• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثالث سورة آل عمران آیات 71 الی 77


يَأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِئَايَتِ اللَّهِ وَ أَنتُمْ تَشهَدُونَ(70) يَأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَلْبِسونَ الْحَقَّ بِالْبَطِلِ وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنتُمْ تَعْلَمُونَ(71)
الإعراب
لم أصله لما حذفت الألف لاتصالها بالحرف الجار مع وقوعها ظرفا و لدلالة الفتحة عليها و كذلك بم و عم .

المعنى
ثم خاطب الله الفريقين فقال « يا أهل الكتاب لم تكفرون » بما يتلى عليكم من « آيات الله » يعني القرآن « و أنتم تشهدون » أي تعلمون و تشاهدون ما يدل على صحتها و وجوب الإقرار بها من التوراة و الإنجيل إذ فيهما ذكر النبي و الإخبار بصدق نبوته و بيان صفته و قيل يعني ب آيات الله ما في كتبهم من البشارة بنبوته و أنتم تشهدون الحجج
مجمع البيان ج : 2 ص : 772
الدالة على نبوته و قيل يعني بالآيات ما في كتبهم أن إبراهيم كان حنيفا مسلما و إن الدين هو الإسلام و أنتم تشاهدون ذلك و قيل يعني بها ما يتلى عليهم من غرائب أخبارهم التي علموا أنها في كتبهم عن أبي مسلم و قيل يعني بالآيات الحجج الدالة على نبوة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أنتم تشهدون أن الأول لمعجزة يدل على صدق الرسالة و ثبوت النبوة و قيل و أنتم تشهدون إذا خلوتم بصحة دين الإسلام « يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل » معناه لم تخلطون الحق بالباطل و فيه أقوال ( أحدها ) أن المراد به تحريفهم التوراة و الإنجيل عن الحسن و ابن زيد ( و ثانيها ) إن المراد به إظهارهم الإسلام و إبطانهم النفاق في قلوبهم من اليهودية و النصرانية لأنهم تداعوا إلى إظهار الإسلام في صدر النهار و الرجوع عنه في آخره تشكيكا للناس عن ابن عباس و قتادة ( و ثالثها ) أن المراد به الإيمان بموسى و عيسى و الكفر بمحمد ( و رابعها ) أن المراد ما يعلمونه في قلوبهم من أن محمدا أحق بما يظهرونه من تكذيبه عن الجبائي و أبي مسلم « و تكتمون الحق » أي نبوة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و ما وجدتموه في كتبكم من نعته و البشارة به « و أنتم تعلمون » أنه حق و إنما نزلت هذه في طائفة من علمائهم لأن الكتمان إنما يجوز على الطائفة القليلة دون الكثيرة و قيل معناه و أنتم تعلمون الأمور التي تصح بها التكليف و الأول أصح لما في الآية من الذم على الكتمان .
وَ قَالَت طائفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ ءَامِنُوا بِالَّذِى أُنزِلَ عَلى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَ اكْفُرُوا ءَاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(72) وَ لا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَن تَبِعَ دِينَكمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ وَ اللَّهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ(73) يَخْتَص بِرَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضلِ الْعَظِيمِ(74)
القراءة
قرأ ابن كثير أن يؤتى أحد ممدودا و الباقون « أن يؤتى » بغير مد و استفهام .

مجمع البيان ج : 2 ص : 773
الحجة
قال أبو علي من قرأ « أن يؤتى أحد » فتقديره لا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم و قوله « قل إن الهدى هدى الله » اعتراض بين المفعول و فعله و إذا حذفت الجار من أن كان على الخلاف يكون في قول الخليل جرا و في قول سيبويه نصبا فأما اللام في قوله « لمن تبع دينكم » فلا يسهل أن تعلقه بتؤمنوا و أنت قد أوصلته بحرف آخر جار فتعلق بالفعل جارين كما لا يستقيم أن تعديه إلى مفعولين إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد أ لا ترى أن تعدية الفعل بالجار كتعديته بالهمز و تضعيف العين فكما لا يتكرر هذان كذلك لا يتكرر الجار فإذا لم يسهل تعليق المفعولين به حملته على المعنى و المعنى لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم كما تقول أقررت لزيد بألف فيكون اللام متعلقا بالمعنى و لا تكون زائدة على حد أن كنتم للرؤيا تعبرون و لكن يتعلق بالإقرار و إن شئت عملت الكلام على معنى الجحود فكأنه قال اجحدوا الناس إلا لمن تبع دينكم فيكون اللام على هذا زائدة و قد تعدى آمن باللام في غير هذا قال الله تعالى « فما آمن لموسى إلا ذرية » و قال « آمنتم له قبل أن آذن لكم » و قال « يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين » فتعدى مرة بالباء و مرة باللام و وجه قراءة ابن كثير أن في موضع رفع بالابتداء لأنه لا يجوز أن يحمل على ما قبله من الفعل لقطع الاستفهام بينهما و خبره تصدقون به و تعترفون به و نحو ذلك مما دل عليه قوله « و لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم » هذا على قول من قال أ زيد ضربته و من قال أ زيدا ضربته كان أن عنده في موضع نصب و يجوز أن يكون موضع أن نصبا على معنى تذكرون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو تشيعون و يدل على ذلك قوله تعالى « أ تحدثونهم بما فتح الله عليكم » فحديثهم بذلك إشاعة منهم و إفشاء وبخ بعضهم بعضا بالحديث لما علموه من أمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و عرفوه من وصفه فهذه الآية في معنى قراءة ابن كثير و لعله اعتبرها في قراءته .

اللغة
الطائفة الجماعة و في أصلها قولان ( أحدهما ) أنه كالرفقة التي من شأنها أن تطوف البلاد في السفر الذي يقع عليه الاجتماع ( و الآخر ) أنها جماعة يستوي بها حلقة يطاف حولها و « وجه النهار » أوله و سمي وجها لأنه أول ما يواجهك منه كما يقال لأول الثوب وجه الثوب و قيل لأنه كالوجه في أنه أعلاه و أشرف ما فيه قال الربيع بن زياد :
من كان مسرورا بمقتل مالك
فليأت نسوتنا بوجه نهار .

النزول
قال الحسن و السدي تواطأ اثنا عشر رجلا من أحبار يهود خيبر و قرى
مجمع البيان ج : 2 ص : 774
عرينة و قال بعضهم لبعض ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد و أكفروا به آخر النهار و قولوا أنا نظرنا في كتبنا و شاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك و ظهر لنا كذبه و بطلان دينه فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينه و قالوا أنهم أهل الكتاب و هم أعلم به منا فيرجعون عن دينهم إلى دينكم و قال مجاهد و مقاتل و الكلبي كان هذا في شأن القبلة لما حولت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود فقال كعب بن الأشرف لأصحابه آمنوا بالله و بما أنزل على محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من أمر الكعبة و صلوا إليها أول النهار و ارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكون .

المعنى
لما ذكر تعالى صدرا من كياد القوم عقبه بذكر هذه المكيدة الشديدة فقال « و قالت طائفة » أي جماعة « من أهل الكتاب » أي بعضهم لبعض « آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا » يعنون النبي و أصحابه « وجه النهار و أكفروا آخره » و اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أظهروا الإيمان لهم أول النهار و ارجعوا عنه في آخره فإنه أحرى أن ينقلبوا عن دينهم عن الحسن و جماعة ( و ثانيها ) آمنوا بصلاتهم إلى الكعبة أول النهار و أكفروا آخره ليرجعوا بذلك عن دينهم عن مجاهد ( و ثالثها ) أظهروا الإيمان في صدر النهار بما سلف لكم من الإقرار بصفة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ثم ارجعوا في آخره لتوهموهم أنه كان قد وقع غلط في صفته « لعلهم يرجعون » عن دينهم الإسلام عن ابن عباس و جماعة « و لا تؤمنوا » أي و لا تصدقوا « إلا لمن تبع دينكم » اليهودية و قام بشرائعكم و هو عطف على ما مضى و اختلف في معنى الآية على أقوال ( أحدها ) أن معناه و لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم و الحكمة و البيان و الحجة إلا لمن تبع دينكم من أهل الكتاب و قيل إنما قال ذلك يهود خيبر ليهود المدينة لئلا يعترفوا به فيلومونهم به لإقرارهم بصحته و قيل معناه لا تعترفوا بالحق إلا لمن تبع دينكم و قوله « أو يحاجوكم عند ربكم » لأنكم أصح دينا منهم فلا تكون لهم الحجة عليكم عند الله فيكون هذا كله من كلام اليهود و قوله « قل إن الهدى هدى الله » و « قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء » كلام الله جوابا لليهود و ردا عليهم أي « قل » يا محمد « إن الهدى هدى الله » و « قل إن الفضل بيد الله » فلا ينبغي لهم أن ينكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا و هذا معنى الحسن و أبي علي الفارسي ( و ثانيها ) أن يكون قوله « و لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم » كلام اليهود و ما بعده من الله و يكون المعنى
مجمع البيان ج : 2 ص : 775
« قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم » أيها المسلمون كقوله « يبين الله لكم أن تضلوا » أي أن لا تضلوا و إن لا يحاجوكم عند ربكم لأنه لا حجة لهم و يكون هدى الله بدلا من الهدى و الخبر أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم و هذا قول السدي و ابن جريج و قال أبو العباس المبرد أن لا ليست مما تحذف هاهنا و لكن الإضافة هنا معلومة فحذفت الأول و أقيمت الثانية مقامه و المعنى « قل إن الهدى هدى الله » كراهة « أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم » أي مما خالف دين الله لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار فهدى الله بعيد من غير المؤمنين و كذلك تقدير قوله يبين الله لكم كراهة أن تضلوا و قال قوم أن تقديره قل يا محمد أن الهدى إلى الخير هدى الله فلا تجحدوا أيها اليهود أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من النبوة « أو » أن « يحاجوكم » بذلك « عند ربكم » إن لم تقبلوا ذلك منهم عن قتادة و الربيع و الجبائي و قيل « إن الهدى هدى الله » معناه أن الحق ما أمر الله به ثم فسر الهدى فقال « أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم » فالمؤتى هو الشرع و ما يحاج به هو العقل و تقدير الكلام أن هدى الله ما شرع أو ما عهد به في العقل فهذه أربعة أقوال ( و ثالثها ) أن يكون الكلام من أول الآية إلى آخرها لله تعالى و تقديره و لا تؤمنوا أيها المؤمنون إلا لمن تبع دينكم و هو دين الإسلام و لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين فلا نبي بعد نبيكم و لا شريعة بعد شريعتكم إلى يوم القيامة و لا تصدقوا بأن يكون لأحد حجة عليكم عند ربكم لأن دينكم خير الأديان و « إن الهدى هدى الله » و « أن الفضل بيد الله » فتكون الآية كلها خطابا للمؤمنين من الله تعالى عند تلبيس اليهود عليهم لئلا يزلوا و يدل عليه ما قاله الضحاك أن اليهود قالوا إنا نحاج عند ربنا من خالفنا في ديننا فبين الله تعالى أنهم هم المدحضون المغلوبون و أن المؤمنين هم الغالبون و قوله « قل إن الفضل بيد الله » قيل يريد به النبوة و قيل الحجج التي أوتيها محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و من معه و قيل نعم الدين و الدنيا و قوله « بيد الله » أي في ملكه و هو القادر عليه العالم بمحله « يؤتيه من يشاء » و في هذه دلالة على أن النبوة ليست بمستحقة و كذلك الإمامة لأن الله سبحانه علقه بالمشيئة « و الله واسع » الرحمة جواد و قيل واسع المقدور يفعل ما يشاء « عليم » بمصالح الخلق و قيل يعلم حيث يجعل رسالته « يختص برحمته من يشاء و الله ذو الفضل العظيم » مر تفسيره في سورة البقرة في العشر التي بعد المائة و في هذه الآيات معجزة باهرة لنبينا إذ فيها إخبار عن سرائر القوم التي لا يعلمها إلا علام الغيوب و فيها دفع لمكائدهم و لطف للمؤمنين في الثبات على عقائدهم .

مجمع البيان ج : 2 ص : 776
* وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطار يُؤَدِّهِ إِلَيْك وَ مِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَار لا يُؤَدِّهِ إِلَيْك إِلا مَا دُمْت عَلَيْهِ قَائماً ذَلِك بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْس عَلَيْنَا فى الأُمِّيِّينَ سبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلى اللَّهِ الْكَذِب وَ هُمْ يَعْلَمُونَ(75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَ اتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِب الْمُتَّقِينَ(76)
القراءة
قرأ حمزة و أبو بكر عن عاصم يؤده بسكون الهاء و روي نحوه عن أبي عمرو و قرأ أبو جعفر و يعقوب بكسر الهاء مع الاختلاس و هو الصحيح من مذهب أبي عمرو و الباقون بالكسر و الإشباع .

الحجة
أما سكون الهاء فإن أكثر النحويين على أنه لا يجوز و غلط الزجاج الراوي فيه عن أبي عمرو قال و حكى سيبويه عنه و هو ضابط لمثل هذا أنه كان يكسر كسرا خفيفا و قال الفراء هذا مذهب لبعض العرب يسكنون الهاء إذا تحرك ما قبلها يقولون ضربته كما يسكنون ميم أنتم و قمتم و أما الاختلاس فإنه للاكتفاء بالكسرة عن الياء و أما الإشباع فعلى الأصل .

اللغة
القنطار قد ذكرنا الخلاف في مقداره في أول السورة و الدينار أصله دنار بنونين فقلبت إحدى النونين ياء لكثرة الاستعمال طلبا للخفة و جمعه دنانير و دمت و دمت لغتان مثل مت و مت و لكن من كسر الدال و الميم قال في المضارع تمات و تدام و هي لغة أزد السراة و وفى و أوفى لغتان و أهل الحجاز يقولون أوفيت و أهل نجد يقولون وفيت .

الإعراب
الفرق بين أن تقول تأمنه بقنطار و بين أن تقول على قنطار أن معنى الباء إلصاق الأمانة و معنى على استعلاء الأمانة و هما يتعاقبان في هذا الموضع لتقارب المعنى كما تقول مررت به و مررت عليه و بلى يحتمل معنيين ( أحدهما ) الإضراب عن الأول على جهة الإنكار للأول و على هذا الوجه يكون « من أوفى بعهده » مكتفية نحو قولك ما قدم زيد فيقال بلى أي بلى قد قدم زيد قال الزجاج هاهنا وقف تام ثم استأنف من أوفى إلى الآخرة
مجمع البيان ج : 2 ص : 777
لأنهم لما « قالوا ليس علينا في الأميين سبيل » قيل بلى عليهم سبيل ( الثاني ) الإضراب عن الأول و الاعتماد على البيان الثاني و على هذا الوجه لا تكون مكتفية و الفرق بين بلى و نعم أن بلى جواب النفي و نعم جواب الإثبات إنما جاز إمالة بلى لمشابهتها الاسم من وجهين ( أحدهما ) أنه توقف عليها كما توقف على الاسم ( و الآخر ) أنها على ثلاثة أحرف و لذلك خالفت لا في الإمالة .

النزول
عن ابن عباس قال يعني بقوله « من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك » عبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا و مائتي أوقية من ذهب فأداه إليه فمدحه الله سبحانه و يعني بقوله « من أن تأمنه بدينار لا يؤده إليك » فنحاص بن عازورا و ذلك أن رجلا من قريش استودعه دينارا فخانه و في بعض التفاسير أن الذي يؤدي الأمانة النصارى و الذين لا يؤدونه اليهود .

المعنى
ثم ذكر سبحانه معائب القوم و أن فيهم من تحرج عن العيب فقال « و من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار » أي تجعله أمينا على قنطار أي مال كثير على ما قيل فيه من الأقوال التي مضى ذكرها في أول السورة « يؤده إليك » عند المطالبة و لا يخون فيه « و منهم من إن تأمنه بدينار » أي على ثمن دينار و المراد تجعله أمينا على قليل من المال « لا يؤده إليك » عند المطالبة و هم كفار اليهود بالإجماع « إلا ما دمت عليه قائما » معناه إلا أن تلازمه و تتقاضاه عن الحسن و ابن زيد و قيل إلا أن تدوم قائما بالتقاضي و المطالبة عن قتادة و مجاهد و قيل إلا ما دمت عليه قائما بالاجتماع معه و الملازمة عن السدي قال « ما دمت عليه قائما » أي ملحا عن ابن عباس « ذلك » أي ذلك الاستحلال و الخيانة « بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل » هذا بيان العلة التي كانوا لأجلها لا يؤدون الأمانة و يميلون إلى الخيانة أي قالت اليهود ليس علينا في أموال العرب التي أصبناها سبيل لأنهم مشركون عن قتادة و السدي و قيل لأنهم تحولوا عن دينهم الذي عاملناهم عليه و ذلك أنهم عاملوا جماعة منهم ثم أسلم من له الحق و امتنع من عليه الحق من أداء الحق و قالوا إنما عاملناكم و أنتم على ديننا فإذا فارقتموه سقط حقكم و ادعوا أن ذلك في كتبهم فأكذبهم الله في ذلك بقوله « و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون » أنهم يكذبون لأن الله أمرهم بخلاف ما قالوا عن الحسن و ابن جريج و إنما سموهم أميين لعدم كونهم من أهل الكتاب أو لكونهم من مكة و هي أم القرى ثم الله تعالى رد عليهم قولهم فقال « بلى » و فيه نفي لما قبله و إثبات لما بعده كأنه قال ما أمر الله بذلك و لا أحبه و لا أراده بل أوجب الوفاء بالعهد و أداء الأمانة « من أوفى بعهده » يحتمل أن يكون الهاء في
مجمع البيان ج : 2 ص : 778
بعهده عائدة على اسم الله في قوله « و يقولون على الله الكذب » فيكون معناه بعهد الله ، و عهد الله إلى عباده أمره و نهيه ، و يحتمل أن يكون عائدة إلى من و معناه من أوفى بعهد نفسه لأن العهد يضاف تارة إلى العاهد و تارة إلى المعهود له « و اتقى » الخيانة و نقض العهد « فإن الله يحب المتقين » معناه فإن الله يحبه إلا أنه عدل إلى ذكر المتقين ليبين الصفة التي يجب بها محبة الله و هذه صفة المؤمن فكأنه قال و الله يحب المؤمنين و لا يحب اليهود و روي عن النبي أنه قال لما قرأ هذه الآية قال كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا و هو تحت قدمي إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر و الفاجر و عنه قال ثلاث من كن فيه فهو منافق و إن صلى و صام و زعم أنه مؤمن من إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا اؤتمن خان و عنه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال من اؤتمن على أمانة فأداها و لو شاء لم يؤدها زوجه الله من الحور العين ما شاء .
إِنَّ الَّذِينَ يَشترُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمَنهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئك لا خَلَقَ لَهُمْ فى الاَخِرَةِ وَ لا يُكلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنظرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَ لا يُزَكيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(77)
النزول
نزلت في جماعة من أحبار اليهود أبي رافع و كنانة بن أبي الحقيق و حي بن الأخطب و كعب بن الأشرف كتموا ما في التوراة من أمر محمد و كتبوا بأيديهم غيره و حلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرياسة و ما كان لهم على أتابعهم عن عكرمة و قيل نزلت في الأشعث بن قيس و خصم له في أرض قام ليحلف عند رسول الله فلما نزلت الآية نكل الأشعث و اعترف بالحق و رد الأرض عن ابن جريج و قيل نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة في تنفيق سلعة عن مجاهد و الشعبي .

المعنى
ثم ذكر تعالى الوعيد لهم على أفعالهم الخبيثة فقال « إن الذين يشترون بعهد الله » أي يستبدلون « بعهد الله » أي بأمر الله و ما يلزمهم الوفاء به و قيل معناه أن الذين يحصلون بنكث عهد الله و نقضه « و أيمانهم » أي و بالأيمان الكاذبة « ثمنا قليلا » أي عوضا نزرا و سماه قليلا لأنه قليل في جنب ما يفوتهم من الثواب و يحصل لهم من
مجمع البيان ج : 2 ص : 779
العقاب و قيل العهد ما أوجبه الله على الإنسان من الطاعة و الكف عن المعصية و قيل هو ما في عقل الإنسان من الزجر عن الباطل و الانقياد للحق « أولئك لا خلاق لهم » أي لا نصيب وافر لهم في نعيم الآخرة « و لا يكلمهم الله » فيه قولان ( أحدهما ) أنه لا يكلمهم بما يسرهم بل بما يسوءهم وقت الحساب لهم عن الجبائي ( و الآخر ) أنه لا يكلمهم أصلا و تكون المحاسبة بكلام الملائكة لهم بأمر الله إياهم استهانة بهم « و لا ينظر إليهم يوم القيامة » معناه لا يعطف عليهم و لا يرحمهم كما يقول القائل للغير أنظر إلي يريد ارحمني و في هذا دلالة على أن النظر إذا عدي بحرف إلى لا يفيد الرؤية لأنه لا يجوز حملها هنا على أنه لا يراهم بلا خلاف « و لا يزكيهم » أي لا يطهرهم و قيل لا ينزلهم منزلة الأزكياء عن الجبائي و قيل لا يطهرهم من دنس الذنوب و الأوزار بالمغفرة بل يعاقبهم و قيل لا يحكم بأنهم أزكياء و لا يسميهم بذلك بل يحكم بأنهم كفرة فجرة عن القاضي « و لهم عذاب أليم » مؤلم موجع و في تفسير الكلبي عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله يقول من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال أخيه المسلم لقي الله تعالى و هو عليه غضبان و تلا هذه الآية و روى مسلم بن الحجاج في الصحيح بإسناده من عدة طرق عن أبي ذر الغفاري عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة و المنفق سلعته بالحلف الفاجر و المسبل إزاره و عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم هو فيها فاجر لقي الله و هو عليه غضبان أورده مسلم أيضا في الصحيح .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page