• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثالث والعشرون سورة ص 43 الى 61


وَ وَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَ ذِكْرَى لأُولى الأَلْبَبِ(43) وَ خُذْ بِيَدِك ضِغْثاً فَاضرِب بِّهِ وَ لا تحْنَث إِنَّا وَجَدْنَهُ صابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(44)
القراءة
قرأ أبو جعفر بنصب بضمتين و قرأ يعقوب بنصب بفتحتين و الباقون بضم النون و سكون الصاد .

مجمع البيان ج : 8 ص : 745
الحجة
قال الزجاج النصب و النصب لغتان كالرشد و الرشد و البخل و البخل تقول نصبت نصبا و نصبا قال أبو عبيدة النصب البلاء و الشر و أنشد لبشر بن أبي حازم :
تعناك نصب من أميمة منصب و من قرأ بنصب بضمتين فإنه أتبع الصاد ما قبله فهي أربع لغات .

اللغة
الركض الدفع بالرجل على جهة الإسراع و منه ركض الفرس لإسراعه إذا دفعه برجله قال سيبويه يقال ركضت الدابة و ركضتها فهو مثل جبر العظم و جبرته و الضغث ملء الكف من الشجرة و الحشيش و الشماريخ و ما أشبه ذلك .

المعنى
ثم ذكر سبحانه قصة أيوب (عليه السلام) فقال « و اذكر » يا محمد « عبدنا أيوب » شرفه الله سبحانه بأنه أضافه إلى نفسه و اقتد به في الصبر على الشدائد و كان في زمان يعقوب ابن إسحاق و تزوج ليا بنت يعقوب « إذ نادى ربه » أي حين دعا ربه رافعا صوته يقول يا رب لأن النداء هو الدعاء بطريقة يا فلان و متى قال اللهم افعل بي كذا و كذا كان داعيا و لا يكون مناديا « أني مسني الشيطان بنصب و عذاب » أي بتعب و مكروه و مشقة و قيل بوسوسة فيقول له طال مرضك و لا يرحمك ربك عن مقاتل و قيل بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى من الأهل و الولد و المال و كيف زال ذلك كله و حصل فيما هو فيه من البلية طمعا أن يزله بذلك و يجد طريقا إلى تضجره و تبرمه فوجده صابرا مسلما لأمر الله و قيل إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه و يخرجوه من بينهم و لا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك و يتألم منه و لم يشك الألم الذي كان من أمر الله تعالى قال قتادة دام ذلك سبع سنين و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أهل التحقيق أنه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها لأن في ذلك تنفيرا فأما المرض و الفقر و ذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله بذلك فأجاب الله دعاءه و قال له « اركض برجلك » أي ادفع برجلك الأرض « هذا مغتسل بارد و شراب » و في الكلام حذف أي فركض رجله فنبعت بركضته عين ماء و قيل نبعت عينان فاغتسل من أحدهما فبرأ و شرب من الآخر فروي عن قتادة و المغتسل الموضع الذي يغتسل منه و قيل هو اسم للماء الذي يغتسل به عن ابن قتيبة « و وهبنا له أهله و مثلهم معهم » هذا مفسر في سورة الأنبياء و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية و أحيا له أهله الذين ماتوا و هو في البلية « رحمة منا » أي فعلنا ذلك به لرحمتنا إياه فيكون منصوبا بأنه مفعول له و يجوز أن يكون منصوبا على المصدر لما كانت الموهبة بمعنى الرحمة « و ذكرى لأولي الألباب » أي ليتذكر و يعتبر به ذوو الألباب أي العقول و يعرفوا حسن عاقبة الصبر فيصبروا كما صبر قالوا أنه أطعم
مجمع البيان ج : 8 ص : 746
جميع أهل قريته سبعة أيام و أمرهم بأن يحمدوا الله و يشكروه « و خذ بيدك ضغثا » و هو ملء الكف من الشماريخ و ما أشبه ذلك أي و قلنا له ذلك و ذلك أنه حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها لئن عوفي ليضربنها مائة جلدة فقيل له خذ ضغثا بعدد ما حلفت به « فاضرب به » أي و اضربها به دفعة واحدة فإنك إذا فعلت ذلك برت يمينك « و لا تحنث » في يمينك نهاه عن الحنث و روي عن ابن عباس أنه قال كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب (عليه السلام) فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواء قالت نعم فأشارت إلى أيوب بذلك فحلف ليضربنها و قيل إنها كانت ذهبت في حاجة فأبطأت في الرجوع فضاق صدر المريض فحلف ثم أخبر سبحانه عن حال أيوب و عظم منزلته فقال « إنا وجدناه صابرا » على البلاء الذي ابتليناه به « نعم العبد إنه أواب » أي رجاع إلى الله منقطع إليه و روى العياشي بإسناده أن عباد المكي قال قال لي سفيان الثوري إني أرى لك من أبي عبد الله (عليه السلام) منزلة فاسأله عن رجل زنى و هو مريض فإن أقيم عليه الحد خافوا أن يموت ما تقول فيه فسألته فقال لي هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها إنسان فقلت إن سفيان الثوري أمرني أن أسألك عنها فقال إن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أتي برجل أحبن قد استسقى بطنه و بدت عروق فخذيه و قد زنى بامرأة مريضة فأمر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه به ضربة و ضربها به ضربة و خلى سبيلهما و ذلك قوله « و خذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث » .

مجمع البيان ج : 8 ص : 747
وَ اذْكُرْ عِبَدَنَا إِبْرَهِيمَ وَ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب أُولى الأَيْدِى وَ الأَبْصرِ(45) إِنَّا أَخْلَصنَهُمْ بخَالِصة ذِكرَى الدَّارِ(46) وَ إِنهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصطفَينَ الأَخْيَارِ(47) وَ اذْكُرْ إِسمَعِيلَ وَ الْيَسعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كلُّ مِّنَ الأَخْيَارِ(48) هَذَا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسنَ مَئَاب(49) جَنَّتِ عَدْن مُّفَتَّحَةً لهَُّمُ الأَبْوَب(50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَكِهَة كثِيرَة وَ شرَاب(51) * وَ عِندَهُمْ قَصِرَت الطرْفِ أَتْرَابٌ(52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحِْسابِ(53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَاد(54)
القراءة
قرأ ابن كثير وحده و اذكر عبدنا إبراهيم و الباقون « عبادنا » و قرأ أهل المدينة و هشام بخالصة ذكرى الدار غير منون على الإضافة و الباقون بالتنوين و خلافهم في « و اليسع » مذكور في سورة الأنعام و قرأ ابن كثير و أبو عمرو ما يوعدون بالياء و ابن كثير وحده يقرأ في سورة ق بالياء أيضا و الباقون بالتاء في الموضعين و في الشواذ قراءة الحسن و الثقفي أولي الأيد بغير ياء .

الحجة
قال أبو علي من قرأ عبدنا فإنه اختصه بالإضافة على وجه التكرمة له و الاختصاص بالمنزلة الشريفة كما قيل في مكة بيت الله و من قرأ « عبادنا » أجرى هذا الوصف على غيره من الأنبياء أيضا و جعل ما بعده بدلا من العباد و الأول جعل إبراهيم بدلا و ما بعده معطوفا على المفعول به المذكور و قوله « بخالصة ذكرى الدار » يحتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون ذكرى بدلا من الخالصة تقديره إنا أخلصناهم بالذكرى الدار و يجوز أن يقدر في قوله « ذكرى » التنوين فيكون الدار في موضع نصب تقديره بأن يذكروا الدار بالتأهب للآخرة ( و الثاني ) أن لا يقدر البدل و لكن يكون الخالصة مصدرا فيكون مثل قوله من دعاء الخير و يكون المعنى بخالصة تذكر الدار و يقوي هذا الوجه ما روي من قراءة الأعمش بخالصتهم ذكرى الدار و هذا يقوي النصب فكأنه قال بأن أخلصوا تذكير الدار فإذا نونت خالصة احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون المعنى بأن خلصت لهم ذكرى الدار فيكون ذكرى في موضع رفع بأنه فاعل ( و الآخر ) أن يقدر المصدر الذي هو خالصة من الإخلاص فحذفت الزيادة فيكون المعنى بإخلاص ذكرى فيكون ذكرى في موضع نصب و الدار يجوز أن يعني بها الدنيا و يجوز أن يعني بها الآخرة و الذي يدل على أنه يجوز أن يراد بها الدنيا قوله تعالى في الحكاية عن إبراهيم و اجعل لي لسان صدق في الآخرين و قوله و جعلنا لهم لسان صدق فاللسان هو القول الحسن و الثناء عليه لا الجارحة كما في قول الشاعر
ندمت على لسان فأت مني
فليت بأنه في جوف عكم و كذلك قول الآخر
مجمع البيان ج : 8 ص : 748

إني أتاني لسان لا أسر به
من علو لا كذب فيه و لا سخر و قوله تعالى « و تركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم و سلام على نوح في العالمين » و المعنى أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا فالدار في هذا التقدير ظرف و القياس أن يتعدى الفعل و المصدر إليه بالحرف و لكنه على ذهبت الشام عند سيبويه
و كما عسل الطريق الثعلب ( و أما ) جواز كون الدار الآخرة في قوله « أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار » فيكون ذلك بإخلاصهم ذكرى الدار و يكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها و من حسابها كما قال و هم من الساعة مشفقون فالدار على هذا مفعول بها و ليست كالوجه المتقدم و أما من أضاف فقال بخالصة ذكرى الدار فإن الخالصة تكون على ضروب تكون للذكر و غير الذكر فإذا أضيفت إلى ذكرى اختصت الخالصة بهذه الإضافة فتكون هذه الإضافة إلى المفعول به كأنه بإخلاصهم ذكرى الدار أي بأن أخلصوا ذكرها و الخوف منها لله و يكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل تقديره بأن خلصت لهم ذكرى الدار و الدار على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدما من كونها للآخرة و الدنيا فأما قوله و قالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا فيجوز في خالصة وجهان ( أحدهما ) أن يكون مصدرا كالعاقبة ( و الآخر ) أن يكون وصفا و كلا الوجهين يحتمل الآية فيجوز أن يكون ما في بطون هذه الأنعام ذات خلوص و يجوز أن يكون الصفة و أنث على المعنى لأنه كثرة و المراد به الأجنة و المضامين فيكون التأنيث على هذا و من قرأ الليسع جعله اسما على صورة الصفات كالحارث و العباس أ لا ترى أن فيعلا مثل ضيغم و حيدر كثير في الصفات و وجه قراءة من قرأ « و اليسع » أن الألف و اللام قد يدخلان الكلمة على وجه الزيادة كما حكى أبو الحسن الخمسة عشر درهما قال
و لقد جنيتك أكمؤا و عساقلا
و لقد نهيتك عن بنات الأوبر و بنات الأوبر ضرب من الكمأة معرفة فأدخل في المعرفة الألف و اللام على وجه
مجمع البيان ج : 8 ص : 749
الزيادة فكذلك التي تكون في اليسع و من قرأ « هذا ما توعدون » بالتاء فعلى معنى قل للمتقين هذا ما توعدون و الياء على معنى « و إن للمتقين لحسن م آب » هذا ما يوعدون و الياء أعم لأنه يصلح أن يدخل فيه الغيب من الأنبياء و أما في سورة ق فنحو هذا و أزلفت الجنة للمتقين هذا ما توعدون أيها المتقون على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب أو على قل لهم هذا ما توعدون و الياء على إخبار النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بما وعدوا كأنه هذا ما يوعدون أيها النبي و من قرأ أولي الأيد بغير ياء فإنه يحتمل أن يكون أراد الأيدي فحذف الياء تخفيفا كقوله يوم يدع الداع و نحو ذلك و يحتمل أن يكون أراد بالأيد القوة في طاعة الله و يدل عليه أنه مقرون بالأبصار أي البصر بما يحظى عند الله و على هذا فالأيدي هنا إنما هي جمع اليد التي هي القوة لا التي هي الجارحة و لا النعمة لكنه كقولك له يد في الطاعة .

الإعراب
قال الزجاج جنات بدل من حسن م آب « مفتحة لهم الأبواب » أي مفتحة لهم الأبواب منها و قال بعضهم مفتحة لهم أبوابها و المعنى واحد إلا أن على تقدير العربية الأبواب منها أجود أن يجعل الألف و اللام بدلا من الهاء و الألف لأن معنى الألف و اللام ليس من معنى الهاء و الألف في شيء لأن الهاء و الألف اسم و الألف و اللام دخلتا للتعريف و لا يبدل حرف جاء بمعنى من اسم و لا ينوب عنه قال أبو علي مفتحة صفة لجنات عدن و في مفتحة ضمير يعود إلى جنات و الأبواب بدل من ذلك الضمير لأنك تقول فتحت الجنان إذا فتحت أبوابها فيكون من بدل البعض من الكل نحو ضربت زيدا رأسه و في القرآن و فتحت السماء فكانت أبوابا و ليس جنات عدن معرفة إذ ليس عدن بعلم و إنما هو بمنزلة جنات إقامة و قوله « هذا » خبر مبتدإ محذوف تقديره الأمر هذا و يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي هذا أمرهم .

المعنى
ثم عطف سبحانه على ما تقدم حديث الأنبياء فقال « و اذكر » يا محمد لقومك و أمتك « عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب » ليقتدوا بهم في حميد أفعالهم و كريم خلالهم فيستحقوا بذلك حسن الثناء في الدنيا و جزيل الثواب في العقبي كما استحق أولئك و إذا قرىء عبدنا فيكون التقدير و اذكر عبدنا إبراهيم خصه بشرف الإضافة إلى نفسه و اذكر إسحاق و يعقوب وصفهم جميعا فقال « أولي الأيدي » أي ذوي القوة على العبادة « و الأبصار » الفقه في الدين عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و معناه أولي العلم و العمل فالأيدي العمل و الأبصار العلم عن أبي مسلم و قيل أولي الأيدي أولي النعم على عباد الله بالدعاء إلى الدين و الأبصار جمع البصر و هو العقل « إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار »
مجمع البيان ج : 8 ص : 750
أي جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار و الخالصة بمعنى الخلوص و الذكرى بمعنى التذكير أي خلص لهم تذكير الدار و هو أنهم كانوا يتذكرونها بالتأهب لها و يزهدون في الدنيا كما هو عادة الأنبياء و قيل المراد بالدار الدنيا عن الجبائي و أبي مسلم أي خصصناهم بالذكر في الأعقاب من بين أهل الدنيا « و إنهم عندنا » و بحسب ما سبق في علمنا « لمن المصطفين » للنبوة و تحمل أعباء الرسالة « الأخيار » جمع خير كالأموات جمع ميت و هو الذي يفعل الأفعال الكثيرة الحسنة و قيل هي جمع خير فيكون كالأقيال جمع قيل و هذا مثل قوله و لقد اخترناهم على علم على العالمين « و اذكر إسماعيل و اليسع و ذا الكفل » أي اذكر لأمتك هؤلاء أيضا ليقتدوا بهم و يسلكوا طريقتهم و قد تقدم ذكرهم « و كل من الأخيار » قد اختارهم الله للنبوة « هذا ذكر » أي شرف لهم و ذكر جميل و ثناء حسن يذكرون به في الدنيا أبدا « و إن للمتقين لحسن م آب » أي حسن مرجع و منقلب يرجعون في الآخرة إلى ثواب الله و مرضاته ثم فسر حسن الم آب بقوله « جنات عدن » فهي في موضع جر على البدل أي جنات إقامة و خلود « مفتحة لهم الأبواب » أي يجدون أبوابها مفتوحة حين يردونها و لا يحتاجون إلى الوقوف عند أبوابها حتى تفتح و قيل معناه لا يحتاجون إلى مفاتيح بل تفتح بغير مفتاح و تغلق بغير مغلاق قال الحسن تكلم يقال انفتحي انغلقي و قيل معناه إنها معدة لهم غير ممنوعين منها و إن لم تكن أبوابها مفتوحة قبل مصيرهم إليها كما يقول الرجل و لغيره متى نشطت لزيارتي فالباب مفتوح و الدست مطروح « متكئين فيها » أي مستندين فيها إلى المساند جالسين جلسة الملوك « يدعون فيها بفاكهة كثيرة و شراب » أي يتحكمون في ثمارها و شرابها فإذا قالوا لشيء منها أقبل حصل عندهم « و عندهم قاصرات الطرف » أي و عندهم في هذه الجنان أزواج قصرن طرفهن على أزواجهن راضيات بهم ما لهن في غيرهم رغبة و القاصر نقيض الماد يقال فلان قاصر طرفه عن فلان و ماد عينه إلى فلان قال امرؤ القيس :
من القاصرات الطرف لو دب محول
من الذر فوق الأتب منها لأثرا « أتراب » أي أقران على سن واحد ليس فيهن عجوز و لا هرمة و قيل أمثال و أشباه عن مجاهد أي متساويات في الحسن و مقدار الشباب لا يكون لواحدة على صاحبتها فضل في ذلك و قيل أتراب على مقدار سن الأزواج كل واحدة منهن ترب زوجها لا تكون أكبر منه قال
مجمع البيان ج : 8 ص : 751
الفراء الترب اللدة مأخوذ من اللعب بالتراب و لا يقال إلا في الإناث قال عمر بن أبي ربيعة :
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين عشر كواعب أتراب « و هذا » يعني ما ذكر فيما تقدم « ما توعدون » أي يوعد به المتقون أو يخاطبون فيقال لهم هذا القول « ليوم الحساب » أي ليوم الجزاء « إن هذا » الذي ذكرنا « لرزقنا » أي عطاؤنا الجاري المتصل « ما له من نفاد » أي فناء و انقطاع لأنه على سبيل الدوام عن قتادة و قيل أنه ليس لشيء في الجنة نفاد ما أكل من ثمارها خلف مكانه مثله و ما أكل من حيوانها و طيرها عاد مكانه حيا عن ابن عباس .
هَذَا وَ إِنَّ لِلطغِينَ لَشرَّ مَئَاب(55) جَهَنَّمَ يَصلَوْنهَا فَبِئْس المِْهَادُ(56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَساقٌ(57) وَ ءَاخَرُ مِن شكلِهِ أَزْوَجٌ(58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبَا بهِمْ إِنهُمْ صالُوا النَّارِ(59) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبَا بِكمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْس الْقَرَارُ(60) قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فى النَّارِ(61)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « غساق » بالتشديد حيث كان في القرآن و الباقون بالتخفيف و قرأ أهل البصرة و أخر بضم الألف و الباقون « آخر » على التوحيد .

الحجة
قال أبو علي أما الغساق بالتشديد فلا يخلو أن يكون اسما أو وصفا فالاسم لا يجيء على هذا الوزن إلا قليلا نحو الكلأ و الفدان و الجبان فينبغي أن يكون وصفا قد
مجمع البيان ج : 8 ص : 752
أقيم مقام الموصوف و الأحسن أن لا تقام الصفة مقام الموصوف إلا أن تكون صفة قد غلبت نحو العبد و الأبطح و الأبرق و القراءة بالتخفيف أحسن من حيث ذكرنا و من قرأ و أخر على الجمع كان أخر مبتدأ و « من شكله » في موضع صفته أي من ضربه و أزواج خبر المبتدأ لأنه جمع كالمبتدأ و قد وصفت النكرة فحسن الابتداء بها و الضمير في شكله يعود إلى قوله « حميم » و يجوز أن يكون المعنى من شكل ما ذكرناه و من قرأ « و آخر » على الإفراد ف آخر يرتفع بالابتداء في قول سيبويه و فيه ذكر مرفوع عنده و بالظرف في قول أبي الحسن و لا ذكر في الظرف لارتفاع الظاهر به فإن لم تجعل آخر مبتدأ في هذا الوجه خاصة قلت أنه يكون ابتداء بالنكرة فلا أحمل على ذلك و لكن لما قال « حميم و غساق » دل هذا الكلام على أن لهم حميما و غساقا فحمل المعطوف على المعنى فجعل لهم المدلول عليه خبرا آخر فهو قول و كان التقدير لهم عذاب آخر من شكله أزواج فيكون من شكله في موضع الصفة و يكون ارتفاع أزواج به في قول سيبويه و أبي الحسن و لا يجوز أن يجعل قوله « من شكله أزواج » في قول من قرأ و أخر على الجمع وصفا و يضمر الخبر كما فعلت ذلك في قول من وحد لأن الصفة لا يرجع منها ذكر إلى الموصوف أ لا ترى أن أزواج إذا ارتفع بالظرف لم يجز أن يكون فيه ذكر مرفوع و الهاء التي للإفراد لا ترجع إلى الجمع في الوجه البين فتحصل الصفة بلا ذكر يعود منها إلى الموصوف و أما امتناع أخر من الصرف في النكرة فللعدل و الوصف فمعنى العدل فيه أن هذا النحو لا يوصف به إلا بالألف و اللام و استعملت أخر بلا ألف و لام فصارت بذلك معدولة عن الألف و اللام .

اللغة
المهاد الفراش الموطإ يقال مهدت له تمهيدا مثل وطأت له توطئة و الحميم الحار الشديد الحرارة و منه الحمى لشدة حرارتها و الغساق قيح شديد النتن يقال غسقت القرحة تغسق غسوقا و قيل هو مشتق من الغسق و هو السواد و الظلمة أي هو على ضد ما يراد في الشراب من الضياء و الرقة عن أبي مسلم و منه يقال ليل غاسق و غسقت عينه أظلمت و أغسق المؤذن المغرب أخره إلى الظلمة و الشكل بفتح الشين الضرب المتشابة و الشكل بالكسر النظير في الحسن و هو الدل أيضا و الاقتحام الدخول في الشيء بشدة و صعوبة قال أبو عبيدة قولهم لا مرحبا به أي لا رحبت عليه الأرض .
و قال القتيبي قولهم مرحبا بك أي أتيت رحبا و سعة قال النابغة :
لا مرحبا بغد و لا أهلا به
إن كان تفريق الأحبة في غد .

الإعراب
هذا مبتدأ و حميم خبره و غساق معطوف عليه و « فليذوقوه » خبر بعد خبر
مجمع البيان ج : 8 ص : 753
و التقدير هذا حميم و غساق فليذوقوه و يجوز أن يكون « هذا فليذوقوه » مبتدأ و خبر و حميم خبر مبتدإ محذوف أي هو حميم و يجوز أن يكون هذا في موضع نصب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر .

المعنى
لما بين سبحانه أحوال أهل الجنة و ما أعد لهم من جزيل الثواب عقبه ببيان أحوال أهل النار و ما لهم من أليم العذاب فقال « هذا » أي ما ذكرناه للمتقين ثم ابتدأ فقال « و إن للطاغين » الذين طغوا على الله و كذبوا رسله « لشر م آب » و هو ضد م آب المتقين ثم فسر ذلك فقال « جهنم يصلونها » أي يدخلونها فيصيرون صلاء لها « فبئس المهاد » أي فبئس المسكن و بئس المهد « هذا فليذوقوه حميم و غساق » أي هذا حميم و غساق فليذوقوه عن الفراء و الزجاج و قيل معناه هذا الجزاء للطاغين فليذوقوه و أطلق عليه لفظ الذوق لأن الذائق يدرك الطعم بعد طلبه فهو أشد إحساسا به و الحميم الماء الحال و الغساق البارد الزمهرير عن ابن مسعود و ابن عباس فيكون المعنى أنهم يعذبون بحار الشراب الذي انتهت حرارته و ببارد الذي انتهت برودته فيبرده يحرق كما يحرق النار و قيل أن الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من حية و عقرب عن كعب و قيل هو ما يسيل من دموعهم يسقونه مع الحميم عن السدي و قيل هو القيح الذي يسيل منهم يجمع و يسقونه عن ابن عمر و قتادة و قيل هو عذاب لا يعلمه إلا الله عن الحسن « و آخر » أي و ضروب أخر « من شكله » أي من شكل هذا العذاب و جنسه « أزواج » أي ألوان و أنواع متشابهة في الشدة لا نوع واحد « هذا فوج مقتحم معكم » هاهنا حذف أي يقال لهم هذا فوج و هم قادة الضلالة إذا دخلوا النار ثم يدخل الأتباع فيقول الخزنة للقادة هذا فوج أي قطع من الناس و هم الأتباع مقتحم معكم في النار دخلوها كما دخلتم عن ابن عباس و قيل يعني بالأول أولاد إبليس و بالفوج الثاني بني آدم أي يقال لبني إبليس بأمر الله تعالى هذا جمع من بني آدم مقتحم معكم يدخلون النار و عذابها و أنتم معهم عن الحسن « لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار » أي لا اتسعت لهم أماكنهم لأنهم لازموا النار فيكون المعنى على القول الأول أن القادة و الرؤساء يقولون للأتباع لا مرحبا بهؤلاء أنهم يدخلون النار مثلنا فلا فرح لنا في مشاركتهم إيانا فيقول الأتباع لهم « قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم » أي لا نلتم رحبا و سعة « أنتم قدمتموه لنا » أي حملتمونا على الكفر الذي أوجب لنا هذا العذاب و دعوتمونا إليه و أما على القول الثاني أن أولاد إبليس يقولون لا مرحبا بهؤلاء قد ضاقت أماكننا بهم إذ كانت النار مملوءة منا فليس لنا منهم إلا ضيق في شدة و هذا كما روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن النار تضيق عليهم كضيق الزج
مجمع البيان ج : 8 ص : 754
بالرمح « قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم » أي يقول بنو آدم بل لا كرامة لكم أنتم شرعتموه لنا و زينتموه في نفوسنا « فبئس القرار » الذي استقررنا عليه « قالوا ربنا من قدم لنا هذا » أي يدعون عليهم بهذا إذا حصلوا في نار جهنم أي من سبب لنا هذا العذاب و دعانا إلى ما استوجبنا به ذلك « فزده عذابا ضعفا » أي مثلا مضاعفا إلى مثل ما يستحقه « في النار » أحد الضعفين لكفرهم بالله و الضعف الآخر لدعائهم إيانا إلى الكفر .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page