• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الحادي عشر سورةيونس 89 الی 97


قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكمَا فَاستَقِيمَا وَ لا تَتَّبِعَانِّ سبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(89)
القراءة
قرأ ابن عامر و لا تتبعان خفيفة النون و الباقون بالتشديد .

الحجة
من قرأ بالنون الشديدة كسرها لوقوعها بعد ألف التثنية فأشبهت نون الاثنين في رجلان و لم يعتد بالنون الساكنة قبلها لسكونها و خفتها فصارت المكسورة كأنها وليت الألف و من قرأ بالتخفيف فإنه يمكن أن يكون خفف الثقيلة للتضعيف كما خففوا رب و إن
مجمع البيان ج : 5 ص : 194
و نحوهما إلا أنه حذف الأولى من المثلين كما أبدلوا الأولى من المثلين في نحو قيراط و دينار و لزم ذلك في هذا الموضع لأن الحذف لو لحق الثانية للزم التقاء الساكنين على هذا الحد غير مأخوذ به عند العامة و إن شئت كان على لفظ الخبر و المعنى الأمر كقوله « يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء » « و لا تضار والدة بولدها » أي لا ينبغي ذلك و إن شئت جعلته حالا من استقيما و التقدير استقيما غير متبعين و يدل على ذلك قول الشاعر :
فلا أسقي و لا يسقي شريبي
و يرويه إذا أوردت مائي و كقول الفرزدق :
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم
و لم تكثر القتلى بها حين سلت
اللغة
« تبوءا » أي اتخذا يقال تبوأ لنفسه بيتا أي اتخذه و بوأت له بيتا أي اتخدته له و يقال أن تبوء و بوء بمعنى أي اتخذ بيتا مثل بدل و تبدل و خلص و تخلص قال أبو علي تبوء فعل يتعدى إلى مفعولين و اللام في قوله « لقومكما » كالتي في قوله « ردف لكم » و يقوي ذلك قوله « و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت » فدخلت اللام على غير المطاوع كما دخلت على المطاوع في قوله « تبوءا لقومكما » و الطمس محو الأثر يقال طمست عينه أطمسها طمسا و طموسا و طمست الريح آثار الديار و الطمس تغير إلى الدثور و الدروس قال كعب بن زهير :
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت
عرضتها طامس الأعلام مجهول
الإعراب
مصر غير منصرف لأنه مؤنث معرفة و لو صرفت لخفتها كما تصرف هند لكان جائزا و ترك الصرف أقيس و قوله « بيوتا » مفعول به و ليس بظرف مكان لاختصاصه و البيوت هنا كالغرف في قوله تعالى لنبوئنهم من الجنة غرفا « فلا يؤمنوا » يحتمل وجهين من الإعراب النصب و الجزم فأما النصب ففيه وجهان ( أحدهما ) أن يكون على جواب صيغة الأمر بالفاء ( و الآخر ) أن يكون عطفا على ليضلوا أي ليضلوا فلا يؤمنوا و هذا قول المبرد
مجمع البيان ج : 5 ص : 195
و على هذا فيكون قوله « ربنا اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم » اعتراضا و أما الجزم فيكون على وجه الدعاء عليهم و تقديره فلا آمنوا و مثله قول الأعشى :
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى
و لا تلقني إلا و أنفك راغم
المعنى
« و أوحينا إلى موسى و أخيه » أي أمرناهما « أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا » أي اتخذا لمن آمن بكما بمصر يعني البلدة المعروفة بيوتا تسكنونها و تأوون إليها « و اجعلوا بيوتكم قبلة » اختلف في ذلك فقيل لما دخل موسى مصر بعد ما أهلك الله فرعون أمروا باتخاذ مساجد يذكر فيها اسم الله تعالى و أن يجعلوا مساجدهم نحو القبلة أي الكعبة و كانت قبلتهم إلى الكعبة عن الحسن و نظيره في بيوت أذن الله أن ترفع الآية و قيل أن فرعون أمر بتخريب مساجد بني إسرائيل و منعهم من الصلاة فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم يصلون فيها خوفا من فرعون و ذلك قوله « و اجعلوا بيوتكم قبلة » أي صلوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف عن ابن عباس و مجاهد و السدي و غيرهم و قيل معناه اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا عن سعيد بن جبير « و أقيموا الصلاة » أي أديموها و واظبوا على فعلها « و بشر المؤمنين » بالجنة و ما وعد الله تعالى من الثواب و أنواع النعيم و الخطاب لموسى (عليه السلام) عن أبي مسلم و قيل الخطاب لمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « و قال موسى ربنا إنك آتيت فرعون و ملأه » أي أعطيت فرعون و قومه « زينة » يتزينون بها من الحلي و الثياب و قيل الزينة الجمال و صحة البدن و طول القامة و حسن الصورة « و أموالا » يتعظمون بها « في الحياة الدنيا » و إنما أعطاهم الله تعالى ذلك للإنعام عليهم مع تعريه من وجود الاستفساد « ربنا ليضلوا عن سبيلك » اللام للعاقبة و المعنى و عاقبة أمرهم أنهم يضلون عن سبيلك و لا يجوز أن يكون لام الغرض لأنا قد علمنا بالأدلة الواضحة أن الله سبحانه لا يبعث الرسول ليأمر الخلق بالضلال و لا يريد أيضا منهم الضلال و كذلك لا يؤتيهم المال ليضلوا و قيل معناه لئلا يضلوا عن سبيلك فحذفت لا كقوله شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أي لئلا تقولوا و حذف ذلك لدلالة العقل عليه و قيل أنه لام الدعاء و المعنى ابتلهم بالبقاء على ما هم عليه من الضلال و إنما قال ذلك لعلمه بأنهم لا يؤمنون من طريق الوحي و فائدته إظهار التبرؤ منهم كما يلعن إبليس و يدل عليه أنه أعاد قوله « ربنا اطمس على أموالهم » فدل ذلك على أنه أراد به الدعاء عليهم و المراد بالطمس على الأموال تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها قال مجاهد و قتادة و عامة أهل التفسير صارت جميع أموالهم حجارة حتى السكر و الفانيذ
مجمع البيان ج : 5 ص : 196
« و اشدد على قلوبهم » معناه ثبتهم على المقام ببلدهم بعد إهلاك أموالهم فيكون ذلك أشد عليهم و قيل معناه أمتهم بعد سلب أموالهم و أهلكهم و قيل أنه عبارة عن الخذلان و الطبع « فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم » قد ذكرنا وجوهه و قيل معناه أنهم لا يؤمنون إيمان إلجاء حتى يروا العذاب و هم مع ذلك لا يؤمنون إيمان اختيار أصلا ثم أخبر سبحانه أنه أجاب لهما الدعوة فقال « قال » أي قال الله تعالى لموسى و هارون « قد أجيبت دعوتكما » و الداعي كان موسى (عليه السلام) لأنه كان يدعو و كان هارون يؤمن على دعائه فسماهما داعيين عن عكرمة و الربيع و أبي العالية و أكثر المفسرين و لأن معنى التأمين اللهم استجب هذا الدعاء « فاستقيما » أي فاثبتا على ما أمرتما من دعاء الناس إلى الإيمان بالله تعالى و الإنذار و الوعظ قال ابن جريج مكث فرعون بعد هذا الدعاء أربعين سنة و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون » نهاهما سبحانه عن أن يتبعا طريقة من لا يؤمن بالله و لا يعرفه و لا يعرف أنبياءه (عليهم السلام) .
* وَ جَوَزْنَا بِبَنى إِسرءِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتى إِذَا أَدْرَكهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنت أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِى ءَامَنَت بِهِ بَنُوا إِسرءِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسلِمِينَ(90) ءَالْئََنَ وَ قَدْ عَصيْت قَبْلُ وَ كُنت مِنَ الْمُفْسِدِينَ(91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيك بِبَدَنِك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَك ءَايَةً وَ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَتِنَا لَغَفِلُونَ(92)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير عاصم آمنت إنه بكسر الألف و الباقون أنه بالفتح و روي عن أبي جعفر و نافع الآن بإلقاء حركة الهمزة على اللام و حذف الهمزة و قرأ ننجيك خفيفة قتيبة و يعقوب و سهل و الباقون « ننجيك » بالتشديد و في الشواذ قراءة أبي بن كعب و محمد بن السميفع ننحيك بالحاء .

الحجة
قال أبو علي من قرأ « آمنت أنه » بالفتح فلأن هذا الفعل يصل بحرف الجر في
مجمع البيان ج : 5 ص : 197
نحو يؤمنون بالغيب فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى أن فصار في موضع نصب أو جر على الخلاف في ذلك و من قرأ آمنت إنه بالكسر حمله على القول المضمر كأنه قال آمنت و قلت إنه و إضمار القول في هذا النحو كثير و قال علي بن عيسى من كسر إنه جعله بدلا من آمنت و من فتح جعله معمول آمنت و أما الآن فإن لام المعرفة إذا دخلت على كلمة أولها الهمزة فخففت الهمزة كان في تخفيفها وجهان ( أحدهما ) أن يلقى حركتها على اللام و تقر همزة الوصل فيقال الحمر و قد حكى ذلك سيبويه و حكى أبو الحسن أن أناسا يقولون لحمر فيحذفون الهمزة التي للوصل قال :
فقد كنت تخفي حب سمراء حقبة
فبح لأن منها بالذي أنت بائح فأسكن الحاء لما كانت اللام متحركة و لو لم يعتد بالحركة كما لم يعتد بها في الوجه الأول لحرك الحاء بالكسر كما يحرك في بح اليوم و « ننجيك » و ننجيك في معنى واحد أي نلقيك على نجوة من الأرض قال أوس بن حجر :
فمن بنجوته كمن بعقوته
و المستكن كمن يمشي بقرواح و القرواح حيث لا ماء و لا شجر و من قرأ ننحيك بالحاء فإنه نفعلك من الناحية أي نجعلك في ناحية و منه نحيت الشيء فتنحى أي باعدته فتباعد فصار في ناحية قال الحطيئة :
تنحي فاجلسي مني بعيدا
أراح الله منك العالمينا
اللغة
المجاوزة الخروج عن الحد من إحدى الجهات الأربع و الاتباع طلب اللحاق بالأول اتبعه اتباعا و تبعه بمعنى و حكى أبو عبيدة عن الكسائي أنه قال إذا أريد أنه أتبعهم خيرا أو شرا قالوا بقطع الهمزة و إذا أريد به أنه اقتدى بهم و اتبع أثرهم قالوا بتشديد التاء و وصل الهمزة و البغي طلب الاستعلاء بغير حق و العدو و العدوان الظلم و النجوة الأرض التي لا يعلوها السيل و أصلها من الارتفاع .

الإعراب
مفعول له و قيل إنهما مصدران في موضع الحال أي في حال البغي و العدوان الآن فصل بين الزمان الماضي و المستقبل مع أنه إشارة إلى الحاضر و لهذا
مجمع البيان ج : 5 ص : 198
بني كما بني ذا و عرف الآن بالألف و اللام و أمس يتضمن حرف التعريف لأن ما مضى بمنزلة المضمر في المعنى في أنه ليس له صورة و الحاضر في معنى المصرح في صحة الصورة و العامل في قوله « الآن » محذوف و تقديره الآن آمنت .

المعنى
ثم بين سبحانه م آل آل فرعون و قومه فقال « و جاوزنا ببني إسرائيل البحر » أي عبرنا بهم البحر حتى جاوزوه سالمين بأن يبسنا لهم البحر و فرقنا لهم الماء اثني عشر فرقا « فأتبعهم فرعون و جنوده بغيا و عدوا » أي ليبغوا عليهم و يظلموهم و ذلك أن الله سبحانه لما أجاب دعاء موسى أمره بإخراج بني إسرائيل من مصر ليلا فخرج و تبعهم فرعون و جنوده مشرقين حتى انتهوا إلى البحر و أمر الله سبحانه موسى (عليه السلام) فضرب البحر بعصاه فانفلق اثني عشر فرقا و صار لكل سبط طريق يابس فارتفع بين كل طريقين الماء كالجبل و صار في الماء شبه الخروق فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر رأوا البحر بتلك الهيأة فهابوا دخول البحر و كان فرعون على حصان أدهم فجاء جبرائيل (عليه السلام) على فرس وديق و خاض البحر و ميكائيل يسوقهم فلما شم أدهم فرعون ريح فرس جبريل (عليه السلام) انسل خلفه في الماء و اقتحمت الخيول خلفه فلما دخل آخرهم البحر و هم أولهم أن يخرج انطبق الماء عليهم « حتى إذا أدركه الغرق » أي وصل إليه الغرق و أيقن بالهلاك « قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين » و كان ذلك إيمان إلجاء لا يستحق به الثواب فلم ينفعه إيمانه « الآن و قد عصيت » قيل فيه إضمار أي قيل له الآن آمنت حين لا ينفع الإيمان و لا يقبل لأنه حال الإلجاء « و قد عصيت » بترك الإيمان في حال ما ينفعك الإيمان فهلا آمنت « قبل » و ذلك « و كنت من المفسدين » في الأرض بقتل المؤمنين و ادعاء الإلهية و أنواع الكفر و اختلف في قائل هذا القول فقيل قاله جبريل (عليه السلام) و قيل ذلك كلام الله تعالى قاله له على وجه الإهانة و التوبيخ و كان ذلك معجزة لموسى (عليه السلام) و روى علي بن إبراهيم بن هاشم بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال ما أتى جبريل رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلا كئيبا حزينا و لم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما أمر الله سبحانه بنزول هذه الآية نزل و هو ضاحك مستبشر فقال له حبيبي جبريل ما أتيتني إلا و بينت الحزن في وجهك حتى الساعة قال نعم يا محمد لما غرق الله فرعون « قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل » فأخذت حمأة فرضعتها في فيه ثم قلت له « الآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين » ثم خفت أن تلحقه الرحمة من عند الله فيعذبني على ما فعلت فلما كان الآن و أمرني أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون آمنت و علمت أن ذلك
مجمع البيان ج : 5 ص : 199
كان لله رضا « فاليوم ننجيك ببدنك » اختلف في معناه فقال أكثر المفسرين معناه لما أغرق الله فرعون و قومه أنكر بعض بني إسرائيل غرق فرعون و قالوا هو أعظم شأنا من أن يغرق فأخرجه الله حتى رأوه فذلك قوله « فاليوم ننجيك » أي نلقيك على نجوة من الأرض و هي المكان المرتفع ببدنك أي بجسدك من غير روح و ذلك أنه طفا عريانا و قيل معناه نخلصك من البحر و أنت ميت و البدن الدرع قال ابن عباس كانت عليه درع من ذهب يعرف بها فالمعنى نرفعك فوق الماء بدرعك المشهورة ليعرفوك بها « لتكون لمن خلفك آية » أي لتكون نكالا لمن خلفك فلا يقولوا مثل مقالتك عن الكلبي و قيل أنه كان يدعي أنه رب فبين الله أمره و أنه عبد و فيه من الآية أنه غرق مع القوم و أخرج هو من بينهم و كان ذلك آية عن الزجاج « و إن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون » يعني أن كثيرا من الناس عن التفكر في دلالاتنا و التدبر لحججنا و بيناتنا غافلون أي ذاهبون .
وَ لَقَدْ بَوَّأْنَا بَنى إِسرءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْق وَ رَزَقْنَهُم مِّنَ الطيِّبَتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّك يَقْضى بَيْنهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ(93)
الإعراب
المبوء يجوز أن يكون مصدرا و يجوز أن يكون مكانا و يكون المفعول الثاني من بوأت على هذا محذوفا كما حذف من قوله « و بوأكم في الأرض » و يجوز أن ينتصب المبوء نصب المفعول به على الاتساع و إن كان مصدرا فقد أجاز ذلك سيبويه في قوله أما الضرب فأنت ضارب .

المعنى
ثم بين سبحانه حال بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون فقال « و لقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق » أخبر سبحانه عن نعمه عليهم بعد أن أنجاهم و أهلك عدوهم يقول مكناهم مكانا محمودا و هو بيت المقدس و الشام و إنما قال « مبوأ صدق » لأن فضل ذلك المنزل على غيره من المنازل كفضل الصدق على الكذب و قيل معناه أنزلناهم في موضع خصب و أمن يصدق فيما يدل عليه من جلالة النعمة و قال الحسن يريد به مصر و ذلك أن موسى عبر ببني إسرائيل البحر ثانيا و رجع إلى مصر و تبوأ مساكن آل فرعون و قال الضحاك هو الشام و مصر « و رزقناهم من الطيبات » أي مكناهم الأشياء اللذيذة و هذا يدل على سعة أرزاق
مجمع البيان ج : 5 ص : 200
بني إسرائيل « فما اختلفوا حتى جاءهم العلم » معناه فما اختلفوا في تصديق محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يعني اليهود كانوا مقرين به قبل مبعثه حتى جاءهم العلم و هو القرآن الذي جاء به محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن ابن عباس و قال الفراء العلم محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لأنه كان معلوما عندهم بنعته فلما جاءهم اختلفوا في تصديقه فكفر به أكثرهم و قيل أن معناه فما اختلف بنو إسرائيل إلا من بعد ما جاءهم العلم بالحق على يد موسى و هارون فإنهم كانوا مطبقين على الكفر قبل مجيء موسى فلما جاءهم آمن به بعضهم و ثبت على الكفر بعضهم فصاروا مختلفين « إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون » هذا إخبار منه تعالى بأنه الذي يتولى الحكم بينهم يوم القيامة في الأمور التي يختلفون فيها فإن مع بقاء التكليف لا يرتفع الخلاف .
فَإِن كُنت فى شك مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْك فَسئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكتَب مِن قَبْلِك لَقَدْ جَاءَك الْحَقُّ مِن رَّبِّك فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْترِينَ(94) وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَسِرِينَ(95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّت عَلَيهِمْ كلِمَت رَبِّك لا يُؤْمِنُونَ(96) وَ لَوْ جَاءَتهُمْ كلُّ ءَايَة حَتى يَرَوُا الْعَذَاب الأَلِيمَ(97)
القراءة
قد تقدم اختلاف القراء في كلمة و كلمات و الوجه في ذلك .

اللغة
الامتراء طلب الشك مع ظهور الدليل و هو من مري الضرع و هو مسحة ليدر فلا معنى لمسحه بعد دروره بالحليب .

الإعراب
النون في قوله « فلا تكونن » نون التأكيد و هي لا تدخل في غير الواجب لأنك لا تقول أنت تكونن و دخلت في القسم على هذا الوجه لأنه يطلب بالقسم التصديق و إنما بنى الفعل مع نون التأكيد لأنها ركبت مع الفعل على تقدير كلمتين كل واحدة مركبة مع الأخرى مع أن الأولى ساكنة و اقتضت حركة بناء لالتقاء الساكنين ، « و لو جاءتهم كل آية » قال الأخفش أنث كل لأنها مضافة إلى مؤنث و لفظة كل للمذكر و المؤنث سواء و الرؤية في الآية رؤية العين
مجمع البيان ج : 5 ص : 201
لأنها تعدت إلى مفعول واحد و العذاب و إن كان أليما و هو لا يصح أن يرى فإنه ترى أسبابه فهو بمنزلة ما يرى .

المعنى
ثم بين سبحانه صحة نبوة محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال « فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك » اختلف المفسرون في معناه على أقوال أولها قال الزجاج إن هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها و خوضهم فيها و في السورة ما يدل على بيانها فإن الله سبحانه يخاطب النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و ذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى فإن كنتم في شك فاسألوا و الدليل عليه قوله في آخر السورة يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله و لكن أعبد الله الذي يتوفاكم الآية فأعلم الله سبحانه أن نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ليس في شك و مثل هذا قوله « يا أيها النبي إذا طلقتم النساء » فقال طلقتم و الخطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) وحده و هذا مذهب الحسن و ابن عباس و أكثر أهل التأويل و روي عن الحسن و قتادة و سعيد بن جبير أنهم قالوا إن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لم يشك و لم يسأل و هو المروي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( و ثانيها ) أن الخطاب لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و إن لم يشك و علم الله سبحانه أنه غير شاك و لكن الكلام خرج مخرج التقرير و الأفهام كما يقول القائل لعبده إن كنت عبدي فأطعني و لأبيه إن كنت والدي فتعطف على و لولده إن كنت ابني فبرني يريد بذلك المبالغة و ربما خرجوا في المبالغة ما يستحيل كقولهم بكت السماء لموت فلان أي لو كان تبكي سماء على ميت لبكت عليه و كذلك هاهنا يكون المعنى لو كنت ممن يشك فشككت « فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك » عن الفراء و غيره ( و ثالثها ) أن المعنى فإن كنت أيها المخاطب أو أيها السامع في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبينا محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فيكون الخطاب لغيره ( و رابعها ) ما ذكره الزجاج أنه يجوز أن يكون في معنى ما فيكون المعنى ما كنت في شك مما أنزلنا إليك « فاسأل الذين يقرءون الكتاب » أي لسنا نريد بأمرك أن تسأل لأنك شاك و لكن لتزداد إيمانا كما قال إبراهيم (عليه السلام) حين قال له أ و لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي فالزيادة في التعريف ليست مما يبطل صحة العقيدة و إنما أمر سبحانه بسؤال أهل الكتاب مع جحد أكثرهم لنبوته فيه قولان ( أحدهما ) أنه أمره بأن يسأل مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام و كعب الأحبار و تميم الداري و أشباههم عن ابن عباس و مجاهد و الضحاك ( و الآخر ) أن المراد سلهم عن صفة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) المبشر به في كتبهم ثم أنظر فيما وافق تلك الصفة و هذا القول أقوى لأن هذه السورة مكية و ابن سلام و غيره إنما أسلموا بالمدينة و قال الزهري إن هذه الآية نزلت في السماء فإن صح ذلك فقد كفي المئونة و رواه أصحابنا أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) )
مجمع البيان ج : 5 ص : 202
و قيل أيضا أن المراد بالشك الضيق و الشدة بما يعانيه من نعتهم و أذاهم أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك « فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك » كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم فاصبر كذلك « لقد جاءك الحق من ربك » يعني بالحق القرآن و الإسلام « فلا تكونن من الممترين » أي الشاكين « و لا تكونن من الذين كذبوا ب آيات الله » أي من جملة من يجحد آيات الله و لا يصدق بها « فتكون من الخاسرين » أي فإنك إن فعلت ذلك كنت من الخاسرين و لم يقل من الكافرين لأن الإنسان قد علم شدة تحسره و تأسفه على خسران ماله فكيف إذا خسر دينه و نفسه « إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون » معناه أن الذين أخبر الله عنهم بغير شرط أنهم لا يؤمنون فنفى الإيمان عنهم و لم ينف عنهم القدرة عليه فإن نفي الفعل لا يكون نفيا للقدرة عليه كما أن الله سبحانه نفى عن نفسه مغفرة المشركين و لم يكن ذلك نفيا لقدرته على مغفرتهم و قيل معناه إن الذين وجب عليهم سخط ربك عن قتادة و قيل معناه وجب عليهم وعيد ربك « و لو جاءتهم كل آية » أي كل معجزة و دلالة مما يقترحونها « حتى يروا العذاب الأليم » الموجع فيصيروا ملجئين إلى الإيمان و في هذا إعلام بأن هؤلاء الكفار لا لطف لهم في المعلوم يؤمنون عنده إيمان اختيار .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page