوث مرتدين ناكصين على أعقابهم حين بعثه الله نبيا بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم و قال مؤرج معنى « باءو بغضب » استوجبوا اللعنة بلغة جرهم و لا يقال باء مفردة حتى يقال إما بخير و إما بشر و قال أبو عبيدة « فباءوا بغضب » احتملوه و أقروا به و أصل البوء التقرير و الاستقرار و قوله « على غضب » فيه أقوال ( أحدها ) أن الغضب الأول حين غيروا التوراة قبل مبعث النبي و الغضب الثاني حين كفروا بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن عطاء و غيره ( و ثانيها ) أن الغضب الأول حين عبدوا العجل و الثاني حين كفروا بمحمد عن السدي ( و ثالثها ) أن الأول حين كفروا بعيسى (عليه السلام) و الثاني حين كفروا بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن الحسن و عكرمة و قتادة و ( رابعها ) أن ذلك على التوكيد و المبالغة إذ كان الغضب لازما لهم فيتكرر عليهم عن أبي مسلم و الأصم « و للكافرين عذاب مهين » معناه للجاحدين بنبوة محمد عذاب مهين من الله إما في الدنيا و إما في الآخرة و المهين هو الذي يذل صاحبه و يخزيه و يلبسه الهوان و قيل المهين الذي لا ينتقل منه إلى إعزاز و إكرام و قد يكون غير مهين إذا
مجمع البيان ج : 1 ص : 315
كان تحميصا و تكفيرا ينتقل بعده إلى إعزاز تعظيم فعلى هذا من ينتقل من عذاب النار إلى الجنة لا يكون عذابه مهينا .
وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَ يَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَ هُوَ الْحَقُّ مُصدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(91)
اللغة
ما وراءه أي ما بعده قال الشاعر :
تمني الأماني ليس شيء وراءها
كموعد عرقوب أخاه بيثرب قال الفراء معنى وراءه سوى كما يقال للرجل تكلم بالكلام الحسن ما وراء هذا الكلام شيء يراد ليس عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام .

الإعراب
قوله « مصدقا » نصب على الحال و هذه حال مؤكدة قال الزجاج زعم سيبويه و الخليل و جميع النحويين الموثوق بعلمهم أن قولك هو زيد قائما خطأ لأن قولك هو زيد كناية عن اسم متقدم فليس في الحال فائدة لأن الحال يوجب هاهنا أنه إذا كان قائما فهو زيد و إذا ترك القيام فليس بزيد فهذا خطأ فأما قولك هو زيد معروفا و هو الحق مصدقا ففي الحال هنا فائدة كأنك قلت أثبته له معروفا و كأنه بمنزلة قولك هو زيد حقا فمعروف حال لأنه إنما يكون زيدا بأنه يعرف بزيد و كذلك القرآن هو الحق إذا كان مصدقا لكتب الرسل (عليهم السلام) و قوله « فلم تقتلون » و إن كان بلفظ الاستقبال فالمراد به الماضي و إنما جاز ذلك لقوله « من قبل » و إن بمعنى الشرط و يدل على جوابه ما تقدم و تقديره إن كنتم مؤمنين فلم قتلتم أنبياء الله و قيل إن بمعنى ما النافية أي ما كنتم مؤمنين .

المعنى
« و إذا قيل لهم » يعني اليهود الذين تقدم ذكرهم « آمنوا » أي صدقوا
مجمع البيان ج : 1 ص : 316
« بما أنزل الله » من القرآن على محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و الشرائع التي جاء بها « قالوا نؤمن بما أنزل علينا » يعنون التوراة « و يكفرون بما وراءه » أي يجحدون بما بعده يريد الإنجيل و القرآن أو بما سوى التوراة من الكتب المنزلة كقوله سبحانه و أحل لكم ما وراء ذلكم و قال ابن الأنباري تم الكلام عند قوله « بما أنزل علينا » ثم ابتدأ الله بالإخبار عنهم فقال « و يكفرون بما وراءه » أي بما سواه « و هو الحق » يعني القرآن « مصدقا لما معهم » يعني التوراة لأن تصديق محمد و ما أنزل معه من القرآن مكتوب عندهم في التوراة قال الزجاج و في هذا دلالة على أنهم قد كفروا بما معهم إذ كفروا بما يصدق ما معهم ثم رد الله تعالى عليهم قولهم « نؤمن بما أنزل علينا » فقال « قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل » أي قل يا محمد لهم فلم قتلتم أنبياء الله و قد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم و أمركم فيه باتباعهم و فرض عليكم طاعتهم و تصديقهم « إن كنتم مؤمنين » بما أنزل عليكم و قال الزجاج إن بمعنى ما هاهنا كأنه قال ما كنتم مؤمنين و هذا وجه بعيد و إنما قال تقتلون بمعنى قتلتم لأن لفظ المستقبل يطلق على الماضي إذا كان ذلك من الصفات اللازمة كما يقال أنت تسرق و تقتل إذا صار ذلك عادة له و لا يراد بذلك ذمه و لا توبيخه على ذلك الفعل في المستقبل و إنما يراد به توبيخه على ما مضى و إنما أضاف إليهم فعل آبائهم و أسلافهم لأحد أمرين ( أحدهما ) أن الخطاب لمن شهد من أهل ملة واحدة و من غاب منهم واحد فإذا قتل أسلافهم الأنبياء و هم مقيمون على مذهبهم و طريقتهم فقد شركوهم في ذلك و الآخر أنهم رضوا بأفعالهم و الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم و هذا المعنى قريب من الأول و في هذه الآية دلالة على أن الإيمان بكتاب من كتب الله لا يصح إذا لم يحصل الإيمان بما سواه من كتب الله المنزلة التي هي مثله في اقتران المعجزة به .
* وَ لَقَدْ جَاءَكم مُّوسى بِالْبَيِّنَتِ ثُمَّ اتخَذْتمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَ أَنتُمْ ظلِمُونَ(92)
المعنى
ثم حكى سبحانه عنهم ما يدل على قلة بصيرتهم في الدين و ضعفهم في اليقين فقال « و لقد جاءكم موسى بالبينات » الدالة على صدقه و المعجزات المؤيدة لنبوته كاليد البيضاء و انبجاس الماء من الحجر و فلق البحر و قلب العصا حية و الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و سماها بينات لظهورها و تبينها للناظرين إليها أنها معجزة يتعذر
مجمع البيان ج : 1 ص : 317
الإتيان بها على كل بشر و قوله « ثم اتخذتم العجل » يعني اتخذتم العجل إلها و عبدتموه « من بعده » أي من بعد موسى لما فارقكم و مضى إلى ميقات ربه و يجوز أن يكون الهاء كناية عن المجيء فيكون التقدير ثم اتخذتم العجل من بعد مجيء البينات « و أنتم ظالمون » لأنفسكم بكفركم و عبادتكم العجل لأن العبادة لا تكون لغير الله .
وَ إِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ وَ رَفَعْنَا فَوْقَكمُ الطورَ خُذُوا مَا ءَاتَيْنَكم بِقُوَّة وَ اسمَعُوا قَالُوا سمِعْنَا وَ عَصيْنَا وَ أُشرِبُوا فى قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكفْرِهِمْ قُلْ بِئْسمَا يَأْمُرُكم بِهِ إِيمَنُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(93)
اللغة
اسمعوا معناه اقبلوا و منه قوله ( سمع الله لمن حمده ) أي قبل الله حمد من حمده و قوله « و أشربوا » أصله من الشرب يقال شرب و أشرب غيره إذا حمله على الشرب و أشرب الزرع أي سقي و أشرب قلبه حب كذا قال زهير :
فصحوت عنها بعد حب داخل
و الحب يشربه فؤادك داء .

الإعراب
قوله « العجل » أي حب العجل حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و مثله قول الشاعر :
حسبت بغام راحلتي عناقا
و ما هي ويب غيرك بالعناق أي حسبت بغام راحلتي بغام عناق و قال طرفة :
ألا إنني سقيت أسود حالكا
ألا بجلي من الشراب الأبجل يريد سقيت سم أسود قال آخر :
و شر المنايا ميت وسط أهله
كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضرة أي منية ميت و قوله « بئسما يأمركم به إيمانكم » فقد تقدم ذكر إعرابه و أن يجوز أن
مجمع البيان ج : 1 ص : 318
يكون بمعنى ما أي ما كنتم مؤمنين و جاز أن يكون تقديره إن كنتم مؤمنين فبئسما يأمركم به إيمانكم هذا .

المعنى
قوله « و إذ أخذنا ميثاقكم و رفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة » قد فسرناه فيما مضى و الفائدة في تكرير هذا و أمثاله التأكيد و إيجاب الحجة عليهم على عادة العرب في مخاطباتها و قيل إنه سبحانه لما عد فضائح اليهود أعاد ذكر رفع الجبل و قيل أنه تعالى إنما ذكر الأول للاعتبار بأخبار من مضى و الثاني للاحتجاج عليهم و قوله « و اسمعوا » أي اقبلوا ما سمعتم و اعملوا به و أطيعوا الله و قيل معناه اسمعوا ما يتلى عليكم أي استمعوا لتسمعوا و هذا اللفظ يحتمل الاستماع و القبول و لا تنافي بينهما فيحتمل عليهما فكأنه قيل استمعوا لتسمعوا ثم أقبلوا و أطيعوا و بدل عليه أنه قال في الجواب عنهم « قالوا سمعنا و عصينا » و فيه قولان ( أحدهما ) أنهم قالوا هذا القول في الحقيقة استهزاء و معناه سمعنا قولك و عصينا أمرك ( و الثاني ) أن حالهم كحال من قال ذلك إذ فعلوا ما دل عليه كما قال الشاعر :
قالت جناحاه لرجليه ألحقي ) و إن كان الجناح لا يقول ذلك و إنما رجع سبحانه عن لفظ الخطاب إلى الخبر عن الغائب على عادة العرب المألوفة و اختلف في هذا الضمير إلى من يعود فقيل إلى اليهود الذين كانوا في عصر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فإنهم قالوا ذلك ثم رجع إلى حديث أوائلهم فقال « و أشربوا » و قيل إلى اليهود الذين كانوا في عصر موسى (عليه السلام) إذ ردوا عليه قوله و قابلوه بالعصيان و قوله « و أشربوا في قلوبهم » فمعناه دخل قلوبهم حب العجل و إنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى بواطنها و الطعام يجاوز الأعضاء و لا يتغلغل فيها قال الشاعر :
تغلغل حيث لم يبلغ شراب
و لا حزن و لم يبلغ سرور و ليس المعنى في قوله « و أشربوا » أن غيرهم فعل ذلك بهم بل هم الفاعلون لذلك كما يقول القائل أنسيت ذلك من النسيان و ليس يريد أن غيره فعل ذلك به و يقال أوتي فلان علما جما و إن كان هو المكتسب له و قوله « بكفرهم » ليس معناه أنهم أشربوا حب العجل جزاء على كفرهم لأن محبة العجل كفر قبيح و الله سبحانه لا يفعل الكفر في العبد لا ابتداء و لا جزاء بل معناه أنهم كفروا بالله تعالى بما أشربوه من محبة العجل و قيل إنما أشرب حب العجل قلوبهم من زينة عندهم و دعاهم إليه كالسامري و شياطين الجن و الإنس فقوله « بكفرهم » معناه لاعتقادهم التشبيه و جهلهم بالله تعالى و تجويزهم العبادة لغيره أشربوا
مجمع البيان ج : 1 ص : 319
في قلوبهم حب العجل لأنهم صاروا إلى ذلك لهذه المعاني التي هي كفر و قول من قال فعل الله ذلك بهم عقوبة و مجازاة غلط فاحش لأن حب العجل ليس من العقوبة في شيء و لا ضرر فيه و قوله « قل بئسما يأمركم به إيمانكم » معناه قل يا محمد لهؤلاء اليهود بئس الشيء الذي يأمركم به إيمانكم إن كان يأمركم بقتل أنبياء الله و رسله و التكذيب بكتبه و جحد ما جاء من عنده و معنى إيمانهم تصديقهم بالذي زعموا أنهم مصدقون به من كتاب الله بقولهم نؤمن بما أنزل علينا و قوله « إن كنتم مؤمنين » أي مصدقين كنا زعمتم بالتوراة و في هذا نفي عن التوراة أن يكون يأمر بشيء يكرهه الله من أفعالهم و إعلام بأن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم و يحملهم عليه آراؤهم


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page