• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الحادي عشر سورة التوبة 118 الی 122


وَ عَلى الثَّلَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتى إِذَا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرْض بِمَا رَحُبَت وَ ضاقَت عَلَيْهِمْ أَنفُسهُمْ وَ ظنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَاب عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيمُ(118)
القراءة
قرأ حمزة و حفص عن عاصم « يزيغ » بالياء و هي قراءة الأعمش و الباقون تزيغ بالتاء و القراءة المشهورة « الذين خلفوا » و قرأ علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) و أبو جعفر محمد بن علي الباقر و جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و أبو عبد الرحمن السلمي خالفوا و قرأ عكرمة و زر بن حبيش و عمرو بن عبيد خلفوا بفتح الخاء و اللام خفيفة .

الحجة
قال أبو علي يجوز أن يكون فاعل كاد أحد ثلاثة أشياء ( الأول ) أن تضمر فيها القصة و الحديث و يكون تزيغ الخبر و جاز ذلك فيها و إن كان الأصل في إضمار القصة إنما هو في الابتداء لأن الخبر لازم لكاد فأشبه العوامل الداخلة على الابتداء للزوم الخبر له قال و لا يجوز ذلك في عسى لأن عسى قد يكون فاعله المفرد في كثير من الأمر فلا يلزمه الخبر كقوله عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم فإذا كان كذلك لم يحتمل الضمير الذي يحتمله كاد كما لم يحتمله سائر الأفعال التي تسند إلى فاعليها مما لا يدخل على المبتدأ ( و الثاني ) أن يضمر في كاد ذكر مما تقدم لما كان النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المهاجرون و الأنصار قبيلا واحدا و فريقا واحدا جاز أن يضمر في كاد ما دل عليه ما تقدم ذكره من القبيل و الحزب و الفريق و نحو ذلك من الأسماء المفردة الدالة على الجمع و قال منهم فحمله على المعنى مثل قوله آمن بالله و اليوم الآخر ثم قال فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون فكذلك فاعل كاد على هذا الوجه ( الثالث ) أن يكون فاعل كاد القلوب و تقديره من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ و لكنه قدم تزيغ كما تقدم خبر كان و جاز تقديمه و أن كان فيه ذكر من القلوب و لم يمتنع من حيث يمتنع إضمار قبل الذكر
مجمع البيان ج : 5 ص : 119
لما كان النية به التأخير كما لم يمتنع ضرب غلامه زيد لما كان التقدير به التأخير فأما من قرأ « يزيغ » بالياء فيجوز أن يكون قد ذهب إلى أن في كاد ضمير الحديث فيرتفع قلوب بيزيغ فذكر و أن كان فاعله مؤنثا لتقدم الفعل و من قرأ تزيغ بالتاء جاز أن يكون ذهب إلى أن القلوب مرتفعة بكاد و جاز أن يكون الفعل المسند إلى القصة أو الحديث يؤنث إذا كان في الجملة التي يفسرها مؤنث كقوله « فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا » و جاز تأنيث هي التي هي ضمير القصة لذكر الأبصار المؤنثة في الجملة التي هي التفسير فكذلك يؤنث الذي في كاد للذكر المؤنث في الجملة المفسرة فتقول كادت و تدغم التاء التي هي علامة التأنيث في تاء تزيغ و تزيغ على هذا للقلوب و هي مرتفعة به و يجوز إلحاق التاء بكاد من وجه آخر و هي أن ترفع قلوب فريق بكاد فتلحقه علامة التأنيث من حيث كان مسندا إلى مؤنث و من قرأ « خلفوا » فتأويله أقاموا و لم يبرحوا و من قرأ خالفوا فمعناه عائد إلى ذلك لأنهم إذا خالفوهم فأقاموا فقد خلفوا هناك .

اللغة
الزيغ ميل القلب عن الحق و منه قوله فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم و زاغت الشمس إذا مالت و زاغ عن الطريق جاز و عدل و التخليف تأخير الشيء عمن مضى فأما تأخير الشيء عنك في المكان فليس بتخليف و هو من الخلف الذي هو مقابل لجهته الوجه يقال خلفه أي جعله خلفه فهو مخلف و رحبت البلاد إذا اتسعت و الرحب السعة و منه مرحبا أي رحبت بلادك و أهلت و الضيق ضد السعة و الظن هنا بمعنى اليقين كما في قول دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج
سراتهم في الفارسي المسرد
النزول
نزلت الآية الأولى في غزاة تبوك و ما لحق المسلمين فيها من العسرة حتى هم قوم بالرجوع ثم تداركهم لطف الله سبحانه قال الحسن كان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم يركب الرجل ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك و كان زادهم الشعير المسوس و التمر المدود و الإهالة السنخة و كان النفر منهم يخرجون ما معهم من التميرات بينهم فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ثم يعطيها
مجمع البيان ج : 5 ص : 120
صاحبه فيمصها ثم يشرب عليها جرعة من ماء كذلك حتى يأتي على آخرهم فلا يبقى من التمرة إلا النواة قالوا و كان أبو خيثمة عبد الله بن خيثمة تخلف إلى أن مضى من مسير رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عشرة أيام ثم دخل يوما على امرأتين له في يوم حار في عريشين لهما قد رتبناهما و بردتا الماء و هيأتا له الطعام فقام على العريشين و قال سبحان الله رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر في الفتح و الريح و الحر و القر يحمل سلاحه على عاتقه و أبو خيثمة في ظلال باردة و طعام مهيىء و امرأتين حسناوين ما هذا بالنصف ثم قال و الله لا أكلم واحدة منكما كلمة و لا أدخل عريشا حتى ألحق بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأناخ ناضحة و اشتد عليه و تزود و ارتحل و امرأتاه تكلمانه و لا يكلمهما ثم سار حتى إذا دنا من تبوك قال الناس هذا راكب على الطريق فقال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كن أبا خيثمة أولى لك فلما دنا قال الناس هذا أبو خيثمة يا رسول الله فأناخ راحلته و سلم على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال (عليه السلام) أولى لك فحدثه الحديث فقال له خيرا و دعا له و هو الذي زاغ قلبه للمقام ثم ثبته الله و أما الآية الثانية فإنها نزلت في شأن كعب بن مالك و مرارة بن الربيع و هلال بن أمية و ذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و لم يخرجوا معه لا عن نفاق و لكن عن توان ثم ندموا فلما قدم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) المدينة جاءوا إليه و اعتذروا فلم يكلمهم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و تقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم فهجرهم الناس حتى الصبيان و جاءت نساؤهم إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقلن له يا رسول الله نعتزلهم فقال لا و لكن لا يقربوكن فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رءوس الجبال و كان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام و لا يكلمونهم فقال بعضهم لبعض قد هجرنا الناس و لا يكلمنا أحد منهم فهلا نتهاجر نحن أيضا فتفرقوا و لم يتجمع منهم اثنان و بقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله تعالى و يتوبون إليه فقبل الله تعالى توبتهم و أنزل فيهم هذه الآية .

المعنى
« لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار » أقسم الله تعالى في هذه الآية لأن لام لقد لام القسم بأنه سبحانه قبل توبتهم و طاعاتهم و إنما ذكر اسم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مفتاحا للكلام و تحسينا له و لأنه سبب توبتهم و إلا فلم يكن منه ما يوجب التوبة و قد روي عن الرضا علي بن موسى (عليهماالسلام) أنه قرأ لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين و الأنصار الذين اتبعوه في الخروج معه إلى تبوك « في ساعة العسرة » و هي صعوبة الأمر قال جابر يعني عسرة الزاد و عسرة الظهر و عسرة الماء و المراد بساعة العسرة وقت العسرة لأن الساعة تقع على كل زمان و قال عمر بن الخطاب أصابنا حر شديد و عطش فأمطر الله سبحانه السماء بدعاء النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فعشنا بذلك « من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم » عن الجهاد فهموا

بعدی
مجمع البيان ج : 5 ص : 121
بالانصراف من غزاتهم من غير أمر فعصمهم الله تعالى من ذلك حتى مضوا مع النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « ثم تاب عليهم » من بعد ذلك الزيغ و لم يرد بالزيغ هاهنا الزيغ عن الإيمان « إنه بهم رءوف رحيم » تداركهم برحمته و الرأفة أعظم من الرحمة « و على الثلاثة الذين خلفوا » قال مجاهد معناه خلفوا عن قبول التوبة بعد قبول توبة من قبل توبتهم من المنافقين كما قال سبحانه فيما مضى « و آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم و إما يتوب عليهم » و قال الحسن و قتادة معناه خلفوا عن غزوة تبوك لما تخلفوا هم و أما قراءة أهل البيت (عليهم السلام) خالفوا فإنهم قالوا لو كانوا « خلفوا » لما توجه عليهم العتب و لكنهم خالفوا « حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت » أي برحبها و ما هاهنا مصدرية و معناه ضاقت عليهم الأرض مع اتساعها و هذه صفة من بلغ غاية الندم حتى كأنه لا يجد لنفسه مذهبا و ذلك بأن النبي أمر الناس بأن لا يجالسوهم و لا يكلموهم كما مر ذكره لأنه كان نزلت توبة الناس و لم تنزل توبتهم و لم يكن ذلك على معنى رد توبتهم لأنهم كانوا مأمورين بالتوبة و لا يجوز في الحكمة رد توبة من يتوب في وقت التوبة و لكن الله سبحانه أراد بذلك تشديد المحنة عليهم في تأخير إنزال توبتهم و أراد بذلك استصلاحهم و استصلاح غيرهم لئلا يعودوا إلى مثله « و ضاقت عليهم أنفسهم » هذه عبارة عن المبالغة في الغم حتى كأنهم لم يجدوا لأنفسهم موضعا يخفونها فيه و قيل معنى ضيق أنفسهم ضيق صدورهم بالهم الذي حصل فيها « و ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه » أي و أيقنوا أنه لا يعصمهم من الله موضع يعتصمون به و يلجئون إليه غيره تعالى و معناه علموا أنه لا معتصم من الله إلا به و أن لا ينجيهم من عذاب الله إلا التوبة « ثم تاب عليهم ليتوبوا » أي ثم سهل الله عليهم التوبة حتى تابوا و قيل ليتوبوا أي ليعودوا إلى حالتهم الأولى قبل المعصية و قيل معناه ثم تاب على الثلاثة و أنزل توبتهم على نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ليتوب المؤمنون من ذنوبهم لعلمهم بأن الله سبحانه قابل التوبة قال الحسن أما و الله ما سفكوا من دم و لا أخذوا من مال و لا قطعوا من رحم و لكن المسلمين تسارعوا في الشخوص مع رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و تخلف هؤلاء و كان أحدهم تخلف بسبب ضيعة له و الآخر لأهله و الآخر طلبا للراحة ثم ندموا و تابوا فقبل الله توبتهم « إن الله هو التواب » أي الكثير القبول للتوبة « الرحيم » بعباده .

النظم
اتصلت الآية الأولى بقوله « التائبون » الآية أثنى الله سبحانه عليهم هناك و بين في هذه الآية قبول توبتهم و رضاه عنه باتباعهم للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في ساعة العسرة عن أبي مسلم و قيل إنه سبحانه لما ذكر أن له ملك السماوات و الأرض و لا ناصر لأحد دونه بين عقيبه رحمته بالمؤمنين و رأفته بهم في قبول توبتهم .

مجمع البيان ج : 5 ص : 122
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصدِقِينَ(119)
القراءة
في مصحف عبد الله و قراءة ابن عباس من الصادقين و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) .

اللغة
الصادق هو القائل بالحق العامل به لأنه صفة مدح و لا يطلق إلا على من يستحق المدح على صدقه .

المعنى
ثم خاطب الله سبحانه المؤمنين المصدقين بالله المقرين بنبوة نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله » أي اتقوا معاصي الله و اجتنبوها « و كونوا مع الصادقين » الذين يصدقون في أخبارهم و لا يكذبون و معناه كونوا على مذهب من يستعمل الصدق في أقواله و أفعاله و صاحبوهم و رافقوهم كقولك أنا مع فلان في هذه المسألة أي أقتدي به فيها و قد وصف الله الصادقين في سورة البقرة بقوله و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر إلى قوله أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون فأمر سبحانه بالاقتداء بهؤلاء الصادقين المتقين و قيل المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه و هو قوله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه يعني حمزة بن عبد المطلب و جعفر بن أبي طالب و منهم من ينتظر يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) و روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال « كونوا مع الصادقين » مع علي و أصحابه و روى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله « و كونوا مع الصادقين » قال مع آل محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قيل مع النبيين و الصديقين في الجنة بالعمل الصالح في الدنيا عن الضحاك و قيل مع محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أصحابه عن نافع و قيل مع الذين صدقت نياتهم و استقامت قلوبهم و أعمالهم و خرجوا مع رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و لم يتخلفوا عنه عن ابن عباس و قيل إن معنى مع هنا معنى من فكأنه أمر بالكون من جملة الصادقين و يعضده قراءة من قرأ من الصادقين و المعنيان متقاربان هنا لأن مع للمصاحبة و من للتبعيض فإذا كان من جملتهم فهو معهم و بعضهم و قال ابن مسعود لا يصلح من الكذب جد و لا هزل و لا أن يعد أحدكم صبية ثم لا ينجز له اقرءوا إن شئتم هذه الآية هل ترون في الكذب رخصة .

مجمع البيان ج : 5 ص : 123
مَا كانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلهَُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسولِ اللَّهِ وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِك بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظمَأٌ وَ لا نَصبٌ وَ لا مخْمَصةٌ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظ الْكفَّارَ وَ لا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَّيْلاً إِلا كُتِب لَهُم بِهِ عَمَلٌ صلِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(120) وَ لا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صغِيرَةً وَ لا كبِيرَةً وَ لا يَقْطعُونَ وَادِياً إِلا كتِب لهَُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(121)
اللغة
الرغبة طلب المنفعة يقال رغب فيه إذا طلب المنفعة به و رغب عنه إذا طلب المنفعة بتركه و الظمأ شدة العطش و النصب التعب و مثله الوصب قال النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب
و ليل أقاسيه بطيء الكواكب و المخمصة المجاعة و أصله ضمور البطن للمجاعة و رجل خميص البطن و امرأة خمصانة ضامرة البطن و الموطأ الأرض و الغيظ انتقاض المطبع بما يرى مما يسوؤه يقال غاظه يغيظه .

المعنى
لما قص الله سبحانه قصة الذين تأخروا عن الخروج مع النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلى غزوة تبوك ثم اعتذارهم عن ذلك و توبتهم منه و أنه قبل توبة من ندم على ما كان منه لرأفته بهم و رحمته عليهم ذكر عقيب ذلك على وجه التوبيخ لهم و الإزراء على ما كانوا فعلوه فقال « ما كان لأهل المدينة و من حولهم من الإعراب أن يتخلفوا عن رسول الله » ظاهره خبر و معناه نهي مثل قوله ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله أي ما كان يجوز و ما كان يحل لأهل مدينة الرسول و من حولهم من سكان البوادي أن يتخلفوا عنه في غزاة تبوك و غيرها بغير عذر و قيل إنه مزينة و جهينة و أشجع و غفار و أسلم « و لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه » أي ما كان يجوز لهم و لجميع المؤمنين أن يطلبوا نفع نفوسهم بتوقيتها دون نفسه و هذه فريضة ألزمهم الله إياها لحق رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فيما دعاهم إليه من الهدى الذي اهتدوا به و خرجوا من ظلمة الكفر
مجمع البيان ج : 5 ص : 124
إلى نور الإيمان و قيل معناه و لا يرضوا لأنفسهم بالخفض و الدعة و رسول الله في الحر و المشقة يقال رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي ترفعت عنه بل عليهم أن يجعلوا أنفسهم وقاية للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « ذلك » أي ذلك النهي لهم و الزجر عن التخلف « بأنهم لا يصيبهم ظمأ » أي عطش « و لا نصب » أي و لا تعب في أبدانهم « و لا مخمصة في سبيل الله » أي و لا مجاعة و هي شدة الجوع في طاعة الله « و لا يطئون موطئا يغيظ الكفار » أي لا يضعون أقدامهم موضعا يغيظ الكفار وطؤهم إياه يعني دار الحرب فإن الإنسان يغيظه و يغضبه إن يطأ غيره موضعه « و لا ينالون من عدو نيلا » أي و لا يصيبون من المشركين أمرا من قتل أو جراحة أو مال أو أمر يغمهم و يغيظهم « إلا كتب لهم به عمل صالح » و طاعة رفيعة « إن الله لا يضيع أجر المحسنين » أي الذين يفعلون الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح و الثواب و في هذا تحريض على الجهاد و أعمال الخير « و لا ينفقون نفقة صغيرة و لا كبيرة » أي و لا ينفقون في الجهاد و لا في غيره من سبل الخير و المعروف نفقة قليلة و لا كثيرة يريدون بذلك إعزاز دين الله و نفع المسلمين و التقرب بذلك إلى الله تعالى « و لا يقطعون واديا » أي و لا يجاوزون واديا « إلا كتب لهم » ثواب ذلك « ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون » أي يكتب طاعاتهم ليجزيهم عليها بقدر استحقاقهم و يزيدهم من فضله حتى يصير الثواب أحسن و أكثر من عملهم و قيل إن الأحسن من صفة فعلهم لأن الأعمال على وجوه واجب و مندوب و مباح و إنما يجازي على الواجب و المندوب دون المباح فيقع الجزاء على أحسن الأعمال و قيل معناه ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون قال ابن عباس يرضيهم بالثواب و يدخلهم الجنة بغير حساب و الآيتان تدلان على وجوب الجهاد مع رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و حظر التخلف عنه و قد اختلف في ذلك فقيل المراد بذلك جميع من دعاه النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلى الجهاد و هو الصحيح و قيل المراد به أهل المدينة و من حولها من الأعراب ثم اختلف فيه من وجه آخر فقيل إنه خاص في النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ليس لأحد أن يتخلف عنه في الجهاد إلا لعذر فأما غيره من الأئمة فيجوز التخلف عنه عن قتادة و قيل إن ذلك لأول هذه الأمة و آخرها من المجاهدين في سبيل الله عن الأوزاعي و ابن المبارك و قيل إن هذا كان في ابتداء الإسلام و في أهله قلة فأما الآن و قد كثر الإسلام و أهله فإنه منسوخ بقوله « و ما كان المؤمنون لينفروا كافة » الآية عن ابن زيد و هذا هو الأقوى لأنه لا خلاف أن الجهاد من فروض الكفايات فلو لزم كل أحد لصار من فروض الأعيان .

مجمع البيان ج : 5 ص : 125
* وَ مَا كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِن كلِّ فِرْقَة مِّنهُمْ طائفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِمْ لَعَلَّهُمْ يحْذَرُونَ(122)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page