• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الأول سورة البقرة آیات 94الی101


قُلْ إِن كانَت لَكمُ الدَّارُ الاَخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْت إِن كنتُمْ صدِقِينَ(94)
اللغة
الخالصة الصافية يقال خلص لي هذا الأمر أي صار لي وحدي و صفا لي يخلص خلوصا و خالصة مصدر كالعافية و أصل الخلوص أن يصفو الشيء من كل شائبة و دون يستعمل على ثلاثة أوجه أن يكون الشيء دون الشيء في المكان و في الشرف و في الاختصاص و هو المراد في الآية و التمني من جنس الأقوال عند أكثر المتكلمين و هو أن يقول القائل لما كان ليته لم يكن و لما لم يكن ليته كان و قال أبو هاشم هو معنى في القلب و لا خلاف في أنه ليس من قبيل الشهوة .

الإعراب
خالصة نصب على الحال .

المعنى
ثم عاد سبحانه إلى الاحتجاج على اليهود بما فضح به أحبارهم و علماءهم و دعاهم إلى قضية عادلة بينه و بينهم فقال « قل » يا محمد لهم « إن كانت » الجنة « خالصة » لكم « دون الناس » كلهم أو دون محمد و أصحابه كما ادعيتم بقولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى و كنتم صادقين في قولكم نحن أبناء الله و أحباؤه و إن الله لا يعذبنا « فتمنوا الموت » لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة قطعا كان الموت أحب إليه من حياة الدنيا التي فيها أنواع المشاق و الهموم و الآلام و الغموم و من كان على يقين أنه إذا مات
مجمع البيان ج : 1 ص : 320
تخلص منها و فاز بالنعيم المقيم فإنه يؤثر الموت على الحياة أ لا ترى إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يطوف بين الصفين بصفين في غلالة لما قال له الحسن ابنه ما هذا زي الحرب يا بني إن أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه و قول عمار بن ياسر بصفين أيضا الآن ألاقي الأحبة محمدا و حزبه و أما ما روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به و لكن ليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي و توفني ما كانت الوفاة خيرا لي فإنما نهي عن تمني الموت لأنه يدل على الجزع و المأمور به الصبر و تفويض الأمور إليه تعالى و لأنا لا نأمن وقوع التقصير فما أمرنا به و نرجو في البقاء التلافي .
وَ لَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدَا بِمَا قَدَّمَت أَيْدِيهِمْ وَ اللَّهُ عَلِيمُ بِالظلِمِينَ(95)
الإعراب
أبدا نصب على الظرف أي طول عمرهم يقول القائل لا أكلمك أبدا يريد ما عشت و ما بمعنى الذي أي بالذي قدمت أيديهم و يجوز أن يكون ما بمعنى المصدر فيكون المراد بتقدمة أيديهم .

المعنى
أخبر الله سبحانه عن هؤلاء الذين قيل لهم فتمنوا الموت إن كنتم صادقين بأنهم لا يتمنون ذلك أبدا بما قدموه من المعاصي و القبائح و تكذيب الكتاب و الرسول عن الحسن و أبي مسلم و قيل بما كتموا من صفة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن ابن جريج و أضاف ذلك إلى اليد و إن كانوا إنما فعلوا ذلك باللسان لأن العرب تقول هذا ما كسبت يداك و إن كان ذلك حصل باللسان و الوجه فيه أن الغالب أن تحصل الجناية باليد فيضاف بذلك إليها ما يحصل بغيرها و قوله « و الله عليم بالظالمين » خصص الظالمين بذلك و إن كان عليما بهم و بغيرهم بأن الغرض بذلك الزجر و التهديد كما يقال الإنسان لغيره إني عارف بصير بعملك و قيل معناه إن الله عليم بالأسباب التي منعتم عن تمني الموت و بما أضمروه و أسروه من كتمان الحق عنادا مع علم كثير منهم أنهم مبطلون و روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا و لرأوا مقاعدهم من النار فقال الله سبحانه إنهم « لن يتمنوه أبدا » تحقيقا لكذبهم و في ذلك أعظم دلالة على صدق نبينا و صحة نبوته لأنه
مجمع البيان ج : 1 ص : 321
أخبر بالشيء قبل كونه فكان كما أخبر و أيضا فإنهم كفوا عن التمني للموت لعلمهم بأنه حق و أنهم لو تمنوا الموت لماتوا و روى الكلبي عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقول لهم إن كنتم صادقين في مقالتكم فقولوا اللهم أمتنا فو الذي نفسي بيده لا يقولها رجل إلا غص بريقه فمات مكانه و هذه القصة شبيهة بقصة المباهلة و أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لما دعا النصارى إلى المباهلة امتنعوا لقلة ثقتهم بما هم عليه و خوفهم من صدق النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في قوله لو باهلوني لرجعوا لا يجدون أهلا و لا مالا فلما لم يتمن اليهود الموت افتضحوا كما أن النصارى لما أحجموا عن المباهلة افتضحوا و ظهر الحق فإن قيل من أين علمتم أنهم لم يتمنوا الموت بقلوبهم فالجواب أن من قال التمني هو القول فالسؤال ساقط عنه و من قال هو معنى في القلب قال لو تمنوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم حرصا منهم على تكذيبه في إخباره و لأن تحديهم بتمني الموت إنما وقع بما يظهر على اللسان و كان يسهل عليهم أن يقولوا ليت الموت نزل بنا فلما عدلوا عن ذلك ظهر صدقه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و وضحت حجته .
وَ لَتَجِدَنهُمْ أَحْرَص النَّاسِ عَلى حَيَوة وَ مِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْف سنَة وَ مَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَ اللَّهُ بَصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ(96)
اللغة
وجده و صادفه و ألفاه نظائر يقال وجدت الشيء وجدانا إذا أصبته و يقال وجدت بمعنى علمت و الحرص شدة الطلب و رجل حريص و قوم حراص و المودة المحبة يقال وددت الرجل أوده ودا و ودا و ودادا و ودادة و مودة و التعمير طول العمر و العمر و العمر لغتان و أصله من العمارة الذي هو ضد الخراب فالعمر المدة التي يعمر فيها البدن بالحياة و الألف من التأليف سمي بذلك العدد لأنه ضم مائة عشر مرات و الزحزحة التنحية يقال زحزحته فتزحزح و قال الشاعر :
و قالوا تزحزح لا بنا فضل حاجة
إليك و لا منا لوهيك راقع
مجمع البيان ج : 1 ص : 322
و البصير بمعنى المبصر كما أن السميع بمعنى المسمع و لكنه صرف إلى فعيل و مثله بديع السماوات بمعنى المبدع و العذاب الأليم بمعنى المؤلم هذا في اللغة و عند المتكلمين المبصر هو المدرك للمبصرات و البصير هو الحي الذي لا آفة به فهو ممن يجب أن يبصر المبصرات إذا وجدت و ليس أحدهما هو الآخر و كذلك القول في السميع و السامع .

الإعراب
« لتجدنهم » اللام لام القسم و النون للتأكيد و تقديره و الله لتجدنهم قال سيبويه سألت الخليل عن قوله لتفعلن إذا جاءت مبتدأ فقال هي على نية القسم و هذه اللام إذا دخلت على المستقبل لزمته في الأمر الأكثر بالنون و إذا كان وجدت بمعنى وجدان الضالة يعدى إلى مفعول واحد كفقدت الذي هو ضده فينتصب أحرص على الحال و إذا كان بمعنى علمت تعدى إلى مفعولين ثانيهما عبارة عن الأول فيكون أحرص هو المفعول الثاني و هو الأصح و قوله « و من الذين أشركوا » قال الفراء يريد و أحرص من الذين أشركوا أيضا كما يقال هو أسخى الناس و من حاتم و من هرم لأن تأويل قولك أسخى الناس إنما هو أسخى الناس و قال الزجاج تقديره و لتجدنهم أحرص من الذين أشركوا و قيل إنما دخلت من في قوله « و من الذين أشركوا » و لم يدخل في قوله « أحرص الناس » لأنهم بعض الناس و الإضافة في باب أفعل لا يكون إلا كذلك تقول الياقوت أفضل الحجارة و لا تقول الياقوت أفضل الزجاج بل تقول أفضل من الزجاج فلذلك قال « و من الذين أشركوا » لأن اليهود ليسوا هم بعض المجوس و هم بعض الناس و قوله « و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر » فيه وجوه ( أحدها ) أن هو كناية عن أحدهم الذي جرى ذكره و أن يعمر في موضع رفع بأنه فاعل تقديره و ما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره كما يقال مررت برجل معجب قيامه ( و ثانيها ) أنه كناية عما جرى ذكره من طول العمر و قوله أن يعمر بيان لقوله هو و تقديره و ما تعميره بمزحزحه من العذاب و كأنه قيل و ما هو الذي ليس بمزحزحه فقيل هو التعمير ( و ثالثها ) أنه عماد و أن يعمر في موضع الرفع بأنه مبتدأ و بمزحزحه خبره و منع الزجاج هذا القول الأخير قال لا يجيز البصريون ما هو قائما زيد و ما هو بقائم زيد بمعنى الأمر و الشأن و قال غيره إذا كانت ما غير عاملة في الباء جاز كقولهم ما بهذا بأس .

المعنى
ثم أخبر سبحانه عن أحوال اليهود فقال « و لتجدنهم » أي و لتعلمن
مجمع البيان ج : 1 ص : 323
يا محمد هؤلاء اليهود و قيل يعني به علماء اليهود « أحرص الناس على حيوة » أي أحرصهم على البقاء في الدنيا أشد من حرص سائر الناس « و من الذين أشركوا » أي و لتجدنهم أحرص من الذين أشركوا و هم المجوس و من لا يؤمن بالبعث و قال أبو علي الجبائي إن الكلام تم عند قوله « على حيوة » و قوله « و من الذين أشركوا » تقديره و من ] اليهود [ الذين أشركوا من يود أحدهم لو يعمر ألف سنة فحذف من و قال علي بن عيسى هذا غير صحيح لأن حذف من لا يجوز في مثل هذا الموضع و قال أبو مسلم الأصفهاني أن في هذا الكلام تقديما و تأخيرا و تقديره و لتجدنهم و طائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حيوة و أقول إذا جاز هاهنا أن يحذف الموصوف الذي هو طائفة و تقام الصفة مقامه و هو قوله « من الذين أشركوا » فليجز على ما ذهب إليه الجبائي أن يكون تقديره و من الذين أشركوا طائفة يود أحدهم فيحذف الموصوف و يقام صفته الذي هو « يود أحدهم لو يعمر ألف سنة » مقامه فيصح على هذا تقدير الحذف و يستوي القولان من حيث الصورة و الصفة و يختلفان من حيث المعنى و يكون من هنا هي الموصوفة لا الموصولة كما قدره الجبائي و قوله « يود أحدهم لو يعمر ألف سنة » ذكر الألف لأنها نهاية ما كانت المجوس يدعو به بعضهم لبعض و تحيى به الملوك يقولون عش ألف نوروز و ألف مهرجان قال ابن عباس هو قول أحدهم لمن عطس هزار سأل بزي يقال فهؤلاء الذين يزعمون أن لهم الجنة لا يتمنون الموت و هم أحرص ممن لا يؤمن بالبعث و كذلك يجب أن يكون هؤلاء لعلمهم بما أعد الله لهم في الآخرة من الجحيم و العذاب الأليم على كفرهم و عنادهم مما لا يقر به أهل الشرك فهم للموت أكره من أهل الشرك الذين لا يؤمنون بالبعث و على الحياة أحرص لهذه العلة و قوله « و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر » أي و ما أحدهم بمنجيه من عذاب الله و لا بمبعده منه تعميره و هو أن يطول له البقاء لأنه لا بد للعمر من الفناء هذا هو أحسن الوجوه التي تقدم ذكرها « و الله بصير بما يعملون » أي عليم بأعمالهم لا يخفى عليه شيء منها بل هو محيط بجميعها حافظ لها حتى يذيقهم بها العذاب و في هذه الآية دلالة على أن الحرص على طول البقاء لطلب الدنيا و نحوه مذموم و إنما المحمود طلب البقاء للازدياد في الطاعة و تلافي الفائت بالتوبة و الإنابة و درك السعادة بالإخلاص في العبادة و إلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله : بقية عمر المؤمن لا قيمة له يدرك بها ما فأت و يحيي بها ما أمات .

مجمع البيان ج : 1 ص : 324
قُلْ مَن كانَ عَدُوًّا لِّجِبرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِك بِإِذْنِ اللَّهِ مُصدِّقاً لِّمَا بَينَ يَدَيْهِ وَ هُدًى وَ بُشرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(97) مَن كانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَ مَلَئكتِهِ وَ رُسلِهِ وَ جِبرِيلَ وَ مِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوُّ لِّلْكَفِرِينَ(98)
القراءة
قرأ ابن كثير جبريل بفتح الجيم و كسر الراء من غير همز و قرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر إلا يحيى جبرئيل بفتح الجيم و الراء مهموزا على زنة جبرعيل و روى يحيى كذلك إلا أنه حذف الياء بعد الهمز فصار مثل جبرعل و الباقون بكسر الجيم و الراء و بعدها ياء من غير همزة و قرأ أهل المدينة ميكائل بهمزة مكسورة بعد الألف على زنة ميكاعل و قرأ أهل البصرة « ميكال » بغير همز و لا ياء و الباقون بإثبات ياء ساكنة بعد الهمزة على زنة ميكاعيل .

الحجة
قال أبو علي روينا عن أبي الحسن أنه قال في جبريل ست لغات جبرائيل و جبرائل و جبرئل و جبرال و جبريل و جبرئيل فمن قال جبريل كان على لفظ قنديل و برطيل و من قال جبرئيل كان على وزن عندليب و من قال جبرئل كان على وزن جحمرش و من قال ميكال على وزن قنطار و ميكائيل و جبرائيل خارج عن كلام العرب و هذه الأسماء معربة فإذا أتى بها على ما في أبنية العرب مثله كان أذهب في باب التعريب و قد جاء في أشعارهم ما هو على لفظ التعريب و ما هو خارج عن ذلك قال :
عبدوا الصليب و كذبوا بمحمد
و بجبرئيل و كذبوا ميكالا و قال حسان :
و جبريل رسول الله منا
و روح القدس ليس له كفاء .

اللغة
جبرئيل و ميكائيل اسمان أعجميان عربا و قيل جبر في اللغة السريانية هو العبد و إيل هو الله و ميك هو عبيد فمعنى جبريل عبد الله و معنى ميكائيل عبيد الله و قال أبو علي الفارسي هذا لا يستقيم من وجهين أحدهما أن إيل لا يعرف من أسماء الله تعالى في
مجمع البيان ج : 1 ص : 325
اللغة العربية و الآخر أنه لو كان كذلك لكان آخر الاسم مجرورا أبدا كقولهم عبد الله و البشرى و البشارة الخبر السار أول ما يرد فيظهر ذلك في بشرة الوجه .

الإعراب
جواب الشرط محذوف تقديره من كان عدوا لجبرائيل فليمت غيظا فإنه نزل الوحي على قلبك بإذن الله و الهاء في قوله فإنه تعود إلى جبريل و الهاء في نزله تعود إلى القرآن و إن لم يجر له ذكر كما أن هاء في قوله تعالى : ما ترك على ظهرها من دابة تعود إلى الأرض و يجوز أن يكون على معنى جبرئيل و تقديره فإن الله نزل جبريل على قلبك لا أنه نزل بنفسه و الأول أصح و نصب مصدقا على الحال من الهاء في نزله و هو ضمير القرآن أو جبريل (عليه السلام) .

النزول
قال ابن عباس كان سبب نزول هذه الآية ما روي أن ابن صوريا و جماعة من يهود أهل فدك لما قدم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) المدينة سألوه فقالوا يا محمد كيف نومك فقد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان فقال تنام عيناي و قلبي يقظان قالوا صدقت يا محمد فأخبرنا عن الولد يكون من الرجل أو المرأة فقال أما العظام و العصب و العروق فمن الرجل و أما اللحم و الدم و الظفر و الشعر فمن المرأة قالوا صدقت يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء أو يشبه أخواله و ليس فيه من شبه أعمامه شيء فقال أيهما علا ماؤه كان الشبه له قالوا صدقت يا محمد قالوا فأخبرنا عن ربك ما هو فأنزل الله سبحانه قل هو الله أحد إلى آخر السورة فقال له ابن صوريا خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك و اتبعتك أي ملك يأتيك بما ينزل الله عليك قال فقال جبريل قال ذاك عدونا ينزل بالقتال و الشدة و الحرب و ميكائيل ينزل باليسر و الرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك لآمنا بك .

المعنى
فأنزل الله تعالى هذه الآية جوابا لليهود و ردا عليهم فقال « قل » لهم يا محمد « من كان عدوا لجبريل » إذا كان هو المنزل للكتاب عليك « فإنه نزله على قلبك بإذن الله » لا من تلقاء نفسه و إنما أضافه إلى قلبه لأنه إذا أنزل عليه كان يحفظه و يفهمه بقلبه و معنى قوله « بإذن الله » بأمر الله و قيل أراد بعلمه أو بإعلام الله إياه ما ينزل على قلبك و قوله « مصدقا لما بين يديه » معناه موافقا لما بين يديه من الكتب و مصدقا له بأنه حق و بأنه من عند الله لا مكذبا لها « و هدى و بشرى للمؤمنين » معناه إن كان فيما أنزله الأمر بالحرب و الشدة على الكافرين فإنه هدى و بشرى للمؤمنين و إنما خص الهدى
مجمع البيان ج : 1 ص : 326
بالمؤمنين من حيث كانوا هم المهتدين به العاملين بما فيه و إن كان هدى لغيرهم أيضا و قيل أراد بالهدى الرحمة و الثواب فلذلك خصه بالمؤمنين و معنى البشرى أن فيه البشارة لهم بالنعيم الدائم و إن جعلت مصدقا و هدى و بشرى حالا لجبريل فالمعنى أنه يصدق بكتب الله الأولى و يأتي بالهدى و البشرى و إنما قال سبحانه « على قلبك » و لم يقل على قلبي على العرف المألوف كما تقول لمن تخاطبه لا تقل للقوم أن الخبر عندك و يجوز أن تقول لا تقل لهم أن الخبر عندي و كما تقول قال القوم جبريل عدونا و يجوز أن تقول قالوا جبريل عدوهم و أما قوله تعالى : « من كان عدوا لله و ملائكته و رسله » فمعناه من كان معاديا لله أي يفعل فعل المعادي من المخالفة و العصيان فإن حقيقة العداوة طلب الإضرار به و هذا يستحيل على الله تعالى و قيل المراد به معاداة أوليائه كقوله إن الذين يؤذون الله و قوله « و ملائكته » أي و معاديا لملائكته « و رسله و جبريل و ميكال » و إنما أعاد ذكرهما لفضلهما و منزلتهما كقوله تعالى « فيهما فاكهة و نخل و رمان » و قيل إنما أعاد ذكرهما لأن اليهود قالت جبريل عدونا و ميكائيل ولينا فخصهما الله بالذكر لأن النزاع جرى فيهما فكان ذكرهما أهم و لئلا تزعم اليهود أنهما مخصوصان من جملة الملائكة و ليسا بداخلين في جملتهم فنص الله تعالى عليهما ليبطل ما يتأولونه من التخصيص ثم قال « فإن الله عدو للكافرين » و لم يقل فإنه و كرر اسم الله لئلا يظن أن الكناية راجعة إلى جبرائيل أو ميكائيل و لم يقل لهم لأنه قد يجوز أن ينتقلوا عن العداوة بالإيمان و قد طعن بعض الملحدة في هذا فقال كيف يجوز أن يقول عاقل أنا عدو جبريل و ليس هذا القول من اليهود بمستنكر و لا عجب مع ما أخبر الله تعالى عن قولهم بعد مشاهدتهم فلق البحر و الآيات الخارقة للعادة اجعل لنا إلها كما لهم آلهة و قولهم أرنا الله جهرة و عبادتهم العجل و غير ذلك من جهالاتهم .
وَ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْك ءَايَتِ بَيِّنَت وَ مَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَسِقُونَ(99)
اللغة
الآية العلامة التي فيها عبرة و قيل العلامة التي فيها الحجة و البينة الدلالة الفاصلة الواضحة بين القضية الصادقة و الكاذبة مأخوذة من إبانة أحد الشيئين من الآخر ليزول التباسه به .

مجمع البيان ج : 1 ص : 327
الإعراب
قد تدخل في الكلام لأحد أمرين أحدهما لقوم يتوقعون الخبر و الآخر لتقريب الماضي من الحال تقول خرجت و قد ركب الأمير و هي هنا مع لام القسم على تقدير قوم يتوقعون الخبر لأن الكلام إذا خرج ذلك المخرج كان أوكد و أبلغ .

النزول
قال ابن عباس إن ابن صوريا قال لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه و ما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك لها فأنزل الله هذه الآية .

المعنى
يقول « و لقد أنزلنا إليك » يا محمد « آيات » يعني سائر المعجزات التي أعطيها النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن البلخي و قيل هي القرآن و ما فيها من الدلالات عن أبي مسلم و أبي علي و قيل هي علم التوراة و الإنجيل و الأخبار عما غمض مما في كتب الله السالفة عن الأصم كقوله تعالى يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب « بينات » أي واضحات تفصل بين الحق و الباطل « و ما يكفر بها إلا الفاسقون » و معناه الكافرون و إنما سمي الكفر فسقا لأن الفسق خروج من شيء إلى شيء و اليهود خرجوا من دينهم و هو دين موسى بتكذيب النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و إنما لم يقل الكافرون و إن كان الكفر أعظم من الفسق لأحد أمرين ( أحدهما ) أن المراد أنهم خرجوا عن أمر الله إلى ما يعظم من معاصيه و الثاني أن المراد به أنهم الفاسقون المتمردون في كفرهم لأن الفسق لا يكون إلا أعظم الكبائر فإن كان في الكفر فهو أعظم الكفر و إن كان فيما دون الكفر فهو أعظم المعاصي .
أَ وَ كلَّمَا عَهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(100)
اللغة
النبذ طرحك الشيء عن يدك أمامك أو خلفك و المنابذة انتباذ الفريقين للحرب و نابذناهم الحرب و المنبوذون هم الأولاد الذين يطرحون و المنابذة في البيع منهي عنها و هو كالرمي كأنه إذا رمى به وجب البيع له و سمي النبيذ نبيذا لأن التمر كان يلقى في الجرة و غيرها و قيل معنى نبذه تركه و قيل ألقاه قال أبو الأسود الدؤلي :
نظرت إلى عنوانه فنبذته
كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا .

مجمع البيان ج : 1 ص : 328
الإعراب
الواو في قوله « أ و كلما » عند سيبويه و أكثر النحويين واو العطف إلا أن ألف الاستفهام دخلت عليها لأن لها صدر الكلام و هي أم حروف الاستفهام بدلالة أن هذه الواو تدخل على هل تقول و هل زيد عالم لأن الألف أقوى منها و قال بعضهم يحتمل أن تكون زائدة كزيادة الفاء في قولك أ فالله ليفعلن و الأول أصح لأنه لا يحكم على الحرف بالزيادة مع وجود معنى من غير ضرورة و نصب كلما على الظرف و العامل فيه نبذه و لا يجوز أن يعمل فيه عاهدوا لأنه متمم لما إما صلة و إما صفة .

المعنى
أخبر الله سبحانه عن اليهود أيضا فقال « أ و كلما عاهدوا » الله « عهدا » أراد به العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبي الأمي عن ابن عباس و كلما لفظ يقتضي التكرر فيقتضي تكرر النقض منهم و قال عطاء هي العهود التي كانت بين رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و بين اليهود فنقضوها كفعل قريظة و النضير عاهدوا أن لا يعينوا عليه أحدا فنقضوا ذلك و أعانوا عليه قريشا يوم الخندق « نبذه فريق منهم » أي نقضه جماعة منهم « بل أكثرهم » أي أكثر المعاهدين « لا يؤمنون » و لا تعود الهاء و الميم إلى فريق إذ كانوا كلهم غير مؤمنين فأما المعاهدون فمنهم من آمن كعبد الله بن سلام و كعب الأحبار و غيرهما فأما وجه دخول بل على قوله « بل أكثرهم » فإنه لأمرين ( أحدهما ) أنه لما نبذه فريق منهم دل على أن ذلك الفريق كفر بالنقض فقال بل أكثرهم كفار بالنقض الذي فعلوه و إن كان بعضهم نقضه جهلا و بعضهم نقضه عنادا و الثاني أنه أراد كفر فريق منهم بالنقض و كفر أكثرهم بالجحد للحق و هو أمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و ما يلزم من اتباعه و التصديق به .
وَ لَمَّا جَاءَهُمْ رَسولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَب كتَب اللَّهِ وَرَاءَ ظهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ(101)
الإعراب
لما في موضع نصب بأنه ظرف و يقع به الشيء بوقوع غيره و العامل فيه نبذ و مصدق رفع لأنه صفة لرسول لأنهما نكرتان و لو نصب لكان جائزا لأن رسول قد وصف بقوله « من عند الله » فلذلك يحسن نصبه على الحال إلا أنه لا يجوز في القراءة إلا
مجمع البيان ج : 1 ص : 329
الرفع لأن القراءة سنة متبعة و موضع ما جر باللام و مع صلة لها و الناصب لمع معنى الاستقرار و المعنى لما استقر معهم .

المعنى
« و لما جاءهم » أي و لما جاء اليهود الذين كانوا في عصر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « رسول من عند الله » يعني محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن أكثر المفسرين و قيل أراد بالرسول الرسالة كما قال كثير :
فقد كذب الواشون ما بحت عندهم
بليلى و ما أرسلتهم برسول قال علي بن عيسى و هذا ضعيف لأنه خلاف الظاهر قليل في الاستعمال و قوله « مصدق لما معهم » يحتمل أمرين ( أحدهما ) أنه مصدق لكتبهم من التوراة و الإنجيل لأنه جاء على الصفة التي تقدمت بها البشارة ( و الثاني ) أنه مصدق للتوراة بأنها حق من عند الله لأن الأخبار هاهنا إنما هو عن اليهود دون النصارى و الأول أحسن لأن فيه حجة عليهم و قوله « نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب » أي ترك و ألقى طائفة منهم و إنما قال « من الذين أوتوا الكتاب » و لم يقل منهم و قد تقدم ذكرهم لأنه يريد به علماء اليهود فأعاد ذكرهم لاختلاف المعنى و قيل أنه لم يكن عنهم للبيان لما طال الكلام و قوله « كتاب الله » يحتمل أن يريد به التوراة و يحتمل أن يريد به القرآن و قوله « وراء ظهورهم » كناية عن تركهم العمل به قال الشعبي هو بين أيديهم يقرءونه و لكن نبذوا العمل به و قال سفيان بن عيينة أدرجوه في الحرير و الديباج و حلوه بالذهب و الفضة و لم يحلوا حلاله و لم يحرموا حرامه فذلك النبذ هذا إذا حمل الكتاب على التوراة و قال أبو مسلم لما جاءهم الرسول بهذا الكتاب فلم يقبلوه صاروا نابذين للكتاب الأول أيضا الذي فيه البشارة به و قال السدي نبذوا التوراة و أخذوا بكتاب آصف و سحر هاروت و ماروت يعني أنهم تركوا ما تدل عليه التوراة من صفة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قال قتادة و جماعة من أهل العلم أن ذلك الفريق كانوا معاندين و إنما ذكر فريقا منهم لأن الجمع العظيم و الجم الغفير و العدد الكثير لا يجوز عليهم كتمان ما علموه مع اختلاف الهمم و تشتت الآراء و تباعد الأهواء لأنه خلاف المألوف من العادات إلا إذا كانوا عددا يجوز على مثلهم التواطؤ على الكتمان و قوله « كأنهم لا يعلمون » أي لا يعلمون أنه صدق و حق و المراد أنهم علموا و كتموا بغيا و عنادا و قيل المراد كأنهم لا يعلمون ما عليهم في ذلك من العقاب و قيل المراد كأنهم لا يعلمون ما في كتابهم أي حلوا محل الجاهل بالكتاب .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page