• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثامن سورة الأعراف12 الی 22


قَالَ مَا مَنَعَك أَلا تَسجُدَ إِذْ أَمَرْتُك قَالَ أَنَا خَيرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنى مِن نَّار وَ خَلَقْتَهُ مِن طِين(12) قَالَ فَاهْبِط مِنهَا فَمَا يَكُونُ لَك أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّك مِنَ الصغِرِينَ(13)
اللغة
الصاغر الذليل بصغر القدر يقال صغر يصغر صغرا و صغارا فهو صاغر إذا رضي بالضيم و من الصغر ضد الكبر صغر يصغر قال ابن السكيت يقال فلان صغرة ولد أبيه أي أصغرهم .

الإعراب
ما في قوله « ما منعك » مرفوع الموضع و المعنى أي شيء منعك و لا ملغى في قوله « ألا تسجد » المعنى ما منعك أن تسجد و مثله قوله سبحانه « لئلا يعلم » و معناه لأن يعلم و قال الشاعر :
أبي جودة لا البخل و استعجلت به
نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله قالوا معناه أبى جودة البخل و قال أبو عمرو بن العلاء الرواية أبى جودة لا البخل بالجر
مجمع البيان ج : 4 ص : 620
و المعنى أبى جودة لا التي تبخل الإنسان قال الزجاج و روي فيه وجها آخر حسنا و هو أن يكون لا غير لغو و يكون البخل منصوبا بدلا من لا و المعنى أبى جودة لا التي هي البخل فكأنه قال أبى جودة البخل و قد قيل إنما دخل لا في قوله « ألا تسجد » لأن معناه ما دعاك إلى أن لا تسجد أو ما أحوجك إلى أن لا تسجد .

المعنى
ثم حكى سبحانه خطابه لإبليس حين امتنع من السجود لآدم بقوله « قال » أي قال الله تعالى « ما منعك ألا تسجد » أي ما دعاك إلى أن لا تسجد و ما اضطرك إليه أو ما منعك أن تسجد « إذ أمرتك » بالسجود لآدم « قال » إبليس « أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين » و هذا الجواب غير مطابق لأنه كان يجب أن يقول منعني كذا لأن قوله « أنا خير منه » جواب لمن يقول أيكما خير و لكن فيه معنى الجواب و يجري ذلك مجرى أن يقول القائل لغيره كيف كنت فيقول أنا صالح و كان يجب أن يقول كنت صالحا لكنه جاز ذلك لأنه أفاد أنه صالح في الحال مع أنه كان صالحا فيما مضى قال ابن عباس أول من قاس إبليس فأخطأ القياس فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله بإبليس و قال ابن سيرين أول من قاس إبليس و ما عبدت الشمس و القمر إلا بالمقاييس و وجه دخول الشبهة على إبليس أنه ظن أن النار إذا كانت أشرف من الطين لم يجز أن يسجد الأشرف للأدون و هذا خطأ لأن ذلك تابع لما يعلم الله سبحانه من مصالح العباد و قد قيل أيضا أن الطين خير من النار لأنه أكثر منافع للخلق من حيث أن الأرض مستقر الخلق و فيها معايشهم و منها يخرج أنواع أرزاقهم و الخيرية إنما يراد بها كثرة المنافع دون كثرة الثواب لأن الثواب لا يكون إلا للمكلف المأمور دون الجماد « قال » أي قال الله سبحانه لإبليس « فاهبط » أي أنزل و انحدر « منها » أي من السماء عن الحسن و قيل من الجنة و قيل معناه أنزل عما أنت عليه من الدرجة الرفيعة و المنزلة الشريفة التي هي درجة متبعي أمر الله سبحانه و حافظي حدوده إلى الدرجة الدنية التي هي درجة العاصين المضيعين أمر الله « فما يكون لك أن تتكبر » عن أمر الله « فيها » أي في الجنة أو في السماء فإنها ليست بموضع المتكبرين و إنما موضعهم النار كما قال « أ ليس في جهنم مثوى للمتكبرين » « فاخرج » من المكان الذي أنت فيه أو المنزلة التي أنت عليها « إنك من الصاغرين » أي من الأذلاء بالمعصية في الدنيا لأن العاصي ذليل عند من عصاه أو بالعذاب في الآخرة لأن المعذب ذليل و هذا الكلام إنما صدر من الله سبحانه على لسان بعض الملائكة عن الجبائي و قيل إن إبليس رأى معجزة تدله على أن ذلك كلام الله و قوله
مجمع البيان ج : 4 ص : 621
سبحانه « فما يكون لك أن تتكبر فيها » لا يدل على أنه يجوز التكبر في غير الجنة فإن التكبر لا يجوز على حال لأنه إظهار كبر النفس على جميع الأشياء و هذا في صفة العباد ذم و في صفة الله سبحانه مدح إلا أن إبليس تكبر على الله سبحانه في الجنة فأخرج منها قسرا و من تكبر خارج الجنة منع من ذلك بالأمر و النهي .
قَالَ أَنظِرْنى إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14) قَالَ إِنَّك مِنَ الْمُنظرِينَ(15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنى لأَقْعُدَنَّ لهَُمْ صرَطك الْمُستَقِيمَ(16) ثُمَّ لاَتِيَنَّهُم مِّن بَينِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمَنهِمْ وَ عَن شمَائلِهِمْ وَ لا تجِدُ أَكْثَرَهُمْ شكِرِينَ(17)
اللغة
الإنظار و الإمهال و التأخير و التأجيل نظائر و بينها فروق و ضد الإمهال الإعجال و البعث الإطلاق في الأمر و الانبعاث الانطلاق و البعث و الحشر و النشر و الجمع نظائر .

الإعراب
« لأقعدن » جواب للقسم و القسم محذوف لأن غرضه بالكلام التأكيد و هو ضد قوله « (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و القرآن ذي الذكر » فإنه حذف الجواب هناك و بقي القسم لأن الغرض تعظيم المقسم به و نصب « صراطك » على الحذف دون الظرف و تقديره على صراطك كما قيل ضرب زيد الظهر و البطن أي على الظهر و البطن قال الشاعر :
لدن بهز الكف يعسل متنه
فيه كما عسل الطريق الثعلب و قال آخر :
كأني إذا أسعى لأظفر طائرا
مع النجم في جو السماء يصوب أي لأظفر على طائر .

مجمع البيان ج : 4 ص : 622
المعنى
« قال » يعني إبليس « أنظرني » أي أمهلني و أخرني في الأجل و لا تمتني « إلى يوم يبعثون » أي يبعث الخلق من قبورهم للجزاء و قيل معناه أنظرني في الجزاء إلى يوم القيامة فكأنه خاف أن يعاجله الله سبحانه بالعقوبة يدل عليه قوله « إلى يوم يبعثون » و لم يقل إلى يوم يموتون و معلوم أن الله تعالى لا يبقي أحدا حيا إلى يوم القيامة قال الكلبي أراد الخبيث أن لا يذوق الموت في النفخة الأولى مع من يموت فأجيب بالإنظار إلى يوم الوقت المعلوم و هي النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين و هو أربعون سنة و أما الوجه في مسألة إبليس الإنظار مع علمه بأنه مطرود ملعون فعلمه بأنه سبحانه يظاهر إلى عباده بالنعم و يعمهم بالفضل و الكرم فلم يصرفه ارتكابه المعصية عن المسألة و الطمع في الإجابة « قال » أي قال الله سبحانه لإبليس « إنك من المنظرين » أي من المؤخرين « قال » إبليس لما لعنه الله و طرده ثم سأله الإنظار فأجابه الله تعالى إلى شيء منه « فبما أغويتني » أي فبالذي أغويتني قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن معناه بما خيبتني من رحمتك و جنتك كما قال الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره
و من يغو لا يعدم على الغي لائما أي من يخب ( و ثانيها ) أن المراد امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده فلذلك قال أغويتني كما قال « فزادتهم رجسا إلى رجسهم » ( و ثالثها ) أن معناه حكمت بغوايتي كما يقال أضللتني أي حكمت بضلالتي عن ابن عباس و ابن زيد ( و رابعها ) أن معناه أهلكتني بلعنك إياي كما قال الشاعر :
معطفة الأثناء ليس فصيلها
برازئها درا و لا ميت غوي أي و لا ميت هلاكا بالقعود عن شرب اللبن و منه قوله « فسوف يلقون غيا » أي هلاكا و قالوا غوي الفصيل إذا فقد اللبن فمات و المصدر غوى مقصور ( و خامسها ) أن يكون الكلام على ظاهره من الغواية و لا يبعد أن يكون إبليس قد اعتقد أن الله تعالى يغوي الخلق بأن يضلهم و يكون ذلك من جملة ما كان اعتقده من الشر « لأقعدن » أي لأجلسن « لهم » أي

بعدی
مجمع البيان ج : 4 ص : 623
لأولاد آدم « صراطك المستقيم » أي على طريقك المستوي و هو طريق الحق لأصدنهم عنه بالإغواء حتى أصرفهم إلى طريق الباطل كيدا لهم و عداوة و قول من قال إنه لو كان ما يفعل به الإيمان هو بعينه ما يفعل به الكفر لكان قوله « فبما أغويتني » مساويا لقوله فيما أصلحتني يفسد بأن صفة الآلة إذا وقع بها الكفر صفتها إذا وقع بها الإيمان و إن كانت الآلة واحدة كما أن السيف واحد و يصلح لأن يستعمل في قتل المؤمن كما يصلح أن يستعمل في قتل الكافر و لا يجب من ذلك أن تكون الصفتان واحدة من أجل أنه واحد فلا يمتنع أن يكون متى استعملت آلة الإيمان في الضلال و الكفر تسمى إغواء و إن استعمل في الإيمان سميت هداية و إن كان ما يصح به الإيمان هو بعينه ما يصح به الكفر و الضلال « ثم لآتينهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم » قيل في ذلك أقوال ( أحدها ) أن المعنى من قبل دنياهم و آخرتهم و من جهة حسناتهم و سيئاتهم عن ابن عباس و قتادة و السدي و ابن جريج و تلخيصه إني أزين لهم الدنيا و أخوفهم بالفقر و أقول لهم لا جنة و لا نار و لا بعث و لا حساب و أثبطهم عن الحسنات و أشغلهم عنها و أحبب إليهم السيئات و أحثهم عليها قال ابن عباس و إنما لم يقل و من فوقهم لأن فوقهم جهة نزول الرحمة من السماء فلا سبيل له إلى ذلك و لم يقل من تحت أرجلهم لأن الإتيان منه موحش ( و ثانيها ) أن معنى « من بين أيديهم » و « عن أيمانهم » من حيث يبصرون و « من خلفهم » و « عن شمائلهم » من حيث لا يبصرون عن مجاهد ( و ثالثها ) ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال « ثم لآتينهم من بين أيديهم » معناه أهون عليهم أمر الآخرة « و من خلفهم » آمرهم بجمع الأموال و البخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم « و عن أيمانهم » أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة و تحسين الشبهة « و عن شمائلهم » بتحبيب اللذات إليهم و تغليب الشهوات على قلوبهم و إنما دخلت من في القدام و الخلف و عن في اليمين و الشمال لأن في القدام و الخلف معنى طلب النهاية و في اليمين و الشمال الانحراف عن الجهة « و لا تجد أكثرهم شاكرين » هذا إخبار من إبليس إن الله تعالى لا يجد أكثر خلقه شاكرين و قيل إنه يمكن أن يكون قد قال ذلك من أحد وجهين إما من جهة الملائكة بإخبار الله تعالى إياهم و إما عن ظن منه كما قال سبحانه « و لقد صدق عليهم إبليس ظنه » فإنه لما استنزل آدم ظن أن ذريته أيضا سيجيبونه لكونهم أضعف منه و القول الأول اختيار الجبائي و الثاني عن الحسن و أبي مسلم .

مجمع البيان ج : 4 ص : 624
قَالَ اخْرُجْ مِنهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَك مِنهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ(18) وَ يَئَادَمُ اسكُنْ أَنت وَ زَوْجُك الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْث شِئْتُمَا وَ لا تَقْرَبَا هَذِهِ الشجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظلِمِينَ(19) فَوَسوَس لهَُمَا الشيْطنُ لِيُبْدِى لهَُمَا مَا وُرِى عَنهُمَا مِن سوْءَتِهِمَا وَ قَالَ مَا نهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَينِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَْلِدِينَ(20) وَ قَاسمَهُمَا إِنى لَكُمَا لَمِنَ النَّصِحِينَ(21)
القراءة
في الشواذ قراءة الزهري مذوما على تخفيف الهمزة و قرأ أبو جعفر و شيبة سوأتهما بتشديد الواو و هو قراءة الحسن و الزهري و قرأ ابن محيض عن هذي الشجرة .

الحجة
الوجه في تخفيف السوآت أنه يحذف الهمزة و يلقى حركتها على الواو فيقال السوة و منهم من يقول السوة و هو أردأ اللغتين و أما هذي الشجرة فإنه الأصل في الكلمة و إنما الهاء في ذه بدل من الياء في ذي و أما الياء اللاحقة بعد الهاء في هذه و نحوه فزائدة لحقت بعد الهاء تشبيها لها بهاء الإضمار في نحو مررت بهي .

اللغة
الذام و الذيم أشد العيب يقال ذامه يذامه ذاما فهو مذئوم و ذامه يذيم ذيما و ذاما فهو مذيم قال الشاعر :
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة
فلما انجلت قطعت نفسي أذيمها و في رواية ألومها و الدحر الدفع على وجه الهوان و الإذلال دحره يدحره دحرا و دحورا و الوسوسة الدعاء إلى أمر بصوت خفي كالهنيمة و الخشخشة قال رؤبة :
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق
سرا و قد أون تأوين العقق
مجمع البيان ج : 4 ص : 625
و قال الأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت
كما استعان بريج عشرق زجل و الإبداء الإظهار و هو جعل الشيء على صفة ما يصح أن يدرك و ضده الإخفاء و كل شيء أزيل عنه الساتر فقد أبدي و المواراة جعل الشيء وراء ما يستره و مثله المساترة و ضده المكاشفة و لم يهمز و وري لأن الثانية يده و لو لا ذلك لوجب همز الواو المضمومة و السوأة الفرج لأنه يسوء صاحبه إظهاره و أصل القسم من القسمة قال أعشى بني ثعلبة :
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما
بأسحم داج عوض لا نتفرق و المقاسمة لا تكون إلا بين اثنين و القسم كان من إبليس لا من آدم فهو من باب عاقبت اللص و طارقت النعل و عافاه الله و قيل إن في جميع ذلك معنى المقابلة فالمعاقبة مقابلة بالجزاء و كذلك المعافاة مقابلة المرض بالسلامة و كذلك المقاسمة مقابلة في المنازعة باليمين و النصح نقيض الغش يقال نصحته أنصحه و هو إخلاص الفاعل ضميره فيما يظهر من عمله .

الإعراب
« لمن تبعك منهم لأملأن » اللام الأولى لام الابتداء و الثانية لام القسم و من للشرط و هو في موضع رفع بالابتداء و لا يجوز أن يكون هنا بمعنى الذي لأنها لا تقلب الماضي إلى الاستقبال و حذف الجزاء في قوله « لمن تبعك » لأن جواب القسم أولى بالذكر من حيث أنه في صدر الكلام و لو كان القسم في حشو الكلام لكان الجزاء أحق بالذكر من جواب القسم كقولك إن تأتني و الله أكرمك و يجوز أن تقول و الله لمن جاءك أضربه بمعنى لا أضربه و لم يجز بمعنى لأضربنه كما يجوز و الله أضرب زيدا لا أضرب و لا يجوز بمعنى لأضربن لأن الإيجاب لا بد فيه من نون التأكيد مع اللام و إنما قال منكم على التغليب للخطاب على الغيبة و المعنى لأملأن جهنم منك و ممن تبعك منهم كما قاله في موضع آخر و قوله « إلا أن تكونا » تقديره إلا كراهة أن تكونا ملكين فحذف المضاف فهو في موضع نصب بأنه مفعول له و قيل إن تقديره لأن لا تكونا ملكين فحذف لا و الأول الصحيح و قوله « إني لكما لمن الناصحين »
مجمع البيان ج : 4 ص : 626
تقديره إني لكما ناصح ثم فسر ذلك بقوله « لمن الناصحين » و لا يكون قوله « لكما » متعلقا بالناصحين لأن ما في الصلة لا يجوز أن يتقدم على الموصول و مثله قوله و أنا على ذلكم من الشاهدين تقديره و أنا على ذلكم شاهد و بينه بقوله من الشاهدين .

المعنى
ثم بين سبحانه ما فعله بإبليس من الإهانة و الإذلال و ما أتاه آدم من الإكرام و الإجلال بقوله « قال اخرج منها » أي من الجنة أو من السماء أو من المنزلة الرفيعة « مذءوما » أي مذموما عن ابن زيد و قيل معيبا عن المبرد و قيل مهانا لعينا عن ابن عباس و قتادة « مدحورا » أي مطرودا عن مجاهد و السدي « لمن تبعك منهم » أي من بني آدم معناه من أطاعك و اقتدى بك من بني آدم « لأملأن جهنم منكم » أي منك و من ذريتك و كفار بني آدم « أجمعين » و إنما جمعهم في الخطاب لأنه لا يكون في جهنم إلا إبليس و حزبه من الشياطين و كفار الإنس و ضلالهم الذين انقادوا له و تركوا أمر الله لاتباعه « و يا آدم أسكن أنت و زوجك الجنة » هذا أمر بالسكنى دون السكون و إنما لم يقل و زوجتك لأن الإضافة إليه قد أغنت عن ذكره و أبانت عن معناه فكان الحذف أحسن لما فيه من الإيجاز من غير إخلال بالمعنى « فكلا من حيث شئتما » أباح سبحانه لهما أن يأكلا من حيث شاءا و أين شاءا و ما شاءا « و لا تقربا هذه الشجرة » بالأكل « فتكونا من الظالمين » أي من الباخسين نفوسهم الثواب العظيم و قد مضى تفسير هذه الآية مشروحا في سورة البقرة « فوسوس لهما » أي لآدم و حواء « الشيطان » الفرق بين وسوس إليه و وسوس له أن معنى وسوس إليه أنه ألقى إلى قلبه المعنى بصوت خفي و معنى وسوس له أنه أوهمه النصيحة له في ذلك « ليبدي لهما » أي ليظهر لهما « ما وري » أي ستر « عنهما من سوآتهما » أي عوراتهما و هذا الظاهر يوجب أن يكون إبليس علم أن من أكل من هذه الشجرة بدت عورته و أن من بدت عورته لا يترك في الجنة فاحتال في إخراجهما منها بالوسوسة « و قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة » أي عن أكل هذه الشجرة « إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين » و المعنى أنه أوهمهما أنهما إذا أكلا من هذه الشجرة تغيرت صورتهما إلى صورة الملك و أن الله تعالى قد حكم بذلك و بأن لا تبيد حياتهما إذا أكلا منها و روي عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأ ملكين بكسر اللام قال الزجاج قوله هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى بدل على الملكين و أحبسه قد قرأ به و يحتمل أن يكون المراد بقوله « إلا أن تكونا ملكين » أنه أوهمهما أن المنهي عن تناول الشجرة الملائكة خاصة و الخالدين دونهما فيكون كما يقول أحدنا لغيره ما نهيت
مجمع البيان ج : 4 ص : 627
عن كذا إلا أن تكون فلانا و إنما يريد أن المنهي إنما هو فلان دونك و هذا المعنى أوكد في الشبهة و اللبس عليهما ذكره المرتضى قدس الله روحه « و قاسمهما » أي و حلف لهما بالله تعالى حتى خدعهما عن قتادة « إني لكما لمن الناصحين » أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة و لذلك تأكدت الشبهة عندهما إذ ظنا أن أحدا لا يقدم على اليمين بالله تعالى إلا صادقا فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة و استدل جماعة من المعتزلة بقوله « إلا أن تكونا ملكين » على أن الملائكة أفضل من الأنبياء قالوا لأن إبليس رغبهما بالتناول من الشجرة في منزلة الملائكة حتى تناولا و لا يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون على منزلة دون منزلته فيحمله ذلك على معصية الله و أجاب عنه المرتضى بأن قال ما أنكرتم أن تكون الآية محمولة على الوجه الثاني الذي ذكرناه دون أن يكون معناها أن ينقلبا إلى صفة الملائكة و إذا كانت الآية محتملة لما ذكروه و أيضا فمما يرفع هذه الشبهة أن يقال ما أنكرتم أن يكونا رغبا في أن ينقلبا إلى صفة الملائكة و خلقتهم لما رغبهما إبليس في ذلك و لا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما فإن الثواب إنما يستحق على الطاعات دون الصور و الهيئات و لا يمتنع أن يكونا رغبا في صور الملائكة و هيأتها و لا يكون ذلك رغبة في الثواب و لا الفضل أ لا ترى أنهما رغبا في أن يكونا من الخالدين و ليس الخلود مما يقتضي مزية في الثواب و لا الفضل .

مجمع البيان ج : 4 ص : 628
فَدَلَّاهُمَا بِغُرُور فَلَمَّا ذَاقَا الشجَرَةَ بَدَت لهَُمَا سوْءَتهُمَا وَ طفِقَا يخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِن وَرَقِ الجَْنَّةِ وَ نَادَاهُمَا رَبهُمَا أَ لَمْ أَنهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجَرَةِ وَ أَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشيْطنَ لَكُمَا عَدُوُّ مُّبِينٌ(22)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page