• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الخامس سورة النساء آیات80 الی86


مجمع البيان ج : 3 ص : 123
مَّن يُطِع الرَّسولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَن تَوَلى فَمَا أَرْسلْنَك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً(80) وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِك بَيَّت طائفَةٌ مِّنهُمْ غَيرَ الَّذِى تَقُولُ وَ اللَّهُ يَكْتُب مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِض عَنهُمْ وَ تَوَكلْ عَلى اللَّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً(81)
القراءة
قرأ أبو عمرو بإدغام التاء في الطاء من بيت طائفة و به قرأ حمزة و الباقون بالإظهار .

الحجة
إنما حسن إدغام التاء في الطاء للتقارب الذي بينهما بأنهما من حيز واحد و لم يحسن إدغام الطاء في التاء لأن الطاء تزيد على التاء بالإطباق فحسن إدغام الأنقص صوتا من الحروف في الأزيد صوتا بحسب قبح إدغام الأزيد في الأنقص و من بين و لم يدغم فلانفصال الحرفين و اختلاف المخرجين .

اللغة
قال المبرد التبييت كل شيء دبر ليلا قال عبيدة بن هشام :
أتوني فلم أرض ما بيتوا
و كانوا أتوني لأمر نكر و البيوت الأمر يبيت عليه صاحبه مهتما به و البيات و التبييت أن يأتي العدو ليلا فأصل التبييت إحكام الأمر ليلا و أصل الوكيل القائم بما فوض إليه التدبير .

الإعراب
جواب الجزاء في قوله « فما أرسلناك عليهم حفيظا » تقديره و من تولى فليس عليك بأس لأنك لم ترسل حفيظا عليهم و طاعة مبتدأ أي عندنا طاعة أو خبر مبتدإ محذوف أي أمرنا طاعة و لو نصبت على تطيع طاعة جاز .

المعنى
ثم رغب تعالى في طاعة الرسول فقال « من يطع الرسول فقد أطاع الله » بين أن طاعته طاعة الله و إنما كانت كذلك لأنها و إن كانت طاعة للنبي من حيث وافقت إرادته المستدعية للفعل فإنها طاعة الله أيضا على الحقيقة إذ كانت بأمره و إرادته فأما الأمر الواحد فلا يكون على الحقيقة من أمرين كما أن الفعل الواحد لا يكون من فاعلين « و من تولى » أي و من أعرض و لم يطع « فما أرسلناك عليهم حفيظا » أي حافظا لهم من التولي حتى يسلموا عن ابن زيد قال فكان هذا أول ما بعث كما قال في موضع آخر إن عليك إلا البلاغ ثم أمر فيما بعد بالجهاد و قيل معناه ما أرسلناك حافظا لأعمالهم التي يقع الجزاء عليها فتخاف أن لا
مجمع البيان ج : 3 ص : 124
تقوم بها لأنا نحن نجازيهم عليها و قيل حافظا لهم من المعاصي حتى لا تقع عن الجبائي و في هذه الآية تسلية للنبي في تولي الناس عنه مع ما فيه من تعظيم شأنه بكون طاعته طاعة الله ثم بين أن المنافقين أظهروا طاعته و أضمروا خلافه بقوله « و يقولون طاعة » يعني به المنافقين عن الحسن و السدي و الضحاك و قيل المراد به المسلمون الذين حكى عنهم أنهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية يقولون أمرك طاعة كأنهم قالوا قابلنا أمرك بالطاعة « فإذا برزوا » أي خرجوا « من عندك بيت طائفة منهم » أي قدر جماعة منهم ليلا « غير الذي تقول » أي غير ما تقولون على جهة التكذيب عن الحسن و قتادة و قيل معناه غيروا بالليل و بدلوا ما قالوه بأن أضمروا الخلاف عليك فيما أمرتهم به و نهيتهم عنه عن ابن عباس و قتادة و السدي و قيل دبروا ليلا غير ما أعطوك نهارا عن أبي عبيدة و القتيبي « و الله يكتب ما يبيتون » في اللوح المحفوظ ليجازيهم به و قيل يكتبه بأن ينزله إليك في الكتاب عن الزجاج « فأعرض عنهم » أمر الله نبيه بالإعراض عنهم .
و أن لا يسميهم بأعيانهم إبقاء عليهم و سترا لأمورهم إلى أن يستقر أمر الإسلام « و توكل على الله » أي فوض أمرك إليه وثق به « و كفى بالله وكيلا » أي حفيظا لما تفوضه إليه من التدبير .
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَفاً كثِيراً(82) وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلى الرَّسولِ وَ إِلى أُولى الأَمْرِ مِنهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطونَهُ مِنهُمْ وَ لَوْ لا فَضلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشيْطنَ إِلا قَلِيلاً(83)
اللغة
التدبر النظر في عواقب الأمور و التدابر التقاطع لأن كل واحد يولي الآخر دبره بعداوته له و دبر القوم يدبرون دبارا هلكوا لأنهم يذهبون في جهة الإدبار عن الغرض و الفرق بين التدبر و التفكر أن التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب و التفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل و الاختلاف هو امتناع أحد الشيئين أن يسد مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته كالسواد الذي لا يسد مسد البياض و كذلك الذهاب في الجهات المختلفة و أصل الإذاعة
مجمع البيان ج : 3 ص : 125
التفريق قال تبع لما ورد المدينة :
و لقد شربت على براجم شربة
كادت بباقية الحياة تذيع أي تفرق و براجم ماء بالمدينة كان يشرب منه فتشبثت بحلقة علقة و ذاع الخبر ذيعا و رجل مذياع لا يستطيع كتمان خبر و أذاع الناس بما في الحوض إذا شربوه و أذاعوا بالمتاع ذهبوا به و الإذاعة و الإشاعة و الإفشاء و الإعلان و الإظهار نظائر و ضده الكتمان و الإسرار و الإخفاء و أصل الاستنباط الاستخراج يقال لكل ما استخرج حتى يقع عليه رؤية العين أو معرفة القلب قد استنبط و النبط الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر و أنبط فلان أي استنبط الماء من طين حر و منه اشتقاق النبط لاستنباطهم العيون .

المعنى
« أ فلا يتدبرون القرآن » أي أ فلا يتفكر اليهود و المنافقون في القرآن إذ ليس فيه خلل و لا تناقض ليعلموا أنه حجة و قيل ليعلموا أنهم لا يقدرون على مثله فيعرفوا أنه ليس بكلام أحد من الخلق و قيل ليعرفوا اتساق معانيه و ائتلاف أحكامه و شهادة بعضه لبعض و حسن عباراته و قيل ليعلموا كيف اشتمل على أنواع الحكم من أمر بحسن و نهي عن قبيح و خبر عن مخبر صدق و دعاء إلى مكارم الأخلاق و حث على الخير و الزهد مع فصاحة اللفظ و جودة النظم و صحة المعنى فيعرفوا أنه خلاف كلام البشر و الأولى أن تحمل على الجميع لأن من تدبر فيه علم جميع ذلك « و لو كان من عند غير الله » أي كلام غير الله أي لو كان من عند النبي أو كان يعلمه بشر كما زعموا « لوجدوا فيه اختلافا كثيرا » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه لوجدوا فيه اختلاف تناقض من جهة حق و باطل عن قتادة و ابن عباس ( و الثاني ) اختلافا في الإخبار عما يسرون عن الزجاج ( و الثالث ) من جهة بليغ و مرذول عن أبي علي ( و الرابع ) تناقضا كثيرا عن ابن عباس و ذلك كلام البشر إذا طال و تضمن من المعاني ما تضمنه القرآن لم يخل من التناقض في المعاني و الاختلاف في اللفظ و كل هذه المعاني منفي عن كلام الله كما قال لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و هذه الآية تضمنت الدلالة على معان كثيرة منها بطلان التقليد و صحة الاستدلال في أصول الدين لأنه دعا إلى التفكر و التدبر و حث على ذلك و منها فساد قول من زعم أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول من الحشوية و غيرهم لأنه حث على تدبره ليعرفوه و يتبينوه و منها أنه لو كان من عند غيره لكان على وزان كلام عباده و لوجدوا الاختلاف فيه و منها أن المتناقض من الكلام لا يكون من فعل الله لأنه لو كان من فعله لكان من عنده لا من عند غيره و الاختلاف في الكلام يكون على
مجمع البيان ج : 3 ص : 126
ثلاثة أضرب اختلاف تناقض و اختلاف تفاوت و اختلاف تلاوة و اختلاف التفاوت يكون في الحسن و القبح و الخطإ و الصواب و نحو ذلك مما تدعو إليه الحكمة و تصرف عنه و هذا الجنس من الاختلاف لا يوجد في القرآن البتة كما لا يوجد اختلاف التناقض و أما اختلاف التلاوة فهو ما يتلاوم في الجنس كاختلاف وجوه القرآن و اختلاف مقادير الآيات و السور و اختلاف الأحكام في الناسخ و المنسوخ فذلك موجود في القرآن و كله حق و كله صواب و استدل بعضهم بانتفاء التناقض عن القرآن على أنه من فعل الله بأن قال لو لم يكن ذلك دلالة لما أخبرنا الله به و لو لم يخبر بذلك لكان لقائل أن يقول أنه يمكن أن يتحفظ في الكلام و يهذب تهذيبا لا يوجد لذلك فيه شيء من التناقض و على هذا فلا يمكن أن يجعل انتفاء التناقض جهة إعجاز القرآن إلا بعد معرفة صحة السمع و صدق النبي ثم عاد تعالى إلى ذكر حالتهم فقال « و إذا جاءهم » يعني هؤلاء الذين سبق ذكرهم من المنافقين و قيل هم الذين ذكرهم من ضعفة المسلمين « أمر من الأمن أو الخوف » يريد ما كان يرجف به من الأخبار في المدينة أما من قبل عدو يقصدهم و هو الخوف أو من ظهور المؤمنين على عدوهم و هو الأمن « أذاعوا به » أي تحدثوا به و أفشوه من غير أن يعلموا صحته كره الله ذلك لأن من فعل هذا فلا يخلو كلامه من كذب و لما يدخل على المؤمنين به من الخوف ثم قال « و لو ردوه إلى الرسول » المعنى و لو سكتوا إلى أن يظهره الرسول « و إلى أولي الأمر منهم » قال أبو جعفر (عليه السلام) هم الأئمة المعصومون و قال السدي و ابن زيد و أبو علي و الجبائي هم أمراء السرايا و الولاة و قال الحسن و قتادة و غيرهم أنهم أهل العلم و الفقه الملازمون للنبي لأنهم لو سألوه عن حقيقة ما أرجفوا به لعلموه و اختاره الزجاج و أنكر أبو علي الجبائي هذا الوجه و قال إنما يطلق أولوا الأمر على من له الأمر على الناس « لعلمه الذين يستنبطونه » أي لعلم ذلك الخبر الذين يستخرجونه عن الزجاج و قيل يتحسسونه عن ابن عباس و أبي العالية و قيل يبتغونه و يطلبون علم ذلك عن الضحاك و قيل يسألون عنه عن عكرمة قال استنباطهم سؤالهم الرسول عنه و جميع هذه الأقوال متقاربة المعنى « منهم » قيل إن الضمير في « منهم » يعود إلى « أولي الأمر » و هو الأظهر و قيل يعود إلى الفرقة المذكورة من المنافقين أو الضعفة « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته » أي لو لا إيصال مواد الألطاف من جهة الله و قيل فضل الله الإسلام و رحمته القرآن عن ابن عباس و قيل فضل الله النبي و رحمته القرآن عن الضحاك و السدي و هو اختيار الجبائي و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) فضل الله و رحمته النبي و علي « لاتبعتم الشيطان إلا قليلا » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن في الكلام تقديما و تأخيرا و الاستثناء من قوله « أذاعوا به » عن ابن عباس
مجمع البيان ج : 3 ص : 127
فيكون معناه أذاعوا به إلا قليلا و هو اختيار المبرد و الكسائي و الفراء و البلخي و الطبري قالوا و هذا أولى لأن الإذاعة أكثر من الاستنباط ( و ثانيها ) أن الاستثناء من قوله « لعلمه الذين يستنبطونه منهم » إلا قليلا و يكون تقديره و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا عن أكثر أهل اللغة ( و ثالثها ) أن المراد « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا » منكم على الظاهر من غير تقديم و لا تأخير و هذا كما اتبع الشيطان من كان قبل بعثة النبي إلا قليلا منهم لم يتبعوه و اهتدوا بعقولهم لترك عبادة الأوثان بغير رسول و لا كتاب و آمنوا بالله و وحدوه مثل قس بن ساعدة و زيد بن عمرو بن نفيل و ورقة بن نوفل و البراء الشني و أبي ذر الغفاري و طلاب الدين و به قال الأنباري ( و رابعها ) أن معناه « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته » بالنصرة و الفتح مرة بعد أخرى « لاتبعتم الشيطان » فيما يلقي إليكم من الوساوس و الخواطر الفاسدة المؤدية إلى الجبن و الفشل الموجبة لضعف النية و البصيرة « إلا قليلا » من أفاضل أصحاب رسول الله الذين هم أهل البصائر النافذة و العزائم الثابتة و النيات الخالصة لا ييأسون من رحمة الله و لا يشكون في نصرته و إنجاز وعده و إن أبطأ بعض الإبطاء و الله أعلم .

النظم
اختلف في وجه اتصال قوله « أ فلا يتدبرون القرآن » بما قبله فقيل إنه يتصل بقوله و يقولون طاعة الآية فإن الله اطلع على سرائر المنافقين ثم بين هنا أنه من جهة علام الغيوب و لو كان من جهة غيره لكان المخبر بخلاف الخبر و قيل أنه يتصل بقوله و أرسلناك لما بين إرساله أمر بتدبر معجزة .
فَقَتِلْ فى سبِيلِ اللَّهِ لا تُكلَّف إِلا نَفْسك وَ حَرِّضِ المُْؤْمِنِينَ عَسى اللَّهُ أَن يَكُف بَأْس الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللَّهُ أَشدُّ بَأْساً وَ أَشدُّ تَنكِيلاً(84)
اللغة
نكل به و ندد به و شرد به نظائر و أصله النكول و هو الامتناع للخوف يقال نكل عن اليمين و غيرها و النكال ما يمتنع به من الفساد خوفا من مثله من العذاب و النكل القيد .

مجمع البيان ج : 3 ص : 128
المعنى
ثم عاد تعالى إلى الأمر بالقتال فقال « فقاتل في سبيل الله » قيل في الفاء قولان ( أحدهما ) أنه جواب لقوله و من يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما « فقاتل في سبيل الله » فيكون المعنى إن أردت الأجر العظيم فقاتل في سبيل الله ( و الآخر ) أن يكون متصلا بقوله و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله « فقاتل في سبيل الله » عن الزجاج و وجهه أنه لا حظ لك في ترك القتال فتتركه و الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خاصة أمره الله أن يقاتل في سبيل الله وحده بنفسه و قوله « لا تكلف إلا نفسك » معناه لا تكلف إلا فعل نفسك فإنه لا ضرر عليك في فعل غيرك فلا تهتم بتخلف المنافقين عن الجهاد فإن ضرر ذلك عليهم « و حرض المؤمنين » على القتال أي حثهم عليه « عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا » أي يمنع شدة الكفار قال الحسن عسى من الله واجب و وجه ذلك إن إطماع الكريم إنجاز و إنما الإطماع تقوية أحد الأمرين على الآخر دون قيام الدليل على التكافؤ في الجواز و خروج عسى في هذا من معنى الشك كخروجها في قول القائل أطع ربك في كل ما أمرك به و نهاك عنه عسى أن تفلح بطاعتك « و الله أشد بأسا » أي أشد نكاية في الأعداء منكم « و أشد تنكيلا » أي عقوبة عن الحسن و قتادة و قيل التنكيل الشهرة بالأمور الفاضحة عن أبي علي الجبائي و قيل هو ما ينالهم على أيدي المسلمين من الإذلال و السبي و القتل و تخريب الديار و قيل هو الانتقام و الإهلاك .

] القصة [
قال الكلبي إن أبا سفيان لما رجع إلى مكة يوم أحد واعد رسول الله موسم بدر الصغرى و هو سوق تقوم في ذي القعدة فلما بلغ النبي الميعاد قال للناس أخرجوا إلى الميعاد فتثاقلوا و كرهوا ذلك كراهة شديدة أو بعضهم فأنزل الله هذه الآية فحرض النبي المؤمنين فتثاقلوا عنه و لم يخرجوا فخرج رسول الله في سبعين راكبا حتى أتى موسم بدر فكفاهم الله بأس العدو و لم يوافهم أبو سفيان و لم يكن قتال يومئذ و انصرف رسول الله بمن معه سالمين .
مَّن يَشفَعْ شفَعَةً حَسنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنهَا وَ مَن يَشفَعْ شفَعَةً سيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَ كانَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء مُّقِيتاً(85)
اللغة
أصل الشفاعة من الشفع الذي هو ضد الوتر فإن الرجل إذا شفع بصاحبه فقد
مجمع البيان ج : 3 ص : 129
شفعه أي صار ثانيه و منه الشفيع في الملك لأنه يضم ملك غيره إلى ملك نفسه و اختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي يوم القيامة فقالت المعتزلة و من تابعهم يشفع لأهل الجنة ليزيد الله درجاتهم و قال غيرهم من فرق الأمة بل يشفع لمذنبي الأمة ممن ارتضى الله دينهم ليسقط عقابهم بشفاعته و الكفل في اللغة النصيب و أخذ من قولهم اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كساء و ركبت عليه و إنما يقال ذلك لأنه لم يستعمل الظهر كله و إنما استعمل نصيب من الظهر و قال الأزهري الكفل الذي لا يحسن ركوب الفرس و أصله الكفل و هو ردف العجز و منه الكفالة بالنفس و المال و الكفل المثل و المقيت أصله من القوت فإنه يقوته قوتا إذا أعطاه ما يمسك به رمقه و المقيت المقتدر لاقتداره على ذلك و أقات يقيت إقاتة و ينشد للزبير بن عبد المطلب :
و ذي ضغن كففت النفس عنه
و كنت على مساءته مقيتا فهذه لغة قريش .

المعنى
« من يشفع شفاعة حسنة » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه من يصلح بين اثنين « يكن له نصيب منها » أي يكن له أجر منها « و من يشفع شفاعة سيئة » أي يمشي بالنميمة « يكن له كفل منها » أي إثم منها عن الكلبي عن ابن عباس ( و ثانيها ) إن الشفاعة الحسنة و الشفاعة السيئة شفاعة الناس بعضهم لبعض عن مجاهد و الحسن قال ما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة و ما لا يجوز أن يشفع فيه فهو شفاعة سيئة قال و من يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر و ثواب و إن لم يشفع لأن الله قال « و من يشفع » و لم يقل و من يشفع و يؤيد هذا قوله ( اشفعوا تؤجروا ) و قوله ( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في ملكه و من أعان على خصومة بغير علم كان في سخط الله حتى ينزع ) ( و ثالثها ) إن المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين و بالشفاعة السيئة الدعاء عليهم عن أبي علي الجبائي قال لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعدهم الله عليه ( و رابعها ) ما قاله بعضهم إن المراد بالشفاعة هنا أن يصير الإنسان شفع صاحبه في جهاد عدوه فيحصل له من هذه الشفاعة نصيب في العاجل من الغنيمة و الظفر و في الآجل من الثواب المنتظر و إن صار شفعا له في معصية أو شر حصل له نصيب من المذمة في العاجل و العقوبة في الآجل و الكفل الوزر عن الحسن و قتادة و هو النصيب و الحظ عن السدي و الربيع و جميع أهل اللغة فكأنه النصيب من الشر « و كان الله على كل شيء مقيتا » قيل في معنى المقيت أقوال ( أحدها ) أنه المقتدر عن السدي و ابن
مجمع البيان ج : 3 ص : 130
زيد ( و ثانيها ) الحفيظ الذي يعطي الشيء قدر الحاجة من الحفظ عن ابن عباس ( و ثالثها ) الشهيد عن مجاهد ( و رابعها ) الحسيب عنه أيضا ( و خامسها ) المجازي عن أبي علي الجبائي أي يجازي على كل شيء من الحسنات و السيئات .

النظم
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه سبحانه لما قال « لا تكلف إلا نفسك » عقب ذلك بأن لك مع هذا في دعاء المؤمنين إلى الحق ما للإنسان في شفاعة صاحبه لخير يصل إلى المشفوع له لئلا يتوهم أن العبد من أجل أنه لا يؤخذ بعمل غيره لا يتزيد فعله يعمل غيره عن علي بن عيسى و قيل الوجه فيه إن كل من طلب لغيره خيرا فوصل إليه حصل له نصيب منه و أنت قد طلبت لهم الخير حيث دعوتهم إلى الجهاد و حرضتهم عليه قال القاضي هذا أحسن ما قيل فيه .
وَ إِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة فَحَيُّوا بِأَحْسنَ مِنهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كلِّ شىْء حَسِيباً(86)
اللغة
التحية السلام يقال حيى يحيي تحية إذا سلم قال الشاعر :
إنا محيوك يا سلمى فحيينا
و إن سقيت كرام الناس فأسقينا و التحية البقاء قال :
من كل ما نال الفتى
قد نلته إلا التحية يعني الملك و إنما سمي بذلك لأن الملك يحيا بالسلام و الثناء الحسن و الحسيب الحفيظ لكل شيء حتى لا يشذ منه شيء و الحسيب الفعيل من الحساب الذي هو الإحصاء يقال حاسب فلان فلانا على كذا و هو حسيبه إذا كان صاحب حسابه و من قال الحسيب الكافي فهو من قولهم أحسبني فلان الشيء إحسابا إذا كفاني و حسبي كذا أي كفاني و قال الزجاج معنى الحسيب أنه يعطى كل شيء من العلم و الحفظ و الجزاء مقدار ما يحسبه أي يكفيه و منه قوله عطاء حسابا أي كافيا .

المعنى
« و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها » أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمنا و إلا فليقل و عليكم و لا يزيد على ذلك فقوله « بأحسن منها » للمسلمين خاصة و قوله « أو ردوها » لأهل الكتاب عن ابن عباس فإذا

بعدی
مجمع البيان ج : 3 ص : 131
قال المسلم السلام عليكم فقل و عليكم السلام و رحمة الله و إذا قال السلام عليكم و رحمة الله فقل و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته فقد حييته بأحسن منها و هذا منتهى السلام و قيل إن قوله « أو ردوها » للمسلمين خاصة أيضا عن السدي و عطا و إبراهيم و ابن جريج قالوا إذا سلم عليك المسلم فرد عليه بأحسن مما سلم عليك أو بمثل ما قال و هذا أقوى لما روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا و عليكم و ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين (عليهماالسلام) أن المراد بالتحية في الآية السلام و غيره من البر و ذكر الحسن أن رجلا دخل على النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال السلام عليك فقال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و عليك السلام و رحمة الله فجاءه آخر فقال السلام عليك و رحمة الله و بركاته فقال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و عليك السلام و رحمة الله و بركاته فقيل يا رسول الله زدت للأول و الثاني في التحية و لم تزد في الثالث فقال إنه لم يبق لي من التحية شيئا فرددت عليه مثله و روى الواحدي بإسناده عن أبي أمامة عن مالك بن التيهان قال قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من قال السلام عليكم كتب له عشر حسنات و من قال السلام عليكم و رحمة الله كتب له عشرون حسنة و من قال السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كتب له ثلاثون حسنة « إن الله كان على كل شيء حسيبا » أي حفيظا عن مجاهد و قيل كافيا و قيل مجازيا عن ابن عباس و في هذه الآية دلالة على وجوب رد السلام لأن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب و قال الحسن و جماعة من المفسرين إن السلام تطوع و الرد فرض ثم الرد ربما كان من فروض الكفاية و قد يتعين بأن يخصه بالسلام و لا أحد عنده فيتعين عليه الرد .

النظم
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها إن المراد بالسلام المسالمة التي هي ضد الحرب فلما أمر سبحانه بقتال المشركين عقبه بأن قال من مال إلى السلم و أعطى ذاك من نفسه و حيى المؤمنين بتحية فاقبلوا منه .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page