• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع سورة الأعراف96 الی 104


حَقِيقٌ عَلى أَن لا أَقُولَ عَلى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَة مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنى إِسرءِيلَ(105) قَالَ إِن كُنت جِئْت بِئَايَة فَأْتِ بهَا إِن كُنت مِنَ الصدِقِينَ(106) فَأَلْقَى عَصاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ(107) وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضاءُ لِلنَّظِرِينَ(108)
القراءة
قرأ نافع وحده حقيق علي بتشديد الياء و الباقون بتخفيف الياء .

الحجة
قال أبو علي حجة نافع في قوله « حقيق علي » و اتصاله بعلى من وجهين ( أحدهما ) أن حق الذي هو فعل يعدى بعلى قال فحق علينا قول ربنا ( و الآخر ) أن حقيق بمعنى واجب فكما أن وجب يتعدى بعلى كذلك يتعدى حقيق به و من قرأ « حقيق علي » فجاز تعديته بعلى من الوجهين اللذين ذكرنا و قد قالوا هو حقيق بكذا فيجوز على هذا أن يكون علي بمعنى الباء قال أبو الحسن كما وقعت الباء في قوله بكل صراط توعدون موقع على كذلك وقعت على هنا موقع الباء .

اللغة
البعث الإرسال و هو في الأصل النقل باعتماد يوجب الإسراع في المشي فالبعث بعد الموت نقل إلى حال الحياة و البعث للأنبياء نقل بالإرسال عن حالة إلى حالة النبوة و العصا عود كالقضيب يابس و أصله الامتناع بيبسة يقال عصي بالسيف يعصي إذا امتنع قال جرير :
تصف السيوف و غيركم يعصي بها
يا بن القيون و ذاك فعل الصيقل و يقال عصا بالسيف أي أخذه أخذ العصا و يقال لمن استقر بعد تنقل ألقى عصاه قال :
فألقت عصاها و استقرت بها النوى
كما قر عينا بالإياب المسافر و ليست المعصية بمشتقة من العصا لأن العصا من بنات الواو و المعصية من بنات الياء قال :
فجاءت بنسج العنكبوت كأنه
على عصويها سابري مشبرق و أصل ألقى من اللقاء الذي هو الاتصال فألقى عصاه أي أزال اتصالهما عما كان عليه و الثعبان الحية الضخمة الطويلة قال الفراء الثعبان أعظم الحيات و هو الذكر و هو مشتق من ثعبت الماء أثعبه إذا فجرته و المثعب مع انفجار الماء فسمي الثعبان لأنه كعنق الماء عند
مجمع البيان ج : 4 ص : 703
الانفجار و النزع إزالة الشيء عن مكانه الملابس المتمكن فيه كنزع الرداء عن الإنسان و النزع و القلع و الجذب نظائر .

الإعراب
موضع كيف في قوله « كيف كان » نصب لأنه خبر كان و تقديره أنظر أي شيء كان عاقبة المفسدين و موسى على وزن مفعل و الميم زائدة لكثرة زيادتها أولا كالهمزة حتى صارت أغلب من زيادة الألف أخيرا و أفعى على وزن أفعل لهذه العلة و موسى لا ينصرف لأنه اسم أعجمي معرفة و موسى الحديد عربي إن سميت به رجلا لم تصرفه لأنه مؤنث و معرفة على أكثر من ثلاثة أحرف كما لو سميته بعناق لم تصرفه و فرعون على وزن فعلون مثل برذون فالواو زائدة لأنها جاءت مع سلامة الأصول الثلاثة و النون زائدة للزومها و فرعون لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة عرب في حال تعريفه لأنه نقل من الاسم العلم و لو عرب في حال تنكره لانصرف كما ينصرف ياقوت في اسم رجل ، إلا الحق نصب بأنه مفعول القول على غير الحكاية بل على معنى الترجمة عن المعنى دون حكاية اللفظ ، قوله « إن كنت جئت ب آية » قال أبو العباس المبرد إن هنا لم ينقل الماضي إلى معنى الاستقبال من أجل قوة كان لأنها أم الأفعال و لا يجوز ذلك في غيرها و قال أبو بكر السراج المعنى أن تكن جئت ب آية أي أن صح ذلك قال إذا أمكن إجزاء الحرف على أصله لم يجز إخراجه عنه و إن ينقل الفعل نقلين إلى الشرط و الاستقبال كما إن لم ينقل الفعل إلى النفي و الماضي و ضمير المخاطب في كنت يرجع إلى المكنى و لا يجوز ذلك في الذي لأن الذي غائب ببدنه أن يعود إليه ضمير الغائب و قد أجازوه إذا تقدمت كناية المتكلم في نحو قول الشاعر :
و أنا الذي قتلت بكرا بالقنا
و تركت تغلب غير ذات سنام و نحو ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة و على هذا يجوز أنت الذي ضربك عمرو و الوجه ضربه عمرو و قوله « فأت بها » جاز وقوع الأمر في جواب الشرط لأن فيه معنى إن كنت جئت ب آية فإني ألزمك أن تأتي بهذا فقد عاد إلى أنه وجب الثاني بوجوب الأول قوله « فإذا هي ثعبان مبين » إذا هذه ظرف مكان و يسمى ظرف المفاجاة و هي بخلاف إذا التي هي ظرف زمان و فيها معنى الشرط و يعمل فيها جوابها
مجمع البيان ج : 4 ص : 704
و مثال إذا التي هي ظرف المكان قولهم خرجت فإذا الناس وقوف فإذا في موضع نصب بكونها ظرفا لوقوف و تقديره فبالحضرة الناس وقوف فيجوز أن ينصب وقوفا على الحال لأن إذا ظرف مكان و ظروف المكان تكون إخبارا عن الجثث و هذه المسألة وقعت بين سيبويه و الكسائي لما اجتمعا عند يحيى بن خالد البرمكي فيما رواه علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أحمد بن يحيى ثعلب و محمد بن زيد المبرد قالا لما ورد سيبويه بغداد شق أمره على الكسائي فأتى جعفر بن يحيى و الفضل بن يحيى فقال أنا وليكما و صاحبكما و هذا الرجل قد قدم ليذهب بمحلي فقالا له فاحتل لنفسك فإنا سنجمع بينكما فجمعا بينهما عند أبيهما و حضر سيبويه وحده و حضر الكسائي و معه الفراء و علي الأحمر و غيرهما من أصحابه فسألوه كيف تقول كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها قال أقول فإذا هو هي فأقبل عليه الجمع فقالوا له أخطأت و لحنت فقال يحيى هذا موضع مشكل أنتما إماما مصريكما فمن يحكم بينكما قال فقال الكسائي و أصحابه الأعراب الذين على الباب فأدخل أبو الجراح و من وجد معه ممن كان الكسائي و أصحابه يحملون عنهم فقالوا إنا نقول فإذا هو إياها و انصرف المجلس على أن سيبويه أخطأ و حكموا عليه بذلك فأعطاه البرامكة و أخذوا له من الرشيد و بعثوا به إلى بلده فما لبث بعد هذا الأمر إلا يسيرا حتى مات و يقال أنه مات كمدا قال علي بن سليمان و أصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف بينهم يقولون إن الجواب على ما قال سيبويه فإذا هو هي و هذا موضع الرفع و هو كما قال علي بن سليمان و ذلك أن النصب إنما يكون على الحال نحو خرجت فإذا الناس وقوفا جاز النصب هنا لأن وقوفا نكرة و الحال لا يكون إلا نكرة فإذا أضمرت بطل أمر الحال فإن المضمر معرفة و المعرفة لا تكون حالا فوجب العدول عن النصب إلى الرفع كما تقول فإذا الناس وقوف .

المعنى
ثم عطف سبحانه بقصة موسى (عليه السلام) على ما تقدم من قصص الأنبياء (عليهم السلام) فقال « ثم بعثنا من بعدهم » أي من بعد الرسل الذين ذكرناهم أو من بعد الأمم الذين ذكرنا إهلاكهم « موسى ب آياتنا » أي بدلائلنا و حججنا « إلى فرعون و ملأه » أي أشراف قومه و ذوي الأمر منهم « فظلموا بها » أي ظلموا أنفسهم بجحدها عن الحسن و الجبائي و قيل فظلموا بوضعها غير مواضعها فجعلوا بدل الإيمان بها الكفر و الجحود لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه الذي هو حقه و لم يقل فذهب موسى (عليه السلام) فأدى إليهم الرسالة فكذبوه لأن
مجمع البيان ج : 4 ص : 705
في قوله « فظلموا بها » دلالة عليه « فانظر كيف كان عاقبة المفسدين » يعني ما آل إليه أمرهم في الهلاك « و قال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين » هذه حكاية قول موسى لفرعون و ندائه له إني رسول إليك من قبل رب العالمين مبعوث إليك و إلى قومك قال وهب و كان اسم فرعون الوليد بن مصعب و هو فرعون يوسف و كان بين اليوم الذي دخل يوسف مصر و اليوم الذي دخلها موسى رسولا أربعمائة عام « حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق » قال الزجاج معناه حقيق على ترك القول على الله إلا الحق و قال الإمام العلامة الزمخشري تقول أنا حقيق علي قول الحق أي واجب علي قول الحق أن أكون أنا قائله و القائم به و لا يرضى إلا مثلي ناطقا به و منه قول العرب فلان يدعيه العلم بالطرق فوق ما يدعي هو العلم بها و قال الفراء معناه حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق فيكون على بمعنى الباء كما تقول رميت السهم على القوس و بالقوس و جاءني فلان على حالة حسنة و بحالة حسنة و قيل معناه حريص علي أن لا أقول على الله إلا الحق و ما فرضه علي من الرسالة عن أبي عبيدة « قد جئتكم ببينة » أي بحجة و معجزة « من ربكم » أي أعطانيها ربكم « فأرسل معي بني إسرائيل » أي فأطلق بني إسرائيل من عقال التسخير و خلهم يرجعوا إلى الأرض المقدسة و ذلك أن فرعون و القبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل و اعتقلوهم للاستخدام في الأعمال الشاقة مثل بناء المنازل و حمل الماء و نقل التراب و ما أشبه ذلك « قال » فرعون « إن كنت جئت ب آية » أي حجة و دلالة تشهد لك على ما تقوله « فأت بها إن كنت من الصادقين » في أنك رسول الله « فألقى عصاه » الفاء فاء الجواب أي فكان جوابه لفرعون أن ألقى عصاه من يده « فإذا هي ثعبان مبين » أي حية عظيمة بين ظاهر أنه ثعبان بحيث لا يشتبه على الناس و لم يكن مما يخيل أنه حية و ليس بحية و قيل إن العصا لما صارت حية أخذت قبة فرعون بين فكيها و كان ما بينهما ثمانون ذراعا فتضرع فرعون إلى موسى بعد أن وثب من سريره و هرب منها و أحدث و هرب الناس و دخل فرعون البيت و صاح يا موسى خذها و أنا أومن بك فأخذها موسى فعادت عصا عن ابن عباس و السدي و قيل و كان طولها ثمانين ذراعا « و نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين » هناك قيل إن فرعون قال له هل معك آية أخرى قال نعم فأدخل يده في جيبه و قيل تحت إبطه ثم نزعها أي أخرجها منه و أظهرها فإذا هي بيضاء أي لونها أبيض نوري و لها شعاع يغلب نور الشمس و كان موسى (عليه السلام) آدم فيما يروي ثم أعاد اليد إلى كمه فعادت إلى لونها الأول عن ابن عباس و السدي و مجاهد سؤال .
قيل كيف قال سبحانه هنا « فإذا هي ثعبان » و قال في موضع آخر فلما رآها تهتز كأنها جان و الثعبان الحية العظيمة و الجان الحية
مجمع البيان ج : 4 ص : 706
الصغيرة فاختلف الوصفان و القصة واحدة و الجواب أن الآيتين ليستا إخبارا عن قصة واحدة بل الحالتان مختلفتان و الحالة التي كانت العصا بصفة الجان كانت في ابتداء النبوة و الحالة التي كانت بصفة الثعبان كانت عند لقائه فرعون و على هذا فلا سؤال و قد أجيب أيضا عن ذلك بأنه شبهها بالجان لسرعة حركتها و نشاطها و خفتها مع أنها في جسم الثعبان و كبر خلقه و هذا أبهر في باب الإعجاز .

] حديث العصا [
قد ذكرنا نسب موسى (عليه السلام) في سورة البقرة و أما عصاه فقيل أنه أعطاه إياها ملك حين توجه إلى مدين و قيل إن عصا آدم من آس الجنة حين أهبط و كانت تدور بين أولاده حتى انتهت النوبة إلى شعيب فكانت ميراثا له مع أربعين عصا كانت لآبائه فلما استأجر شعيب موسى أمره بدخول بيت فيه العصي و قال له خذ عصا من تلك العصي فوقعت تلك العصا بيد موسى فاستردها شعيب و قال خذ غيرها حتى فعل ذلك ثلاث مرات في كل مرة تقع يده عليها دون غيرها فتركها في يده في المرة الرابعة فلما خرج من عنده متوجها إلى مصر و رأى نارا و أتى الشجرة فناداه الله تعالى أن يا موسى إني أنا الله و أمره بإلقائها فألقاها فصارت حية فولى هاربا فناداه الله سبحانه خذها و لا تخف فأدخل يده بين لحييها فعادت عصا فلما أتى فرعون ألقاها بين يديه على ما تقدم بيانه و قيل كان الأنبياء (عليهم السلام) يأخذون العصا تجنبا من الخيلاء و قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) تعصوا فإنها من سنن إخواني المرسلين و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من خرج في سفر و معه عصا من لوز مر و تلا هذه الآية و لما توجه تلقاء مدين إلى قوله و الله على ما نقول وكيل آمنه الله من كل سبع ضار و من كل لص عاد و من كل ذات حمة حتى يرجع إلى أهله و منزله و كان معه سبعة و سبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع و يضعها و قيل إن أول من أخذ العصا عند الخطبة في العرب قس بن ساعدة .
قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسحِرٌ عَلِيمٌ(109) يُرِيدُ أَن يخْرِجَكم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَا ذَا تَأْمُرُونَ(110) قَالُوا أَرْجِهْ وَ أَخَاهُ وَ أَرْسِلْ فى الْمَدَائنِ حَشِرِينَ(111) يَأْتُوك بِكلِّ سحِر عَلِيم(112)
القراءة
قرأ أهل المدينة و الكسائي و خلف أرجه بكسر الهاء بغير همز بين الجيم و الهاء إلا أن نافعا و الكسائي و خلفا يشبعون كسرة الهاء و لا يشبع أبو جعفر و قالون عن نافع بل
مجمع البيان ج : 4 ص : 707
يكسران الهاء بغير همز بين الجيم و الهاء و قرأ عاصم و حمزة « أرجه » بغير همز و سكون الهاء و قرأ الباقون أرجئه بالهمز و ضم الهاء و في الشعراء مثله و قرأ بكل سحار بألف بعد الحاء كوفي غير عاصم هاهنا و في يونس و قرأ الباقون « ساحر » بألف قبل الحاء في السورتين و لم يختلفوا في الشعراء أن الألف بعد الحاء هناك .

الحجة
قال أبو علي أرجئه أفعله من الإرجاء و هو التأخير و لا بد من ضم الهاء مع الهمزة و لا يجوز غيره و أن لا يبلغ الواو أحسن لأن الهاء خفية فلو بلغ بها الواو لكان كأنه جمع بين ساكنين و من قال أرجئه فألحق الواو فلأن الهاء متحركة و لم يلتق ساكنان لأن الهاء يفصل بينهما و لو كان مع الهاء حرف لين لكان وصلها بالواو أقبح نحو عليهو لاجتماع حروف متقاربة مع أن الهاء ليس بحاجز قوي و من قرأ أرجهي فوصل الهاء بياء فلأن هذه الهاء يوصل في الإدراج بواو و ياء نحو بهو و بهي و ضربهو و من قرأ « أرجه » فلأن في أرجأت لغتين أرجئت و أرجيت فإذا قال « أرجه » كان من أرجيت قال الزجاج زعم الحذاق بالنحو أن هذه الهاء لا يجوز إسكانها أعني هاء الإضمار و زعم بعض النحويين أن إسكانها جائز و أن هاء التأنيث يجوز إسكانها و استشهد ببيت مجهول و هو :
لما رأى أن لا دعه و لا شبع
مال إلى أرطاة حقف فاضطجع قال و هذا شعر لا يعرف قائله و الشاعر قد يجوز أن يخطىء و حجة من قرأ ساحر قوله فألقي السحرة و لعلنا نتبع السحرة و السحرة جمع ساحر و كذلك قوله سحروا أعين الناس و حجة من قرأ سحار أنه قد وصفه بعليم و ذلك يدل على تناهيه فيه و حذقه به فحسن لذلك أن يذكروا بالاسم الدال على المبالغة في السحر .

اللغة
السحر لطف الحيلة في إظهار أعجوبة توهم المعجزة و قال الأزهري السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره و أصل السحر خفاء الأمر و السحر آخر الليل لخفاء الشخص ببقية ظلمته و السحر الرئة لخفاء أمرها و يقال سحر المطر الأرض إذا جادها فقطع
مجمع البيان ج : 4 ص : 708
نباتها عن أصوله فقلب الأرض ظهرا لبطن بسرها سحرا و الأرض مسحورة فشبه سحر الساحر بذلك لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به .

الإعراب
« فما ذا تأمرون » موضع ما يحتمل أن يكون رفعا و يكون ذا بمعنى الذي فيكون بمعنى فما الذي تأمرون و يحتمل أن يكون نصبا و يكون ما و ذا اسما واحدا و يكون بمعنى فأي شيء تأمرون و يأتوك مجزوم لأنه جواب الأمر و عامل الإعراب فيه محذوف و تقديره فإنك إن ترسل يأتوك و الباء في قوله « بكل ساحر » يحتمل أن يكون بمعنى مع أي يأتون و معهم كل ساحر فيكون في موضع الحال و يحتمل أن يكون للتعدية تقول ذهبت به و أذهبته و أتيت به و أتيته .

المعنى
ثم حكى سبحانه ما قاله أشراف قوم فرعون فقال « قال الملأ من قوم فرعون » لمن دونهم في الرتبة من الحاضرين « إن هذا لساحر عليم » بالسحر « يريد أن يخرجكم من أرضكم » معناه يريد أن يستميل بقلوب بني إسرائيل إلى نفسه و يتقوى بهم فيغلبكم بهم و يخرجوكم من بلدتكم « فما ذا تأمرون » قيل أن هذا قول الأشراف بعضهم لبعض على سبيل المشورة و يحتمل أن يكون قالوا ذلك لفرعون و إنما قالوا تأمرون بلفظ الجمع على خطاب الملوك و يحتمل أيضا أن يكون قول فرعون لقومه فيكون تقديره قال فرعون لهم فما ذا تأمرون و هو قول الفراء و الجبائي « قالوا أرجه و أخاه » أي قالوا لفرعون أخره و أخاه هارون و لا تعجل بالحكم فيهما بشيء فتكون عجلتك حجة عليك عن الزجاج و قيل أخره أي أحبسه و الأول أصح لأنه كان يعلم أنه لا يقدر على حبسه مع ما رأى من تلك الآيات « و أرسل في المدائن » التي حولك « حاشرين » أي جامعين للسحرة يحشرون من يعلمونه منهم عن مجاهد و السدي و قيل هم أصحاب الشرط أرسلهم في حشر السحرة و كانوا اثنين و سبعين رجلا عن ابن عباس « يأتوك بكل ساحر عليم » أي يحشرون إليك السحرة ليجتمعوا و يعارضوا موسى فيغلبوه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 709
وَ جَاءَ السحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كنَّا نحْنُ الْغَلِبِينَ(113) قَالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(114) قَالُوا يَمُوسى إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَ إِمَّا أَن نَّكُونَ نحْنُ الْمُلْقِينَ(115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سحَرُوا أَعْينَ النَّاسِ وَ استرْهَبُوهُمْ وَ جَاءُو بِسِحْر عَظِيم(116)
القراءة
قرأ أهل الحجاز و حفص « إن لنا لأجرا » بهمزة واحدة على الخبر و قرأ أ إن بهمزتين محققتين ابن عامر و أهل الكوفة غير حفص و قرأ أبو عمرو آءن بهمزة ممدودة و قرأ يعقوب غير زيد بهمزة غير ممدودة .

الحجة
قال أبو علي الاستفهام أشبه بهذا الموضع لأنهم يستفهمون عن الأجر و ليسوا يقفون على أن لهم الأجر و يقوي ذلك إجماعهم في الشعراء و ربما حذفت همزة الاستفهام قال أبو الحسن في قوله و تلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل أن من الناس من يذهب إلى أنه على الاستفهام و قد جاء ذلك في الشعر قال :
أفرح أن أرزأ الكرام و أن
أورث ذودا شصائصا نبلا و هذا أقبح من قوله :
و أصبحت فيهم آمنا لا كمعشر
أتوني فقالوا من ربيعة أم مضر لأن أم يدل على الهمزة .

الإعراب
نحن يحتمل أن يكون موضعه رفعا و يكون تأكيدا للضمير المتصل في كنا و يحتمل أن يكون فصلا بين الخبر و الاسم و ضم حرف مع أنه يجوز الوقف عليه لأنه في الوجوب نظير لا في النفي و إنما جاز الوقف على كل واحد منهما لأنه جواب لكلام يستغني بدلالته عليه عما يتصل به و الواو في قوله « و إنكم » واو العطف فكأنه قال لكم ذلك و إنكم لمن المقربين و هو في مخرج الكلام كأنه معطوف على الحرف و كسرت الألف من إنكم لأنه في موضع استئناف بالوعد و لم يكسر لدخول اللام في الخبر لأنه لو لم يكن اللام لكانت مكسورة و إنما دخلت أن في قوله « إما أن تلقي » و لم تدخل في إما يعذبهم و إما يتوب عليهم لأن فيه معنى الأمر كأنه قال اختر إما أن تلقي أي إما إلقاءك و إما إلقاءنا فموضع أن نصب و يجوز أيضا
مجمع البيان ج : 4 ص : 710
أن يكون التقدير إما إلقاؤك مبدوء به و إما إلقاؤنا فموضع أن على هذا يكون نصبا .

المعنى
« و جاء السحرة فرعون » في الكلام حذف كثير تقديره فأرسل فرعون في المدائن حاشرين يحشرون السحرة فحشروهم فجاء السحرة فرعون و كانوا خمسة عشر ألفا عن ابن إسحاق و قيل ثمانين ألفا عن ابن المنكدر و قيل سبعين ألفا عن عكرمة و قيل بضعة و ثلاثين ألفا عن السدي و قيل كانوا اثنين و سبعين ساحرا اثنان من القبط و هما رئيسا القوم و سبعون من بني إسرائيل عن مقاتل و قيل كانوا سبعين عن الكلبي « قالوا » لفرعون إنما لم يقل فقالوا حتى يتصل الثاني بالأول لأن المعنى لما جاءوا قالوا فلم يصلح دخول الفاء على هذا الوجه « إن لنا لأجرا » أي عوضا على عملنا و جزاء بالخير « إن كنا نحن الغالبين » لموسى « قال نعم » أي قال فرعون مجيبا لهم عما سألوه نعم لكم الأجر « و إنكم لمن المقربين » أي و إنكم مع حصول الأجر لكم لمن المقربين إلى المنازل الجليلة و المراتب الخطيرة التي لا يتخطى إليها العامة و لا يحظى بها إلا الخاصة و في هذا دلالة على حاجة فرعون و ذلته لو استدل قومه به و أحسنوا النظر فيه لنفوسهم لأن من المعلوم أنه لم يحتج إلى السحرة إلا لعجزه و ضعفه « قالوا » يعني قالت السحرة لموسى « يا موسى إما أن تلقي » ما معك من العصا أولا « و إما أن نكون نحن الملقين » لما معنا من العصي و الحبال أولا « قال » لهم موسى « ألقوا » أنتم و هذا أمر تهديد و تقريع كقوله سبحانه اعملوا ما شئتم و قيل معناه ألقوا على ما يصح و يجوز لا على ما يفسد و يستحيل و قيل معناه إن كنتم محقين فألقوا « فلما ألقوا سحروا أعين الناس » أي فلما ألقى السحرة ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك العصي و الحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس و غير ذلك من الحيل و أنواع التمويه و التلبيس و خيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية و إنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته و خفي ذلك عليهم لبعده منهم فإنهم لم يخلوا الناس يدخلون فيما بينهم و في هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له لأنها لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه سحروا أعين الناس بل كان يقول فلما ألقوا صارت حيات و قد قال سبحانه أيضا يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى « و استرهبوهم » أي استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس عن الزجاج و قيل معناه ارهبوهم و أفزعوهم عن المبرد « و جاءوا بسحر عظيم » وصف سحرهم بالعظم لبعد مرام الحيلة فيه و شدة التمويه به فهو لذلك عظيم
مجمع البيان ج : 4 ص : 711
الشأن عند من يراه من الناس و لأنه على ما ذكرناه في عدة السحرة و كثرتهم كان مع كل واحد منهم عصا أو حبل فلما ألقوا و خيل إلى الناس أنها تسعى استعظموا ذلك و خافوه .
* وَ أَوْحَيْنَا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاك فَإِذَا هِىَ تَلْقَف مَا يَأْفِكُونَ(117) فَوَقَعَ الحَْقُّ وَ بَطلَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(118) فَغُلِبُوا هُنَالِك وَ انقَلَبُوا صغِرِينَ(119) وَ أُلْقِىَ السحَرَةُ سجِدِينَ(120)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page