• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثالث عشر سورة ابراهيم آیات 43 الى 52


مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيهِمْ طرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتهُمْ هَوَاءٌ(43) وَ أَنذِرِ النَّاس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب فَيَقُولُ الَّذِينَ ظلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَل قَرِيب نجِب دَعْوَتَك وَ نَتَّبِع الرُّسلَ أَ وَ لَمْ تَكونُوا أَقْسمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكم مِّن زَوَال(44) وَ سكَنتُمْ فى مَسكنِ الَّذِينَ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ وَ تَبَينَ لَكمْ كَيْف فَعَلْنَا بِهِمْ وَ ضرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ(45)
اللغة
الإهطاع الإسراع قال :
في مهطع سرع كان زمامه
في رأس جذع من أراك مشذب و قال آخر :
بدجلة أهلها و لقد أراهم
بدجلة مهطعين إلى السماع أي مسرعين و قيل إن الإهطاع مد العنق و الهطع طول العنق قال أحمد بن يحيى المهطع الذي ينظر في ذل و خشوع لا يقلع بصره و الإقناع رفع الرأس و قال الزجاج المقنع الرافع و المقنع المرتفع قال الشماخ :
يباكرن العضاة بمقنعات
نواجذهن كالحدء الوقيع أي كالفئوس المحدبة يصف إبلا ترعى الشجر و الطرف مصدر طرفت عين فلان إذا نظرت و هو أن ينظر ثم يغمض و الطرف العين أيضا و أفئدتهم هواء أي متجوفة لا تعي شيئا للخوف و الفزع شبهها بهواء الجو قال حسان :
ألا أبلغ أبا سفيان عني
فأنت مجوف نخب هواء
مجمع البيان ج : 6 ص : 493
و قال زهير :
كان الرحل منها فوق صعل
من الظلمان جؤجؤة هواء و الأجل الوقت المضروب لانقضاء الأمد .

الإعراب
« يوم يأتيهم » نصب على أنه مفعول به و العامل فيه أنذرهم و لا يكون على الظرف لأنه لم يؤمر بالإنذار في ذلك اليوم .
فيقول عطف على يأتيهم و ليس جواب الأمر لأنه لو كان جوابا له لجاز فيه النصب و الرفع فالنصب مثل قول الشاعر :
يا ناق سيري عنقا فسيحا
إلى سليمان فنستريحا و الرفع على الاستئناف « و تبين لكم كيف فعلنا بهم » فاعل تبين محذوف أي تبين لكم فعلنا بهم و لا يكون الفاعل كيف لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله و لأن كيف لا يخبر عنه و إنما يخبر به و كيف هنا منصوب بقوله « فعلنا » .

المعنى
لما ذكر سبحانه يوم الحساب وصفه و بين أنه لا يمهل الظالمين عن غفلة لكن لتأكيد الحجة قال « و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون » و في هذا وعيد للظالم و تعزية للمظلوم و معناه و لا تظنن الله ساهيا عن مجازاة الظالمين على أعمالهم و قيل إن تقديره و لا تحسبن الله لا يعاقب الظالمين على أفعالهم و لا ينتصف للمظلومين منهم « إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار » و معناه إنما يؤخر عقابهم و مجازاتهم إلى يوم القيامة و هو اليوم الذي تكون فيه الأبصار شاخصة عن مواضعها لا تغمض لهول ما ترى في ذلك اليوم و لا تطرف عن الجبائي و قيل تشخص أبصارهم إلى إجابة الداعي حين يدعوهم عن الحسن و قيل تبقى أبصارهم مفتوحة لا تنطبق للتحير و الرعب « مهطعين » أي مسرعين عن الحسن و سعيد بن جبير و قتادة و قيل يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطوفون عن ابن عباس و مجاهد « مقنعي رءوسهم » أي رافعي رءوسهم إلى السماء حتى لا يرى الرجل مكان قدمه من شدة رفع الرأس و ذلك من هول يوم القيامة و قال مؤرج معناه ناكسي رءوسهم بلغة قريش « لا يرتد إليهم طرفهم » أي لا ترجع إليهم أعينهم و لا يطبقونها و لا يغمضونها و إنما هو نظر دائم « و أفئدتهم هواء » أي قلوبهم خالية من كل شيء فزعا و خوفا عن ابن عباس و قيل خالية من كل سرور و طمع في الخير لشدة ما يرون من الأهوال كالهواء الذي بين السماء
مجمع البيان ج : 6 ص : 494
و الأرض و قيل معناه و أفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج و لا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشيء الذاهب في جهات مختلفة المتردد في الهواء عن سعيد بن جبير و قتادة و قيل معناه خالية عن عقولهم عن الأخفش « و أنذر الناس » معناه و دم يا محمد على إنذارك الناس و هو عام في كل مكلف عن الجبائي و أبي مسلم و قيل معناه و خوف أهل مكة بالقرآن عن ابن عباس و الحسن « يوم يأتيهم العذاب » و هو يوم القيامة أو يأتيهم العذاب عذاب الاستئصال في الدنيا و قيل هو يوم المعاينة عند الموت و الأول أظهر « فيقول الذين ظلموا » نفوسهم بارتكاب المعاصي « ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك » أي ردنا إلى الدنيا و اجعل ذلك مدة قريبة نجب دعوتك فيها « و نتبع الرسل » أي نتبع رسلك فيما يدعوننا إليه فيقول الله تعالى مخاطبا لهم أو يقول الملائكة بأمره « أ و لم تكونوا أقسمتم » أي حلفتم « من قبل » في دار الدنيا « ما لكم من زوال » أي ليس لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة عن مجاهد و قيل معناه من زوال من الراحة إلى العذاب عن الحسن و في هذه دلالة على أن أهل الآخرة غير مكلفين خلافا لما يقول النجار و جماعة لأنهم لو كانوا مكلفين لما كان لقولهم « أخرنا إلى أجل قريب » وجه و لكان ينبغي لهم أن يؤمنوا فيتخلصوا من العقاب إذا كانوا مكلفين « و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم » هذا زيادة توبيخ لهم و تعنيف أي و سكنتم ديار من كذب الرسل قبلكم فأهلكهم الله و عرفتم ما نزل بهم من البلاء و الهلاك و العذاب المعجل عن ابن عباس و الحسن و مساكنهم دورهم و قراهم و قيل إنهم عاد و ثمود و قيل هم المقتولون ببدر « و ضربنا لكم الأمثال » و بينا لكم الأشباه و أخبرناكم بأحوال الماضين قبلكم لتعتبروا بها فلم تعتبروا و لم تتعظوا و قيل الأمثال ما ذكر في القرآن مما يدل على أنه تعالى قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء و الابتداء و قيل هي الأمثال المنبهة على الطاعة الزاجرة عن المعصية عن الجبائي و في هذه الآيات دلالة على أن الإيمان من فعل العبد إذ لو كان من فعل الله تعالى لم يكن لتمني العود إلى الدنيا معنى .

مجمع البيان ج : 6 ص : 495
وَ قَدْ مَكَرُوا مَكرَهُمْ وَ عِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِن كانَ مَكرُهُمْ لِتزُولَ مِنْهُ الجِْبَالُ(46) فَلا تحْسبنَّ اللَّهَ مخْلِف وَعْدِهِ رُسلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام(47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْض غَيرَ الأَرْضِ وَ السمَوَت وَ بَرَزُوا للَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ(48) وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئذ مُّقَرَّنِينَ فى الأَصفَادِ(49) سرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَان وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50) لِيَجْزِى اللَّهُ كلَّ نَفْس مَّا كَسبَت إِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الْحِسابِ(51) هَذَا بَلَغٌ لِّلنَّاسِ وَ لِيُنذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلْبَبِ(52)
القراءة
قرأ الكسائي وحده لتزول بفتح اللام الأولى و رفع الثانية و الباقون « لتزول » بكسر اللام الأولى و نصب الثانية و في الشواذ عن علي (عليه السلام) و عمرو بن مسعود و أبي بن كعب و إن كاد مكرهم لتزول و قرأ زيد عن يعقوب من قطر آن على كلمتين منونتين و هو قراءة أبي هريرة و ابن عباس و سعيد بن جبير و الكلبي و قتادة و عيسى الهمداني و الربيع و قرأ سائر القراء « قطران » .

الحجة
قال أبو علي من قرأ « لتزول » بالنصب فإن إن هي النافية فيكون مثل قوله و ما كان الله ليطلعكم على الغيب فمعناه و ما كان مكرهم لتزول منه الجبال و الجبال كأنه أمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و إعلامه و دلائله أي ما كان مكرهم لتزول منه ما هو مثل الجبال في امتناعه ممن أراد إزالته و من قرأ لتزول كانت إن هي المخففة من الثقيلة على تعظيم أمر مكرهم بخلاف القراءة الأولى فيكون كقوله و مكروا مكرا كبارا أي قد كان مكرهم لعظمه و كبره يكاد يزيل ما هو مثل الجبال في الامتناع على من أراد إزالتها و ثباتها و مثل هذا في التعظيم للأمر قول الشاعر :
أ لم تر صدعا في السماء مبينا
على ابن لبينى الحارث بن هشام و قال :
بكى الحارث الجولان من موت ربه
و حوران منه خاشع متضائل قال أوس :
مجمع البيان ج : 6 ص : 496

أ لم تكسف الشمس شمس النهار
مع النجم و القمر الواجب و يدل على أن الجبال يعني بها أمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قوله بعد « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله » أي فقد وعد الظهور عليهم و الغلبة لهم في قوله ليظهره على الدين كله و قوله للذين كفروا ستغلبون و قد استعمل لفظ الجبال في غير هذا الموضع في تعظيم الشيء و تفخيمه قال ابن مقبل :
إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى
لها شاعرا مثلي أطب و أشعرا
و أكثر بيتا شاعرا ضربت به
بطون جبال الشعر حتى تيسرا و من قرأ و إن كاد مكرهم لتزول فهي مخففة من الثقيلة أيضا فتقديره و أنه كاد مكرهم لتزول منه الجبال قال ابن جني القطر الصفر و النحاس و هو أيضا الفلز رويناه عن قطرب و هو أيضا الصاد و منه قدور الصاد أي قدور الصفر و الآني الذي قد أنى و أدرك أنى الشيء يأني أنيا و أنا مقصور و منه قوله عز سبحانه غير ناظرين إناه أي بلوغه و إدراكه قال أبو علي و منه الإناء لأنه الظرف الذي قد بلغ غايته المرادة منه من حرز و صياغة و نحو ذلك قال أمية :
و سليمان إذ يسيل له القطر
على ملكه ثلاث ليال و أما القطران ففيه ثلاث لغات قطران على فعلان و قطران بفتح القاف و إسكان الطاء و قطران بكسر القاف و إسكان الطاء و الأصل فيهما قطران فأسكنا على ما يقال في كلمة كلمة و كلمة لغة تميمية قال أبو النجم :
جون كان العرق المنتوحا
ألبسه القطران و المسوحا و قال :
كان قطرانا إذا تلاها
ترمي به الريح إلى مجراها .

اللغة
البروز الظهور و الأصفاد جمع الصفد و هو الغل الذي يقرن به اليد إلى العنق و يجوز أن يكون السلسلة التي يقع بها التقرين و التقرين جمع الشيء إلى نظيره و القران الحبل يقرن به شيئان يقال صفدته بالحديد و أصفدته و صفدته قال عمرو بن كلثوم :
فأبوا بالنهاب و بالسبايا
و أبنا بالملوك مصفدينا
مجمع البيان ج : 6 ص : 497
و منه أصفدته إصفادا إذا أعطيته مالا و الصفد العطية و هو من الأول لأن العطية تصفد المودة و تقيدها و إلى هذا المعنى أشار المتنبي بقوله :
و من وجد الإحسان قيدا تقيدا و الاختبار في الحديد صفدته و في العطية أصفدته قال الأعشى :
تضيفته يوما فقرب مجلسي
و أصفدني على الزمانة قائدا و معناه و أعطاني قايدا و قال النابغة في الصفد الذي هو العطية :
هذا الثناء فإن تسمع لقائله
فما عرضت أبيت اللعن للصفد و السربال القميص قال امرؤ القيس :
و مثلك بيضاء العوارض طفلة
لعوب تنسيني إذا قمت سربالي و البلاغ الكفاية و منه البلاغة و هو البيان الكافي و البليغ هو الذي يبلغ بلسانه كنه ما في ضميره .

الإعراب
« مخلف وعده رسله » إضافة مخلف إلى وعده إضافة غير محضة لأنها في تقدير الانفصال و وعده و إن كان مجرورا في اللفظ فإنه منصوب في المعنى لأنه مفعول في المعنى فإن الإخلاف يقتضي مفعولين يقال أخلفت زيدا وعده فعلى هذا يكون تقديره مخلفا وعده رسله و قيل أنه قرأ في الشواذ مخلف وعده بالنصب رسله بالجر و هي رديئة للفصل بين المضاف و المضاف إليه و أنشدوا في ذلك :
فزججتها بمزجة
زج القلوص أبي مزادة و معناه فزججتها زج أبي مزادة القلوص و العامل في قوله « يوم تبدل الأرض » قوله « مخلف وعده » أو « انتقام » أي ينتقم ذلك اليوم أو يكون محذوفا على تقدير و اذكر يوم تبدل الأرض و إن شئت جعلته نعتا لقوله يوم يقوم الحساب و الأرض مرفوعة على ما لم يسم فاعله و غير منصوب على أنه مفعول ما لم يسم فاعله تقول بدل الخاتم خاتما آخر إذا كسر و صيغ صيغة أخرى و قد تقول بدل زيد إذا تغير حاله .

المعنى
ثم أبان سبحانه عن مكر الكفار و دفعه ذلك عن رسله (عليهم السلام) تسلية لنبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال « و قد مكروا مكرهم » أي و قد مكروا بالأنبياء قبلك ما
مجمع البيان ج : 6 ص : 498
أمكنهم من المكر كما مكروا بك فعصمهم الله من مكرهم كما عصمك و قيل عنى به كفار قريش الذين دبروا في أمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و احتالوا عليه و مكروا بالمؤمنين و خدعوهم « و عند الله مكرهم » أي جزاء مكرهم فحذف المضاف كما حذف من قوله « ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا » و هو واقع بهم أي جزاؤه يريد و قد عرف الله مكرهم فهو يجازيهم عليه « و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال » أي و لم يكن مكرهم ليبطل حجج القرآن و ما معك من دلائل النبوات فإن ذلك ثابت بالدليل و البرهان و المعنى لا تزول منه الجبال فكيف يزول منه الدين الذي هو أثبت من الجبال و على القراءة الأخرى فالمعنى أن مكرهم و إن بلغ كل مبلغ فلا يزيل دين الله تعالى على ما تقدم بيانه و لا يضر ذلك أنبياءه و لا يزيل أمرهم و لا سيما أمر محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فإنه أثبت من الجبال و قد قيل إن المراد به نمرود بن كوش بن كنعان حين أخذ التابوت و أخذ أربعة من النسور فأجاعها أياما و علق فوقها لحما و ربط التابوت إليها و طارت النسور بالتابوت و هو و وزيره فيه إلى أن بلغت حيث شاء الله تعالى و ظن أنه بلغ السماء ففتح باب التابوت من أعلاه فرأى بعد السماء منه كبعدها حين كان في الأرض و فتح بابا من أسفل التابوت فرأى الأرض قد غابت عنه فهاله الأمر فصوب النسور و سقط التابوت و كانت له وجبة عن ابن عباس و ابن مسعود و جماعة « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله » أي فلا تظنن الله عز اسمه مخلفا رسله ما وعدهم به من النصر و الظفر بالكفار و الظهور عليهم « إن الله عزيز » أي ممتنع بقدرته من أن ينال باهتضام و هو من الكفار « ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات » قيل فيه قولان ( أحدهما ) إن المعنى تبدل صورة الأرض و هيئتها عن ابن عباس فقد روي عنه أنه قال تبدل آكامها و آجامها و جبالها و أشجارها و الأرض على حالتها و تبقى أرضا بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم و لم يعمل عليها خطيئة و تبدل السماوات فيذهب بشمسها و قمرها و نجومها و كان ينشد :
فما الناس بالناس الذين عهدتهم
و لا الدار بالدار التي كنت أعرف و يعضده ما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال يبدل الله الأرض غير الأرض و السماوات فيبسطها و يمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا و لا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة مثل مواضعهم من الأولى . ما كان في بطنها كان في بطنها و ما كان على ظهرها كان على ظهرها ( و الآخر ) أن المعنى تبدل الأرض و تنشأ أرض غيرها و السماوات كذلك تبدل بغيرها و تفنى هذه عن الجبائي و جماعة من المفسرين و في تفسير
مجمع البيان ج : 6 ص : 499
أهل البيت (عليهم السلام) بالإسناد عن زرارة و محمد بن مسلم و حمران بن أعين عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب قال الله تعالى و ما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام و هو قول سعيد بن جبير و محمد بن كعب و روى سهل بن سعد الساعدي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد و روي عن ابن مسعود أنه قال تبدل الأرض بنار فتصير الأرض كلها يوم القيامة نارا و الجنة من ورائها يرى كواعبها و أكوابها و يلجم الناس العرق و لم يبلغ الحساب بعد و قال كعب تصير السماوات جنانا و يصير مكان البحر النار و تبدل الأرض غيرها و روي عن أبي أيوب الأنصاري قال أتى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حبر من اليهود فقال أ رأيت إذ يقول الله تعالى في كتابه « يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات » فأين الخلق عند ذلك فقال أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه و قيل تبدل الأرض لقوم بأرض الجنة و لقوم بأرض النار و قال الحسن يحشرون على الأرض الساهرة و هي أرض غير هذه و هي أرض الآخرة و فيها تكون جهنم و تقدير الكلام و تبدل السماوات غير السماوات إلا أنه حذف لدلالة الظاهر عليه « و برزوا لله » أي يظهرون من أرض قبورهم للمحاسبة لا يسترهم شيء و جعل ذلك بروزا لله لأن حسابهم معه و إن كانت الأشياء كلها بارزة له لا يسترها عنه شيء « الواحد » الذي لا شبه له و لا نظير « القهار » المالك الذي لا يضام يقهر عباده بالموت الزؤام « و ترى المجرمين » يعني الكفار عن ابن عباس و الحسن و هو الظاهر لأنه تقدم ذكرهم « يومئذ » أي يوم القيامة « مقرنين في الأصفاد » أي مجمعين في الأغلال قرنت أيديهم بها إلى أعناقهم و قيل يقرن بعضهم إلى بعض عن الجبائي و قيل مشدودين في قرن أي حبل من الأصفاد و القيود عن أبي مسلم و قيل يقرن كل كافر مع شيطان كان يضله في غل من حديد عن ابن عباس و الحسن و يبينه قوله تعالى احشروا الذين ظلموا و أزواجهم أي قرناءهم من الشياطين و قوله و إذا النفوس زوجت « سرابيلهم » أي قميصهم « من قطران » و هو ما يطلى به الإبل شيء أسود لزج منتن يطلون به فيصير كالقميص عليهم ثم يرسل النار فيهم لتكون أسرع إليهم و أبلغ في الاشتعال و أشد في العذاب عن الحسن و الزجاج و قيل نحاس أو صفر مذاب قد انتهى حره عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و جوز الجبائي على القراءتين أن يسربلوا سربالين أحدهما من القطران و الآخر من القطر الآني « و تغشى وجوههم النار » أي و تصيب وجوههم النار لا قطران عليها « ليجزي الله كل نفس ما كسبت » اللام تعلقت بما تقدم أخبر سبحانه أنه إنما
مجمع البيان ج : 6 ص : 500
فعل ذلك بهم لتجزى كل نفس بما كسبت خيرا بأن آمنت و أطاعت أثابها الله بالنعيم المقيم و إن كسبت شرا بأن كفرت و جحدت عاقبها بالعذاب الأليم في نار الجحيم « إن الله سريع الحساب » أي سريع المجازاة و قد سبق بيانه « هذا بلاغ للناس » هو إشارة إلى القرآن عن ابن عباس و الحسن و ابن زيد و غيرهم أي هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية و قيل هو إشارة إلى ما تقدم ذكره أي هذا الوعيد كفاية لمن تدبره من الناس و الأول هو الصحيح « و لينذروا به » أي أنزل ليبلغوا و ينذروا به و ليخوفوا بما فيه من الوعيد « و ليعلموا أنما هو إله واحد » لا شريك له بالنظر في أدلة التوحيد التي بينها الله في القرآن « و ليذكر أولوا الألباب » أي و ليتعظ به أهل العقول و ذوو النهى و في هذه الآية دلالة على أن القرآن كاف في جميع ما يحتاج الناس إليه في أمور الدين لأن جميع أمور الدين جملها و تفاضيلها يعلم بالقرآن إما بنفسه و إما بواسطة فيجب على المؤمن المجتهد المهتم بأمور الدين أن يشمر عن ساق الجد في طلب أمور القرآن و يصدق عنايته بمعرفة ما فيه من بدائع الحكمة و مواضع البيان مكتفيا به عما سواه لينال السعادة في دنياه و عقباه و في قوله « و ليعلموا أنما هو إله واحد » دلالة على أنه سبحانه أراد من الناس علم التوحيد خلافا لأهل الجبر في قولهم أنه سبحانه أراد من النصارى إثبات التثليث و من الزنادقة القول بالتثنية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا و في قوله « ليذكر » دلالة على أنه أراد من الجميع التدبر و التذكر و على أن العقل حجة لأن غير ذوي العقول لا يمكنهم الفكر و الاعتبار .

النظم
اتصلت الآية الثانية بقوله « و عند الله مكرهم » أي فلا تحسبوا أن الله يخلف وعده بل يجازيهم و ينصر رسله و قيل اتصلت بقوله « إنما يؤخرهم » أي فلا تحسبوه مخلف وعده في العقوبة للكفار بل إن شاء أخر و إن شاء عجل و اتصل قوله « يوم تبدل الأرض غير الأرض » بقوله « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله » أي لا يخلفهم وعده لا في الدنيا و لا في الآخرة عن أبي مسلم و قيل المراد به أنه ذو انتقام من الكفار ذلك اليوم و اتصل قوله « ليجزي الله كل نفس ما كسبت » بقوله « يوم تبدل الأرض » .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page