• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الخامس عشر سورة الكهف آیات 35الی 45


وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً(35) وَ مَا أَظنُّ الساعَةَ قَائمَةً وَ لَئن رُّدِدت إِلى رَبى لأَجِدَنَّ خَيراً مِّنْهَا مُنقَلَباً(36)
القراءة
قرأ أبو جعفر و عاصم و يعقوب و سهل و كان له ثمر و أحيط بثمره في الموضعين بالفتح و وافق رويس في الأول و قرأ أبو عمرو بضم الثاء و سكون الميم في الموضعين و الباقون بضم الثاء و الميم في الحرفين و قرأ أهل الحجاز و ابن عامر خيرا منهما بزيادة ميم و كذلك هو في مصاحفهم و قرأ أهل العراق « منها » بغير ميم .

الحجة
قال أبو علي : الثمرة ما يجتني من ذي الثمر و جمعها ثمرات و يجمع على ثمر كبقرة و بقر و على ثمار كرقبة و رقاب و على هذا تشبيه المخلوقات بغير المخلوقات و قد يشبه كل واحد منهما بالآخر و يجوز في القياس أن يكسر ثمار على ثمر ككتاب و كتب و قراءة أبي عمرو و كان له ثمر يجوز أن يكون جمع ثمار كما يخفف كتب و يجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة

بعدی
مجمع البيان ج : 6 ص : 722
كبدنة و بدن و خشبة و خشب و يجوز أن يكون ثمر واحدة كعنق و طنب فعلى أي هذه الوجوه كان جاز إسكان العين منه كذلك في قوله و أحيط بثمره و قال بعض أهل اللغة الثمر المال و الثمر المأكول و جاء في التفسير قريب من هذا قالوا الثمر النخل و الشجر و لم يرد به الثمرة و الثمر على ما روي عن عدة من السلف بل الأصول التي تحمل الثمرة لا نفس الثمر بدلالة قوله فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها أي في الجنة و النفقة إنما تكون على ذوات الثمرة في أغلب العرف و كانت الآفة التي أرسلت إليها اصطلمت الأصول و اجتاحتها كما جاء في صفة الجنة الأخرى فأصبحت كالصريم أي كالليل في سوادها لاحتراقها و كالنهار في بياضها و ما بطل من خضرتها بالآفة النازلة بها و حكي عن أبي عمرو ثمر و الثمر أنواع المال فإذا اصطلم الثمر فاجتيح دخلت الثمرة فيه و لا يمكن أن يصاب الأصل و لا تصاب الثمرة و إذا كان كذلك فمن قرأ بثمره و ثمره كان قوله أبين ممن قرأ بالفتح و يجوز القراءة بالفتح كأنه أخبر عن بعض ما أصيب و أمسك عن بعض و قوله « خيرا منها » منقلبا فالإفراد لأنه أقرب إلى الجنة المفردة في قوله « و دخل جنته » و التثنية لتقدم ذكر الجنتين .

اللغة
حف القوم بالشيء إذا أطافوا به و حفافا الشيء جانباه كأنهما أطافا به قال طرفة :
كأن جناحي مضرحي تكنفا
حفافيه شكا في العسيب بمسرد و المحاورة مراجعة الكلام في المخاطبة و يقال كلمت فلانا فما رجع إلى حوارا و محورة و حويرا .

الإعراب
إنما قال « آتت » على لفظ كلتا فإنه بمنزلة كل في أنه مفرد اللفظ و لو قال أتتا على المعنى لجاز قال الشاعر في التوحيد :
و كلتاهما قد خط لي في صحيفتي
فلا العيش أهواه و لا الموت أروح .

المعنى
ثم ضرب الله لعباده مثلا يستفيئهم به إلى طاعته و يزجرهم عن معصيته و كفران نعمته فقال مخاطبا لنبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « و اضرب لهم مثلا رجلين » روي عن ابن عباس أنه قال يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل توفي و ترك ابنين و ترك مالا جزيلا فأخذ أحدهما حقه منه و هو المؤمن منهما فتقرب إلى الله تعالى و أخذ الآخر حقه فتملك به ضياعا منها هاتان
مجمع البيان ج : 6 ص : 723
الجنتان و في تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم أنه يريد رجلا كان له بستانان كبيران كثيرا الثمار كما حكى سبحانه و كان له جار فقير فافتخر الغني على الفقير و قال له أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا و هذا أليق بالظاهر « جعلنا لأحدهما جنتين » أي بستانين أجنهما الأشجار « من أعناب و حففناهما بنخل » أي جعلنا النخل مطيفا بهما « و جعلنا بينهما زرعا » أي و جعلنا بين البستانين مزرعة فكملت النعمة بالعنب و التمر و الزرع « كلتا الجنتين آتت أكلها » أي كل واحدة من البستانين آتت غلتها و أخرجت ثمرتها و سماه أكلا لأنه مأكول « و لم تظلم منه شيئا » أي لم تنقص منه شيئا بل أدته على التمام و الكمال كما قال الشاعر :
و يظلمني مالي كذا و لوى يدي
لوى يده الله الذي هو غالبه أي ينقصني مالي « و فجرنا خلالهما نهرا » أي شققنا وسط الجنتين نهرا يسقيهما حتى يكون الماء قريبا منهما يصل إليهما من غير كد و تعب و يكون ثمرهما و زرعهما بدوام الماء فيهما أوفي و أروى « و كان له ثمر » قيل إن معناه و كان للنخل الذي فيهما ثمر و قيل معناه و كان للرجل ثمر ملكه من غير جنتيه كما يملك الناس ثمارا لا يملكون أصلها عن ابن عباس و قيل كان لهذا الرجل مع هذين البستانين الذهب و الفضة عن مجاهد و قيل كان له معهما جميع الأموال عن قتادة و ابن عباس في رواية أخرى « فقال لصاحبه و هو يحاوره » أي فقال الكافر لصاحبه المؤمن و هو يخاطبه و يراجعه في الكلام « أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا » أي أعز عشيرة و رهطا و سمي العشيرة نفرا لأنهم ينفرون معه في حوائجه و قيل معناه أعز خدما و ولدا عن قتادة و مقاتل « و دخل جنته و هو ظالم لنفسه » أي و دخل الكافر بستانه و هو ظالم لنفسه بكفره و عصيانه « قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا » أي ما أقدر أن تفنى هذه الجنة و هذه الثمار أبدا و قيل يريد ما أظن هذه الدنيا تفنى أبدا « و ما أظن الساعة قائمة » أي و ما أحسب القيامة آتية كائنة على ما يقوله الموحدون « و لئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا » معناه و لئن كانت القيامة و البعث حقا كما يقوله الموحدون لأجدن خيرا من هذه الجنة قال الزجاج و هذا يدل على أن صاحبه المؤمن قد أعلمه أن الساعة تقوم و أنه يبعث فأجابه بأن قال له و لئن رددت إلى ربي أي كما أعطاني هذه في الدنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منها لكرامتي عليه ظن الجاهل أنه أوتي ما أوتي لكرامته على الله تعالى و قيل معناه لأكتسبن في الآخرة خيرا من هذه التي اكتسبتها في الدنيا و من قرأ منهما رد الكناية إلى الجنتين اللتين تقدم ذكرهما و في هذا دلالة على أنه لم يكن قاطعا على نفي المعاد بل كان شاكا فيه .

مجمع البيان ج : 6 ص : 724
قَالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يحَاوِرُهُ أَ كَفَرْت بِالَّذِى خَلَقَك مِن تُرَاب ثمَّ مِن نُّطفَة ثمَّ سوَّاك رَجُلاً(37) لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبى وَ لا أُشرِك بِرَبى أَحَداً(38) وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْت جَنَّتَك قُلْت مَا شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنك مَالاً وَ وَلَداً(39) فَعَسى رَبى أَن يُؤْتِينِ خَيراً مِّن جَنَّتِك وَ يُرْسِلَ عَلَيهَا حُسبَاناً مِّنَ السمَاءِ فَتُصبِحَ صعِيداً زَلَقاً(40) أَوْ يُصبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَستَطِيعَ لَهُ طلَباً(41) وَ أُحِيط بِثَمَرِهِ فَأَصبَحَ يُقَلِّب كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشهَا وَ يَقُولُ يَلَيْتَنى لَمْ أُشرِك بِرَبى أَحَداً(42) وَ لَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَ مَا كانَ مُنتَصراً(43) هُنَالِك الْوَلَيَةُ للَّهِ الحَْقِّ هُوَ خَيرٌ ثَوَاباً وَ خَيرٌ عُقْباً(44)
القراءة
قرأ ابن عامر و ابن فليح و البرجمي و يعقوب « لكنا » بإثبات الألف في الوصل و الوقف و قرأ الباقون لكن بحذف الألف في الوصل و قرأ البخاري لورش بالوجهين بالوصل و لا خلاف في إثبات الألف في الوقف إلا قتيبة فإنه قرأ بغير ألف في الوصل و الوقف و في الشواذ قراءة أبي بن كعب و الحسن لكن أنا و قراءة عيسى الثقفي لكن هو الله ربي و قرأ البرجمي عن أبي بكر غورا بضم الغين هاهنا و في الملك و قرأ و لم يكن له فئة بالياء أهل الكوفة غير عاصم و الباقون « و لم تكن » بالتاء و قرأ أبو عمرو « الولاية » بفتح الواو و لله الحق بالرفع و قرأ الكسائي الولاية بكسر الواو و الحق بالرفع و قرأ حمزة و خلف الولاية بكسر الواو و « الحق » بالجر و قرأ الباقون « الولاية » بفتح الواو و « الحق » بالجر و قرأ عاصم و حمزة و خلف « عقبا » ساكنة القاف و الباقون بضم القاف .

مجمع البيان ج : 6 ص : 725
الحجة
قال الزجاج من قرأ لكن بتشديد النون فهو لكن أنا في الأصل فطرحت الهمزة على النون فتحركت بالفتح فصارت لكنن بنونين مفتوحين فاجتمع الحرفان من جنس واحد فأدغمت النون الأولى في الثانية و حذفت الألف في الوصل لأن ألف أنا تثبت في الوقف و تحذف في الأصل في أجود اللغات نحو أن قمت بغير الألف و يجوز أنا قمت بإثبات الألف و هو ضعيف جدا و من قرأ « لكنا » فأثبت الألف في الوصل فإنه على لغة من قال أنا قمت فأثبت الألف قال الشاعر :
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني
حميدا قد تذريت السناما إلا أن إثبات الألف في لكنا هو الجيد لأن الهمزة قد حذفت من أنا فصار إثبات الألف عوضا من الهمزة قال أبو علي لا أرى قوله إن إثبات الألف هو الجيد لأنه صار عوضا من الهمزة كما قال لأن هذه الألف تلحق للوقف مثل الهاء في ما هيه و حسابيه و الهاء في مثل هذا الطرف مثل ألف الوصل في ذلك الطرف فكما أن إثبات همزة الوصل في الوصل خطأ كذلك الهاء و الألف في الوصل خطأ فلا يلزم أن يثبت عوض من الهمزة المحذوفة أ لا ترى أن الهمزة في ويلمه قد حذفت حذفا على غير ما يوجبه قياس التخفيف و لا يعوض منها فإن لا يعوض منها في التخفيف القياسي أجدر لأن الهمزة هنا في تقدير الثبات و لو لا ذلك لم يحرك حرف اللين في نحو جيل في جيال و مئونة في مئونة قال و قد تجيء هذه الألف مثبتة في الشعر نحو قول الأعشى :
فكيف أنا و انتحالي القوافي
بعد المشيب كفى ذاك عارا و قول الآخر :
أنا شيخ العشيرة البيت و لا يكون ذلك مختارا في القراءة و من قرأ « لكنا » في الوصل فإنه يحتمل أمرين ( أحدهما ) أن يجعل الضمير المتصل مثل المنفصل الذي هو نحن فيدغم النون من لكن لسكونها في النون من علامة الضمير فيكون على هذا « لكنا » بإثبات الألف وصلا و وقفا لا غير أ لا ترى أن أحدا لا يحذف الألف من نحو فعلنا و قوله « هو » من « هو الله ربي » ضمير الحديث و القصة كما أنه في قوله فإذا هي شاخصة و قوله قل هو الله أحد كذلك و التقدير الأمر الله أحد لأن هذا الضمير يدخل على المبتدأ و الخبر فيصير المبتدأ و الخبر موضع خبره كما أنه في أن و كأن و ظننت و ما يدخل على المبتدأ و الخبر كذلك و عاد الضمير على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى و لو عاد على اللفظ لكان لكنا
مجمع البيان ج : 6 ص : 726
هو الله ربنا و دخلت لكن مخففة على الضمير كما دخلت في قوله إنا معكم و الوجه الآخر أن سيبويه حكى أنه سمع من يقول أعطني أبيضه فشدد و الحق الهاء بالتشديد للوقف و الهاء مثل الألف في سبسبا و الياء في عيهلى و أجرى الهاء مجراهما في الإطلاق كما كانت مثلهما في نحو قوله :
صفية قومي و لا تجزعي
و بكي النساء على حمزة فهذا الذي حكاه سيبويه في الكلام و ليس في شعر و كذلك الآية يكون الألف فيها كالهاء و لا يكون الهاء للوقف أ لا ترى أن الهاء للوقف لا يبين بها المعرب و لا ما ضارع المعرب فعلى أحد هذين الوجهين يكون قول من أثبت الألف في الوصل أو عليهما جميعا و لو كانت فاصلة لكانت مثل فأضلونا السبيلا و أما قراءة أبي لكن أنا فهي الأصل في قراءة الجماعة لكن على ما تقدم بيانه لأن ألف أنا محذوف في الوصل قال الشاعر :
و ترمينني بالطرف أي أنت مذنب
و تقلينني لكن إياك لا أقلي أي لكن أنا و أنا مرفوع بالابتداء و خبره الجملة المركبة من المبتدأ و الخبر التي هي « هو الله ربي » و العائد على المبتدأ من الجملة الياء في ربي و من قرأ لكن هو الله ربي فإعرابه واضح و أما من قرأ غورا فيمكن أن يكون غورا لغة في غور و إنما جاز أن يقع المصدر موقع الصفة للمبالغة كما قال الشاعر :
تظل جياده نوحا عليه
مقلدة أعنتها صفونا و أما قوله و لم يكن له فئة بالياء فإن الياء و التاء هنا حسن و أما قوله هنالك الولاية لله الحق فقد حكى أبو عبيدة عن أبي عمرو إن الولاية هنا لحن لأن الكسر في فعالة يجيء فيما كان صنعة و معنى متقلدا كالكتابة و الإمارة و الخلافة و ما أشبه ذلك و ليس هنا معنى تولي أمر إنما هو الولاية من الدين و كذلك التي في الأنفال ما لكم من ولايتهم من شيء و قال بعض أهل اللغة : الولاية النصر يقال هم أهل ولاية عليك أي متناصرون عليك و الولاية ولاية السلطان قال و قد يجوز الفتح في هذه و الكسر في تلك كما قالوا الوكالة و الوكالة و الوصاية و الوصاية بمعنى واحد فعلى هذا يجوز الكسر في الولاية في هذا الموضع و من كسر القاف من « الحق » فجعله من وصف الله تعالى وصفه بالحق و هو مصدر كما وصفه بالعدل و السلام و المعنى ذو الحق و ذو السلام و كذلك الإله معنى ذو العبادة و يدل عليه قوله و يعلمون أن الله هو الحق المبين و من رفع الحق جعله صفة للولاية و معنى وصف الولاية بالحق أنه لا
مجمع البيان ج : 6 ص : 727
يشوبها غيره و لا يخاف فيها ما يخاف في سائر الولايات من غير الحق و أما قوله « عقبا » فإن ما كان على فعل جاز تخفيفه على ما تقدم ذكره .

اللغة
أصل الحسبان السهام التي ترمى لتجري في طلق واحد و كان ذلك من رمي الأساورة و أصل الباب الحساب و إنما يقال لما يرمي به حسبان لأنه يكثر كثرة الحساب قال الزجاج : الصعيد الطريق الذي لا نبات فيه و الزلق الأرض الملساء المستوية لا نبات فيها و لا شيء و أصل الزلق ما تزلق عنه الأقدام فلا يثبت عليه .

الإعراب
« ما شاء الله » يحتمل أن يكون ما رفعا و تقديره الأمر ما شاء الله فيكون موصولا و الضمير العائد إليه يكون محذوفا لطول الكلام و يجوز أن يكون التقدير ما شاء الله كائن و يحتمل أن يكون ما في موضع نصب على معنى الشرط و الجزاء و يكون الجواب محذوفا و تقديره أي شيء شاء الله كان و مثله في حذف الجواب قوله فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض « إن ترن أنا أقل » أقل منصوب بأنه مفعول ثان لترن و أنا إن شئت كان توكيدا أو وصفا لياء المتكلم و إن شئت كان فصلا كما تقول كنت أنت القائم يا هذا قاله الزجاج و يجوز رفع أقل و قد قرأ بها عيسى بن عمر فيكون أنا مبتدأ و أقل خبره و الجملة في موضع نصب بأن يكون المفعول الثاني لترني و قوله « فعسى » الفاء جواب قوله « إن ترن » و « ثوابا » و « عقبا » منصوبان على التمييز .

المعنى
ثم بين سبحانه جواب المؤمن للكافر فقال « قال له صاحبه و هو يحاوره » أي يخاطبه و يجيبه مكفرا له بما قاله « أ كفرت بالذي خلقك من تراب » يعني أصل الخلقة أي خلق أباك من تراب و هو آدم (عليه السلام) و قيل لما كانت النطفة خلقها الله سبحانه بمجرى العادة من الغذاء و الغذاء ينبت من تراب جاز أن يقول خلقك من تراب « ثم من نطفة ثم سواك رجلا » أي نقلك من حال إلى حال حتى جعلك بشرا سويا معتدل الخلقة و القامة و إنما كفره بإنكاره المعاد و في هذا دلالة على أن الشك في البعث و النشور كفر « لكنا هو الله ربي » تقديره لكن أنا أقول هو الله ربي و خالقي و رازقي فإن افتخرت علي بدنياك فإن افتخاري بالتوحيد « و لا أشرك بربي أحدا » أي لا أشرك بعبادتي إياه أحدا سواه بل أوجهها إليه وحده خالصا و إنما استحال الشرك في العبادة لأنها لا تستحق إلا بأصول النعم و بالنعمة التي لا يوازنها نعمة منعم و ذلك لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى ثم قال « و لو لا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله » معناه و قال لصاحبه الكافر هلا حين دخلت بستانك فرأيت تلك الثمار و الزرع شكرت الله تعالى و قلت ما شاء الله كان و إني و إن تعبت في جمعه و عمارته
مجمع البيان ج : 6 ص : 728
فليس ذلك إلا بقدرة الله و تيسيره و لو شاء لحال بيني و بين ذلك و لنزع البركة عنه فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله و لا يكون له إلا ما شاء الله ثم رجع إلى نفسه فقال « إن ترني أنا أقل منك مالا و ولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك » معناه إن كنت تراني اليوم فقيرا أقل منك مالا و عشيرة و أولادا فلعل الله أن يؤتيني بستانا خيرا من بستانك في الآخرة أو في الدنيا و الآخرة « و يرسل عليها حسبانا من السماء » أي و يرسل على جنتك عذابا أو نارا من السماء فيحرقها عن ابن عباس و قتادة و قيل يرسل عليها عذاب حسبان و ذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك عن الزجاج و قيل و يرسل عليها مرامي من عذابه إما بردا و إما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب « فتصبح صعيدا زلقا » أي أرضا مستوية لا نبات عليها تزلق عنها القدم فتصير أضر أرض من بعد أن كانت أنفع أرض « أو يصبح ماؤها غورا » أي غائرا ذاهبا في باطن غامض منقطعا فيكون أعدم أرض للماء بعد أن كانت أوجد أرض للماء « فلن تستطيع له طلبا » أي فلن تقدر على طلبه إذا غار و لا يبقى له أثر تطلبه به فلن تستطيع رده قيل معناه فلن تستطيع طلب غير ذلك الماء بدلا عنه إلى هنا انتهى مناظرة صاحبه و إنذاره ثم قال سبحانه « و أحيط بثمره » معناه أهلك و أحيط العذاب بأشجاره و نخيله فهلكت عن آخرها تقول أحيط ببني فلان إذا هلكوا عن آخرهم و أصل الإحاطة إدارة الحائط على الشيء و في الخبر أن الله عز و جل أرسل عليها نارا فأهلكها و غار ماؤها « فأصبح » هذا الكافر « يقلب كفيه » تأسفا و تحسرا « على ما أنفق فيها » من المال و هو أن يضرب يديه واحدة على الأخرى عن ابن عباس و تقليب الكفين يفعله النادم كثيرا فصار عبارة عن الندم « و هي خاوية على عروشها » أي ساقطة على سقوفها و ما عرش لكرومها و ذلك أن السقف ينهدم أولا ثم ينهدم الحائط على السقف و قيل إن العروش الأبنية و معناه خالية على بيوتها قد ذهب شجرها و بقيت جدرانها لا خير فيها « و يقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا » ندم على الكفر لفناء ماله لا لوجوب الإيمان فلم ينفعه و لو ندم على الكفر ف آمن بالله تحقيقا لانتفع به و قيل إنه ندم على ما كان منه من الشرك بالله تعالى و آمن « و لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله » أي لم يكن لهذا الكافر جماعة يدفعون عذاب الله عنه و قيل الفئة الجند قال العجاج :
كما يجوز الفئة الكمي « و ما كان منتصرا » أي و ما كان ممتنعا عن قتادة قيل معناه و ما كان مستردا بدل ما ذهب عنه قال ابن عباس و هذان الرجلان هما اللذان ذكرهما الله تعالى في سورة الصافات في قوله « إني كان لي قرين » يقول أ إنك لمن المصدقين إلى قوله « فاطلع فرآه في سواء الجحيم » و روى هشام بن سالم و أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) قال عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله سبحانه « حسبنا الله
مجمع البيان ج : 6 ص : 729
و نعم الوكيل » فإني سمعت الله يقول بعقبها « فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لهم يمسسهم سوء » و عجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله « لا إله إلا أنت سبحانك » إني كنت من الظالمين فإني سمعت الله سبحانه يقول بعقبها « فاستجبنا له و نجيناه من الغم و كذلك ننجي المؤمنين » و عجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله « و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد » فإني سمعت الله عز و جل يقول بعقبها فوقاه الله سيئات ما مكروا و عجبت لمن أراد الدنيا و زينتها كيف لا يفزع إلى قوله « ما شاء الله لا قوة إلا بالله » فإني سمعت الله يقول بعقبها « فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك » و عسى موجبة و قوله « هنالك الولاية لله الحق » أخبر سبحانه إن في ذلك الموضع و في ذلك الوقت الذي يتنازع فيه الكافر و المؤمن الولاية بالنصرة و الإعزاز لله عز و جل فهو الذي يتولى أمر عباده المؤمنين و يملك النصرة لمن أراد و قيل هنالك إشارة إلى يوم القيامة و تقديره الولاية يوم القيامة لله يريد يومئذ يتولون الله و يؤمنون به و يتبرءون مما كانوا يعبدون عن القتيبي و قيل معناه هنالك ينصر المؤمنين و يخذل الكافرين فالولاية يومئذ خالصة له لا يملكها أحد من العباد « هو خير ثوابا » أي هو أفضل ثوابا ممن يرجي ثوابا على تقدير لو كان يثيب غيره لكان هو خير ثوابا « و خير عقبا » أي عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير عقب طاعة ثم حذف المضاف إليه و العقب و العقبي و العاقبة بمعنى .

مجمع البيان ج : 6 ص : 730
وَ اضرِب لهَُم مَّثَلَ الحَْيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَهُ مِنَ السمَاءِ فَاخْتَلَط بِهِ نَبَات الأَرْضِ فَأَصبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء مُّقْتَدِراً(45)



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page