• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الخامس عشر سورة الإسراء آیات87 الى 96


إِلا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك إِنَّ فَضلَهُ كانَ عَلَيْك كبِيراً(87) قُل لَّئنِ اجْتَمَعَتِ الانس وَ الْجِنُّ عَلى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضهُمْ لِبَعْض ظهِيراً(88) وَ لَقَدْ صرَّفْنَا لِلنَّاسِ فى هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كلِّ مَثَل فَأَبى أَكْثرُ النَّاسِ إِلا كفُوراً(89)
اللغة
الظهير المعين و هو المظاهر و أصله من الظهر كان كل واحد يسند ظهره إلى ظهر صاحبه فيتقوى به و التصريف تصيير الشيء دائرا في الجهات و كذلك تصريف الكلام هو تصييره دائرا في المعاني المختلفة .

الإعراب
« إلا رحمة من ربك » الرحمة استثناء من الأول و المعنى و لكن الله تعالى رحمك فأثبت ذلك في قلبك « لا يأتون » مرفوع لأنه غلب جواب القسم على جواب أن و اللام في لئن موطئة للقسم دالة عليه و التقدير فو الله لا يأتون بمثله و مثله قول كثير :
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها
و أمكنني منها إذا لا أقيلها .

المعنى
ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « و يسئلونك » يا محمد « عن الروح » اختلف في الروح المسئول عنه على أقوال ( أحدها ) أنهم سألوه عن الروح الذي هو في بدن الإنسان ما هو و لم يجبهم و سأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن مسعود و ابن عباس و جماعة و اختاره الجبائي و على هذا فإنما عدل النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن جوابهم لعلمه بأن ذلك أدعى لهم إلى الصلاح في الدين و لأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين فلو صدر الجواب لازدادوا عنادا و قد قيل إن اليهود قالت لكفار قريش سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي و إن لم يجبكم فهو نبي فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم و إن يكلهم في معرفة الروح إلى ما في عقولهم ليكون ذلك علما على صدقه و دلالة لنبوته ( و ثانيها ) أنهم
مجمع البيان ج : 6 ص : 675
سألوا عن الروح أ هي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك فقال سبحانه « قل الروح من أمر ربي » أي من فعله و خلقه و كان هذا جوابا لهم عما سألوه عنه بعينه و على هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوا عنه هو الذي به قوام الجسد على قول ابن عباس و غيره أم جبرائيل (عليه السلام) على قول الحسن و قتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله بجميع ذلك على ما روي عن علي (عليه السلام) أم عيسى (عليه السلام) فإنه قد سمي بالروح ( و ثالثها ) أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك أو كيف صار معجزا و كيف صار نظمه و ترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب و الأشعار و قد سمى الله تعالى القرآن روحا في قوله و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا فقال سبحانه قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي أنزله دلالة علي دلالة نبوتي و ليس من فعل المخلوقين و لا مما يدخل في إمكانهم و على هذا فقد وقع الجواب أيضا موقعه و أما على القول الأول فيكون معنى قوله « الروح من أمر ربي » هو من الأمر الذي يعلمه ربي و لم يطلع عليه أحد و اختلف العلماء في ماهية الروح فقيل إنه جسم رقيق هوائي متردد في مخارق الحيوان و هو مذهب أكثر المتكلمين و اختاره الأجل المرتضى علم الهدى قدس الله روحه و قيل جسم هوائي على بينة حيوانية في كل جزء منه حياة عن علي بن عيسى قال فلكل حيوان روح و بدن إلا أن منه من الأغلب عليه الروح و منه من الأغلب عليه البدن و قيل إن الروح عرض ثم اختلف فيه فقيل هو الحياة التي يتهيأ به المحل لوجود القدرة و العلم و الاختيار و هو مذهب الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ( ره ) و البلخي و جماعة من المعتزلة البغداديين و قيل هو معنى في القلب عن الأسواري و قيل إن الروح الإنسان و هو الحي المكلف عن ابن الإخشيد و النظام و قال بعض العلماء إن الله تعالى خلق الروح من ستة أشياء من جوهر النور و الطيب و البقاء و الحياة و العلم و العلو أ لا ترى أنه ما دام في الجسد كان الجسد نورانيا يبصر بالعينين و يسمع بالأذنين و يكون طيبا فإذا خرج من الجسد نتن الجسد و يكون باقيا فإذا فارقه الروح بلي و فنى و يكون حيا و بخروجه يصير ميتا و يكون عالما فإذا خرج منه الروح لم يعلم شيئا و يكون علويا لطيفا توجد به الحياة بدلالة قوله تعالى في صفة الشهداء بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين و أجسامهم قد بليت في التراب و قوله « و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا » قيل هو خطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و غيره إذا لم يبين له الروح و معناه و ما أوتيتم من العلم المنصوص عليه إلا قليلا أي شيئا يسيرا لأن غير المنصوص عليه أكثر فإن معلومات الله تعالى لا نهاية لها و قيل خطاب لليهود الذين سألوه فقالت له اليهود عند ذلك كيف و قد أعطانا الله التوراة فقال التوراة في علم الله قليل ثم قال سبحانه « و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك »
مجمع البيان ج : 6 ص : 676
يعني القرآن و معناه أني أقدر أن آخذ ما أعطيتك كما منعت غيرك و لكني دبرتك بالرحمة لك فأعطيتك ما تحتاج إليه و منعتك ما لا تحتاج إلى النص عليه و إن توهم قوم أنه مما تحتاج إليه فتدبر أنت بتدبير ربك و ارض بما اختاره لك « ثم لا تجد لك به علينا وكيلا » أي ثم لو فعلنا ذلك لم تجد علينا وكيلا يستوفي ذلك منا و قيل معناه و لو شئنا لمحونا هذا القرآن من صدرك و صدر أمتك حتى لا يوجد له أثر ثم لا تجد له حفيظا يحفظه عليك و يحفظ ذكره على قلبك عن الحسن و أبي مسلم و الأصم قالوا و في هذا دلالة على أن السؤال وقع عن القرآن « إلا رحمة من ربك » معناه لكن رحمة من الله ربك لك أعطاك ما أعطاك من العلوم و منعك ما منعك منها و أثبت القرآن في قلبك و قلوب المؤمنين « إن فضله كان » فيما مضى و فيما يستقبل « عليك كبيرا » عظيما إذ اختارك للنبوة و خصك بالقرآن فقابله بالشكر و قال ابن عباس يريد حيث جعلك سيد ولد آدم و ختم ربك النبيين و أعطاك المقام المحمود ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن فقال « قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله » معناه قل يا محمد لهؤلاء الكفار لئن اجتمعت الإنس و الجن متعاونين متعاضدين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته و بلاغته و نظمه على الوجوه التي هو عليها من كونه في الطبقة العليا من البلاغة و الدرجة القصوى من حسن النظم و جودة المعاني و تهذيب العبارة و الخلو من التناقض و اللفظ المسخوط و المعنى الدخول على حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت لعجزوا عن ذلك و لم يأتوا بمثله « و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا » أي معينا على ذلك مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه عن ابن عباس و في هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال لو نشاء لقلنا مثل هذا قال أبو مسلم و في هذا أيضا دلالة على أن السؤال بالروح وقع عن القرآن لأنه من تمام ما أمر الله نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يجيئهم به « و لقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل » معناه لقد بينا لهم في هذا القرآن من كل ما يحتاج إليه من الدلائل و الأمثال و العبر و الأحكام و ما يحتاجون إليه في دينهم و دنياهم ليتفكروا فيها « فأبى أكثر الناس إلا كفورا » أي جحودا للحق و المثل قد يكون الشيء بعينه و قد يكون صفة للشيء و قد يكون شبهة .

مجمع البيان ج : 6 ص : 677
وَ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَك حَتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً(90) أَوْ تَكُونَ لَك جَنَّةٌ مِّن نخِيل وَ عِنَب فَتُفَجِّرَ الأَنْهَرَ خِلَلَهَا تَفْجِيراً(91) أَوْ تُسقِط السمَاءَ كَمَا زَعَمْت عَلَيْنَا كِسفاً أَوْ تَأْتىَ بِاللَّهِ وَ الْمَلَئكةِ قَبِيلاً(92) أَوْ يَكُونَ لَك بَيْتٌ مِّن زُخْرُف أَوْ تَرْقى فى السمَاءِ وَ لَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّك حَتى تُنزِّلَ عَلَيْنَا كِتَباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سبْحَانَ رَبى هَلْ كُنت إِلا بَشراً رَّسولاً(93) وَ مَا مَنَعَ النَّاس أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَن قَالُوا أَ بَعَث اللَّهُ بَشراً رَّسولاً(94) قُل لَّوْ كانَ فى الأَرْضِ مَلَئكةٌ يَمْشونَ مُطمَئنِّينَ لَنزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمَاءِ مَلَكاً رَّسولاً(95)
القراءة
قرأ أهل الكوفة و يعقوب « حتى تفجر لنا » بفتح التاء و ضم الجيم و الباقون تفجر بضم التاء و تشديد الجيم و قرأ أبو جعفر و ابن عامر « كسفا » بفتح السين هاهنا و في سائر القرآن كسفا ساكنة السين و قرأ حفص بالفتح في جميع القرآن إلا في الطور و قرأ أهل العراق و ابن كثير بالسكون في جميع القرآن إلا في الروم و لم يقرأ في الروم بسكون السين إلا أبو جعفر و ابن عامر و ابن كثير و ابن عامر قال سبحان ربي و الباقون « قل » على الأمر .

الحجة
من قرأ تفجر بالتشديد فلأنهم أرادوا كثرة الانفجار من الينبوع و هو و إن كان واحدا فلتكثير الانفجار منه حسن أن يقال بتكرير العين كما يقال ضرب زيد إذا كثر منه فعل الضرب و من قرأ « تفجر » فلأن الينبوع واحد فلا يكون كقوله فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا لأن فجرت الأنهار مثل غلقت الأبواب فلذلك اتفق الجميع على التثقيل فيه و الكسف القطع واحدتها كسفة و من سكنة جاز أن يريد الجمع مثل سدرة و سدر قال أبو زيد : كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قال أبو علي إذا كان المصدر الكسف فالكسف الشيء المقطوع كالطحن و الطحن و السقي و السقي و نحو ذلك فجاز أن يكون قوله « أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا » بمعنى ذات كسف و ذلك أن أسقط لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد فوجب أن ينتصب كسفا على الحال و الحال ذو الحال في المعنى و إذا كان كذلك وجب أن يكون الكسف هو السماء فيصير المعنى أو تسقط السماء علينا مقطعة أو قطعا و من قرأ قال سبحان ربي فالوجه فيه أن الرسول قال عند اقتراحهم هذه الأشياء سبحان ربي و من قرأ « قل » فهو على الأمر له بأن يقول ذلك .

مجمع البيان ج : 6 ص : 678
اللغة
التفجير التشقيق عما يجري من ماء أو ضياء و منه سمي الفجر لأنه ينشق عن عمود و منه الفجور لأنه خروج إلى الفساد يشقق به عمود الحق و الينبوع يفعول من نبع الماء ينبع فهو نابع إذا فار و القبيل الكفيل من قبلت به أقبل قبالة أي كفلت و تقبل فلان بالشيء إذا تكفل به قال الزجاج و جائز أن يكون المعنى تأتي بهم حتى نراهم مقابلة أي معاينة و أنشد غيره :
نصالحكم حتى تبوؤا بمثلها
كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها أي قابلتها التي هي مقابلتها و العرب تجريه في هذا المعنى مجرى المصدر فلا يثنى و لا يجمع و لا يؤنث و أصل الزخرف من الزخرفة و هي الزينة و زخرفت الشيء إذا أكملت زينته و لا شيء في تحسين بيت و تزيينه و زخرفته كالذهب و يقال في الصعود رقيت أرقى رقيا و فيما تداويه بالرقية رقيت أرقى رقية و رقيا .

النزول
قال ابن عباس إن جماعة من قريش و هم عتبة و شيبة ابنا ربيعة و أبو سفيان بن حرب و الأسود بن المطلب و زمعة بن الأسود و الوليد بن المغيرة و أبو جهل بن هشام و عبد الله بن أبي أمية و أمية بن خلف و العاص بن وائل و نبيه و منبه ابنا الحجاج و النضر بن الحارث و أبو البختري بن هشام اجتمعوا عند الكعبة و قال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد فكلموه و خاصموه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك فبادر (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إليهم ظنا منه أنهم بدا لهم في أمره و كان حريصا على رشدهم فجلس إليهم فقالوا يا محمد إنا دعوناك لنعذر إليك فلا نعلم أحدا دخل على قومه ما أدخلت على قومك شتمت الآلهة و عبت الدين و سفهت الأحلام و فرقت الجماعة فإن كنت جئت بهذا لتطلب مالا أعطيناك و إن كنت تطلب الشرف سودناك علينا و إن كانت علة غلبت عليك طلبنا لك الأطباء فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ليس شيء من ذلك بل بعثني الله إليكم رسولا و أنزل كتابا فإن قبلتم ما جئت به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة و إن تردوه أصبر حتى يحكم الله بيننا قالوا فإذن ليس أحد أضيق بلدا منا فاسأل ربك أن يسير هذه الجبال و يجري لنا أنهارا كأنهار الشام و العراق و أن يبعث لنا من مضى و ليكن فيهم قصي فإنه شيخ صدوق لنسألهم عما تقول أ حق أم باطل فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ما بهذا بعثت قالوا فإن لم تفعل ذلك فاسأل ربك أن يبعث ملكا يصدقك و يجعل لنا جنات و كنوزا و قصورا من ذهب فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ما بهذا بعثت و قد جئتكم بما بعثني الله به فإن قبلتم و إلا فهو يحكم بيني و بينكم قالوا فأسقط
مجمع البيان ج : 6 ص : 679
علينا السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك قال ذاك إلى الله إن شاء فعل و قال قائل منهم لا نؤمن حتى تأتي بالله و الملائكة قبيلا فقام النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قام معه عبد الله بن أبي أمية المخزومي ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله ثم سألوك لأنفسهم أمورا فلم تفعل ثم سألوك أن تجعل ما تخوفهم به فلم تفعل فو الله لا أومن بك أبدا حتى تتخذ سلما إلى السماء ثم ترقى فيه و أنا أنظر و يأتي معك نفر من الملائكة يشهدون لك و كتاب يشهد لك و قال أبو جهل أنه أبى إلا سب الآلهة و شتم الآباء و أنا أعاهد الله لأحملن حجرا فإذا سجد ضربت به رأسه فانصرف رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حزينا لما رأى من قومه فأنزل الله سبحانه الآيات .

المعنى
لما بين سبحانه فيما تقدم إعجاز القرآن عقب ذلك البيان بأنهم أبوا إلا الكفر و الطغيان و اقترحوا من الآيات ما ليس لهم ذلك فقال « و قالوا لن نؤمن لك » أي لن نصدقك فيما تدعي من النبوة « حتى تفجر لنا من الأرض » أي تشقق لنا من أرض مكة فإنها قليلة الماء « ينبوعا » أي عينا ينبع منه الماء في وسط مكة « أو تكون لك جنة » و هي ما تجنه الأشجار أي تستره « من نخيل و عنب فتفجر الأنهار » من الماء « خلالها » أي وسطها « تفجيرا » أي تشقيقا حتى يجري الماء تحت الأشجار « أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا » أي قطعا قد تركب بعضها على بعض عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قوله « كما زعمت » معناه كما خوفتنا به من انشقاق السماء و انفطارها و قيل معناه كما زعمت أنك نبي تأتي بالمعجزات « أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا » أي كفيلا و معناه تأتي بكل واحد حتى يكون كفيلا ضامنا لنا بما تقول عن ابن عباس و الضحاك و قيل هو جمع القبيلة أي تأتي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة عن مجاهد و قيل معناه مقابلين لنا كالشيء يقابل الشيء حتى نشاهدهم قبيلا أي مقابلة نعاينهم و يشهدون بأنك حق و دعوتك صدق عن الجبائي و قتادة و هذا يدل على أن القوم كانوا مشبهة مع شركهم « أو يكون لك بيت من زخرف » أي من ذهب عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل الزخرف النقوش عن الحسن « أو ترقى في السماء » أي تصعد « و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه » أي و لو فعلت ذلك لم نصدقك حتى تنزل على كل واحد منا كتابا من الله شاهدا بصحة نبوتك نقرؤه و هو مثل قوله بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة « قل سبحان ربي » أي تنزيها له من كل قبيح و براءة له من كل سوء و في ذلك من الجواب أنكم تتخيرون الآيات و هي إلى الله سبحانه فهو العالم بالتدبير الفاعل لما توجبه المصلحة فلا وجه لطلبكم إياها مني و قيل معناه تعظيما له عن أن يحكم عليه عبيده لأن له الطاعة عليهم و قيل إنهم لما قالوا تأتي بالله و ترقى في السماء إلى الله
مجمع البيان ج : 6 ص : 680
لاعتقادهم أن الله تعالى جسم قال « قل سبحان ربي » عن كونه بصفة الأجسام حتى تجوز عليه المقابلة و النزول و قيل معناه تنزيها له عن أن يفعل المعجزات تابعا للاقتراحات « هل كنت إلا بشرا رسولا » معناه أن هذه الأشياء ليس في طاقة البشر أن يأتي بها و أن يفعلها فلا أقدر بنفسي أن آتي بها كما لم يقدر من كان قبلي من الرسل و الله تعالى إنما يظهر الآيات المعجزة على حسب المصلحة و قد فعل فلا تطالبوني بما لا يطالب به البشر « و ما منع الناس أن يؤمنوا » أي و ما صرف المشركين عن الإيمان أي التصديق بالله و برسوله « إذ جاءهم الهدى » أي حين أتاهم الحجج و البينات « إلا أن قالوا » أي إلا قولهم « أ بعث الله بشرا رسولا » دخلت عليهم الشبهة في أنه لا يجوز أن يبعث الله رسولا إلا من الملائكة كما دخلت عليهم الشبهة في أن عبادتهم لا تصلح لله فوجهوها إلى الأصنام فعظموا الله بجهلهم بما ليس فيه تعظيم و إنما ذكر سبحانه هنا لفظ المنع مبالغة في وصف الصرف و إلا فالمنع يستحيل معه الفعل فلا يجوز أن يكون مرادا هنا و لكن شبه الصرف بالمنع « قل » يا محمد « لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين » أي ساكنين قاطنين « لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا » منهم عن الحسن و قيل معناه مطمئنين إلى الدنيا و لذاتها غير خائفين و لا متعبدين بشرع لأن المطمئن من زال الخوف عنه عن الجبائي و قيل معناه لو كان أهل الأرض ملائكة لبعثنا إليهم ملكا ليكونوا إلى الفهم إليه أسرع عن أبي مسلم و قيل إن العرب قالوا كنا ساكنين مطمئنين فجاء محمد فأزعجنا و شوش علينا أمرنا فبين سبحانه أنهم لو كانوا ملائكة مطمئنين لأوجبت الحكمة إرسال الرسل إليهم فكذلك كون الناس مطمئنين لا يمنع من إرسال الرسول إليهم إذ هم أحوج إليه من الملائكة فكيف أنكروا إرسال الرسول إليهم مع كونهم مطمئنين ( سؤال ) قالوا إذا جاز أن يكون الرسول إلى النبي ملكا ليس من جنسه فجاز أن يكون الرسول إلى الناس أيضا ملكا ليس من جنسهم ( و جوابه ) أن صاحب المعجزة قد اختير للنبوة فصارت حاله مقاربة لحال الملك و ليس كذلك غيره من الأمة لأنه يجوز أن يرى الملائكة كما يرى بعضهم بعضا بخلاف الأمة و أيضا فإن النبي يحتاج إلى معجزة تعرف بها رسالة نفسه كما احتاجت إليه الأمة فجعل الله المعجزة رؤيته الملك .

مجمع البيان ج : 6 ص : 681
قُلْ كفَى بِاللَّهِ شهِيدَا بَيْنى وَ بَيْنَكمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيراً(96)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page