• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الأول سورة البقرة آیات 106الی112


مجمع البيان ج : 1 ص : 345
عنده ابتداء منه إليهم و تفضلا عليهم من غير استحقاق منهم لذلك عليه فهو عظيم الفضل ذو المن و الطول .
* مَا نَنسخْ مِنْ ءَايَة أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بخَير مِّنهَا أَوْ مِثْلِهَا أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(106)
القراءة
قرأ ابن عامر ما ننسخ بضم النون و كسر السين و الباقون بفتحها و قرأ ابن كثير و أبو عمرو ننساها بفتح النون و السين و إثبات الهمزة و الباقون بضم النون و كسر السين بلا همز .

الحجة
أما قراءة ابن عامر ننسخ فلا يخلو من أن يكون أفعل لغة في فعل نحو بدأ و أبدأ و حل من إحرامه و أحل أو تكون الهمزة للنقل نحو ضرب و أضربته و نسخ الكتاب و أنسخته الكتاب أو يكون المعنى في أنسخت الآية وجدتها منسوخة كقولهم أحمدت زيدا و أبخلته و الوجه الصحيح هو الأول و هو أن يكون نسخ و أنسخ لغتين متفقتين في المعنى و إن اختلفتا في اللفظ و قول من فتح النون أبين و أوضح و أما ننساها فهي من النسإ و هو التأخير يقال نسأت الإبل عن الحوض أنساها نسا إذا أخرتها عنه و انتسأت أنا أي تأخرت و منه قولهم أنسا الله أجلك و نسا في أجلك و أما القراءة الأخرى فمن النسيان الذي هو بمعنى السهو أو بمعنى الترك .

اللغة
النسخ في اللغة إبطال شيء و إقامة آخر مقامه يقال نسخت الشمس الظل أي أذهبته و حلت محله و قال ابن دريد كل شيء خلف شيئا فقد انتسخه و انتسخ الشيب الشباب و تناسخ الورثة أن تموت ورثة بعد ورثة و أصل الميراث قائم لم يقسم و كذلك تناسخ الأزمنة و القرون بعد القرون الماضية و أصل الباب الإبدال من الشيء غيره و قال علي بن عيسى النسخ الرفع لشيء قد كان يلزم العمل به إلى بدل منه كنسخ الشمس بالظل لأنه يصير بدلا منها في مكانها و هذا ليس بصحيح لأنه ينتقض بمن يلزمه الصلاة قائما فعجز عن القيام فإنه يسقط عنه القيام لعجزه و لا يسمى العجز ناسخا و لا القيام منسوخا و ينتقض
مجمع البيان ج : 1 ص : 346
أيضا بمن يستبيح الشيء بحكم العقل و ورد الشرع بخطره فإنه لا يقال إن الشرع نسخ حكم العقل و لا أن حكم العقل منسوخ و أولى ما يجد به النسخ أن يقال هو كل دليل شرعي دل على أن مثل الحكم الثابت بالنص الأول غير ثابت في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الأول مع تراخيه عنه و النسخ في القرآن على ضروب منها أن يرفع حكم الآية و تلاوتها كما روي عن أبي بكر أنه قال كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم و منها أن تثبت الآية في الخط و يرفع حكمها كقوله و إن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم الآية فهذه ثابتة اللفظ في الخط مرتفعة الحكم و منها ما يرتفع اللفظ و يثبت الحكم ك آية الرجم فقد قيل أنها كانت منزلة فرفع لفظها و قد جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن فنسخ تلاوتها فمنها ما روي عن أبي موسى أنهم كانوا يقرءون لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب الله على من تاب ثم رفع و عن أنس أن السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة قرأنا فيهم كتابا بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا و أرضانا ثم إن ذلك رفع و قال أبو عبيدة معنى ننساها أي نمضيها فلا ننسخها قال طرفة :
أمون كالواح الأران نسأتها
على لا حب كأنه ظهر برجد أي أمضيتها و قال غيره نسأت الإبل في ظمئها أنساها نسا إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين و ظمؤها منعها الماء و نسأت الماشية تنسأ نسا إذا سمنت و كل سمين ناسىء قال الزجاج و تأويله أن جلودها نسأت أي تأخرت عن عظامها و قال غيره إنما قيل ذلك لأنها تأخرت في المرعى حتى سمنت و يقال للعصا المنساة لأنها ينسأ بها أي يؤخر ما يساق عن مكانه و يدفع بها الإنسان عن نفسه الأذى و نسأت ناقتي إذا دفعتها في السير و أصل الباب التأخير .

الإعراب
« ما ننسخ » ما اسم ناب مناب أن و هو في موضع نصب بننسخ و إنما لزمه التقديم و إن كان مفعولا و مرتبة المفعول أن يكون بعد الفاعل لنيابته عن حرف الشرط الذي له صدر الكلام و ننسخ مجزوم بالشرط و ننس جزم لأنه معطوف عليه و نأت مجزوم لأنه جزاء و من في قوله « من آية » للتبعيض و قيل هي مزيدة و لفظ أ لم هاهنا لفظ الاستفهام و معناه التقرير و تعلم مجزوم بلم لأن حرف الاستفهام لا يغير العامل عن عمله .

النظم
لما قال سبحانه في الآية الأولى ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا
مجمع البيان ج : 1 ص : 347
المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم دل بهذه الآية على أنه سبحانه لا يخليهم من إنزال خير إليهم بخلاف ما تمناه أعداؤهم فيهم و أنه أبدا ينزل عليهم ما هو أصلح لهم عن علي بن عيسى و قيل إنه سبحانه لما عاب اليهود بأشياء و رد عليهم ما راموا به الطعن في أمر نبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و كان مما طعنوا فيه أنه يقول بنسخ كل شريعة تقدمت شريعته فبين الله سبحانه جواز ذلك ردا عليهم عن أبي مسلم .

المعنى
« ما ننسخ من آية » قد ذكرنا حقيقة النسخ عند المحققين و قيل معناه ما نرفع من آية أو حكم آية و قيل معناه ما نبدل من آية عن ابن عباس و من قرأ « أو ننسها » فمعناه على وجهين فإن لفظ النسي المنقول منه أنسى على ضربين ( أحدهما ) بمعنى النسيان الذي هو خلاف الذكر نحو قوله و اذكر ربك إذا نسيت ( و الآخر ) بمعنى الترك نحو قوله نسوا الله فنسيهم أي تركوا طاعة الله فترك رحمتهم أو ترك تخليصهم فالوجه الأول في الآية مروي عن قتادة و هو أن يكون محمولا على النسيان الذي هو مقابل الذكر و يجوز ذلك على الأمة بأن يؤمروا بترك قراءتها فينسونها على طول الأيام و لا يجوز ذلك على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لأنه يؤدي إلى التنفير كذا ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه الله في تفسيره و قد جوز جماعة من المحققين ذلك على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قالوا أنه لا يؤدي إلى التنفير لتعلقه بالمصلحة و يجوز أيضا أن ينسيهم الله تعالى ذلك على الحقيقة و إن كانوا جمعا كثيرا و جما غفيرا بأن يفعل النسيان في قلوب الجميع و إن كان ذلك خارقا للعادة و يكون معجزا للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و استدل من حمل الآية على النسيان الذي هو خلاف الذكر و جوز كون النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مرادا به بقوله سبحانه سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله أي إلا ما شاء الله أن تنساه قال و إلى هذا ذهب الحسن فقال إن نبيكم أقرىء القرآن ثم نسيه و أنكر الزجاج هذا القول فقال إن الله تعالى قد أنبأ النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في قوله و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره بأنه لا يشاء أن يذهب بما أوحي إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال أبو علي الفارسي هذا الذي احتج به على من ذهب إلى أن ننسها من النسيان لا يدل على فساد ما ذهبوا إليه و ذلك أن قوله و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك إنما هو على ما لا يجوز عليه النسخ و التبديل من الأخبار و أقاصيص الأمم و نحو ذلك مما لا يجوز عليه التبديل و الذي ينساه النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هو ما يجوز أن ينسخ من الأوامر و النواهي الموقوفة على المصلحة و في الأوقات التي يكون ذلك فيها أصلح و يدل على أن ننسها من النسيان الذي هو خلاف الذكر قراءة من قرأ أو تنسها و هو قراءة سعد بن أبي وقاص و قراءة من قرأ أو ننسكها و هو المروي عن سالم مولى أبي حذيفة و قراءة من قرأ أو تنسها و هو المروي عن
مجمع البيان ج : 1 ص : 348
سعد بن مالك فالمفعول المراد المحذوف في قراءة من قرأ « أو ننسها » مظهر في قراءة من قرأ ننسكها و يبينه ما روي عن الضحاك أنه قرأ ننسها و يؤكد ذلك أيضا ما روي من قراءة ابن مسعود ما ننسك من آية أو ننسخها و به قرأ الأعمش و روي عن مجاهد أنه قال قراءة أبي ما ننسخ من آية أو ننسك فهذا كله يثبت قراءة من جعل ننسها من النسيان و يؤكد ما روي عن قتادة أنه قال كانت الآية تنسخ بالآية و ينسي الله نبيه من ذلك شيئا و الوجه الثاني و هو أن المراد بالنسيان الترك في الآية مروي عن ابن عباس فعلى هذا يكون المراد بننسها نأمركم بتركها أي بترك العمل بها قال الزجاج إنما يقال في هذا نسيت إذا تركت و لا يقال فيه أنسيت تركت و إنما معنى « أو ننسها » أو نتركها أي نأمركم بتركها قال أبو علي من فسر أنسيت بتركت لا يكون مخطئا لأنك إذا أنسيت فقد نسيت و من هذا قال علي بن عيسى إنما فسره المفسرون على ما يؤول إليه المعنى لأنه إذا أمر بتركها فقد تركها فإن قيل إذا كان نسخ الآية رفعها و تركها أن لا تنزل فما معنى ذلك و لم جمع بينهما قيل ليس معنى تركها ألا تنزل و قد غلط الزجاج في توهمه ذلك و إنما معناه إقرارها فلا ترفع كما قال ابن عباس نتركها فلا نبدلها و إضافة الترك إلى القديم سبحانه في نحو هذا اتساع كقوله تعالى و تركهم في ظلمات لا يبصرون و تركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض أي خليناهم و ذاك و أما من قرأ أو ننساها على معنى التأخير فقيل فيه وجوه ( أحدها ) أن معناه أو نؤخرها فلا ننزلها و ننزل بدلا منها مما يقوم مقامها في المصلحة أو يكون أصلح للعباد منها ( و ثانيها ) أن معناه نؤخرها إلى وقت ثان و نأتي بدلا منها في الوقت المتقدم بما يقوم مقامها ( و ثالثها ) أن يكون معنى التأخير أن ينزل القرآن فيعمل به و يتلى ثم يؤخر بعد ذلك بأن ينسخ فيرفع تلاوته البتة و يمحي فلا تنسأ و لا يعمل بتأويله مثل ما روي عن زر بن حبيش أن أبيا قال له كم تقرءون الأحزاب قال بضعا و سبعين آية قال قد قرأتها و نحن مع رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أطول من سورة البقرة أورده أبو علي في كتاب الحجة ( و رابعها ) أن يؤخر العمل بالتأويل لأنه نسخ و يترك خطه مثبتا و تلاوته قرآن يتلى و هو ما حكي عن مجاهد يثبت خطها و يبدل حكمها و الوجهان الأولان عليهما الاعتماد لأن الوجهين الأخيرين يرجع معناهما إلى معنى النسخ فلا يحسن إذ يكون في التقدير محصولة ما ننسخ من آية أو ننسخها و هذا لا يصح على أن الوجه الأول أيضا فيه ضعف لأنه لا فائدة في تأخير ما لم يعرفه العباد و لا علموه و لا سمعوه فالأقوى هو الوجه الثاني و قوله « نأت بخير منها أو مثلها » فيه قولان ( أحدهما ) نأت بخير منها لكم في التسهيل و التيسير كالأمر بالقتال الذي سهل على المسلمين بقوله الآن خفف الله عنكم أو مثلها في السهولة كالعبادة بالتوجه إلى
مجمع البيان ج : 1 ص : 349
الكعبة بعد أن كان إلى بيت المقدس عن ابن عباس ( و الثاني ) نأت بخير منها في الوقت الثاني أي هي لكم في الوقت الثاني خير لكم من الأولى في الوقت الأول في باب المصلحة أو مثلها في ذلك عن الحسن و قوله « أ لم تعلم أن الله على كل شيء قدير » قيل هو خطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قيل هو خطاب لجميع المكلفين و المراد أ لم تعلم أيها السامع أو أيها الإنسان إن الله تعالى قادر على آيات و سور مثل القرآن ينسخ بها ما أمر فيقوم في النفع مقام المنسوخ و على القول الأول معناه أ لم تعلم يا محمد أنه سبحانه قادر على نصرك و الانتصار لك من أعدائك و قيل هو عام في كل شيء و استدل من زعم أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة المعلومة بهذه الآية قال أضاف الإتيان بخير منها إلى نفسه و السنة لا تضاف إليه حقيقة ثم قال بعد ذلك « أ لم تعلم أن الله على كل شيء قدير » فلا بد من أن يكون أراد ما يختص سبحانه بالقدرة عليه من القرآن المعجز و الصحيح أن القرآن يجوز أن ينسخ بالسنة المقطوع عليها و معنى خير منها أي أصلح لنا منها في ديننا و أنفع لنا بأن نستحق به مزيد الثواب فأما إضافة ذلك إليه تعالى فصحيحة لأن السنة إنما هي بوحيه تعالى و أمره فإضافتها إليه كإضافة كلامه و آخر الآية إنما يدل على أنه قادر على أن ينسخ الآية بما هو أصلح و أنفع سواء كان ذلك بقرآن أو سنة و في هذه الآية دلالة على أن القرآن محدث و أنه غير الله تعالى لأن القديم لا يصح نسخه و لأنه أثبت له مثلا و الله سبحانه قادر عليه و ما كان داخلا تحت القدرة فهو فعل و الفعل لا يكون إلا محدثا .
أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا لَكم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلىّ وَ لا نَصِير(107)
اللغة
الولي هو القائم بالأمر و منه ولي عهد المسلمين و دون الله سوى الله قال أمية بن أبي الصلت :
يا نفس ما لك دون الله من واق
و ما على حدثان الدهر من باق و النصير الناصر و هو المؤيد و المقوي .

الإعراب و المعنى
« أ لم تعلم » استفهام تقرير و تثبيت و يؤول في المعنى إلى الإيجاب فكأنه يقول قد علمت حقيقة كما قال جرير :
مجمع البيان ج : 1 ص : 350

أ لستم خير من ركب المطايا
و أندى العالمين بطون راح فلهذا خاطب به النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قيل إن الآية و إن كانت خطابا للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فالمراد به أمته كقوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء و مثله قول الكميت في مدح النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) :
لج بتفضيلك اللسان و لو
أكثر فيك الضجاج و اللجب
و قيل أفرطت بل قصدت و لو
عنفني القائلون أو ثلبوا
أنت المصفى المهذب المحض
في النسبة إن نص قومك النسب فأخرج كلامه مخرج الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أراد به أهل بيته لأن أحدا من المسلمين لا يعنف مادح النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و لا يكثر الضجاج و اللجب في إطناب القول فيه فكأنه قال أ لم تعلم أيها الإنسان « أن الله له ملك السماوات و الأرض » لأنه خلقهما و ما فيهما و قوله « و ما لكم من » قال إن الآية خطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال أتي بضمير الجمع في الخطاب تفخيما لأمره و تعظيما لقدره و من قال هي خطاب له و للمؤمنين أو لهم خاصة فالمعنى أ لم تعلموا ما لكم أيها الناس « من دون الله » أي سوى الله « من ولي » يقوم بأمركم « و لا نصير » ناصر ينصركم .
أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسئَلُوا رَسولَكُمْ كَمَا سئلَ مُوسى مِن قَبْلُ وَ مَن يَتَبَدَّلِ الْكفْرَ بِالايمَنِ فَقَدْ ضلَّ سوَاءَ السبِيلِ(108)
اللغة
السؤال هو أن يطلب أمر ممن يعلم معنى الطلب و سواء بالمد على ثلاثة أوجه بمعنى قصد و عدل و بمعنى وسط في قوله إلى سواء الجحيم و بمعنى غير في قولك أتيت سواك أي غيرك و معنى ضل هاهنا ذهب عن الاستقامة قال الأخطل :
كنت القذى في موج أكدر مزبد
قذف الآتي به فضل ضلالا .

مجمع البيان ج : 1 ص : 351
الإعراب
أم هذه منقطعة فإن أم على ضربين متصلة و منقطعة فالمتصلة عديلة الألف و هي مفرقة لما جمعته أي كما أن أو مفرقة لما جمعه أحد تقول أضرب أيهم شئت زيدا أم عمرا أم بكرا كما تقول اضرب أحدهم زيدا أو عمرا أو بكرا و المنقطعة لا تكون إلا بعد كلام لأنها بمعنى بل و همزة الاستفهام كقول العرب أنها لابل أم شاء كأنه قال بل أ هي شاء فقوله « أم تريدون » تقديره بل أ تريدون و مثله قول الأخطل :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
غلس الظلام من الرباب خيالا « أن تسئلوا » موصول و صلة في محل النصب لأنه مفعول تريدون كما أن الكاف حرف جر ما حرف موصول « سئل موسى » جملة فعلية هي صلة ما و الموصول و الصلة في محل الجر بالكاف و الكاف متعلق بتسألوا و الجار و المجرور في محل النصب على المصدر و من قبل في محل النصب لأنه ظرف قوله « سئل » و من اسم للشرط في محل الرفع بالابتداء و الفاء في قوله « فقد ضل سواء السبيل » في محل الجزم لأنه جواب الشرط و معنى حرف الشرط الذي تضمنه من مع الجملتين في محل الرفع لأنه خبر المبتدأ .

النزول
اختلف في سبب نزول الآية فروي عن ابن عباس أنه قال إن رافع بن حرملة و وهب بن زيد قالا لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه و فجر لنا أنهارا نتبعك و نصدقك فأنزل الله هذه الآية و قال الحسن عنى بذلك مشركي العرب و قد سألوا فقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا إلى قوله أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا و قالوا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا و قال السدي سألت العرب محمدا أن أتيهم بالله فيروه جهرة و قال مجاهد سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا قال نعم و لكن يكون لكم كالمائدة لقوم عيسى (عليه السلام) فرجعوا و قال أبو علي الجبائي روي أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) سأله قوم أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ذات أنواط و هي شجرة كانوا يعبدونها و يعلقون عليها الثمر و غيره من المأكولات كما سألوا موسى (عليه السلام) اجعل لنا إلها كما لهم آلهة .

المعنى
« أم تريدون » أي بل أ تريدون « أن تسئلوا رسولكم » يعني النبي محمدا « كما سئل موسى » أي كما سأل قوم موسى موسى « من قبل » من الاقتراحات أي ذهب يمينا و شمالا و السبيل و الطريق و المذهب نظائر و الجمع السبل .

مجمع البيان ج : 1 ص : 352
و المحالات « و من يتبدل الكفر بالإيمان » أي من استبدل الجحود بالله و ب آياته بالتصديق بالله و الإقرار به و ب آياته و اقترح المحالات على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و سأل عما لا يعنيه بعد وضوح الحق بالبراهين « فقد ضل سواء السبيل » أي ذهب عن قصد الطريق و قيل عن طريق الاستقامة و قيل عن وسط الطريق لأن وسط الطريق خير من أطرافه .

النظم
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه لما دل الله تعالى بما تقدم على تدبيره لهم فيما يأتي به من الآيات و ما ينسخه و اختياره لهم ما هو الأصلح في كل حال قال أ ما ترضون بذلك و كيف تتخيرون محالات مع اختيار الله لكم ما يعلم فيه من المصلحة فإذا أتي ب آية تقوم بها الحجة فليس لأحد الاعتراض عليها و لا اقتراح غيرها لأن ذلك بعد صحة البرهان بها يكون تعنتا .
وَدَّ كثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَنِكُمْ كُفَّاراً حَسداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصفَحُوا حَتى يَأْتىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(109)
اللغة
الحسد إرادة زوال نعمة المحسود إليه أو كراهة النعمة التي هو فيها و إرادة أن تصير تلك النعمة بعينها له و قد يكون تمني زوال نعمة الغير حسدا و إن لم يطمع الحاسد في تحول تلك النعمة إليه و أشد الحسد التعرض للاغتمام بكون الخير لأحد و أما الغبطة فهي أن يراد مثل النعمة التي فيها الغير و إن لم يرد زوالها عنه و لا يكره كونها له فهذه غير مذموم و الحسد مذموم و يقال حسدته على الشيء أحسده حسدا و حسدته الشيء بمعنى واحد و منه قول الشاعر :
يحسد الناس الطعاما و الصفح و العفو و التجاوز عن الذنب بمعنى و يقال لظاهر جلدة الإنسان صفحته و كذا هو من كل شيء و منه صافحته أي لقت صفحة كفه صفحة كفي و قولهم صفحت عنه فيه قولان ( أحدهما ) أن معناه إني لم آخذه بذنبه و أبديت له مني صفحة جميلة و الآخر أنه لم ير مني ما يقبض صفحته و يقال صفحت الورقة أي تجاوزتها إلى غيرها و منه تصفحت الكتاب و قد يتصفح الكتاب من لا يحسن أن يقرأه .

الإعراب
من في قوله « من أهل الكتاب » يتعلق بمحذوف تقديره فريق كائنون
مجمع البيان ج : 1 ص : 353
من أهل الكتاب فيكون صفة لكثير من بعد في محل النصب على الظرف و العامل فيه يرد و كفارا مفعول ثان ليرد و مفعوله الأول كم من يردونكم و فيه انتصاب قوله « حسدا » وجهان ( أحدهما ) أن الجملة التي قبله تدل على الفعل الذي هو مصدره و تقديره حسدوكم حسدا كما يقال فلان يتمنى لك الشر حسدا فكأنه قال يحسدك حسدا و الآخر أن يكون مفعولا له فكأنه قال يردونكم كفارا لأجل الحسد كما تقول جئته خوفا منه و قوله « من عند أنفسهم » يتعلق بقوله « ود كثير » لا بقوله « حسدا » لأن حسد الإنسان لا يكون من غير نفسه قال الزجاج و قال غيره يجوز أن يتعلق بقوله « حسدا » على التوكيد كقوله عز و جل و لا طائر يطير بجناحيه و يحتمل وجها آخر و هو أن يكون اليهود قد أضافوا الكفر و المعاصي إلى الله تعالى فقال سبحانه تكذيبا لهم إن ذلك « من عند أنفسهم » و قوله « ما تبين » ما حرف موصول و تبين لهم الحق صلته و الموصول و الصلة في محل الجر بإضافة بعد إليه « حتى يأتي الله » يأتي منصوب بإضمار أن و هما في محل الجر بحتى و الجار و المجرور مفعول فاعفوا و اصفحوا .

النزول
نزلت الآية في حيي بن أخطب و أخيه أبي ياسر بن أخطب و قد دخلا على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حين قدم المدينة فلما خرجا قيل لحيي أ هو نبي قال هو هو فقيل فما له عندك قال العداوة إلى الموت و هو الذي نقض العهد و أثار الحرب يوم الأحزاب عن ابن عباس و قيل نزلت في كعب بن الأشرف عن الزهري و قيل في جماعة اليهود عن الحسن .

المعنى
ثم أخبر الله سبحانه عن سرائر اليهود فقال « ود » أي تمنى « كثير من أهل الكتاب » كحيي بن أخطب و كعب بن الأشرف و أمثالهما « لو يردونكم » يا معشر المؤمنين أي يرجعونكم « من بعد إيمانكم كفارا حسدا » منهم لكم بما أعد الله لكم من الثواب و الخير و إنما قال « كثير من أهل الكتاب » لأنه إنما آمن منهم القليل كعبد الله بن سلام و كعب الأحبار و قيل إنما حسد اليهود المسلمين على وضع النبوة فيهم و ذهابها عنهم و زوال الرياسة إليهم و قوله « من عند أنفسهم » قد بينا ما فيه في الإعراب و قوله « من بعد ما تبين لهم الحق » أي بعد ما تبين لهم أن محمدا رسول الله و الإسلام دين الله عن ابن عباس و قتادة و السدي و قوله « فاعفوا و اصفحوا » أي تجاوزوا عنهم و قيل أرسلوهم فإنهم
مجمع البيان ج : 1 ص : 354
لا يفوتون الله و لا يعجزونه و إنما أمرهم بالعفو و الصفح و إن كانوا مضطهدين مقهورين من حيث أن كثيرا من المسلمين كانوا عزيزين في عشائرهم و أقوامهم يقدرون على الانتقام من الكفار فأمرهم الله بالعفو و إن كانوا قادرين على الانتصاف « حتى يأتي الله بأمره » أي بأمره لكم بعقابهم أو يعاقبهم هو على ذلك ثم أتاهم بأمره فقال قاتلوا الذين لا يؤمنون الآية عن أبي علي و قيل بأمره أي ب آية القتل و السبي لبني قريظة و الجلاء لبني النضير عن ابن عباس و قيل بأمره بالقتال عن قتادة فإنه قال هذه الآية منسوخة بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر الآية و به قال الربيع و السدي و قيل نسخت بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و روي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال لم يؤمر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بقتال و لا أذن له فيه حتى نزل جبرائيل (عليه السلام) بهذه الآية أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و قلده سيفا و قوله « إن الله على كل شيء قدير » فيه ثلاثة أقوال .
( أحدها ) أنه قدير على عقابهم إذ هو على كل شيء قدير عن أبي علي ( و ثانيها ) أنه قدير على أن يدعو إلى دينه بما أحب مما هو الأليق بالحكمة فيأمر بالصفح تارة و بالعقاب أخرى على حسب المصلحة عن الزجاج ( و ثالثها ) أنه لما أمر بالإمهال و التأخير في قوله « فاعفوا و اصفحوا » قال إن الله قادر على عقوبتهم بأن يأمركم بقتالهم و يعاقبهم في الآخرة بنفسه .
وَ أَقِيمُوا الصلَوةَ وَ ءَاتُوا الزَّكَوةَ وَ مَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكم مِّنْ خَير تجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(110)
الإعراب
ما اسم للشرط في موضع رفع بالابتداء و تقدموا شرط « من خير » من مزيدة و الجار و المجرور مفعول تقدموا و تجدوه مجزوم لأنه جزاء و علامة الجزم في الشرط و الجزاء سقوط النون و معنى حرف الشرط الذي تضمنه ما مع الشرط و الجزاء في محل الرفع لأنه خبر المبتدأ و ما في قوله « بما تعملون » اسم موصول أو حرف موصول و الموصول و الصلة في موضع جر بالباء و الباء متعلق ببصير الذي هو خبر إن .

المعنى
لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالصفح عن الكفار و التجاوز علم أنه يشق عليهم ذلك مع شدة عداوة اليهود و غيرهم لهم فأمرهم بالاستعانة على ذلك بالصلاة و الزكاة فإن في ذلك معونة لهم على الصبر مع ما يحوزون بهما من الثواب و الأجر كما قال في

بعدی
مجمع البيان ج : 1 ص : 355
موضع آخر و استعينوا بالصبر و الصلوة و قوله « و ما تقدموا لأنفسكم من خير » أي من طاعة و إحسان و عمل صالح « تجدوه عند الله » أي تجدوا ثوابه معدا لكم عند الله و قيل معناه تجدوه مكتوبا محفوظا عند الله ليجازيكم به و في هذه الآية دلالة على أن ثواب الخيرات و الطاعات لا يضيع و لا يبطل و لا يحبط لأنه إذا أحبط لا تجدونه و قوله « إن الله بما تعملون بصير » أي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم سيجازيكم على الإحسان بما تستحقونه من الثواب و على الإساءة بما تستحقونه من العقاب فاعملوا عمل من يستيقن أنه يجازيه على ذلك من لا يخفى عليه شيء من عمله و في هذا دلالة على الوعد و الوعيد و الأمر و الزجر و إن كان خبرا عن غير ذلك في اللفظ .
وَ قَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَن كانَ هُوداً أَوْ نَصرَى تِلْك أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَنَكمْ إِن كنتُمْ صدِقِينَ(111)
اللغة
في هود ثلاثة أقوال ( أحدها ) أنه جمع هائد كعائذ و عوذ و عائط و عوط و هو جمع للمذكر و المؤنث على لفظ واحد و الهائد التائب الراجع إلى الحق ( و ثانيها ) أن يكون مصدرا يصلح للواحد و الجمع كما يقال رجل فطر و قوم فطر و رجل صوم و قوم صوم ( و ثالثها ) أن يكون معناه إلا من كان يهودا فحذفت الياء الزائدة و البرهان و الحجة و الدلالة و البيان بمعنى واحد و هو ما أمكن الاستدلال به على ما هو دلالة عليه مع قصد فاعله إلى ذلك و فرق علي بن عيسى بين الدلالة و البرهان بأن قال الدلالة قد تنبىء عن معنى فقط لا يشهد بمعنى آخر و قد تنبىء عن معنى يشهد بمعنى آخر و البرهان ليس كذلك لأنه بيان عن معنى ينبىء عن معنى آخر و قد نوزع في هذا الفرق و قيل أنه محض الدعوى .

الإعراب
قالوا جملة فعلية و الجنة ظرف مكان ليدخل و إلا هاهنا لنقض النفي و من موصول و هو مع صلته مرفوع الموضع بأنه فاعل يدخل و لن يدخل مع ما بعده معمول قالوا و إن حرف شرط و جوابه محذوف و تقديره إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم .

المعنى
ثم حكى سبحانه نبذا من أقوال اليهود و دعاويهم الباطلة فقال « و قالوا
مجمع البيان ج : 1 ص : 356
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى » و هذا على الإيجاز و تقديره قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا و قالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا و وحد كان لأن لفظة من قد تكون للواحد و قد تكون للجماعة و إنما قلنا أن الكلام مقدر هذا التقدير لأن من المعلوم أن اليهود لا يشهدون للنصارى بالجنة و لا النصارى لليهود فعلمنا أنه أدرج الخبر عنهما للإيجاز من غير إخلال بشيء من المعنى فإن شهرة الحال تغني عن البيان الذي ذكرناه و مثله قول حسان بن ثابت :
أ من يهجو رسول الله منكم
و يمدحه و ينصره سواء تقديره و من يمدحه و ينصره غير أنه لما كان اللفظ واحدا جمع مع الأول و صار كأنه إخبار عن جماعة واحدة و إنما حقيقته عن بعضين متفرقين و قوله « تلك أمانيهم » أي تلك المقالة أماني كاذبة يتمنونها على الله عن قتادة و الربيع و قيل أمانيهم أباطيلهم بلغة قريش عن المؤرج و قيل معناه تلك أقاويلهم و تلاوتهم من قولهم تمنى أي تلا و قد يجوز في العربية أمانيهم بالتخفيف و التثقيل أجود « قل » يا محمد « هاتوا » أي أحضروا و ليس بأمر بل هو تعجيز و إنكار بمعنى إذا لم يمكنكم الإتيان ببرهان يصحح مقالتكم فاعلموا أنه باطل فاسد « برهانكم » أي حجتكم عن الحسن و مجاهد و السدي « إن كنتم صادقين » في قولكم « لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى » و في هذه الآية دلالة على فساد التقليد أ لا ترى أنه لو جاز التقليد لما أمروا بأن يأتوا فيما قالوه ببرهان و فيها أيضا دلالة على جواز المحاجة في الدين .
بَلى مَنْ أَسلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَ هُوَ محْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يحْزَنُونَ(112)
اللغة
أسلم يستعمل في شيئين ( أحدهما ) أسلمه إلى كذا أي صرفه إليه تقول أسلمت الثوب إليه ( و الثاني ) أسلم له بمعنى أخلص له و منه قوله و رجلا سلما لرجل أي خالصا و قال زيد بن عمرو بن نفيل :
أسلمت وجهي لمن أسلمت
له الأرض تحمل صخرا ثقالا

مجمع البيان ج : 1 ص : 357

و أسلمت وجهي لمن أسلمت
له المزن تحمل عذبا زلالا و يروى و أسلمت نفسي و الوجه مستقبل كل شيء و وجه الإنسان محياه و يقال وجه الكلام تشبيها بوجه الإنسان لأنه أول ما يبدو منه و يعرف به و يقال هذا وجه الرأي أي الذي يبدو منه و يعرف به و الوجه من كل شيء أول ما يبدو فيظهر بظهوره ما بعده و قد استعملت العرب لفظة وجه الشيء و هم يريدون نفسه إلا أنهم ذكروه باللفظ الأشرف الأنبه و دلوا عليه به كما قال سبحانه كل شيء هالك إلا وجهه أي إلا هو و يبقى وجه ربك أي ربك و قال الأعشى :
و أول الحكم على وجهه
ليس قضائي بالهوى الجائر أي على ما هو به من الصواب و قال ذو الرمة :
فطاوعت همي و انجلى وجه نازل
من الأمر لم يترك خلاجا نزولها يريد و انجلى النازل من الأمر .

الإعراب
بلى يدخل في جواب الاستفهام مثل قوله أ لست بربكم قالوا بلى و يصلح أن يكون تقديره هنا أ ما يدخل الجنة أحد فقيل « بلى من أسلم وجهه لله » لأن ما تقدم يقتضي هذا السؤال و يصلح أن يكون جوابا للجحد على التكذيب كقولك ما قام زيد فيقول بلى قد قام و يكون التقدير هنا ليس الأمر كما قال الزاعمون لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى و لكن « من أسلم وجهه لله و هو محسن » فهو يدخلها و من أسلم يجوز أن يكون من موصولا و يجوز أن يكون للشرط فيكون أسلم أما صلة له و أما مجزوم الموضع بكونه شرطا أو يكون من مبتدإ و الفاء في قوله « فله أجره » للجزاء و اللام تتعلق بمحذوف في محل الرفع لأنه خبر لقوله أجره و المبتدأ مع خبره في محل الرفع لوقوعه بعد الفاء و الفاء مع ما دخل فيه في محل الجزم و معنى حرف الشرط الذي تضمنه من مع الشرط و الجزاء في محل الرفع بأنه خبر المبتدأ و إن كان من موصولا فمن مع أسلم مبتدأ و الفاء مع الجملة بعده خبره و عند ربه ظرف مكان في موضع النصب على الحال تقديره كائنا عند ربه و العامل فيه المحذوف الذي تعلق به اللام و ذو الحال الضمير المستكن فيه و قوله « و هو محسن » في موضع نصب على الحال و إنما قال « فله أجره » على التوحيد ثم قال « و لا خوف » عليهم لأن من مفرد اللفظ مجموع المعنى فيحمل على اللفظ مرة و على المعنى أخرى .

المعنى
ثم رد الله سبحانه عليهم مقالتهم فقال « بلى من أسلم وجهه لله » قيل
مجمع البيان ج : 1 ص : 358
معناه من أخلص نفسه لله بأن سلك طريق مرضاته عن ابن عباس و قيل وجه وجهه لطاعة الله و قيل فوض أمره إلى الله و قيل استسلم لأمر الله و خضع و تواضع لله لأن أصل الإسلام الخضوع و الانقياد و إنما خص الوجه لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه « و هو محسن » في عمله و قيل و هو مؤمن و قيل مخلص « فله أجره عند ربه » معناه فله جزاء عمله عند الله « و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون » في الآخرة و هذا ظاهر على قول من يقول أنه لا يكون على أهل الجنة خوف و لا حزن في الآخرة و أما على قول من قال أن بعضهم يخاف ثم يأمن فمعناه أنهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم لأنهم يكونون على ثقة بأن ذلك لا يفوتهم .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page