• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السادس سورة النساء آیات155 الی162


فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَقَهُمْ وَ كُفْرِهِم بِئَايَتِ اللَّهِ وَ قَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقّ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْف بَلْ طبَعَ اللَّهُ عَلَيهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً(155) وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بهْتَناً عَظِيماً(156) وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَْسِيحَ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ رَسولَ اللَّهِ وَ مَا قَتَلُوهُ وَ مَا صلَبُوهُ وَ لَكِن شبِّهَ لهَُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شك مِّنْهُ مَا لهَُم بِهِ مِنْ عِلْم إِلا اتِّبَاعَ الظنِّ وَ مَا قَتَلُوهُ يَقِينَا(157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً(158)
اللغة
البهتان الكذب الذي يتحير فيه من شدته و عظمته و قد مر معنى المسيح في سورة آل عمران يقال قتلت الشيء خبرا و علما أي علمته علما تاما و ذلك لأن القتل هو
مجمع البيان ج : 3 ص : 207
التذليل و يكون كالدرس أنه من التذليل و منه الرسم الدارس لذلته فقولك درست العلم بمعنى ذللته و يقال في المثل قتل أرضا عالمها و قتلت أرض جاهلها قال الأصمعي معناه ضبط الأمر من يعلمه و أقول معناه أن العالم يغلب أهل أرضه و الجاهل مغلوب مقهور كما أن الجاهل بالطريق لا يهتدي فيتردد فيه .

الإعراب
ما في قوله « فبما نقضهم » لغو أي فبنقضهم و معناه التوكيد أي فبنقضهم ميثاقهم حقا و الجالب للباء في فبنقضهم و العامل فيه قيل أنه محذوف أي لعناهم و قيل العامل فيه قوله « حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم » و قوله « فبظلم من الذين » بدل من قوله ( فبنقضهم ) عن الزجاج و على هذا فقوله « بل طبع الله عليها بكفرهم » إلى آخر الآية اعتراض و كذلك قوله « و ما قتلوه و ما صلبوه » إلى قوله « شهيدا » و قوله « عيسى بن مريم » عطف بيان ركب مع ابن و جعل كاسم واحد لوقوع ابن بين علمين مع كونه صفة و الصفة ربما ركبت مع الموصوف فجعلا كاسم واحد نحو لا رجل ظريف في الدار و رسول الله صفة للمسيح أو بدل منه و « اتباع الظن » منصوب على الاستثناء و هو استثناء منقطع و ليس من الأول فالمعنى ما لهم به من علم لكنهم يتبعون الظن .

المعنى
ثم ذكر سبحانه أفعالهم القبيحة و مجازاته إياهم بها فقال « فبما نقضهم » أي فبنقض هؤلاء الذين تقدم ذكرهم و وصفهم « ميثاقهم » أي عهودهم التي عاهدوا الله عليها أن يعملوا بها في التوراة « و كفرهم ب آيات الله » أي جحودهم بأعلام الله و حججه و أدلته التي احتج بها عليهم في صدق أنبيائه و رسله « و قتلهم الأنبياء » بعد قيام الحجة عليهم بصدقهم « بغير حق » أي بغير استحقاق منهم لذلك بكبيرة أتوها أو خطيئة استوجبوا بها القتل و قد قدمنا القول في أمثال هذا و إنه إنما يذكر على سبيل التوكيد فإن قتل الأنبياء لا يمكن إلا أن يكون بغير حق و هو مثل قوله و من يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به و المعنى أن ذلك لا يكون البتة عليه برهان « و قولهم قلوبنا غلف » مضى تفسيره في سورة البقرة « بل طبع الله عليها بكفرهم » قد شرحنا معنى الختم و الطبع عند قوله « ختم الله على قلوبهم » « فلا يؤمنون إلا قليلا » أي لا يصدقون قوله إلا تصديقا قليلا و إنما وصفه بالقلة لأنهم لم يصدقوا بجميع ما كان يجب عليهم التصديق به و يجوز أن يكون الاستثناء من الذين نفي عنهم الإيمان فيكون المعنى إلا جمعا قليلا فكأنه سبحانه علم أنه يؤمن من جملتهم جماعة قليلة فيما بعد فاستثناهم من جملة من أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون و به قال جماعة من المفسرين
مجمع البيان ج : 3 ص : 208
مثل قتادة و غيره و ذكر بعضهم أن الباء في قوله « فبما نقضهم » يتصل بما قبله و المعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم و بنقضهم ميثاقهم و بكفرهم و بكذا و بكذا فتبع الكلام بعضه بعضا و قال الطبري أن معناه منفصل مما قبله يعني فبهذه الأشياء لعناهم و غضبنا عليهم فترك ذكر ذلك لدلالة قوله « بل طبع الله عليها بكفرهم » على معنى ذلك لأن من طبع على قلبه فقد لعن و سخط عليه قال و إنما قال ذلك لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى و الذين قتلوا الأنبياء و الذين رموا مريم بالبهتان العظيم و قالوا قتلنا عيسى كانوا بعد موسى بزمان طويل و معلوم أن الذين أخذتهم الصاعقة لم يكن ذلك عقوبة على رميهم مريم بالبهتان و لا على قولهم « إنا قتلنا المسيح » فبان بذلك أن الذين قالوا هذه المقالة غير الذين عوقبوا بالصاعقة و هذا الكلام إنما يتجه على قول من قال أنه يتصل بما قبله و لا يتجه على قول الزجاج و هذا أقوى لأنه إذا أمكن إجراء الكلام على ظاهره من غير تقدير حذف فالأولى أن يحمل عليه و قوله « و بكفرهم » أي بجحود هؤلاء لعيسى « و قولهم على مريم بهتانا عظيما » أي أعظم كذب و أشنعه و هو رميهم إياها بالفاحشة عن ابن عباس و السدي قال الكلبي مر عيسى برهط فقال بعضهم لبعض قد جاءكم الساحر ابن الساحرة و الفاعل ابن الفاعلة فقذفوه بأمه فسمع ذلك عيسى فقال اللهم أنت ربي خلقتني و لم آتهم من تلقاء نفسي اللهم العن من سبني و سب والدتي فاستجاب الله دعوته فمسخهم خنازير « و قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله » يعني قول اليهود أنا قتلنا عيسى بن مريم رسول الله حكاه الله تعالى عنهم أي رسول الله في زعمه و قيل أنه من قول الله سبحانه لا على وجه الحكاية عنهم و تقديره الذي هو رسولي « و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم » و اختلفوا في كيفية التشبيه فروي عن ابن عباس أنه قال لما مسخ الله تعالى الذين سبوا عيسى و أمه بدعائه بلغ ذلك يهوذا و هو رأس اليهود فخاف أن يدعو عليه فجمع اليهود فاتفقوا على قتله فبعث الله تعالى جبرائيل يمنعه منهم و يعينه عليهم و ذلك معنى قوله « و أيدناه بروح القدس » فاجتمع اليهود حول عيسى فجعلوا يسألونه فيقول لهم يا معشر اليهود إن الله تعالى يبغضكم فساروا إليه ليقتلوه فأدخله جبرائيل في خوخة البيت الداخل لها روزنة في سقفها فرفعه جبرائيل إلى السماء فبعث يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه طيطانوس ليدخل عليه الخوخة فيقتله فدخل فلم يره فأبطأ عليهم فظنوا أنه يقاتله في الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى فلما خرج على أصحابه قتلوه و صلبوه و قيل ألقى عليه شبه وجه عيسى و لم يلق عليه شبه جسده فقال بعض القوم أن الوجه وجه عيسى و الجسد جسد طيطانوس و قال بعضهم إن كان هذا
مجمع البيان ج : 3 ص : 209
طيطانوس فأين عيسى و إن كان هذا عيسى فأين طيطانوس فاشتبه الأمر عليهم و قال وهب بن منبه أتى عيسى و معه سبعة من الحواريين في بيت فأحاطوا بهم فلما دخلوا عليهم صيرهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا فقال عيسى لأصحابه من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة فقال رجل منهم اسمه سرجس أنا فخرج إليهم فقال أنا عيسى فأخذوه و قتلوه و صلبوه و رفع الله عيسى من يومه ذلك و به قال قتادة و مجاهد و ابن إسحاق و إن اختلفوا في عدد الحواريين و لم يذكر أحد غير وهب أن شبهه ألقي على جميعهم بل قالوا ألقي شبهه على واحد و رفع عيسى من بينهم قال الطبري و قول وهب أقوى لأنه لو ألقي الشبه على واحد منهم مع قول عيسى أيكم يلقى شبهي فله الجنة ثم رأوا عيسى رفع من بينهم قال الطبري لما اشتبه عليهم و لما اختلفوا فيه و إن جاز أن يشتبه على أعدائهم من اليهود الذين ما عرفوه لكن ألقى الشبه على جميعهم و كانوا يرون كل واحد منهم بصورة عيسى فلما قتل أحدهم اشتبه الحال عليهم و قال أبو علي الجبائي إن رؤساء اليهود أخذوا إنسانا فقتلوه و صلبوه على موضع عال و لم يمكنوا أحدا من الدنو إليه فتغيرت حليته و قالوا قد قتلنا عيسى ليوهموا بذلك على عوامهم لأنهم كانوا أحاطوا بالبيت الذي فيه عيسى فلما دخلوه كان عيسى قد رفع من بينهم فخافوا أن يكون ذلك سببا لإيمان اليهود به ففعلوا ذلك و الذين اختلفوا فيه هم غير الذين صلبوه و إنما باقي اليهود و قيل إن الذي دلهم عليه و قال هذا عيسى أحد الحواريين أخذ على ذلك ثلاثين درهما و كان منافقا ثم أنه ندم على ذلك و اختنق حتى قتل نفسه و كان اسمه بودس زكريا بوطا و هو ملعون في النصارى و بعض النصارى يقول أن بودس زكريا بوطا هو الذي شبه لهم فصلبوه و هو يقول لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه و قيل أنهم حبسوا المسيح مع عشرة من أصحابه في بيت فدخل عليهم رجل من اليهود فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى و رفع عيسى فقتلوا الرجل عن السدي « و إن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه » قيل يعني بذلك عامتهم لأن علماءهم علموا أنه غير مقتول عن الجبائي و قيل أراد بذلك جماعة اختلفوا فقال بعضهم قتلناه و قال بعضهم لم نقتله « ما لهم به من علم إلا اتباع الظن » أي لم يكن لهم بمن قتلوه علم لكنهم اتبعوا ظنهم فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى و لم يكن به و إنما شكوا في ذلك لأنهم عرفوا عدة من في البيت فلما دخلوا عليهم و فقدوا واحدا منهم التبس عليهم أمر عيسى و قتلوا من قتلوه على شك منهم في أمر عيسى هذا على قول من قال لم يتفرق أصحابه حتى دخل عليهم اليهود و أما من قال تفرق أصحابه عنه فإنه يقول كان اختلافهم في أن عيسى هل كان فيمن بقي أو كان فيمن
مجمع البيان ج : 3 ص : 210
خرج اشتبه الأمر عليهم و قال الحسن معناه فاختلفوا في عيسى فقالوا مرة هو عبد الله و مرة هو ابن الله و مرة هو الله و قال الزجاج معنى اختلاف النصارى فيه أن منهم من ادعى أنه إله لم يقتل و منهم من قال قتل « و ما قتلوه يقينا » اختلف في الهاء في « قتلوه » فقيل أنه يعود إلى الظن أي ما قتلوا ظنهم يقينا كما يقال ما قتله علما عن ابن عباس و جويبر و معناه ما قتلوا ظنهم الذي اتبعوه في المقتول الذي قتلوه و هم يحسبونه عيسى يقينا أنه عيسى و لا أنه غيره لكنهم كانوا منه على شبهة و قيل إن الهاء عائد إلى عيسى يعني ما قتلوه يقينا أي حقا فهو من باب تأكيد الخبر عن الحسن أراد أن الله تعالى نفى عن عيسى القتل على وجه التحقيق و اليقين « بل رفعه الله إليه » يعني بل رفع الله عيسى إليه و لم يصلبوه و لم يقتلوه و قد مر تفسيره في سورة آل عمران عند قوله إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك و رافعك إلي « و كان الله عزيزا حكيما » معناه لم يزل الله سبحانه منتقما من أعدائه حكيما في أفعاله و تقديراته فاحذروا أيها السائلون محمدا أن ينزل عليكم كتابا من السماء حلول عقوبة بكم كما حل بأوائلكم في تكذيبهم رسله عن ابن عباس و ما مر في تفسير هذه الآية من أن الله ألقى شبه عيسى على غيره فإن ذلك من مقدور الله بلا خلاف بين المسلمين فيه و يجوز أن يفعله الله سبحانه على وجه التغليظ للمحنة و التشديد في التكليف و إن كان ذلك خارقا للعادة فإنه يكون معجزا للمسيح كما روي أن جبرائيل كان يأتي نبينا في صورة دحية الكلبي و مما يسأل عن هذه الآية أن يقال قد تواترت اليهود و النصارى مع كثرتهم و أجمعت على أن المسيح قد قتل و صلب فكيف يجوز عليهم أن يخبروا عن الشيء بخلاف ما هو به و لو جاز ذلك فكيف يوثق بشيء من الأخبار و الجواب أن هؤلاء دخلت عليهم الشبهة كما أخبر الله سبحانه عنهم بذلك فلم يكن اليهود يعرفون عيسى بعينه و إنما أخبروا أنهم قتلوا رجلا قيل لهم أنه عيسى فهم في خبرهم صادقون و إن لم يكن المقتول عيسى و إنما اشتبه الأمر على النصارى لأن شبه عيسى ألقي على غيره فرأوا من هو على صورته مقتولا مصلوبا فلم يخبر أحد من الفريقين إلا عما رآه و ظن أن الأمر على ما أخبر به فلا يؤدي ذلك إلى بطلان الأخبار بحال .
وَ إِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ إِلا لَيُؤْمِننَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيَمَةِ يَكُونُ عَلَيهِمْ شهِيداً(159)

مجمع البيان ج : 3 ص : 211
الإعراب
إن في قوله « و إن من أهل الكتاب » نافية و أكثر ما تأتي مع إلا و قد تأتي من غير إلا نحو قوله و لقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه أي في الذي ما مكناكم فيه قال الزجاج المعنى و ما منهم أحد إلا ليؤمنن به و كذلك قوله و إن منكم إلا واردها معناه و ما منكم أحد إلا واردها و كذلك و ما منا إلا له مقام معلوم أي و منا أحد إلا له مقام و مثله قول الشاعر :
لو قلت ما في قومها لم تيثم
يفضلها في حسب و ميسم أي ما في قومها أحد يفضلها و ذهب الكوفيون إلى أن المعنى و ما من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به و ما منكم إلا من هو واردها و ما منا إلا من له مقام و أهل البصرة لا يجيزون حذف الموصول و تبقية الصلة .

المعنى
ثم أخبر تعالى أنه لا يبقى أحد منهم إلا و يؤمن به فقال « و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته » اختلف فيه على أقوال ( أحدها ) أن كلا الضميرين يعودان إلى المسيح أي ليس يبقى أحد من أهل الكتاب من اليهود و النصارى إلا و يؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح إذا أنزله الله إلى الأرض وقت خروج المهدي في آخر الزمان لقتل الدجال فتصير الملل كلها ملة واحدة و هي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم عن ابن عباس و أبي مالك و الحسن و قتادة و ابن زيد و ذلك حين لا ينفعهم الإيمان و اختاره الطبري قال و الآية خاصة لمن يكون منهم في ذلك الزمان و ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أن أباه حدثه عن سليمان بن داود المنقري عن أبي حمزة الثمالي عن شهر بن حوشب قال قال الحجاج بن يوسف آية من كتاب الله قد أعيتني قوله « و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته » الآية و الله إني لأمر باليهودي و النصراني فيضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يحمل فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما أولت قال فكيف هو قلت إن عيسى بن مريم ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا و لا يبقى أهل ملة يهودي أو نصراني أو غيره إلا و آمن به قبل موت عيسى و يصلي خلف المهدي قال ويحك أنى لك هذا و من أين جئت به قال قلت حدثني به الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال جئت و الله بها
مجمع البيان ج : 3 ص : 212
من عين صافية فقيل لشهر ما أردت بذلك قال أردت أن أغيظه و ذكر أبو القاسم البلخي مثل ذلك و ضعف الزجاج هذا الوجه قال إن الذين يبقون إلى زمن عيسى من أهل الكتاب قليل و الآية تقتضي عموم إيمان أهل الكتاب إلا أن جميعهم يقولون أن عيسى الذي ينزل في آخر الزمان نحن نؤمن به ( و ثانيها ) أن الضمير في به يعود إلى المسيح و الضمير في موته يعود إلى الكتابي و معناه لا يكون أحد من أهل الكتاب يخرج من دار الدنيا إلا و يؤمن بعيسى قبل موته إذا زال تكليفه و تحقق الموت و لكن لا ينفعه الإيمان حينئذ و إنما ذكر اليهود و النصارى لأن جميعهم مبطلون .
اليهود بالكفر به و النصارى بالغلو في أمره و ذهب إليه ابن عباس في رواية أخرى و مجاهد و الضحاك و ابن سيرين و جويبر قالوا و لو ضربت رقبته لم تخرج نفسه حتى يؤمن ( و ثالثها ) أن يكون المعنى ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قبل موت الكتابي عن عكرمة و رواه أيضا أصحابنا و ضعف الطبري هذا الوجه بأن قال لو كان ذلك صحيحا لما جاز إجراء أحكام الكفار عليهم إذا ماتوا و هذا لا يصح لأن إيمانهم بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إنما يكون في حال زوال التكليف فلا يعتد به و إنما ضعف هذا القول من حيث لم يجر ذكر لنبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) هاهنا و لا ضرورة توجب رد الكناية إليه و قد جرى ذكر عيسى فالأولى أن يصرف ذلك إليه « و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا » يعني عيسى يشهد عليهم بأنه قد بلغ رسالات ربه و أقر على نفسه بالعبودية و أنه لم يدعهم إلى أن يتخذوه إلها عن قتادة و ابن جريج و قيل يشهد عليهم بتصديق من صدقه و تكذيب من كذبه عن أبي علي الجبائي و في هذه الآية دلالة على أن كل كافر يؤمن عند المعاينة و على أن إيمانه ذلك غير مقبول كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف و يقرب من هذا ما رواه الإمامية أن المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله و خلفاءه عند الموت و يروون في ذلك عن علي (عليه السلام) أنه قال للحارث الهمداني :
يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه و أعرفه
بعينه و اسمه و ما فعلا فإن صحت هذه الرواية فالمراد برؤيتهم في تلك الحال العلم بثمرة ولايتهم و عداوتهم على اليقين بعلامات يجدونها من نفوسهم و مشاهدة أحوال يدركونها كما قد روي أن الإنسان إذا عاين الموت أري في تلك الحالة ما يدله على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار .

مجمع البيان ج : 3 ص : 213
فَبِظلْم مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيهِمْ طيِّبَت أُحِلَّت لهَُمْ وَ بِصدِّهِمْ عَن سبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً(160) وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نهُوا عَنْهُ وَ أَكلِهِمْ أَمْوَلَ النَّاسِ بِالْبَطِلِ وَ أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ مِنهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(161)
المعنى
ثم عطف سبحانه على ما تقدم بقوله « فبظلم من الذين هادوا » أي من اليهود معناه فبما ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي التي تقدم ذكرها و قد مضى فيما تقدم عن الزجاج أنه قال « فبظلم من الذين هادوا » بدل من قوله فبنقضهم ميثاقهم و ما بعده و العامل في الباء قوله « حرمنا عليهم طيبات » و لكنه لما طال الكلام أجمل في قوله « فبظلم » ما ذكره قبل و أخبر أنه حرم على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا الله عليه و كفروا ب آياته و قتلوا أنبياءه و قالوا على مريم بهتانا عظيما و فعلوا ما وصفه الله طيبات من المأكل و غيرها « أحلت لهم » أي كانت حلالا لهم قبل ذلك فلما فعلوا ما فعلوا اقتضت المصلحة تحريم هذه الأشياء عليهم عن مجاهد و أكثر المفسرين و قال أبو علي الجبائي حرم الله سبحانه هذه الطيبات على الظالمين منهم عقوبة لهم على ظلمهم و هي ما بين في قوله تعالى « و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر و من البقر و الغنم » الآية « و بصدهم عن سبيل الله كثيرا » أي و بمنعهم عباد الله عن دينه و سبيله التي شرعها لعباده صدا كثيرا و كان صدهم عن سبيل الله تقولهم على الله الباطل و ادعائهم أن ذلك عن الله و تبديلهم كتاب الله و تحريفهم معانيه عن وجوهه و أعظم من ذلك كله جحدهم نبوة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و تركهم بيان ما علموه من أمره لمن جهله من الناس عن مجاهد و غيره « و أخذهم الربوا » أي ما فضل على رءوس أموالهم بتأخيرهم له عن محله إلى أجل آخر « و قد نهوا عنه » أي عن الربا « و أكلهم أموال الناس بالباطل » أي بغير استحقاق و لا استيجاب و هو ما كانوا يأخذونه من الرشى في الأحكام كقوله و أكلهم السحت و ما كانوا يأخذونه من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم و يقولون هذا من عند الله و ما أشبه ذلك من المأكل الخبيثة عاقبهم الله تعالى على جميع ذلك بتحريم ما حرم عليهم من الطيبات « و أعتدنا للكافرين منهم » أي هيأنا يوم القيامة لمن جحد الله أو الرسل من هؤلاء اليهود « عذابا أليما » أي مؤلما موجعا و اختلف في أن التحريم هل كان
مجمع البيان ج : 3 ص : 214
على وجه العقوبة أم لا فقال جماعة من المفسرين أن ذلك كان عقوبة و إذا جاز التحريم ابتداء على جهة المصلحة جاز أيضا عند ارتكاب المعصية على جهة العقوبة و قال أبو علي كان تحريمه عقوبة فيمن تعاطى ذلك الظلم و مصلحة في غيرهم و قال أبو هاشم إن التحريم لا يكون إلا للمصلحة و لما صار التحريم مصلحة عند إقدامهم على هذا الظلم جاز أن يقال حرم عليهم بظلمهم قال لأن التحريم تكليف يستحق الثواب بفعله و يجب الصبر على أدائه فهو معدود في النعم بخلاف العقوبات .
لَّكِنِ الرَّسِخُونَ فى الْعِلْمِ مِنهُمْ وَ المُْؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بمَا أُنزِلَ إِلَيْك وَ مَا أُنزِلَ مِن قَبْلِك وَ المُْقِيمِينَ الصلَوةَ وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكوةَ وَ المُْؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ أُولَئك سنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً(162)
القراءة
قرأ حمزة وحده سيؤتيهم بالياء و الباقون بالنون .

الحجة
ذكرنا الوجه في ما قيل عند قوله « أولئك سوف نؤتيهم أجورهم » .

الإعراب
اختلف في نصب المقيمين فذهب سيبويه و البصريون إلى أنه نصب على المدح على تقدير أعني المقيمين الصلاة قالوا إذا قلت مررت بزيد الكريم و أنت تريد أن تعرف زيدا الكريم من زيد غير الكريم فالوجه الجر و إذا أردت المدح و الثناء فإن شئت نصبت و قلت مررت بزيد الكريم كأنك قلت اذكر الكريم و إن شئت رفعت فقلت الكريم على تقدير هو الكريم و قال الكسائي موضع المقيمين جر و هو معطوف على ما من قوله « بما أنزل إليك » أي و بالمقيمين الصلاة و قال قوم أنه معطوف على الهاء و الميم من قوله « منهم » على معنى « لكن الراسخون في العلم منهم » و من المقيمين الصلاة و قال آخرون أنه معطوف على الكاف من قبلك أي بما أنزل من قبلك و من قبل المقيمين الصلاة و قيل أنه معطوف على الكاف في إليك أو الكاف في قبلك و هذه الأقوال الأخيرة لا تجوز عند البصريين لأنه لا يعطف بالظاهر على الضمير المجرور من غير إعادة الجار و قد شرحنا هذا في مبتدإ السورة عند قوله « و الأرحام » و أما ما روي عن عروة عن عائشة قال سألتها عن قوله « و المقيمين الصلاة » و عن قوله « و الصابئون » و عن قوله « إن هذان » فقالت يا ابن أختي هذا عمل
مجمع البيان ج : 3 ص : 215
الكتاب أخطأوا في الكتاب و ما روي عن بعضهم أن في كتاب الله أشياء ستصلحها العرب بالسنتها قالوا و في مصحف ابن مسعود و المقيمون الصلاة فمما لا يلتفت إليه لأنه لو كان كذلك لم يكن لتعلمه الصحابة الناس على الغلط و هم القدوة و الذين أخذوه عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) .

المعنى
ثم ذكر سبحانه مؤمني أهل التوراة فقال « لكن الراسخون في العلم » و الدين و ذلك أن عبد الله بن سلام و أصحابه قالوا للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إن اليهود لتعلم أن الذي جئت به حق و إنك لعندهم مكتوب في التوراة فقالت اليهود ليس كما يقولون أنهم لا يعلمون شيئا و أنهم يغرونك و يحدثونك بالباطل فقال الله تعالى « لكن الراسخون » الثابتون المبالغون « في العلم » المدارسون بالتوراة « منهم » أي من اليهود يعني ابن سلام و أصحابه من علماء اليهود « و المؤمنون » يعني أصحاب النبي من غير أهل الكتاب « يؤمنون بما أنزل إليك » يا محمد من القرآن و الشرائع أنه حق « و ما أنزل من قبلك » من الكتب على الأنبياء و الرسل و قيل إنما استثنى الله تعالى من وصفهم ممن هداه الله لدينه و وفقه لرشده من اليهود الذين ذكرهم فيما مضى من قوله « يسألك أهل الكتاب » إلى هاهنا فقال لكنهم لا يسألونك ما يسأل هؤلاء الجهال من إنزال الكتاب من السماء لأنهم قد علموا مصداق قولك بما قرءوا في الكتب المنزلة على الأنبياء و وجوب اتباعك عليهم فلا حاجة إلى أن يسألوك معجزة أخرى و لا دلالة غير ما علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم عن قتادة و غيره « و المقيمين الصلاة » إذا كان نصبا على الثناء و المدح على تقدير و اذكر المقيمين الصلاة و هم المؤتون الزكاة و يكون على هذا عطفا على قوله « و الراسخون في العلم منهم و المؤمنون » و المعنى و الذين يؤدون الصلاة بشرائطها و إذا كان جرا عطفا على ما أنزل أي يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و المقيمين الصلاة فقيل إن المراد بهم الأنبياء أي و يؤمنون بالأنبياء المقيمين للصلاة و قيل المراد بهم الملائكة و إقامتهم للصلاة تسبيحهم ربهم و استغفارهم لمن في الأرض أي و بالملائكة و اختاره الطبري قال لأنه في قراءة أبي كذلك و كذلك هو في مصحفه و قيل المراد بهم الأئمة المعصومون « و المؤتون الزكاة » أي و المعطون زكاة أموالهم « و المؤمنون بالله » بأنه واحد لا شريك له « و اليوم الآخر » و بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال « أولئك » أي هؤلاء الذين وصفهم الله « سنؤتيهم » أي سنعطيهم « أجرا » أي ثوابا و جزاء على ما كان منهم من طاعة الله و اتباع أمره « عظيما » أي جزيلا و هو الخلود في الجنة .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page