• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الخامس سورة النساء آیات66 الی74


وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِّنهُمْ وَ لَوْ أَنهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظونَ بِهِ لَكانَ خَيراً لهَُّمْ وَ أَشدَّ تَثْبِيتاً(66) وَ إِذاً لاَتَيْنَهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً(67) وَ لَهَدَيْنَهُمْ صرَطاً مُّستَقِيماً(68)
القراءة
قرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر و الكسائي أن اقتلوا بضم النون أو أخرجوا بضم الواو و قرأ عاصم و حمزة بكسرهما و قرأ أبو عمرو بكسر النون و ضم الواو و قرأ ابن عامر وحده إلا قليلا بالنصب و هو كذلك في مصاحف أهل الشام و قرأ الباقون بالرفع .

الحجة
قال أبو علي أما فصل أبي عمرو بين الواو و النون فلأن الضم بالواو أحسن لأنها تشبه واو الضمير و الجمهور في واو الضمير على الضم نحو لا تنسوا الفضل بينكم و قال و إنما ضمت النون لأنها مكان الهمزة التي ضمت لضم الحرف الثالث فجعلت بمنزلتها و إن كانت منفصلة و في الواو هذا المعنى و المعنى الذي أشرنا إليه من مشابهته واو الضمير و الضمة في سائر هذه أحسن لأنها في موضع الهمزة قال أبو الحسن و هي لغة حسنة و هي أكثر في الكلام و أقيس و وجه قول من كسر أن هذه الحروف منفصلة من الفعل المضموم الثالث
مجمع البيان ج : 3 ص : 108
و الهمزة متصلة بها فلم يجروا المنفصل مجرى المتصل قال و الوجه في قوله « إلا » قليل الرفع على البدل فكأنه قال ما فعله إلا قليل فإن معنى ما أتاني أحد إلا زيد و ما أتاني إلا زيد واحد و من نصبه فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب فإن قولك ما أتاني أحد كلام تام كما أن جاءني القوم كذلك فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب .

الإعراب
لو يمتنع بها الشيء لامتناع غيره تقول لو أتاني زيد لأكرمته فالمعنى إن إكرامي امتنع لامتناع إتيان زيد فحقها أن يليها الفعل فالتقدير هنا لو وقع كتبنا عليهم و يجوز أن يكون أن الشديدة كما نابت عن الاسم و الخبر في قولك حسبت أن زيدا عالم نابت هنا عن الفعل و الاسم فيكون المعنى في قوله « و لو أنا كتبنا عليهم » كالمعنى في لو كتبنا عليهم .
و إذن دخلت هنا لتدل على معنى الجزاء و معنى إذن جواب و جزاء و هي تقع متقدمة و متوسطة و متأخرة و إنما تعمل متقدمة خاصة إلا أن يكون الفعل بعدها للحال نحو إذن أظنك خارجا و اللام في قوله « لآتيناهم » و « لهديناهم » اللام التي تقع في جواب لو كما تقع في جواب القسم في قول امرؤ القيس :
حلفت لها بالله حلفة فاجر
لناموا فما إن من حديث و لا صال و الفرق بين لام الجواب و لام الابتداء إن لام الابتداء لا تدخل إلا على الاسم المبتدأ إلا في باب إن خاصة فإنها تدخل على يفعل لمضارعته الاسم و تقول علمت إن زيدا ليقوم و علمت أن زيدا ليقومن فتكسر إن الأولى لأن علمت صارت متعلقة باللام في ليقوم فإنها لام الابتداء أخرت إلى الخبر لئلا يجتمع حرفان متفقان في المعنى و تفتح أن الثانية لأنها لام الجواب فاعرفه فإنه من دقائق النحو و أسراره صراطا مفعول ثان لهديناهم .

المعنى
ثم أخبر سبحانه عن سرائر القوم فقال « و لو أنا كتبنا » أي أوجبنا « عليهم » أي على هؤلاء الذين تقدم ذكرهم « إن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم » كما أوجبنا على قوم موسى و ألزمناهم ذلك فقتلوا أنفسهم و خرجوا إلى التيه « ما فعلوه » أي ما فعله هؤلاء للمشقة التي لا يتحملها إلا المخلصون « إلا قليل منهم » قيل إن القليل الذي استثنى الله هو ثابت بن قيس بن شماس و قيل هو جماعة من أصحاب رسول الله قالوا و الله لو أمرنا لفعلنا فالحمد لله الذي عافانا و منهم عبد الله بن مسعود و عمار بن ياسر فقال
مجمع البيان ج : 3 ص : 109
النبي إن من أمتي لرجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي « و لو أنهم فعلوا ما يوعظون به » أي ما يؤمرون به « لكان » ذلك « خيرا لهم و أشد تثبيتا » أي بصيرة في أمر الدين كنى عن البصيرة بهذا اللفظ لأن من كان على بصيرة من أمر دينه كان ذلك أدعى له إلى الثبات عليه و كان هو أقوى في اعتقاد الحق و أدوم عليه ممن لم يكن على بصيرة منه و قيل معناه أن قبولهم وعظ الله و وعظ رسوله في أمور الدين و الدنيا أشد تثبيتا لهم على الحق و الصواب و أمنع لهم من الضلال و أبعد من الشبهات كما قال « و الذين اهتدوا زادهم هدى » و قيل إن معناه و أكثر انتفاعا بالحق لأن الانتفاع بالحق يدوم و لا يبطل لأنه يتصل بثواب الآخرة و الانتفاع بالباطل يبطل و يضمحل و يتصل بعقاب الآخرة قال البلخي معنى الآية لو فرض عليهم القتل أو الخروج من الديار لم يفعلوا فإذا لم يفرض عليهم ذلك فليفعلوا ما أمروا به مما هو أسهل عليهم منه فإن ذلك خير لهم و أشد تثبيتا لهم على الإيمان و في الدعاء اللهم ثبتنا على دينك و معناه الطف لنا ما نثبت معه عليه « و إذا لآتيناهم » هذا متصل بما قبله أي و لو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم أي لأعطيناهم « من لدنا » أي من عندنا « أجرا عظيما » لا يبلغ أحد كنهه و لا يعرف منتهاه و لا يدرك قصواه و إنما ذكر من لدنا تأكيدا بأنه لا يقدر عليه غيره و ليدل على الاختصاص فإن الأجر يجوز أن يصل إلى المثاب على يد بعض العباد فإذا وصل الثواب إليه بنفسه كان أشرف للعبد و أبلغ في النعمة « و لهديناهم صراطا مستقيما » أي و لثبتناهم مع ذلك على الطريق المستقيم و قيل معناه بما نفعله من الألطاف التي يثبتون معها على الطاعة و يلزمون الاستقامة و تقديره و وفقناهم للثبات على الصراط المستقيم و قيل معناه و لهديناهم في الآخرة إلى طريق الجنة عن أبي علي الجبائي قال و لا يجوز أن تكون الهداية هنا الإرشاد إلى الدين لأنه سبحانه وعد بها المؤمن المطيع و لا يكون كذلك إلا و قد اهتدى .
وَ مَن يُطِع اللَّهَ وَ الرَّسولَ فَأُولَئك مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَ الصدِّيقِينَ وَ الشهَدَاءِ وَ الصلِحِينَ وَ حَسنَ أُولَئك رَفِيقاً(69) ذَلِك الْفَضلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً(70)

مجمع البيان ج : 3 ص : 110
اللغة
الصديق المداوم على التصديق بما يوجبه الحق و قيل الصديق الذي عادته الصدق و هذا البناء يكون لمن غلب على عادته فعل يقال لملازم السكر سكير و لملازم الشرب شريب و الشهداء جمع شهيد و هو المقتول في سبيل الله و ليست الشهادة في القتل الذي هو معصية لكنها حال المقتول في إخلاص القيام بالحق لله مقرا و داعيا إليه و هي من أسماء المدح و يجوز للمرء أن يتمناها و لا يجوز أن يتمنى قتل الكافر إياه لأنه معصية و قيل الشهادة هي الصبر على ما أمر الله به من قتال عدوه فأما الصبر على الألم بترك الأنين فليس بواجب و ليس الأنين بممنوع عنه بل هو مباح إذا لم يقل ما يكرهه الله تعالى و الصالح من استقامت نفسه بحسن عمله و الرفيق الصاحب و هو مشتق من الرفق في العمل و هو الارتفاق فيه و منه المرافقة و المرفق و المرفق من اليد بكسر الميم لأنه يرتفق به و قوله و يهيىء لكم من أمركم مرفقا أي رفقا يصلح به أمركم و الفضل في أصل اللغة هو الزيادة على المقدار و قد استعمل في النفع أيضا و أفعال الله تعالى كلها فضل و تفضل و إفضال لأنه لا يقتصر بالعبد على مقدار ما يستحق بمثل عمله فيما بين الناس بل هو يزيد عليه زيادات كثيرة و لا يجري ذلك على طريق المساواة .

الإعراب
رفيقا نصب على التمييز و لذلك لم يجمع فكأنه قال حسن أولئك رفيقا و قيل أنه لم يجمع لأن المعنى حسن كل أحد منهم رفيقا كقوله سبحانه ثم نخرجكم طفلا و قال الشاعر :
نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا
بأعين أعداء و هن صديق و قيل أنه نصب على الحال فإنه قد يدخل من في مثله فإذا أسقطت من فالحال هو الاختيار لأنه من الصفات الداخلة في أسماء الأجناس و يكون للتوحيد لما دخله من بمعنى حسن كل واحد منهم مرافقا و نظيره لله دره فارسا أي في حال الفروسية .

النزول
قيل نزلت في ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و كان شديد الحب لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم و قد تغير لونه و نحل جسمه فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يا ثوبان ما غير لونك فقال يا رسول الله ما بي من مرض و لا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك حتى ألقاك ثم ذكرت الآخر فأخاف أني لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين و إني إن أدخلت الجنة كنت
مجمع البيان ج : 3 ص : 111
في منزلة أدنى من منزلتك و إن لم أدخل الجنة فذاك حتى لا أراك أبدا فنزلت الآية ثم قال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و الذي نفسي بيده لا يؤمنن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه و أبويه و أهله و ولده و الناس أجمعين و قيل إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قالوا ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنا لا نراك إلا في الدنيا و أما في الآخرة فإنك ترفع فوقنا بفضلك فلا نراك فنزلت الآية عن قتادة و مسروق بن الأجدع .

المعنى
ثم بين سبحانه حال المطيعين فقال « و من يطع الله » بالانقياد لأمره و نهيه « و الرسول » باتباع شريعته و الرضا بحكمه « فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم » في الجنة ثم بين المنعم عليهم فقال « من النبيين و الصديقين » يريد أنه يستمتع برؤية النبيين و الصديقين و زيارتهم و الحضور معهم فلا ينبغي أن يتوهم من أجل أنهم في أعلى عليين أنه لا يراهم و قيل في معنى الصديق أنه المصدق بكل ما أمر الله به و بأنبيائه لا يدخله في ذلك شك و يؤيده قوله و الذين آمنوا بالله و رسله أولئك هم الصديقون « و الشهداء » يعني المقتولين في الجهاد و إنما سمي الشهيد شهيدا لقيامه بشهادة الحق على جهة الإخلاص و إقراره به و دعائه إليه حتى قتل و قيل إنما سمي شهيدا لأنه من شهداء الآخرة على الناس و إنما يستشهدهم الله بفضلهم و شرفهم فهم عدول الآخرة عن الجبائي و قال الشيخ أبو جعفر ( رض ) هذا لا يصح على مذهبه فعنده لا يجوز أن يدخل الجنة إلا من هو عدل و الله سبحانه و تقدس وعد من يطيعه بأنه يحشره مع هؤلاء و ينبغي أن يكون الموعود له غير الموعود بالكون معه إلا فيصير التقدير أنهم مع نفوسهم « و الصالحين » معناه صلحاء المؤمنين الذين لم تبلغ درجتهم درجة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالح الفاعل للصلاح الملازم له المتمسك به و يقال هو الذي صلحت حاله و استقامت طريقته و المصلح الفاعل لما فيه إصلاح و لذلك يجوز المصلح في صفات الله تعالى و لا يجوز الصالح و إنما يقال رجل صالح أو مصلح لأنه يصلح نفسه و عمله « و حسن أولئك رفيقا » معناه من يكون هؤلاء رفقاء له فأحسن بهم من رفيق أو فما أحسنهم من رفيق و قد مر معناه و إعرابه و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه ثم تلا هذه الآية و قال فالنبي رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و نحن الصديقون و الشهداء و أنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله تعالى « ذلك » إشارة إلى أن الكون مع النبيين و الصديقين « الفضل من الله » تفضل به على من أطاعه « و كفى بالله عليما » بالعصاة و المطيعين و المنافقين و المخلصين و من يصلح لمرافقة
مجمع البيان ج : 3 ص : 112
هؤلاء و من لا يصلح لأنه يعلم خائنة الأعين و قيل معناه حسبك به علما بكيفية جزاء المطيعين على حقه و توفير الحظ فيه .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكمْ فَانفِرُوا ثُبَات أَوِ انفِرُوا جَمِيعاً(71)
اللغة
الحذر و الحذر لغتان مثل الأذن و الأذن و المثل و المثل و النفر الخروج إلى الغزو و أصله الفزع نفر ينفر نفورا فزع و نفر إليه فزع من أمر إليه و النفر جماعة تفزع إلى مثلها و المنافرة المحاكمة للفزع إليها فيما تختلف فيه و قيل إنما سميت بذلك لأنهم يسألون الحاكم عند التنافر أينا أعز نفرا و الثبات جماعات في تفرقة واحدتها ثبة قال أبو ذؤيب :
فلما اجتلاها بالأيام تحيرت
ثبات عليها ذلها و اكتئابها و الأيام الدخان يصف العاسل و تدخينه على النحل و قد يجتمع الثبة ثبون و إنما جمع على الواو و إن كان هذا الجمع مختصا بما يعقل للتعويض عن النقص الذي لحقه لأن أصله ثبوه و مثله عضون و سنون و عزون فإن صغرت قلت ثبيات و سنيات لأن النقص قد زال .

الإعراب
ثبات منصوبة على الحال من انفروا و ذو الحال الواو و جميعا أيضا منصوب على الحال .

المعنى
ثم أمر الله سبحانه المؤمنين بمجاهدة الكافر و التأهب لقتالهم فقال « يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم » قيل فيه قولان ( أحدهما ) أن معناه احذروا عدوكم بأخذ السلاح كما يقال للإنسان خذ حذرك أي احذر ( و الثاني ) أن معناه خذوا أسلحتكم سمي الأسلحة حذرا لأنها الآلة التي بها يتقى الحذر و هو المروي عن أبي جعفر و غيره و أقول إن هذا القول أصح لأنه أوفق بمقايس كلام العرب و يكون من باب حذف المضاف و تقديره خذوا آلات حذركم و أهب حذركم فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فصار خذوا حذركم « فانفروا » إلى قتال عدوكم أي أخرجوا إلى الجهاد « ثبات » أي جماعات في تفرقة و معناه أخرجوا فرقة بعد فرقة فرقة في جهة و فرقة أخرى في جهة أخرى « أو انفروا جميعا » أي مجتمعين في جهة واحدة إذا أوجب الرأي ذلك و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن المراد
مجمع البيان ج : 3 ص : 113
بالثبات السرايا و بالجميع العسكر .
وَ إِنَّ مِنكمْ لَمَن لَّيُبَطئنَّ فَإِنْ أَصبَتْكم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلىَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شهِيداً(72) وَ لَئنْ أَصبَكُمْ فَضلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَلَيْتَنى كُنت مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً(73)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير حفص و نافع و أبو عمرو و ابن عامر غير هشام كأن لم يكن بالياء و الباقون « كأن لم تكن » بالتاء و روي في الشواذ بالياء عن الحسن ليقولن بضم اللام و روي عن يزيد النحوي و الحسن فأفوز بالرفع .

الحجة
من قرأ بالياء فلأن التأنيث غير حقيقي و حسن التذكير للفصل الواقع بين الفاعل و الفعل و مثل التذكير و أخذ الذين ظلموا الصيحة فمن جاءه موعظة من ربه و في موضع آخر قد جاءتكم موعظة من ربكم فكلا الأمرين قد جاء التنزيل به و من قرأ ليقولن بالضم فإنه أعاد الضمير إلى معنى من مثل قوله و منهم من يستمعون إليك فإن قوله « لمن ليبطئن » لا يعني به رجل واحد و إنما معناه أن هناك جماعة هذه صفتهم و أما من قرأ فأفوز فإنه على أن يتمنى الفوز فكأنه قال يا ليتني أفوز و لو جعله جوابا لنصبه أي إن أكن معهم أفز .

اللغة
التبطئة التأخر عن الأمر يقال ما بطأ بك عنا أي ما أخرك عنا و مثله الإبطاء و هو إطالة مدة العمل لقلة الانبعاث و ضده الإسراع و هو قصر مدة العمل للتدبير فيه و يقال بطأ في مشيه يبطأ بطأ إذا ثقل .

الإعراب
اللام الأولى التي في قوله « لمن » لام إن التي هي لام الابتداء بدلالة دخولها على الاسم و الثانية التي في « ليبطئن » لام القسم بدلالة دخولها على الفعل مع نون التأكيد و من موصولة بالجالب للقسم و تقديره و إن منكم لمن حلف بالله ليبطئن و إنما جاز صلة من بالقسم و لم يجز بالأمر و النهي لأن القسم خبر يوضح الموصول كما يوضح الموصوف في قولك مررت برجل لتكرمنه لأنك خصصته بوقوع الإكرام به في المستقبل من كل رجل غيره
مجمع البيان ج : 3 ص : 114
و ليس كذلك في قولك مررت برجل أضربه لأنه لا يتخصص بالضرب في الأمر كما يتخصص بالخبر كان خففت النون لأنك أردت كأنه فحذفت الهاء و صارت لم عوضا مما حذفت منه قوله « و كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » جملة اعترضت بين المفعول و فعله فإن قوله « يا ليتني كنت معهم » في موضع نصب بكونه مفعول يقولن كما أن قوله « قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا » في موضع نصب بكونه مفعول قال و قوله « فأفوز » منصوب على جواب التمني بالفاء و انتصابه بإضمار أن فيكون عطف اسم على اسم و تقديره يا ليتني كان لي حضور معهم ففوز و لو كان العطف على ظاهره لكان يا ليتني معهم ففزت .

النزول
قيل أنها نزلت في المؤمنين لأنه خاطبهم بقوله « و إن منكم » و قد فرق بين المؤمنين و المنافقين بقوله ما هم منكم و لا منهم و قال أكثر المفسرين نزلت في المنافقين و إنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس و النسب لا من جهة الإيمان و هو اختيار الجبائي .

المعنى
لما حث الله على الجهاد بين حال المتخلفين عنه فقال « و إن منكم » خاطب المؤمنين ثم أضاف المنافقين إليهم فقال « لمن ليبطئن » أي هم منكم في الحال الظاهرة أو في حكم الشريعة من حقن الدم و المناكحة و الموارثة و قيل منكم أي من عدادكم و دخلائكم و يبطيء و يبطيء بالتشديد و التخفيف معناهما واحد أي من يتأخر عن الخروج مع النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « فإن أصابتكم مصيبة » فيه من قتل أو هزيمة قال قول الشامت المسرور بتخلفه « قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا » أي شاهدا حاضرا في القتال فكان يصيبني ما أصابهم و قال الصادق لو إن أهل السماء و الأرض قالوا قد أنعم الله علينا إذ لم نكن مع رسول الله لكانوا بذلك مشركين « و لئن أصابكم فضل من الله » أي فتح أو غنيمة « ليقولن » يتحسر و يقول يا ليتني كنت معهم و قوله « كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » اعتراض يتصل بما تقدمه قال و تقديره قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا كأن لم تكن بينكم و بينه مودة أي لا يعاضدكم على قتال عدوكم و لا يراعي الذمام الذي بينكم عن أبي علي الفارسي و قيل أنه اعتراض بين القول و التمني و تقديره ليقولن « يا ليتني كنت معهم فأفوز » من الغنيمة « فوزا عظيما » كأنه ليس بينكم و بينه مودة أي يتمنى الحضور لا لنصرتكم و إنما يتمنى النفع لنفسه
مجمع البيان ج : 3 ص : 115
و قيل إن الكلام في موضعه من غير تقديم و تأخير و معناه و لئن أصابكم فضل من الله ليقولن هذا المبطىء قول من لا تكون بينه و بين المسلمين مودة أي كأنه لم يعاقدكم على الإيمان و لم يظهر لكم مودة على حال يا ليتني كنت معهم أي يتمنى الغنيمة دون شهود الحرب و ليس هذا من قول المخلصين فقد عدوا التخلف في إحدى الحالتين نقمة من الله و تمنوا الخروج معهم في إحدى الحالتين لأجل الغنيمة و ليس ذلك من أمارات المودة و على هذا فيكون قوله « كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » في موضع النصب على الحال و قال أبو علي الجبائي أنه حكاية عن المنافقين قالوا للذين أقعدوهم عن الجهاد « كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » أي بين محمد مودة فتخرجوا معه لتأخذوا معه من الغنيمة و إنما قالوا ذلك ليبغضوا إليهم رسول الله « يا ليتني كنت معهم » و هذا التمني من قول المبطئين القاعدين تمنوا أن يكونوا معهم في تلك الغزوة « فأفوز فوزا عظيما » أي أصيب غنيمة عظيمة و آخذ حظا وافرا منها .
* فَلْيُقَتِلْ فى سبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشرُونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا بِالاَخِرَةِ وَ مَن يُقَتِلْ فى سبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِب فَسوْف نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً(74)
اللغة
يقال شريت بمعنى بعت و اشتريت بمعنى ابتعت و يشرون يبيعون و قال يزيد ابن مفرغ :
و شريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامة و برد اسم غلامه .

الإعراب
« فيقتل أو يغلب » عطف على « يقاتل » و جواب الشرط « فسوف نؤتيه » .

المعنى
لما أخبر الله سبحانه في الآية الأولى إن قوما يتأخرون عن القتال أو يبطؤن المؤمنين عنه حث في هذه الآية على القتال فقال « فليقاتل في سبيل الله » هذا أمر من الله و ظاهر أمره يقتضي الوجوب أي فليجاهد في سبيل الله أي في طريق دين الله « الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة » أي الذين يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية و يجوز يبيعون الحياة
مجمع البيان ج : 3 ص : 116
الدنيا بنعيم الآخرة أي يبذلون أنفسهم و أموالهم في سبيل الله بتوطين أنفسهم على الجهاد في طاعة الله و بيعهم إياها بالآخرة هو استبدالهم إياها بالآخرة « و من يقاتل في سبيل الله » أي يجاهد في طريق دين الله و قيل في طاعة ربه بأن يبذل ماله و نفسه ابتغاء مرضاته « فيقتل » أي يستشهد « أو يغلب » أي يظفر بالعدو و فيه حث على الجهاد فكأنه قال هو فائز بإحدى الحسنيين إن غلب أو غلب « فسوف نؤتيه أجرا عظيما » أي نعطيه أعلى أثمان العمل و قيل ثوابا دائما لا تنغيص فيه .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page