• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الأول سورة البقرة آیات 135الی141

وَ قَالُوا كونُوا هُوداً أَوْ نَصرَى تهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَهِيمَ حَنِيفاً وَ مَا كانَ مِنَ الْمُشرِكِينَ(135)
اللغة
الحنيف المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق قال ابن دريد الحنيف العادل عن دين إلى دين و به سميت الحنيفية لأنها مالت عن اليهودية و النصرانية و قيل الحنيف الثابت على الدين المستقيم و الحنيفية الاستقامة على دين إبراهيم و إنما قيل للذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى أحنف تفاؤلا بالسلامة كما قيل للمهلكة مفازة تفاؤلا بالفوز و النجاة و هو قول كثير من المفسرين و أهل اللغة و قال الزجاج أصله من الحنف و هو ميل في صدر القدم و سمي الأحنف لحنف كان به و قالت حاضنته و هي ترقصه :
و الله لو لا حنف برجله
ما كان في صبيانكم كمثله ) و في الحديث أحب الأديان إلى الله تعالى الحنيفية السمحة و هي ملة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لا حرج فيها و لا ضيق .

الإعراب
جزم تهتدوا على الجواب للأمر و معنى الشرط قائم في الكلمة أي إن تكونوا على هذه الملة تهتدوا فإنما انجزم تهتدوا على الحقيقة بالجزاء و قوله « ملة إبراهيم » في انتصابه وجوه ( أحدها ) أن تقديره بل اتبعوا ملة إبراهيم لأن قولهم « كونوا هودا أو نصارى » تتضمن معنى اتبعوا اليهودية أو النصرانية و تقديره قالوا اتبعوا اليهودية أو النصرانية قل بل اتبعوا ملة إبراهيم فهذا عطف على المعنى ( و الثاني ) أن يكون على الحذف كأنه قيل بل نتبع ملة إبراهيم فالأول عطف و الثاني حذف ( و الثالث ) أن ينتصب على تقدير بل نكون أهل ملة إبراهيم فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى و اسئل القرية فهذا عطف على اللفظ و هو قول الكوفيين و حنيفا نصب على الحال أي في حال حنيفيته .

النزول
عن ابن عباس أن عبد الله بن صوريا و كعب بن الأشرف و مالك بن الضيف و جماعة من اليهود و نصارى أهل نجران خاصموا أهل الإسلام كل فرقة تزعم أنها
مجمع البيان ج : 1 ص : 403
أحق بدين الله من غيرها فقالت اليهود نبينا موسى أفضل الأنبياء و كتابنا التوراة أفضل الكتب و قالت النصارى نبينا عيسى أفضل الأنبياء و كتابنا الإنجيل أفضل الكتب و كل فريق منهما قالوا للمؤمنين كونوا على ديننا فأنزل الله تعالى هذه الآية و قيل إن ابن صوريا قال لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد و قالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله هذه الآية .

المعنى
« و قالوا » الضمير يرجع إلى اليهود و النصارى أي قالت اليهود « كونوا هودا » و قالت النصارى كونوا « نصارى » كل فريق منهم دعا إلى ما هو عليه و معنى « تهتدوا » أي تصيبوا طريق الحق كأنهم قالوا تهتدوا إلى الحق أي إذا فعلتم ذلك كنتم قد اهتديتم و صرتم على سنن الاستقامة « قل » يا محمد « بل ملة إبراهيم » أي بل نتبع دين إبراهيم و على الوجه الآخر بل اتبعوا دين إبراهيم و قد عرفت الوجوه الثلاثة في الإعراب فلا معنى لإعادتها « حنيفا » مستقيما و قيل مائلا إلى دين الإسلام و في الحنيفية أربعة أقوال ( أحدها ) أنها حج البيت عن ابن عباس و الحسن و مجاهد ( و ثانيها ) أنها اتباع الحق عن مجاهد ( و ثالثها ) أنها اتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إماما للناس بعده من الحج و الختان و غير ذلك من شرائع الإسلام ( و الرابع ) أنها الإخلاص لله وحده في الإقرار بالربوبية و الإذعان للعبودية و كل هذه الأقوال ترجع إلى ما قلناه من معنى الاستقامة و الميل إلى ما أتى به إبراهيم (عليه السلام) من الملة « و ما كان من المشركين » أي و ما كان إبراهيم من المشركين نفى الشرك عن ملته و أثبته في اليهود و النصارى حيث قالوا عزير ابن الله و المسيح ابن الله و في قوله سبحانه « بل ملة إبراهيم » حجة على وجوب اتباع ملة إبراهيم (عليه السلام) لسلامتها من التناقض و لوجود التناقض في اليهودية و النصرانية فلذلك صارت ملة إبراهيم أحرى بالإتباع من غيرها فمن التناقض في اليهودية منعهم من جواز النسخ مع ما في التوراة من الدلالة على جوازه و امتناعهم من العمل بما تقدمت به البشارة في التوراة من اتباع النبي الأمي مع إظهارهم التمسك بها و امتناعهم من الإذعان لما دلت عليه الآيات الظاهرة و المعجزات الباهرة من نبوة عيسى و محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مع إقرارهم بنبوة عيسى بدلالة المعجزات عليها إلى غير ذلك من أنواع التناقض و من التناقض في قول النصارى قولهم الأب و الابن و روح القدس إله واحد مع زعمهم أن الأب ليس هو الابن و أن الأب إله و الابن إله و روح القدس إله و امتناعهم من أن يقولوا ثلاثة آلهة إلى غير ذلك من تناقضاتهم المذكورة في الكتب .

مجمع البيان ج : 1 ص : 404
قُولُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَ مَا أُنزِلَ إِلى إِبْرَهِيمَ وَ إِسمَعِيلَ وَ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب وَ الأَسبَاطِ وَ مَا أُوتىَ مُوسى وَ عِيسى وَ مَا أُوتىَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَد مِّنْهُمْ وَ نحْنُ لَهُ مُسلِمُونَ(136)
اللغة
الأسباط واحدهم سبط و هم أولاد إسرائيل و هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم و هم اثنا عشر سبطا من اثني عشر ابنا و قالوا الحسن و الحسين سبطا رسول الله أي ولداه و الأسباط في بني إسرائيل بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل قال الزجاج السبط الجماعة يرجعون إلى أب واحد و السبط في اللغة الشجر فالسبط الذين هم من شجرة واحدة و قال ثعلب يقال سبط عليه العطاء أو الضرب إذا تابع عليه حتى يصل بعضه ببعض و أنشد التوزي في قطيع بقر :
كأنه سبط من الأسباط ) شبهة بالجماعة من الناس يتتابعون في أمر و من ثم قيل لولد يعقوب أسباط و الفرق بين التفريق و الفرق أن التفريق جعل الشيء مفارقا لغيره و الفرق نقيض الجمع و الجمع جعل الشيء مع غيره و الفرق جعل الشيء لا مع غيره و الفرق بالحجة هو البيان الذي يشهد أن الحكم لأحد الشيئين دون الآخر .

الإعراب
« ما أوتي » تقديره ما أوتيه حذف الهاء العائد إلى الموصول و من في قوله « من ربهم » تتعلق بأوتي أو بمحذوف فيكون مع المحذوف في موضع نصب على الحال و ذو الحال الضمير المستكن في أوتي و العامل أوتي أو يكون العامل فيه أنزل و ذو الحال ما أوتي لا نفرق جملة منفية منصوبة الموضع على الحال و العامل فيه آمنا و منهم تتعلق بمحذوف مجرور الموضع بكونه صفة لأحد و معنى أحد منهم أي بين اثنين أو جماعة و تقديره و لا نفرق بين أحد و أحد منهم .

المعنى
« قولوا آمنا بالله » خطاب للمسلمين و قيل خطاب للنبي و المؤمنين أمرهم الله تعالى بإظهار ما تدينوا به على الشرع فبدأ بالإيمان بالله لأنه أول الواجبات و لأنه بتقدم معرفته تصح معرفة النبوات و الشرائع « و ما أنزل إلينا » يعني القرآن نؤمن بأنه حق و صدق و واجب اتباعه في الحال و إن تقدمته كتب « و ما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط » قال قتادة هم يوسف و إخوته بنو يعقوب ولد كل واحد منهم أمة من الناس فسموا الأسباط و به قال السدي و الربيع و محمد بن إسحاق و ذكروا أسماء الاثني
مجمع البيان ج : 1 ص : 405
عشر يوسف و بنيامين و زابالون و روبيل و يهوذا و شمعون و لاوي و دان و قهاب و يشجر و نفتالي و جاد و أشرفهم ولد يعقوب لا خلاف بين المفسرين فيه و قال كثير من المفسرين أنهم كانوا أنبياء و الذي يقتضيه مذهبنا أنهم لم يكونوا أنبياء بأجمعهم لأن ما وقع منهم من المعصية فيما فعلوه بيوسف (عليه السلام) لا خفاء به و النبي عندنا معصوم من القبائح صغيرها و كبيرها و ليس في ظاهر القرآن ما يدل على أنهم كانوا أنبياء و قوله « و ما أنزل » إليهم لا يدل على أنهم كانوا أنبياء لأن الإنزال يجوز أن يكون كان على بعضهم ممن كان نبيا و لم يقع منه ما ذكرناه من الأفعال القبيحة و يحتمل أن يكون مثل قوله « و ما أنزل إلينا » و أن المنزل على النبي خاصة لكن المسلمين لما كانوا مأمورين بما فيه أضيف الإنزال إليهم و قد روى العياشي في تفسيره عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر الباقر قال قلت له أ كان ولد يعقوب أنبياء قال لا و لكنهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء و لم يكونوا فارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا و تذكروا ما صنعوا و قوله « و ما أوتي موسى و عيسى » أي أعطيا و خصهما بالذكر لأنه احتجاج على اليهود و النصارى و المراد بما أوتي موسى التوراة و بما أوتي عيسى الإنجيل « و ما أوتي النبيون » أي ما أعطيه النبيون « من ربهم لا نفرق بين أحد منهم » أي بأن نؤمن ببعض و نكفر ببعض كما فعله اليهود و النصارى فكفرت اليهود بعيسى و محمد و كفرت النصارى بسليمان و نبينا محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « و نحن له مسلمون » أي نحن لما تقدم ذكره و قيل لله خاضعون بالطاعة مذعنون بالعبودية و قيل منقادون لأمره و نهيه و قد مضى هذا مستوفى فيما قبل و فائدة الآية الأمر بالإيمان بالله و الإقرار بالنبيين و ما أنزل إليهم من الكتب و الشرائع و الرد على من فرق بينهم فيما جمعهم الله عليه من النبوة و إن كانت شرائعهم غير لازمة لنا فإن الإيمان بهم لا يقتضي لزوم شرائعهم و روي عن الضحاك أنه قال علموا أولادكم و أهاليكم و خدمكم أسماء الأنبياء الذين ذكرهم الله في كتابه حتى يؤمنوا بهم و يصدقوا بما جاءوا به فإن الله تعالى يقول « قولوا آمنا بالله » الآية .
فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَا ءَامَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَ إِن تَوَلَّوْا فَإِنمَا هُمْ فى شِقَاق فَسيَكْفِيكهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(137)
اللغة
الشقاق المنازعة و المحاربة و يحتمل أن يكون أصله مأخوذا من الشق لأنه
مجمع البيان ج : 1 ص : 406
صار في شق غير شق صاحبه للعداوة و المباينة و يحتمل أن يكون مأخوذا من المشقة لأن كل واحد منهما يحرص على ما يشق على صاحبه و يؤذيه و الكفاية بلوغ الغاية يقال يكفي و يجزي و يغني بمعنى واحد و كفى يكفي كفاية إذا قام بالأمر و كفاك هذا الأمر أي حسبك و رأيت رجلا كافيك من رجل أي كفاك به رجلا .

الإعراب
الباء في قوله « بمثل ما آمنتم به » يحتمل ثلاثة أشياء ( أحدها ) أن تكون زائدة و التقدير فإن آمنوا مثل ما آمنتم به أي مثل إيمانكم به كما يقال كفى بالله أي كفى الله قال الشاعر :
كفى الشيب و الإسلام للمرء ناهيا ) ( و الثاني ) أن يكون المعنى بمثل هذا و لا تكون زائدة كأنه قال فإن آمنوا على مثل إيمانكم كما تقول كتبت على مثل ما كتبت و بمثل ما كتبت كأنك تجعل المثل آلة توصل بها إلى العمل و هذا أجود من الأول ( و الثالث ) أن تلغي مثل كما ألغيت الكاف في قوله فجعلهم كعصف مأكول و هذا أضعف الوجوه لأنه إذا أمكن حمل كلام الله على فائدة فلا يجوز حمله على الزيادة و زيادة الاسم أضعف من زيادة الحرف نحو ما و لا و ما أشبه ذلك و قوله « فقد اهتدوا » في محل الجزم أو في محل الرفع لأنه جواب شرط مبني و كذلك قوله « فإنما هم في شقاق » و إنما حرف لإثبات الشيء و نفي غيره و هم مبتدأ و في شقاق في موضع خبره .

النزول
لما نزل قوله تعالى قولوا آمنا بالله الآية قرأها النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على اليهود و النصارى فلما سمعت اليهود ذكر عيسى أنكروا و كفروا و قالت النصارى إن عيسى ليس كسائر الأنبياء لأنه ابن الله فنزلت الآية .

المعنى
« فإن آمنوا » أخبر الله سبحانه أن هؤلاء الكفار متى آمنوا على حد ما آمن المؤمنون به « فقد اهتدوا » إلى طريق الجنة و قيل سلكوا طريق الاستقامة و الهداية و قيل كان ابن عباس يقول اقرءوا بما آمنتم به فليس لله مثل و هذا محمول على أنه فسر الكلام لا أنه أنكر القراءة الظاهرة مع صحة المعنى و قوله « و إن تولوا » أي أعرضوا عن الإيمان و جحدوه و لم يعترفوا به « فإنما هم في شقاق » أي في خلاف قد فارقوا الحق و تمسكوا بالباطل فصاروا مخالفين لله سبحانه عن ابن عباس و قريب منه ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال يعني في كفر و قيل في ضلال عن أبي عبيدة و قيل في منازعة و محاربة عن أبي زيد و قيل في عداوة عن الحسن « فسيكفيكهم الله » وعد الله سبحانه رسوله بالنصرة و كفاية من يعاديه من اليهود و النصارى الذين شاقوه و في هذا دلالة بينة على نبوته و صدقه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) المعنى أن الله سبحانه يكفيك يا محمد أمرهم « و هو
مجمع البيان ج : 1 ص : 407
السميع » لأقوالهم « العليم » بأعمالهم في إبطال أمرك و لن يصلوا إليك .
صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَ نحْنُ لَهُ عَبِدُونَ(138)
اللغة
« صبغة الله » مأخوذة من الصبغ لأن بعض النصارى كانوا إذا ولد لهم مولود غمسوه في ماء لهم يسمونه المعمودية يجعلون ذلك تطهيرا له فقيل صبغة الله تطهير الله لا تطهيركم بتلك الصبغة و هو قول الفراء و قيل إن اليهود تصبغ أبناءها يهودا و النصارى تصبغ أبناءها نصارى أي يلقنون أولادهم اليهودية و النصرانية عن قتادة إلى هذا يؤول ما روي عن عمر بن الخطاب أخذ العهد على بني تغلب أن لا يصبغوا أولادهم أي لا يلقنونهم النصرانية لكن يدعونهم حتى يبلغوا فيختاروا لأنفسهم ما شاءوا من الأديان ] في صبغة الله [ و قيل سمي الدين صبغة لأنه هيئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة و الصلاة و غير ذلك من الآثار الجميلة التي هي كالصبغة عن الجبائي قال أمية :
في صبغة الله كان إذا نسي العهد
و خلى الصواب إذ عرفا و يقال صبغ الثوب يصبغه بفتح الباء و ضمها و كسرها صبغا بفتح الصاد و كسرها .

الإعراب
نصب « صبغة الله » على أنه بدل من قوله ملة إبراهيم و تفسير له عن الأخفش و قيل أنه نصب على الإغراء تقديره اتبعوا صبغة الله و ألزموا صبغة الله و من استفهام و هو مبتدأ و أحسن خبره و صبغة نصب على التمييز .

المعنى
« صبغة الله » أي اتبعوا دين الله عن ابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد و يقرب منه ما روي عن الصادق (عليه السلام) قال يعني به الإسلام و قيل شريعة الله التي هي الختان الذي هو تطهير عن الفراء و البلخي و قيل فطرة الله التي فطر الناس عليها عن أبي العالية و غيره « و من أحسن من الله صبغة » أي لا أحد أحسن من الله صبغة أي بينا لفظه لفظ الاستفهام و معناه الجحد عن الحسن و غيره « و نحن له عابدون » أي من نحن له عابدون يجب أن تتبع صبغته لا ما صبغنا عليه الآباء و الأجداد و قيل و نحن له عابدون في اتباعنا ملة إبراهيم صبغة الله .

مجمع البيان ج : 1 ص : 408
قُلْ أَ تُحَاجُّونَنَا فى اللَّهِ وَ هُوَ رَبُّنَا وَ رَبُّكمْ وَ لَنَا أَعْمَلُنَا وَ لَكُمْ أَعْمَلُكُمْ وَ نحْنُ لَهُ مخْلِصونَ(139)
اللغة
الحجاج و الجدال و الخصام نظائر و الأعمال و الأحداث و الأفعال نظائر و الإخلاص و الإفراد و الاختصاص نظائر و ضد الخالص المشوب .

الإعراب
« و هو ربنا و ربكم » المبتدأ و خبره في موضع نصب على الحال و العامل فيه تحاجون و ذو الحال الواو « و لنا أعمالنا و لكم أعمالكم » مبتدءان و خبران و الجملتان في موضع نصب على الحال بالعطف على « هو ربنا و ربكم » « و نحن له مخلصون » كذلك .

المعنى
أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في هذه الآية أن يقول لهؤلاء اليهود و غيرهم « أ تحاجوننا في الله » و معناه في دين الله أي أ تخاصموننا و تجادلوننا فيه و هو سبحانه خالقنا و المنعم علينا و خالقكم و المنعم عليكم و اختلف في محاجتهم كيف كان فقيل كانت محاجتهم للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنهم يزعمون أنهم أولى بالحق لتقدم النبوة فيهم و الكتاب و قيل بل كانت محاجتهم أنهم قالوا نحن أحق بالإيمان من العرب الذين عبدوا الأوثان و قيل كانت محاجتهم أنهم قالوا يا محمد إن الأنبياء كانوا منا و لم يكن من العرب نبي فلو كنت نبيا لكنت منا و قال الحسن كانت محاجتهم أن قالوا نحن أولى بالله منكم و قالوا نحن أبناء الله و أحباؤه و قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى و كان غرضهم بذلك أن الدين يلتمس من جهتهم و أن النبوة أولى أن تكون فيهم فبين سبحانه أنه أعلم بتدبير خلقه بقوله « و هو ربنا و ربكم » أي خالقنا و خالقكم فهو أعلم حيث يجعل رسالته و من الذي يقوم بأعبائها و يتحملها على وجه يكون أصلح للخلق و أولى بتدبيرهم و قوله « و لنا أعمالنا و لكم أعمالكم » أي لنا ديننا و لكم دينكم و قيل معناه ما علينا مضرة من أعمالكم و ما لكم منفعة من أعمالنا فضرر أعمالكم عليكم و نفع أعمالنا لنا و قيل إنه إنكار لقولهم إن العرب تعبد الأوثان و بيان لأن لا حجة فيه إذ كل مأخوذ بما كسبت يداه و لا يؤخذ أحد بجرم غيره و قوله « و نحن له مخلصون » أي موحدون و المراد بذلك أن المخلص أولى بالحق من المشرك و قيل معناه الرد عليهم ما احتجوا به من عبادة العرب للأوثان فكأنه قال لا عيب علينا في ذلك إذا كنا موحدين كما لا عيب عليكم بفعل من عبد العجل من أسلافكم إذا اعتقدتم الإنكار عليهم في ذلك .

مجمع البيان ج : 1 ص : 409
] فصل في ذكر الإخلاص [
روي عن حذيفة بن اليمان قال سألت النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن الإخلاص ما هو قال سألت جبريل (عليه السلام) عن ذلك قال سألت رب العزة عن ذلك فقال هو سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي و روي عن أبي إدريس الخولاني عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال إن لكل حق حقيقة و ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شيء من عمل الله و قال سعيد بن جبير الإخلاص أن يخلص العبد دينه و عمله لله و لا يشرك به في دينه و لا يرائي بعمله أحدا و قيل الإخلاص أن تستوي أعمال العبد في الظاهر و الباطن و قيل هو ما استتر من الخلائق و استصفى من العلائق و قيل هو أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته .
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَهِيمَ وَ إِسمَعِيلَ وَ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب وَ الأَسبَاط كانُوا هُوداً أَوْ نَصرَى قُلْ ءَ أَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَ مَنْ أَظلَمُ مِمَّن كَتَمَ شهَدَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغَفِل عَمَّا تَعْمَلُونَ(140)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر و ابن عامر « أم تقولون » بالتاء و الباقون بالياء .

الحجة
الأول على الخطاب فتكون أم متصلة بما قبلها من الاستفهام كأنه قال أ تحاجوننا في الله أم تقولون إن الأنبياء كانوا على دينكم و التقدير بأي الحجتين تتعلقون في أمرنا بالتوحيد فنحن موحدون أم باتباع دين الأنبياء فنحن لهم متبعون و الثاني و هو القراءة بالياء على العدول من الحجاج الأول إلى حجاج آخر فكأنه قال بل تقولون إن الأنبياء من قبل أن تنزل التوراة و الإنجيل كانوا هودا أو نصارى و تكون أم هذه هي المنقطعة فيكون قد أعرض عن خطابهم استجهالا لهم بما كان منهم كما يقبل العالم على من بحضرته بعد ارتكاب مخاطبه جهالة شنيعة فيقول قد قامت عليه الحجة أم يقول بإبطال النظر المؤدي إلى المعرفة .

اللغة
الأعلم و الأعرف و الأدرى بمعنى واحد و الأظلم و الأجور و الأعتى نظائر و أفعل هذه تستعمل بمعنى الزيادة و إنما يصح معناه فيما يقع فيه التزايد كقولهم أفضل و أطول و قد قال المحققون الصفات على ثلاثة أضرب صفة ذات و صفة تحصل بالفاعل
مجمع البيان ج : 1 ص : 410
و صفة تحصل بالمعنى ( فالأول ) مثل كون الذات جوهرا أو سوادا و هذا لا يصح فيه التزايد ( و الثاني ) كالوجود و لا يصح فيه أيضا التزايد ( و الثالث ) على ضربين ( أحدهما ) يصح فيه التزايد و هو كل ما يوجبه معنى له مثل كالألوان و الأكوان و نحوها ( و الآخر ) لا يصح فيه التزايد و هو كل ما يوجبه معنى ، و كتم و أخفى و أسر واحد و الغفلة و السهو و النسيان نظائر و هو ذهاب المعنى عن النفس و الصحيح أن السهو ليس بمعنى و إنما هو فقد علوم مخصوصة فإن استمر به السهو مع صحة سمي جنونا فإذا قارنه ضرب من الضعف سمي إغماء و إذا قارنه ضرب من الاسترخاء سمي نوما فإن قارنه نوع من الطرب سمي سكرا و إذا حصل السهو بعد علم سمي نسيانا .

الإعراب
« أم الله » الله مبتدأ و خبره محذوف تقديره أم الله أعلم و عنده ظرف مكان لكتم أو يكون صفة لشهادة تقديره شهادة كائنة عنده و من الله صفة لشهادة أيضا و هي صفة بعد صفة .

المعنى
قد ذكرنا الفرق في المعنى بين قوله « أم تقولون » على المخاطبة و قوله أم يقولون بالياء على أن يكون المعنى لليهود و النصارى و هم غيب و في هذا احتجاج عليهم في قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى من وجوه ( أحدها ) ما أخبر به نبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مع ظهور المعجز الدال على صدقه ( و الثاني ) ما في التوراة و الإنجيل من أن هؤلاء الأنبياء كانوا على الحنيفية ( و الثالث ) أن عندهم إنما يقع اسم اليهودية على من تمسك بشريعة التوراة و اسم النصرانية على من تمسك بشريعة الإنجيل و الكتابان أنزلا بعدهم كما قال سبحانه و ما أنزلت التوراة و الإنجيل إلا من بعده ( و الرابع ) أنهم ادعوا ذلك من غير برهان فوبخهم الله سبحانه بهذه الوجوه و قوله « قل أ أنتم أعلم أم الله » صورته صورة الاستفهام و المراد به التوبيخ و مثله قوله أ أنتم أشد خلقا أم السماء بناها و معناه قل يا محمد لهم أ أنتم أعلم أم الله و قد أخبر سبحانه أنهم كانوا على الحنيفية و زعمتم أنهم كانوا هودا أو نصارى فيلزمكم أن تدعوا أنكم أعلم من الله و هذا غاية الخزي فإن قيل لم قال أ أنتم أعلم أم الله و قد كانوا يعلمونه فكتموه و إنما ظاهر هذا الخطاب لمن لا يعلم فالجواب أن من قال إنهم كانوا على ظن و توهم فوجه الكلام على قوله واضح و من قال أنهم كانوا يعلمون ذلك و إنما كانوا يجحدونه فمعناه أن منزلتكم منزلة المعترض على ما يعلم أن الله أخبر به فما ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله أعلم منه و أنه لا يخفى عليه شيء لأن ما دل
مجمع البيان ج : 1 ص : 411
على أنه أعلم هو الدال على أنه لا يخفى عليه شيء و هو أنه عالم لذاته يعلم جميع المعلومات و قوله « و من أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله » فيه أقوال ( أحدها ) أن من في قوله من الله لابتداء الغاية و هو متصل بالشهادة لا بالكتمان و معناه و ما أحد أظلم ممن يكون عنده شهادة من الله فيكتمها و المراد بهذه الشهادة أن الله تعالى بين في كتابهم صحة نبوة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و البشارة به عن الحسن و قتادة و قيل المراد بها أن إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و أولاده كانوا حنفاء مسلمين فكتموا هذه الشهادة و ادعوا أنهم كانوا على دينهم عن مجاهد فهذه شهادة من الله عندهم كتموها ( و الثاني ) أن من متصل بالكتمان أي من أظلم ممن كتم ما في التوراة من الله أي من عبادة الله أو كتم شهادة أن يؤديها إلى الله ( و الثالث ) أن المراد من أظلم في كتمان الشهادة من الله لو كتمها و ذلك نحو قولهم من أظلم ممن يجور على الفقير الضعيف من السلطان الغني القوي و المعنى أنه يلزمكم أنه لا أحد أظلم من الله إذا كتم شهادة عنده ليوقع عباده في الضلال و هو الغني عن ذلك المتعالي أي لو كانوا هودا أو نصارى لأخبر بذلك و هذا المعنى قول البلخي و أبي مسلم و قوله « و ما الله بغافل عما تعملون » أوعدهم سبحانه بما يجمع كل وعيد أي ليس الله بساه عن كتمان الشهادة التي لزمكم القيام بها لله و قيل هو على عمومه أي لا يخفى على الله شيء من المعلومات فكونوا على حذر من الجزاء على أعمالكم بما تستحقونه من العقاب .
تِلْك أُمَّةٌ قَدْ خَلَت لَهَا مَا كَسبَت وَ لَكُم مَّا كَسبْتُمْ وَ لا تُسئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ(141)
قد مضى تفسير هذه الآية و قيل في وجه تكراره إنه عنى بالأول إبراهيم و من ذكر معه من الأنبياء (عليهم السلام) و بالثاني أسلاف اليهود و قيل إنه إذا اختلفت الأوقات و المواطن لم يكن التكرير معيبا و وجه اتصال الآية بما قبلها أنه يقول إذا سلم لكم ما ادعيتم من أن الأنبياء كانوا على دين اليهودية أو النصرانية فليس لكم فيه حجة لأنه لا يمتنع اختلاف الشرائع بالمصالح فلله سبحانه أن ينسخ من الشرائع ما شاء و يقر منها ما شاء على حسب ما تقتضيه الحكمة و قيل إن ذلك ورد مورد الوعظ لهم و الزجر حتى لا يتكلموا على فضل الآباء و الأجداد فإن ذلك لا ينفعهم إذا خالفوا أمر الله .



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page