• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الأول سورة البقرة آیات 120الی126


مجمع البيان ج : 1 ص : 373
وَ لَن تَرْضى عَنك الْيهُودُ وَ لا النَّصرَى حَتى تَتَّبِعَ مِلَّتهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُْدَى وَ لَئنِ اتَّبَعْت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِى جَاءَك مِنَ الْعِلْمِ مَا لَك مِنَ اللَّهِ مِن وَلىّ وَ لا نَصِير(120)
اللغة
الرضا و المودة و المحبة نظائر و ضد الرضا الغضب و الرضا أيضا بمعنى المرضي و هو من بنات الواو و بدلالة قولهم الرضوان و تقول رجل رضا و رجال و نساء رضا و الملة و النحلة و الديانة نظائر و ملة رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الأمر الذي أوضحه و امتل الرجل إذا أخذ في ملة الإسلام أي قصد ما أمل منه و الإملال إملاء الكتاب ليكتب .

الإعراب
تتبع نصب بحتى قال سيبويه و الخليل إن الناصب للفعل بعد حتى أن إلا أنها لا تظهر بعد حتى و يدل على أن حتى لا تنصب بنفسها إنها تجر الاسم في نحو قوله حتى مطلع الفجر و لا يعرف في العربية حرف يعمل في اسم يعمل في فعل و لا حرف جار يكون ناصبا للفعل فصار مثل اللام في قولك ما كان زيد ليضربك في أنها جارة و الناصب ليضربك أن المضمرة و لا يجوز إظهارها مع هذه اللام أيضا هو ضمير مرفوع بالابتداء أو فصل و الهدى خبر المبتدأ أو خبر إن و قوله « من العلم » يتعلق بمحذوف في موضع الحال و ذو الحال الموصوف المحذوف الذي قوله « الذي جاءك » صفته و كذلك قوله « من الله » في موضع الحال و « من ولي » في موضع رفع بالابتداء و من مزيدة و قوله « ما لك من الله من ولي و لا نصير » في موضع الجزاء للشرط و لكن الجزاء إذا قدر فيه القسم لا يجزم فلا يكون في موضع جزم و لا بد أن يكون فيه أحد الحروف الدالة على القسم فحرف ما هاهنا تدل على القسم فلهذا لم يجزم .

المعنى
كانت اليهود و النصارى يسألون النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الهدنة و يرونه أنه إن هادنهم و أمهلهم اتبعوه ف آيسه الله تعالى من موافقتهم فقال « و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم » و قيل أيضا أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كان مجتهدا في طلب ما يرضيهم ليدخلوا في الإسلام فقيل له دع ما يرضيهم إلى ما أمرك الله به من مجاهدتهم و هذا يدل على أنه لا يصح إرضاء اليهود و النصارى على حال لأنه تعالى علق رضاءهم بأن يصير (عليه السلام) يهوديا أو نصرانيا و إذا استحال ذلك استحال إرضاؤهم يعني أنه لا يرضي كل فرقة منهم إلا أن يتبع ملتهم أي دينهم و قيل قبلتهم « قل إن هدى الله هو الهدى » أي قل يا محمد لهم أن دين الله الذي يرضاه هو الهدى أي الدين الذي أنت عليه عن ابن عباس و قيل معناه أن هدى الله يعني القرآن هو الذي يهدي إلى الجنة لا طريقة اليهود و النصارى
مجمع البيان ج : 1 ص : 374
و قيل معناه أن دلالة الله هي الدلالة و هدى الله هو الحق كما يقال طريقة فلان هي الطريقة و قوله « و لئن اتبعت أهواءهم » أي مراداتهم و قال ابن عباس معناه أن صليت إلى قبلتهم « بعد الذي جاءك من العلم » أي من البيان من الله تعالى و قيل من الدين « ما لك » يا محمد « من الله من ولي » يحفظك من عقابه « و لا نصير » أي معين و ظهير يعينك عليه و يدفع بنصره عقابه عنك و هذه الآية تدل على أن من علم الله تعالى منه أنه لا يعصي يصح وعيده لأنه علم أن نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لا يتبع أهواءهم فجرى مجرى قوله لئن أشركت ليحبطن عملك و المقصود منه التنبيه على أن حال أمته فيه أغلظ من حاله لأن منزلتهم دون منزلته و قيل الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد أمته .
الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَب يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئك يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئك هُمُ الخَْسِرُونَ(121)
الأعراب
« الذين آتيناهم » رفع بالابتداء و يتلونه في موضع خبره و أولئك ابتداء ثان و يؤمنون به خبره و إن شئت كان أولئك يؤمنون به في موضع خبر المبتدأ الذي هو الذين و يتلونه في موضع نصب على الحال و إن شئت كان خبر الابتداء يتلونه و أولئك جميعا فيكون للابتداء خبر إن كما تقول هذا حلو حامض و حق تلاوته منصوب على المصدر .

النزول
قيل نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة و كانوا أربعين رجلا اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانية من رهبان الشام منهم بحيراء عن ابن عباس و قيل هم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام و شعبة بن عمرو و تمام بن يهودا و أسد و أسيد ابني كعب و ابن يامين و ابن صوريا عن الضحاك و قيل هم أصحاب محمد عن قتادة و عكرمة فعلى القولين الأولين يكون المراد بالكتاب التوراة و على القول الأخير المراد به القرآن .

المعنى
« الذين آتيناهم » أي أعطيناهم « الكتاب يتلونه حق تلاوته » اختلف في معناه على وجوه ( أحدها ) أنه يتبعونه يعني التوراة حق اتباعه و لا يحرفونه ثم يعلمون بحلاله و يقفون عند حرامه و منه قوله و القمر إذا تلاها أي تبعها و به قال ابن مسعود و مجاهد و قتادة إلا أن المراد به القرآن عندهم و ( ثانيها ) أن المراد به يصفونه حق صفته
مجمع البيان ج : 1 ص : 375
في كتبهم لمن يسألهم من الناس عن الكلبي و على هذا تكون الهاء راجعة إلى محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و ( ثالثها ) ما روي عن أبي عبد الله أن « حق تلاوته » هو الوقوف عند ذكر الجنة و النار يسأل في الأولى و يستعيذ من الأخرى .
و ( رابعها ) أن المراد يقرءونه حق قراءته يرتلون ألفاظه و يفهمون معانيه و ( خامسها ) أن المراد يعملون حق العمل به فيعملون بمحكمه و يؤمنون بمتشابهه و يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه عن الحسن و قوله « أولئك يؤمنون به » أي بالكتاب عن أكثر المفسرين و قيل بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن الكلبي « و من يكفر به » و هم اليهود و قيل هم جميع الكفار و هو الأولى لعمومه « فأولئك هم الخاسرون » خسروا أنفسهم و أعمالهم و قيل خسروا في الدنيا الظفر و النصرة في الآخرة ما أعد الله للمؤمنين من نعيم الجنة .
يَبَنى إِسرءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتىَ الَّتى أَنْعَمْت عَلَيْكمْ وَ أَنى فَضلْتُكمْ عَلى الْعَلَمِينَ(122)
المعنى
هذه الآية قد تقدم ذكر مثلها في رأس نيف و أربعين آية و مضى تفسيرها و قيل في سبب تكريرها ثلاثة أقوال ( أحدها ) أن نعم الله سبحانه لما كانت أصول كل نعمة كرر التذكير بها مبالغة في استدعائهم إلى ما يلزمهم من شكرها ليقبلوا إلى طاعة ربهم المظاهر نعمه عليهم و ( ثانيها ) أنه سبحانه لما ذكر التوراة و فيها الدلالة على شأن عيسى و محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في النبوة و البشارة بهما ذكرهم نعمته عليهم بذلك و ما فضلهم به كما عدد النعم في سورة الرحمن و كرر قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان فكل تقريع جاء بعد تقريع فإنما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى و ثالثة غير الثانية إلى آخر السورة و كذلك الوعيد في سورة المرسلات بقوله ويل يومئذ للمكذبين إنما هو بعد الدلالة على أعمال تعظم التكذيب بما تدعو إليه الأدلة .
وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْس شيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنهَا عَدْلٌ وَ لا تَنفَعُهَا شفَعَةٌ وَ لا هُمْ يُنصرُونَ(123)

بعدی
مجمع البيان ج : 1 ص : 376
و مثل هذه الآية أيضا قد تقدم ذكره و مر تفسيره .
* وَ إِذِ ابْتَلى إِبْرَهِيمَ رَبُّهُ بِكلِمَت فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنى جَاعِلُك لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتى قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِى الظلِمِينَ(124)
القراءة
قرأ ابن عامر إبراهام هاهنا و في مواضع من القرآن و الباقون « إبراهيم » و قرأ حمزة و حفص عهدي بإرسال الياء و الباقون بفتحها .

الحجة
في إبراهيم خمس لغات إبراهيم و إبراهام و إبراهم فحذفت الألف استخفافا قال الشاعر :
عذت بما عاذ به إبراهم و إبراهم قال أمية :
مع إبراهم التقي و موسى ) و أبرهم قال :
نحن آل الله في كعبته
لم يزل ذاك على عهد أبرهم و الوجه في هذه التغييرات ما تقدم ذكره من قولهم إن العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه و تلعبت بحروفه فتغيرها و أما قوله « عهدي » فإنما فتح هذه الياء إذا تحرك ما قبلها لأن أصل هذه الياء الحركة فإنها بإزاء الكاف للمخاطب فكما فتحت الكاف كذلك تفتح الياء و من أسكنها فإنه يحتج بأن الفتحة مع الياء قد كرهت في الكلام كما كرهت الحركتان الأخريان فيها أ لا ترى أنهم قد أسكنوها في حال السعة إذا لزم تحريكها بالفتحة كما أسكنوها إذا لزم تحريكها بالحركتين الأخريين و ذلك قولهم قالي قلا و بادي و بدا و معديكرب فالياء في هذه المواضع في موضع الفتحة التي في آخر الاسمين نحو حضرموت و قد أسكنت كما أسكنت في الجر و الرفع .

اللغة
الابتلاء الاختبار و التمام و الكمال و الوفاء نظائر و ضد التمام النقصان يقال تم تماما و أتمه و تممه تتميما و تتمة و التم الشيء التام و لكل حاملة تمام بفتح التاء و كسرها و بدر تمام و ليل تمام بالكسر و الذرية و النسل و الولد نظائر و بعض العرب يكسر منها الذال فيقول ذرية و روي أنه قراءة زيد بن ثابت و بعضهم فتحها فقال ذرية و في أصل الكلمة أربعة مذاهب من الذرء و من الذر و الذرو و الذري فإن جعلته من الذرء فوزنه فعلية كمريق ثم ألزمت
مجمع البيان ج : 1 ص : 377
التخفيف أو البدل كنبي في أكثر اللغة و البرية و إن أخذته من الذر فوزنه فعلية كقمرية أو فعيلة نحو ذريرة فلما كثرت الراءات أبدلت الأخيرة ياء و أدغم الياء الأولى فيها نحو سرية فيمن أخذها من السر و هو النكاح أو فعولة نحو ذرورة فأبدلوا الراء الأخيرة لما ذكرنا فصار ذروية ثم أدغم فصار ذرية و إن أخذته من الذرو أو الذري فوزنه فعولة أو فعيلة و فيه كلام كثير يطول به الكتاب ذكره ابن جني في المحتسب و النيل و اللحاق و الإدراك نظائر و النيل و النوال ما نلته من معروف إنسان و أناله معروفه و نوله أعطاه قال طرفة :
إن تنوله فقد تمنعه
و تريه النجم يجري بالظهر و قولهم نولك أن تفعل كذا معناه حقك أن تفعل .

الإعراب
اللام في قوله « للناس » تتعلق بمحذوف تقديره إماما استقر للناس فهو صفة لإمام فلما قدمه انتصب على الحال و يجوز أن تتعلق بجاعلك و قوله « إماما » مفعول ثان لجعل « و من ذريتي » تتعلق بمحذوف تقديره و اجعل من ذريتي .

المعنى
« و » اذكروا « إذ ابتلى إبراهيم ربه » أي اختبر و هو مجاز و حقيقته أنه أمر إبراهيم ربه و كلفه و سمي ذلك اختبار لأن ما يستعمل الأمر منا في مثل ذلك يجري على جهة الاختبار و الامتحان فأجرى على أمره اسم أمور العباد على طريق الاتساع و أيضا فإن الله تعالى لما عامل عباده معاملة المبتلي المختبر إذ لا يجازيهم على ما يعلمه منهم أنهم سيفعلونه قبل أن يقع ذلك الفعل منهم كما لا يجازى المختبر للغير ما لم يقع الفعل منه سمي أمره ابتلاء و حقيقة الابتلاء تشديد التكليف و قوله « بكلمات » فيه خلاف فروي عن الصادق أنه ما ابتلاه الله به في نومه من ذبح ولده إسماعيل أبي العرب فأتمها إبراهيم و عزم عليها و سلم لأمر الله فلما عزم الله ثوابا له لما صدق و عمل بما أمره الله « إني جاعلك للناس إماما » ثم أنزل عليه الحنيفية و هي الطهارة و هي عشرة أشياء خمسة منها في الرأس و خمسة منها في البدن فأما التي في الرأس فأخذ الشارب و إعفاء اللحى و طم الشعر و السواك و الخلال و أما التي في البدن فحلق الشعر من البدن و الختان و تقليم الأظفار و الغسل من الجنابة و الطهور بالماء فهذه الحنيفية الظاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ و لا تنسخ إلى يوم القيامة و هو قوله و اتبع ملة إبراهيم حنيفا ذكره علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره و قال قتادة و هو إحدى الروايتين عن ابن عباس أنها عشر خصال كانت فرضا في شرعه سنة في شريعتنا المضمضة و الاستنشاق و فرق الرأس و قص الشارب و السواك في الرأس و الختان و حلق العانة و نتف الإبط و تقليم الأظفار و الاستنجاء بالماء في البدن و في الرواية الأخرى
مجمع البيان ج : 1 ص : 378
عن ابن عباس أنه ابتلاه بثلاثين خصلة من شرائع الإسلام لم يبتل أحدا بها فأقامها كلها إبراهيم فأتمهن فكتب له البراءة فقال و إبراهيم الذي وفى و هي عشر في سورة براءة التائبون العابدون إلى آخرها و عشر في الأحزاب إن المسلمين و المسلمات إلى آخرها و عشر في سورة المؤمنين قد أفلح المؤمنون إلى قوله أولئك هم الوارثون و روي و عشر في سورة سأل سائل إلى قوله و الذين هم على صلاتهم يحافظون فجعلها أربعين و في رواية ثالثة عن ابن عباس أنه أمره بمناسك الحج و قال الحسن ابتلاه الله بالكوكب و القمر و الشمس و الختان و بذبح ابنه و بالنار و بالهجرة فكلهن وفى الله فيهن و قال مجاهد ابتلاه الله بالآيات التي بعدها و هي قوله « إني جاعلك للناس إماما » إلى آخر القصة و قال أبو علي الجبائي أراد بذلك كلما كلفه من الطاعات العقلية و الشرعية و الآية محتملة لجميع هذه الأقاويل التي ذكرناها و كان سعيد بن المسيب يقول كان إبراهيم أول الناس أضاف الضيف و أول الناس اختتن و أول الناس قص شاربه و استحد و أول الناس رأى الشيب فلما رآه قال يا رب ما هذا قال هذا الوقار قال يا رب فزدني وقارا و هذا أيضا قد رواه السكوني عن أبي عبد الله و لم يذكر أول من قص شاربه و استحد و زاد فيه و أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم و أول من أخرج الخمس إبراهيم و أول من اتخذ النعلين إبراهيم و أول من اتخذ الرايات إبراهيم و روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب النبوة بإسناده مرفوعا إلى المفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) قال سألته عن قول الله عز و جل « و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات » ما هذه الكلمات قال هي الكلمات التي تلقاها آدم (عليه السلام) من ربه فتاب عليه و هو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم فقلت له يا ابن رسول الله فما يعني بقوله « فأتمهن » قال أتمهن إلى القائم اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين (عليهم السلام) قال المفضل فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني عن كلمة الله عز و جل و جعلها كلمة باقية في عقبه قال يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة فقلت له يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن (عليه السلام) و هما جميعا ولدا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و سبطاه و سيدا شباب أهل الجنة فقال إن موسى و هارون نبيان مرسلان أخوان فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى و لم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك و أن الإمامة خلافة الله عز و جل ليس لأحد أن يقول
مجمع البيان ج : 1 ص : 379
لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن لأن الله عز و جل هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعل و هم يسألون و قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله و لقوله تعالى « و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات » وجه آخر فإن الابتلاء على ضربين ( أحدهما ) مستحيل على الله تعالى ( و الآخر ) جائز فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيام عنه و هذا ما لا يصح لأنه سبحانه علام الغيوب و الآخر أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق و لينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة الله عز و جل أنه لم تكن أسباب الإمامة إلا إلى الكافي المستقل بها الذي كشفت الأيام عنه فأما الكلمات سوى ما ذكرناه فمنها اليقين و ذلك قوله عز و جل و ليكون من الموقنين و منها المعرفة بالتوحيد و التنزيه عن التشبيه حين نظر إلى الكوكب و القمر و الشمس و منها الشجاعة بدلالة قوله فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم و مقاومته و هو واحد ألوفا من أعداء الله تعالى و منها الحلم و قد تضمنه قوله عز و جل إن إبراهيم لحليم أواه منيب و منها السخاء و يدل عليه قوله هل أتيك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ثم العزلة عن العشيرة و قد تضمنه قوله و أعتزلكم و ما تدعون من دون الله ثم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و بيان ذلك في قوله يا أبت لم تعبد ما لا يسمع و لا يبصر الآيات ثم دفع السيئة بالحسنة في جواب قول أبيه لئن لم تنته لأرجمنك و اهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي أنه كان بي حفيا ثم التوكل و بيان ذلك في قوله الذي خلقني فهو يهدين الآيات ثم المحنة في النفس حين جعل في المنجنيق و قذف به في النار ثم المحنة في الولد حين أمر بذبح ابنه إسماعيل ثم المحنة في الأهل حين خلص الله حرمته من عبادة القبطي في الخبر المشهور ثم الصبر على سوء خلق سارة ثم استقصاره النفس في الطاعة بقوله و لا تخزني يوم يبعثون ثم الزلفة في قوله ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا الآية ثم الجمع لشروط الطاعات في قوله إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي إلى قوله و أنا أول المسلمين ثم استجابه الله دعوته حين قال رب أرني كيف تحيي الموتى الآية ثم اصطفاه الله سبحانه إياه في الدنيا ثم شهادته له في العاقبة أنه من الصالحين في قوله و لقد اصطفيناه في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين ثم اقتداء من بعده من الأنبياء به في قوله و وصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين الآية و في قوله ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا انتهى كلام الشيخ أبي جعفر رحمه الله و قوله « فأتمهن » معناه وفى بهن في قول الحسن و عمل بهن على التمام في قول قتادة و الضمير في أتمهن عائد إلى الله تعالى في قول أبي القاسم البلخي و هو اختيار
مجمع البيان ج : 1 ص : 380
الحسين بن علي المغربي قال البلخي و الكلمات هي الإمامة على ما قاله مجاهد قال لأن الكلام متصل و لم يفصل بين قوله « إني جاعلك للناس إماما » و بين ما تقدمه بواو العطف و أتمهن الله بأن أوجب بها الإمامة بطاعته و اضطلاعه بما ابتلاه و قوله « قال إني جاعلك للناس إماما » معناه قال الله تعالى ( إني جاعلك إماما يقتدى بك في أفعالك و أقوالك ) لأن المستفاد من لفظ الإمام أمران ( أحدهما ) أنه المقتدى به في أفعاله و أقواله ( و الثاني ) أنه الذي يقوم بتدبير الأمة و سياستها و القيام بأمورها و تأديب جناتها و تولية ولاتها و إقامة الحدود على مستحقيها و محاربة من يكيدها و يعاديها فعلى الوجه الأول لا يكون نبي من الأنبياء إلا و هو إمام و على الوجه الثاني لا يجب في كل نبي أن يكون إماما إذ يجوز أن لا يكون مأمورا بتأديب الجناة و محاربة العداة و الدفاع عن حوزة الدين و مجاهدة الكافرين فلما ابتلى الله سبحانه إبراهيم بالكلمات فأتمهن جعله إماما للأنام جزاء له على ذلك و الدليل عليه أن قوله « جاعلك » عمل في قوله « إماما » و اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عمل الفعل و لو قلت أنا ضارب زيدا أمس لم يجز فوجب أن يكون المراد أنه جعله إماما إما في الحال أو في الاستقبال و النبوة كانت حاصلة له قبل ذلك و قوله « قال و من ذريتي » أي و اجعل من ذريتي من يوشح بالإمامة و يوشح بهذه الكرامة و قيل إنما قال ذلك على جهة التعرف ليعلم هل يكون في عقبه أئمة يقتدى بهم و الأولى أن يكون ذلك على وجه السؤال من الله تعالى أن يجعلهم كذلك و قوله « قال لا ينال عهدي الظالمين » قال مجاهد العهد الإمامة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أي لا يكون الظالم إماما للناس فهذا يدل على أنه يجوز أن يعطي ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالما لأنه لو لم يرد أن يجعل أحدا منهم إماما للناس لوجب أن يقول في الجواب لا أو لا ينال عهدي ذريتك و قال الحسن معناه أن الظالمين ليس لهم عند الله عهد يعطيهم به خيرا و إن كانوا قد يعاهدون في الدنيا فيوفى لهم و قد كان يجوز في العربية أن يقال لا ينال عهدي الظالمون لأن ما نالك فقد نلته و قد روي ذلك في قراءة ابن مسعود و استدل أصحابنا بهذه الآية على أن الإمام لا يكون إلا معصوما عن القبائح لأن الله سبحانه نفي أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم و من ليس بمعصوم فقد يكون ظالما إما لنفسه و إما لغيره فإن قيل إنما نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه فإذا تاب لا يسمى ظالما فيصح أن يناله فالجواب أن الظالم و إن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالما فإذا نفي أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها و الآية مطلقة غير مقيدة بوقت دون وقت
مجمع البيان ج : 1 ص : 381
فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلها فلا ينالها الظالم و إن تاب فيما بعد .
وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَ أَمْناً وَ اتخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَهِيمَ مُصلًّى وَ عَهِدْنَا إِلى إِبْرَهِيمَ وَ إِسمَعِيلَ أَن طهِّرَا بَيْتىَ لِلطائفِينَ وَ الْعَكِفِينَ وَ الرُّكع السجُودِ(125)
القراءة
قرأ نافع و ابن عامر و اتخذوا مفتوحة الخاء و قرأ الباقون « و اتخذوا » مكسورة الخاء .

الحجة
من قرأ بكسر الخاء فإنه على الأمر و الإلزام و يكون عطفا على قوله يا بني إسرائيل اذكروا و يجوز أن يكون عطفا على قوله « و إذ جعلنا البيت مثابة للناس » من طريق المعنى لأن معناه ثوبوا و اتخذوا و من قرأ بالفتح عطفه على ما تقدمه من الفعل الذي أضيف إليه إذ فكأنه قال و إذ اتخذوا .

اللغة
البيت و المأوى و المنزل نظائر و البيت من أبيات الشعر سمي بذلك لضمه الحروف و الكلام كما يضم البيت من بيوت الناس أهله و البيت من بيوتات العرب و هي أحياؤها و امرأة الرجل بيته قال الراجز :
ما لي إذا أجذبها صايت
أ كبر قد غالني أم بيت المثابة هاهنا الموضع الذي يثاب إليه من ثاب يثوب مثابة و مثابا و ثؤبا إذا رجع قال ورقة بن نوفل في صفة الحرم :
مثاب لإفناء القبائل كلها
تخب إليها اليعملات الطلائح و منه ثاب إليه عقله أي رجع بعد عزوبه و أصل مثابة مثوبة نقلت حركة الواو إلى الثاء ثم قلبت ألفا على ما قبلها و قيل إن التاء فيه للمبالغة كما قيل نسابة و قيل إن معناهما واحد
مجمع البيان ج : 1 ص : 382
كمقامة و مقام قال زهير :
و فيهم مقامات حسان وجوهها
و أندية ينتابها القول و الفعل و جمع المقام مقاوم قال :
و إني لقوام مقاوم لم يكن
جرير و لا مولى جرير يقومها و الطائف و الجائل و الداثر نظائر و يقال طاف يطوف طوفا إذا دار حول الشيء و أطاف به إطافة إذا ألم به و أطاف به إذا أحاط به و الطائف العاس و الطوافون المماليك و الطائف طائف الجن و الشيطان و هو كل شيء يغشى القلب من وسواسه و هو طيف أيضا و العاكف المقيم على الشيء اللازم له و عكف يعكف عكفا و عكوفا قال النابغة :
عكوف على أبياتهم يثمدونها
رمى الله في تلك الأكف الكوانع و العاكف المعتكف في المسجد و قل ما يقولون عكف و إنما يقولون اعتكف و الركع جمع الراكع و السجود جمع الساجد و كل فعل مصدره على فعول جاز في جمع الفاعل منه أن يكون على فعول كالقعود و الركوع و السجود و نحوها .

المعنى
قوله « و إذ جعلنا » عطف على قوله و إذ ابتلى و ذلك معطوف على قوله يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي و « البيت » الذي جعله الله مثابة هو البيت الحرام و هو الكعبة و روي أنه سمي البيت الحرام لأنه حرم على المشركين أن يدخلوه و سمي الكعبة لأنها مربعة و صارت مربعة لأنها بحذاء البيت المعمور و هو مربع و صار البيت المعمور مربعا لأنه بحذاء العرش و هو مربع و صار العرش مربعا لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع و هي سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و قوله « مثابة للناس » ذكر فيه وجوه فقيل أن الناس يثوبون إليه كل عام أي ليس هو مرة في الزمان فقط على الناس عن الحسن و قيل معناه أنه لا ينصرف منه أحد و هو يرى أنه قد قضى منه وطرا فهم يعودون إليه عن ابن عباس و قد ورد في الخبر أن من رجع من مكة و هو ينوي الحج من
مجمع البيان ج : 1 ص : 383
قابل زيد في عمره و من خرج من مكة و هو لا ينوي العود إليها فقد قرب أجله و قيل معناه يحجون إليه فيثابون عليه و قيل مثابة معاذا و ملجأ و قيل مجمعا و المعنى في الكل يؤول إلى أنهم يرجعون إليه مرة بعد مرة و قوله « و أمنا » أراد مأمنا أي موضع أمن و إنما جعله الله أمنا بأن حكم أن من عاذ به و التجأ إليه لا يخاف على نفسه ما دام فيه و بما جعله في نفوس العرب من تعظيمه حتى كانوا لا يتعرضون من فيه فهو آمن على نفسه و ماله و إن كانوا يتخطفون الناس من حوله و لعظم حرمته لا يقام في الشرع الحد على من جنى جناية فالتجأ إليه و إلى حرمه لكن يضيق عليه في المطعم و المشرب و البيع و الشراء حتى يخرج منه فيقام عليه الحد فإن أحدث فيه ما يوجب الحد أقيم عليه الحد فيه لأنه هتك حرمة الحرم فهو آمن من هذه الوجوه و كان قبل الإسلام يرى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له و هذا شيء كانوا قد توارثوه من دين إسماعيل فبقوا عليه إلى أيام نبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قوله « و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى » قال ابن عباس الحج كله مقام إبراهيم و قال عطاء مقام إبراهيم عرفة و المزدلفة و الجمار و قال مجاهد الحرم كله مقام إبراهيم و قال الحسن و قتادة و السدي هو الصلاة عند مقام إبراهيم أمرنا بالصلاة عنده بعد الطواف و هو المروي عن الصادق (عليه السلام) و قد سئل عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة و نسي أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم فقال يصليها و لو بعد أيام أن الله تعالى قال « و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى » و هذا هو الظاهر لأن مقام إبراهيم إذا أطلق لا يفهم منه إلا المقام المعروف الذي هو في المسجد الحرام و في المقام دلالة ظاهرة على نبوة إبراهيم (عليه السلام) فإن الله جعل الحجر تحت قدميه كالطين حتى دخلت قدمه فيه و كان في ذلك معجزة له و روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال نزلت ثلاثة أحجار من الجنة مقام إبراهيم و حجر بني إسرائيل و الحجر الأسود استودعه الله إبراهيم (عليه السلام) حجرا أبيض و كان أشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم .

] القصة [
ابن عباس قال لما أتى إبراهيم بإسماعيل و هاجر فوضعهما بمكة و أتت على ذلك مدة و نزلها الجرهميون و تزوج إسماعيل امرأة منهم و ماتت هاجر و استأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له و شرطت عليه أن لا ينزل فقدم إبراهيم (عليه السلام) و قد ماتت هاجر فذهب إلى بيت إسماعيل فقال لامرأته أين صاحبك قالت ليس هنا ذهب يتصيد و كان إسماعيل يخرج من الحرم فيصيد ثم يرجع فقال لها إبراهيم هل عندك ضيافة قالت ليس عندي شيء و ما عندي أحد فقال لها إبراهيم إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام و قولي له فليغير عتبة بابه و ذهب إبراهيم (عليه السلام) فجاء إسماعيل (عليه السلام) فوجد ريح أبيه فقال لامرأته هل
مجمع البيان ج : 1 ص : 384
جاءك أحد قالت جاءني شيخ صفته كذا و كذا كالمستخفة بشأنه قال فما قال لك قالت قال لي أقرئي زوجك السلام و قولي له فليغير عتبة بابه فطلقها و تزوج أخرى فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له و اشترطت عليه أن لا ينزل فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل فقال لامرأته أين صاحبك قالت ذهب يتصيد و هو يجيء الآن إن شاء الله فانزل يرحمك الله قال لها هل عندك ضيافة قالت نعم فجاءت باللبن و اللحم فدعا لهما بالبركة فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكان أكثر أرض الله برا و شعيرا و تمرا فقالت له أنزل حتى أغسل رأسك فلم ينزل فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فبقي أثره فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر فغسلت شق رأسه الأيسر فبقي أثر قدمه عليه فقال لها إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام و قولي له قد استقامت عتبة بابك فلما جاء إسماعيل (عليه السلام) وجد ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ أحسن الناس وجها و أطيبهم ريحا فقال لي كذا و كذا و قلت له كذا و غسلت رأسه و هذا موضع قدميه على المقام فقال إسماعيل لها ذاك إبراهيم (عليه السلام) و قد روي هذه القصة بعينها علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان عن الصادق (عليه السلام) و إن اختلف بعض ألفاظه و قال في آخرها إذا جاء زوجك فقولي له جاء هاهنا شيخ و هو يوصيك بعتبة بابك خيرا قال فأكب إسماعيل على المقام يبكي و يقبله و في رواية أخرى عنه (عليه السلام) أن إبراهيم استأذن سارة أن يزور إسماعيل فأذنت له أن لا يلبث عنها و أن لا ينزل من حماره فقيل له كيف كان ذلك فقال إن الأرض طويت له و روى عبد الله بن عمر عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال الركن و المقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما و لو لا أن نورهما طمس لأضاءا ما بين المشرق و المغرب و قوله « مصلى » فيه أقوال قيل مدعى من صليت أي دعوت عن مجاهد و قيل قبلة عن الحسن و قيل موضع صلاة فأمر أن يصلي عنده عن قتادة و السدي و هذا هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) و استدل أصحابنا به على أن صلاة الطواف فريضة مثل الطواف لأن الله تعالى أمر بذلك و ظاهر الأمر يقتضي الوجوب و لا صلاة واجبة عند مقام إبراهيم غير صلاة الطواف بلا خلاف و قوله « و عهدنا إلى إبراهيم و إسماعيل » أي أمرناهما
مجمع البيان ج : 1 ص : 385
و ألزمناهما « أن طهرا بيتي للطائفين » أي قلنا لهما أن طهرا بيتي لأن أن هذه هي المفسرة التي تكون عبارة عن القول إذا صاحبت من الألفاظ ما يتضمن معنى القول كقوله سبحانه « عهدنا » هنا و ذكر في التطهير هنا وجوه ( أحدها ) أن المراد طهرا من الفرث و الدم الذي كان يطرحه المشركون عند البيت قبل أن يصير في يد إبراهيم و إسماعيل عن الجبائي ( و ثانيها ) أن المراد طهراه من الأصنام التي كانوا يعلقونها على باب البيت قبل إبراهيم عن مجاهد و قتادة ( و ثالثها ) أن المراد طهراه بنيانا بكماله على الطهارة كما قال سبحانه أ فمن أسس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار و إنما أضاف البيت إلى نفسه تفضيلا له على سائر البقاع و تمييزا و تخصيصا و قوله « للطائفين و العاكفين » أكثر المفسرين على أن الطائفين هم الدائرون حول البيت و العاكفين هم المجاورون للبيت و قال سعيد بن جبير أن الطائفين هم الطارئون على مكة من الآفاق و العاكفين هم المقيمون فيها و قال ابن عباس العاكفون المصلون و الأول أصح لأنه المفهوم من إطلاق اللفظ و قوله « و الركع السجود » قيل هم المصلون عند البيت يركعون و يسجدون عن قتادة و قيل هم جميع المسلمين لأن من شأن المسلمين الركوع و السجود عن الحسن و قال عطاء إذا طاف به فهو من الطائفين و إذا جلس فهو من العاكفين و إذا صلى فهو من الركع السجود قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إن الله عز و جل في كل يوم و ليلة عشرين و مائة رحمة تنزل على هذا البيت ستون منها للطائفين و أربعون للعاكفين و عشرون للناظرين .
وَ إِذْ قَالَ إِبْرَهِيمُ رَب اجْعَلْ هَذَا بَلَداً ءَامِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَتِ مَنْ ءَامَنَ مِنهُم بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ قَالَ وَ مَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضطرُّهُ إِلى عَذَابِ النَّارِ وَ بِئْس الْمَصِيرُ(126)
القراءة
قرأ ابن عامر فأمتعه بسكون الميم خفيفة من أمتعت و الباقون بالتشديد و فتح الميم من متعت و روي في الشواذ عن ابن عباس فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب
مجمع البيان ج : 1 ص : 386
النار على الدعاء من إبراهيم (عليه السلام) و عن ابن محيصن ثم أطره بإدغام الضاد في الطاء .

الحجة
قال أبو علي التشديد في « أمتعه » أولى لأن التنزيل عليه قال سبحانه يمتعكم متاعا حسنا و كمن متعناه متاع الحياة الدنيا و وجه قراءة ابن عامر إن أمتع لغة قال الراعي :
خليلين من شعبين شتى تجاورا
قديما و كانا بالتفرق أمتعا قال أبو زيد أمتعا أراد تمتعا فأما قراءة ابن عباس فأمتعه فيحتمل أمرين من ابن جني ( أحدهما ) أن يكون الضمير في قال لإبراهيم أي قال إبراهيم أيضا و من كفر فأمتعه يا رب و حسن إعادة قال لطول الكلام و لأنه انتقل من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين و الآخر أن يكون الضمير في قال لله تعالى أي فأمتعه يا خالق أو يا إله يخاطب بذلك نفسه عز و جل فجرى ذلك على ما تعتاده العرب من أمر الإنسان لنفسه كقول الأعشى :
ودع هريرة إن الركب مرتحل
و هل تطيق وداعا أيها الرجل .

اللغة
البلد و المصر و المدينة نظائر و أصله من قولهم بلد للأثر في الجلد و غيره و جمعه أبلاد و من ذلك سميت البلاد لأنها مواضع مواطن الناس و تأثيرهم و من ذلك قولهم لكركرة البعير بلدة لأنه إذا برك تأثرت و الاضطرار هو الفعل في الغير على وجه لا يمكنه الانفكاك منه إذا كان من جنس مقدوره و لهذا لا يقال فلان مضطر إلى لونه و إن كان لا يمكنه دفعه عن نفسه لما لم يكن اللون من جنس مقدوره و يقال هو مضطر إلى حركة الفالج و حركة العروق لما كانت الحركة من جنس مقدوره و المصير الحال التي يؤدي إليها أول لها و صار و حال و آل نظائر و صير كل أمر مصيره و صير الباب شقة و في الحديث من نظر في صير باب فقد دمر و صيور الأمر آخره .

الإعراب
قوله « من آمن » محله نصب لأنه بدل من أهله و هو بدل البعض من الكل كما تقول أخذت المال ثلثه و جعلت متاعك بعضه على بعض و قوله « و من كفر » يجوز أن يكون موصولا و صلة في موضع الرفع على الابتداء و يجوز أن يكون من أسماء الشرط في موضع رفع بالابتداء و كفر شرطه و « فأمتعه » الفاء و ما بعده جزاء و معنى حرف الشرط الذي تضمنه من مع الشرط و الجزاء في موضع خبر المبتدأ و على القول الأول فالفاء و ما بعده خبر المبتدأ « و بئس المصير » فعل و فاعل في موضع الرفع لأنه خبر مبتدإ
مجمع البيان ج : 1 ص : 387
محذوف تقديره و بئس المصير النار أو العذاب و انتصب قليلا على أحد وجهين ( أحدهما ) أن يكون صفة للمصدر نحو قوله متاعا حسنا قال سيبويه ترى الرجل يعالج شيئا فيقول رويدا أي علاجا رويدا و إنما وصفه بالقلة مع أن التمتيع يدل على التكثير من حيث كان إلى نفاد و نقص و تناه كقوله سبحانه قل متاع الدنيا قليل ( و الثاني ) أن يكون وصفا للزمان أي زمانا قليلا و يدل عليه قوله سبحانه عما قليل ليصبحن نادمين و تقديره بعد زمان قليل كما يقال عرق عن الحمى و أطعمه عن الجوع أي بعد الحمى و بعد الجوع .

المعنى
« و » اذكر « إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا » أي هذا البلد يعني مكة « بلدا آمنا » أي ذا أمن كما يقال بلد آهل أي ذو أهل و قيل معناه يأمنون فيه كما يقال ليل نائم أي ينام فيه قال ابن عباس يريد حراما محرما لا يصاد طيره و لا يقطع شجرة و لا يختلى خلاؤه و إلى هذا المعنى يؤول ما روي عن الصادق (عليه السلام) من قوله من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عز و جل و من دخله من الوحش و الطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم و قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يوم فتح مكة أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات و الأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد من بعدي و لم تحل لي إلا ساعة من النهار فهذا الخبر و أمثاله المشهورة في روايات أصحابنا تدل على أن الحرم كان آمنا قبل دعوة إبراهيم (عليه السلام) و إنما تأكدت حرمته بدعائه (عليه السلام) و قيل إنما صار حرما بدعائه (عليه السلام) و قبل ذلك كان كسائر البلاد و استدل عليه بقول النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إن إبراهيم حرم مكة و إني حرمت المدينة و قيل كانت مكة حراما قبل الدعوة بوجه غير الوجه الذي صارت به حراما بعد الدعوة فالأول بمنع الله إياها من الاصطلام و الائتفاك كما لحق ذلك غيرها من البلاد و بما جعل ذلك في النفوس من تعظيمها و الهيبة لها و ( الثاني ) بالأمر بتعظيمه على ألسنة الرسل فأجابه الله تعالى إلى ما سأل و إنما سأله أن يجعلها آمنة من الجدب و القحط لأنه أسكن أهله بواد غير ذي زرع و لا ضرع و لم يسأله أمنها من الائتفاك و الخسف الذي كان حاصلا لها و قيل أنه (عليه السلام) سأله الأمرين على أن يديمهما و إن كان أحدهما مستأنفا و الآخر قد كان قبل و قوله « و ارزق أهله من الثمرات » أي أعط من أنواع الرزق و الثمرات « من آمن منهم بالله و اليوم الآخر » سأل لهم الثمرات ليجتمع لهم الأمن و الخصب فيكونوا في رغد من العيش و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن المراد بذلك أن الثمرات تحمل إليهم من
مجمع البيان ج : 1 ص : 388
الآفاق و روي عن الصادق (عليه السلام) قال هي ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس ليثوبوا إليهم و إنما خص بذلك من آمن بالله لأن الله تعالى قد أعلمه أنه يكون في ذريته الظالمون في جواب مسألته إياه لذريته الإمامة بقوله « لا ينال عهدي الظالمين » فخص بالدعاء في الرزق المؤمنين تأدبا بأدب الله تعالى و قيل أنه (عليه السلام) ظن أنه إذا دعا للكفار بالرزق أنهم يكثرون بمكة و يفسدون فربما يصدون الناس عن الحج فخص بالدعاء أهل الإيمان و قوله « قال و من كفر فأمتعه قليلا » أي قال الله سبحانه قد استجبت دعوتك فيمن آمن منهم و من كفر فأمتعه بالرزق الذي أرزقه إلى وقت مماته و قيل فأمتعه بالبقاء في الدنيا و قيل أمتعه بالأمن و الرزق إلى خروج محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فيقتله إن أقام على كفره أو يجليه عن مكة عن الحسن « ثم أضطره إلى عذاب النار » أي أدفعه إلى النار و أسوقه إليها في الآخرة « و بئس المصير » أي المرجع و المأوى و المال


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page