• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع والعشرون سورة المدثر آیات 48 الی56 وسورة القيامة آیات 1 الی 19


فَمَا تَنفَعُهُمْ شفَعَةُ الشفِعِينَ(48) فَمَا لهَُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ(49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّستَنفِرَةٌ(50) فَرَّت مِن قَسوَرَةِ(51) بَلْ يُرِيدُ كلُّ امْرِى مِّنهُمْ أَن يُؤْتى صحُفاً مُّنَشرَةً(52) َكلا بَل لا يخَافُونَ الاَخِرَةَ(53) كلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ(54) فَمَن شاءَ ذَكرَهُ(55) وَ مَا يَذْكُرُونَ إِلا أَن يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَ أَهْلُ المَْغْفِرَةِ(56)
القراءة
قرأ نافع و حمزة و يعقوب و خلف « إذ » بغير ألف « أدبر » بالألف و الباقون إذا بالألف دبر بغير الألف و قرأ أهل المدينة و ابن عامر مستنفرة بفتح الفاء و الباقون بكسر الفاء و في الشواذ قراءة بعضهم يرويه عن ابن كثير أنها لحد الكبر بلا همزة و قراءة سعيد بن جبير صحفا منشرة بسكون الحاء و النون .

الحجة
أبو علي قال يونس دبر انقضى و أدبر تولى قال قتادة الليل إذ أدبر إذا ولى و يقال دبر و أدبر و قال و التخفيف في « لإحدى الكبر » أن يجعل فيها الهمزة بين بين نحو سيم فأما حذف الهمزة فليس بقياس و وجه ذلك أن الهمزة حذفت حذفا كما حذفت في قوله :
مجمع البيان ج : 10 ص : 589

و يلمها في هواء الجو طالبها
و لا كهذا الذي في الأرض مطلوب و قد جاء ذلك في مواضع من الشعر قال أبو الأسود لزياد :
يا با المغيرة رب أمر معضل
فرجته بالنكر مني و الدهاء و قال آخر :
إن لم أقاتل فألبسوني برقعا
و فتخات في اليدين أربعا و أنشد أحمد بن يحيى :
إن كان حزن لك با فقيمة
باعك عبدا بأخس قيمة و قال الفرزدق :
و عليك إثم عطية بن الخطفي
و إثم التي زجرتك إن لم تجهد قال و الكسر في « مستنفرة » أولى لقوله « فرت من قسورة » فهذا يدل على أنها هي استنفرت و يقال نفر و استنفر مثل سخر و استسخر و عجب و استعجب و من قال مستنفرة فكان القسورة استنفرتها و الرامي قال أبو عبيدة مستنفرة مذعورة و أنشد الزجاج :
أمسك حمارك إنه مستنفر
في إثر أحمرة عمدن لغرب و رويت بالكسر أيضا قال ابن سلام سألت أبا سوار العرني و كان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن فقلت « كأنهم حمر » ما ذا قال حمر مستنفرة طردها قسورة قلت إنما هو فرت من قسورة فقال أ فرت قلت نعم فقال « مستنفرة » قال ابن جني أما سكون الحاء من صحف فلغة تميمية و أما منشرة بسكون النون فإن العرف في الاستعمال نشرت الثوب و غيره و أنشر الله الموتى فنشروا هم قال و قد جاء عنهم أيضا نشر الله الميت قال المتنبي :
ردت صنائعه إليه حياته
فكأنه من نشرها منشور و لم نعلمهم قالوا أنشرت الثوب و نحوه إلا أنه يجوز أن يشبه بشيء و كما جاز أن يشبه
مجمع البيان ج : 10 ص : 590
الميت بالشيء المطوي حتى قال المتنبي منشور فكذلك يجوز أن يشبه المطوي بالميت فيقال صحف منشرة أي كأنها بطيها ميتة فلما نشرت قيل منشرة .

اللغة
اليقين العلم الذي يوجد برد الثقة به في الصدر و يقال وجد فلان برد اليقين و ثلج اليقين في صدره و لذلك لا يوصف سبحانه بأنه متيقن و القسورة الأسد و قيل هم الرماة من قسره يقسره قسرا إذا قهره و أصل الفرار الانكشاف عن الشيء و منه يقال فر الفرس يفر فرا إذا كشف عن سنة و الصحف جمع الصحيفة و هي الورقة التي من شأنها أن تقلب من جهة إلى جهة لما فيها من الكتابة و منه المصحف و جمعه مصاحف .

الإعراب
« نذيرا للبشر » اختلف في وجه انتصابه فقيل نصب على الحال و هو اسم فاعل بمعنى منذر و ذو الحال الضمير في إحدى الكبر العائد إلى الهاء في أنها و هي كناية عن النار فالمعنى أنها لكبيرة في حال الإنذار و أنا ذكره لأن معناه معنى العذاب و يجوز أن يكون التذكير على قولهم امرأة طالق أي ذات طلاق و كذلك نذير بمعنى ذات إنذار و قيل هو حال يتعلق بأول السورة فكأنه قال يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر فأنذر و قيل إن النذير هنا بمعنى الإنذار و تقديره إنذارا للبشر فيكون نصبا على المصدر لأنه لما قال « إنها لإحدى الكبر » دل على أنه أنذرهم بها إنذارا و قوله « معرضين » منصوب على الحال مما في اللام من قوله « فما لهم » من معنى الفعل و التقدير أي شيء ثبت لهم معرضين عن التذكرة « و كأنهم حمر مستنفرة » جملة في موضع الحال من معرضين و هي حال من حال أو حال بعد حال أي مشابهين حمرا .

المعنى
ثم أقسم سبحانه على عظيم ما ذكره من الوعيد فقال « كلا » أي حقا و قيل معناه ليس الأمر على ما يتوهمونه من أنهم يمكنهم دفع خزنة النار و غلبتهم « و القمر » أقسم بالظهر لما فيه من الآيات العجيبة في طلوعه و غروبه و مسيره و زيادته و نقصانه « و الليل إذ أدبر » و أقسم بالليل إذا ولى و ذهب عن قتادة و قيل أدبر إذا جاء بعد غيره و أدبر إذا ولى مدبرا فعلى هذا يكون المعنى في إذ أدبر إذا جاء الليل في أثر النهار و في إذا أدبر إذا ولى الليل فجاء الصبح عقيبة و على القول الأول فهما لغتان معناهما ولى و انقضى « و الصبح إذا أسفر » أي إذا أضاء و أنار عن قتادة و هم قسم آخر و قيل معناه إذا كشف الظلام و أضاء الأشخاص و قال قوم التقدير في هذه الأقسام و رب هذه الأشياء لأن اليمين لا يكون إلا بالله تعالى « إنها لإحدى الكبر » هذا جواب القسم يعني أن سقر التي هي النار لإحدى العظائم و الكبر جمع الكبرى و هي العظمى عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل معناه أن آيات القرآن لإحدى الكبر في الوعيد « نذيرا للبشر » أي منذرا و مخوفا معلما مواضع المخافة
مجمع البيان ج : 10 ص : 591
و النذير الحكيم بالتحذير عما ينبغي أن يحذر منه فكل نبي نذير لأنه حكيم بتحذيره عقاب الله تعالى على معاصيه و اختلف فيه فقيل إنه من صفة النار عن الحسن و قيل من صفة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فكأنه قال قم نذيرا عن ابن زيد و قيل من صفة الله تعالى عن ابن رزين و على هذا يكون حالا من فعل القسم المحذوف « لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر » أي يتقدم في طاعة الله أو يتأخر عنها بالمعصية عن قتادة و المشيئة هي الإرادة فيكون المعنى أن هذا الإنذار متوجه إلى من يمكنه أن يتقي عذاب النار بأن يتجنب المعاصي و يفعل الطاعات فيقدر على التقدم و التأخر في أمره بخلاف قول أهل الجبر القائلين ما لا يطاق و قيل إنه سبحانه عبر عن الإيمان و الطاعة بالتقدم لأن صاحبه متقدم في العقول و الدرجات و عن الكفر و المعصية بالتاخير لأنه متأخر في العقول و الدرجات و روى محمد بن الفضيل عن أبي الفضل عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال كل من تقدم إلى ولايتنا تأخر عن سقر و كل من تأخر عن ولايتنا تقدم إلى سقر « كل نفس بما كسبت رهينة » أي مرهونة بعملها محبوسة به مطالبة بما كسبته من طاعة أو من معصية فالرهن أخذ الشيء بأمر على أن لا يرد إلا بالخروج منه قال زهير :
و فارقتك برهن لا فكاك له
يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا فكذلك هؤلاء الضلال قد أخذوا برهن لا فكاك له و الكسب هو كل ما يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر و يدخل فيه الفعل و أن لا يفعل ثم استثنى سبحانه أصحاب اليمين فقال « إلا أصحاب اليمين » و هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم و قيل هم الذين يسلك بهم ذات اليمين قال قتادة غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين و هم الذين لا ذنب لهم فهم ميامين على أنفسهم و قيل هم المؤمنون المستحقون للثواب عن الحسن و قيل هم الملائكة عن ابن عباس و قال الباقر (عليه السلام) نحن و شيعتنا أصحاب اليمين « في جنات يتساءلون » أي يسأل بعضهم بعضا و قيل يسائلون « عن المجرمين » أي عن حالهم و عن ذنوبهم التي استحقوا بها النار « ما سلككم في سقر » هذا سؤال توبيخ أي تطلع أهل الجنة على أهل النار فيقولون لهم ما أوقعكم في النار « قالوا لم نك من المصلين » أي كنا لا نصلي الصلاة المكتوبة على ما قررها الشرع و في هذا دلالة على أن الإخلال بالجواب يستحق به الذم و العقاب لأنهم علقوا استحقاقهم العقاب بالإخلال في الصلاة و فيه دلالة أيضا على أن الكفار مخاطبون بالعبادات الشرعية لأنه حكاية عن الكفار بدلالة قوله « و كنا نكذب بيوم الدين » و قوله « و لم نك
مجمع البيان ج : 10 ص : 592
نطعم المسكين » معناه لم نك نخرج الزكوات التي كانت واجبة علينا و الكفارات التي وجب دفعها إلى المساكين و هم الفقراء « و كنا نخوض مع الخائضين » أي كلما غوى غاو بالدخول في الباطل غوينا معه عن قتادة و المعنى كنا نلوث أنفسنا بالمرور في الباطل كتلويث الرجل بالخوض فلما كان هؤلاء يجرون مع من يكذب بالحق مشيعين لهم في القول كانوا خائضين معهم « و كنا نكذب بيوم الدين » مع ذلك أي نجحد يوم الجزاء و هو يوم القيامة و الجزاء هو الإيصال إلى كل من له شيء أم عليه شيء ما يستحقه فيوم الدين هو يوم أخذ المستحق بالعدل « حتى أتينا اليقين » أي أتانا الموت على هذه الحالة و قيل حتى جاءنا العلم اليقين من ذلك بأن عايناه « فما تنفعهم شفاعة الشافعين » أي شفاعة الملائكة و النبيين كما نفعت الموحدين عن ابن عباس في رواية عطاء و قال الحسن لم تنفعهم شفاعة ملك و لا شهيد و لا مؤمن و يعضد هذا الإجماع على أن عقاب الكفر لا يسقط بالشفاعة و قد صحت الرواية عن عبد الله بن مسعود قال يشفع نبيكم (صلى الله عليهوآلهوسلّم) رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لا يشفع أحد أكثر مما يشفع فيه نبيكم (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ثم النبيون ثم الصديقون ثم الشهداء و يبقى قوم في جهنم فيقال لهم « ما سلككم في سقر » إلى قوله « فما تنفعهم شفاعة الشافعين » قال ابن مسعود فهؤلاء الذين يبقون في جهنم و عن الحسن عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة أي رب عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه فيقول اذهب فأخرجه من النار فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها و قال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إن من أمتي من سيدخل الله الجنة بشفاعته أكثر من مضر « فما لهم عن التذكرة معرضين » أي أي شيء لهم و لم أعرضوا و تولوا عن القرآن فلم يؤمنوا به و التذكرة التذكير بمواعظ القرآن و المعنى لا شيء لهم في الآخرة إذا أعرضوا عن القرآن و نفروا عنه « كأنهم حمر مستنفرة » أي كأنهم حمر وحشية نافرة « فرت من قسورة » يعني الأسد عن عطاء و الكلبي قال ابن عباس الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه كذلك هؤلاء الكفار إذا سمعوا النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقرأ القرآن هربوا منه و قيل القسورة الرماة و رجال القنص عن ابن عباس بخلاف و الضحاك و مقاتل و مجاهد و قال سعيد بن جبير هم القناص « بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشرة » أي كتبا من السماء تنزل إليهم بأسمائهم أن آمنوا بمحمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن الحسن و قتادة و ابن زيد و قيل معناه أنهم يريدون صحفا من الله تعالى بالبراءة من العقوبة و إسباغ النعمة حتى يؤمنوا و إلا قاموا على كفرهم و قيل يريد كل واحد منهم أن يكون رسولا يوحى إليه متبوعا و أنف من
مجمع البيان ج : 10 ص : 593
أن يكون تابعا و قيل هو تفسيرها ما ذكره الله تعالى في قوله و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه فقال سبحانه « كلا » أي حقا ليس الأمر على ما قالوا و لا يكون كذلك « بل لا يخافون الآخرة » بجحدهم صحتها و لو خافوا عذاب الآخرة لما اقترحوا الآيات بعد قيام الدلالات و المعجزات « كلا » أي حقا « إنه تذكرة » أي إن القرآن تذكير و موعظة « فمن شاء ذكره » أي اتعظ به لأنه قادر عليه « و ما يذكرون إلا أن يشاء الله » هذه المشيئة غير الأولى إذ لو كانت واحدة لتناقض فالأولى مشيئة اختيار و الثانية مشيئة إكراه و إجبار و المعنى أن هؤلاء الكفار لا يذكرون إلا أن يجبرهم الله تعالى على ذلك و قيل معناه إلا أن يشاء الله من حيث أمر به و نهى عن تركه و وعد الثواب على فعله و أوعد بالعقاب إن لم تفعله فكانت مشيئته سابقة أي لا تشاءون إلا و الله قد شاء ذلك « هو أهل التقوى و أهل المغفرة » أي هو أهل أن يتقي محارمه و أهل أن يغفر الذنوب عن قتادة و روي مرفوعا عن أنس قال إن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) تلا هذه الآية فقال قال الله سبحانه أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إليه فمن اتقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له و قيل معناه و هو أهل أن يتقى عقابه و أهل أن يعمل له بما يؤدي إلى مغفرته .

مجمع البيان ج : 10 ص : 594
( 75 ) سورة القيامة مكية و آياتها أربعون ( 40 )
أربعون آية كوفي و تسع و ثلاثون في الباقين .

اختلافها
آية « لتعجل به » كوفي .

فضلها
أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و من قرأ سورة القيامة شهدت أنا و جبريل له يوم القيامة أنه كان مؤمنا بيوم القيامة و جاء و وجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أدمن قراءة لا أقسم و كان يعمل بها بعثها الله يوم القيامة معه في قبره في أحسن صورة تبشر و تضحك في وجهه حتى يجوز الصراط و الميزان .

تفسيرها
لما ختم الله سبحانه سورة المدثر بذكر القيامة و أن الكافر لا يؤمن بها افتتح هذه السورة بذكر القيامة و ذكر أهوالها فقال :

بعدی
مجمع البيان ج : 10 ص : 595
سورة القيامة
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَمَةِ(1) وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2) أَ يحْسب الانسنُ أَلَّن نجْمَعَ عِظامَهُ(3) بَلى قَدِرِينَ عَلى أَن نُّسوِّى بَنَانَهُ(4) بَلْ يُرِيدُ الانسنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ(5) يَسئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَمَةِ(6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصرُ(7) وَ خَسف الْقَمَرُ(8) وَ جُمِعَ الشمْس وَ الْقَمَرُ(9) يَقُولُ الانسنُ يَوْمَئذ أَيْنَ المَْفَرُّ(10) َكلا لا وَزَرَ(11) إِلى رَبِّك يَوْمَئذ المُْستَقَرُّ(12) يُنَبَّؤُا الانسنُ يَوْمَئذِ بِمَا قَدَّمَ وَ أَخَّرَ(13) بَلِ الانسنُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَ لَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)
القراءة
قرأ القواس لأقسم و الباقون « لا أقسم » و لم يختلفوا في الثاني أنه « و لا أقسم » و قرأ أهل المدينة برق البصر بفتح الراء و الباقون « برق » بالكسر و في الشواذ قراءة ابن عباس و عكرمة و أيوب السختياني و الحسن المفر بفتح الميم و كسر الفاء و قراءة الزهري المفر بكسر الميم و فتح الفاء .

الحجة
قال أبو علي من قرأ « لا أقسم بيوم القيامة » كانت لا على قوله صلة كالتي في قوله لئلا يعلم أهل الكتاب فإن قلت لا و ما و الحروف التي هن زوائد إنما تكون بين كلامين كقوله مما خطيئاتهم و فبما رحمة من الله و فبما نقضهم و لا تكاد تزاد أولا فقد قالوا إن مجاري القرآن مجاري الكلام الواحد و السورة الواحدة قال و الذي يدل على ذلك أنه قد يذكر الشيء في سورة و يجيء جوابه في سورة أخرى كقوله يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون جاء جوابه في سورة أخرى ما أنت بنعمة ربك بمجنون فلا فصل على هذا بين قوله لئلا يعلم و بين قوله « لا أقسم » فأما من قرأ لأقسم فإن اللام تجوز أن تكون اللام التي تصحبها إحدى النونين في أكثر الأمر و قد حكى ذلك سيبويه و أجازه و كما لم يلحق النون مع الفعل الآتي في لأقسم كذلك لم يحلق اللام مع النون في نحو قول الشاعر :
و قتل مرة أثأرن فإنه
فرع و إن أخاكم لم يثأر يريد لأثأرن فحذف اللام و يجوز أن يكون اللام لحقت فعل الحال و إذا كان المثال للحال لم يتبعها النون لأن هذه النون التي تلحق الفعل في أكثر الأمر إنما هي للفصل بين فعل الحال و الفعل الآتي و قد يمكن أن يكون لا ردا لكلام و زعموا أن الحسن قرأ « لا أقسم بيوم القيامة و لا أقسم بالنفس اللوامة » و قال أقسم بالأولى و لم يقسم بالثانية و حكي نحو ذلك عن ابن أبي إسحاق أيضا و ذكر أبو علي في غير كتاب الحجة أن اللام زيادة لأن القسم لا يدخل
مجمع البيان ج : 10 ص : 596
على القسم و قال ابن جني ينبغي أن تكون هذه اللام لام الابتداء أي لأنا أقسم بيوم القيامة و حذف المبتدأ للعلم به و قال أبو الحسن برق البصر أكثر في كلام العرب و المفتوحة لغة قال الزجاج من قرأ « برق » فمعناه فزع و تحير و من قرأ برق فهو من بريق العينين و قال أبو عبيدة برق البصر إذا شق و أنشد :
لما أتاني ابن صبيح راغبا
أعطيته عيساء منها فبرق و المفر الفرار و المفر بكسر الفاء الموضع الذي يفر إليه و المفر بكسر الميم و فتح الفاء الإنسان الجيد الفرار و قال امرؤ القيس :
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل .

الإعراب
« بلى قادرين » نصب على الحال و التقدير بلى بجمعها قادرين فالعامل في الحال محذوف لدلالة ما تقدم عليه كما في قوله فإن خفتم فرجالا أي فصلوا رجالا و مفعول يريد محذوف تقديره بل يريد الإنسان الحياة ليفجر و يسأل جملة في موضع الحال و « لا وزر » خبره محذوف و تقديره لا وزر في الوجود و قوله « بل الإنسان على نفسه بصيرة » قيل في تفسيره أقوال ( أحدها ) أن المعنى بل الإنسان على نفسه عين بصيرة ( و الثاني ) حجة بصيرة أي بينة ( و الثالث ) أن الهاء للمبالغة كما يقال رجل علامة و نسابة و قال علي بن عيسى تقديره بل الإنسان على نفسه من نفسه بصيرة أي جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة فأنت بصيرة لأنه حمل الإنسان على النفس و جواب لو محذوف تقديره و لو ألقى معاذيره و لم ينفعه ذلك و يجوز أن يكون جوابه فيما سبق .

المعنى
« لا أقسم بيوم القيامة » قيل إن لا صلة و معناه أقسم بيوم القيامة عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قيل إن لا رد على الذين أنكروا البعث و النشور من المشركين فكأنه قال لا كما تظنون ثم ابتدأ القسم فقال أقسم بيوم القيامة أنكم مبعوثون ليكون فرقا بين اليمين التي تكون جحدا و بين اليمين المستأنفة و قيل معناه لا أقسم بيوم القيامة لظهورها بالدلائل العقلية و السمعية و قيل معناه لا أقسم بيوم القيامة فإنكم لا تقرون بها « و لا أقسم بالنفس
مجمع البيان ج : 10 ص : 597
اللوامة » فإنكم لا تقرون بأن النفس تلوم صاحبها يوم القيامة و لكن استخبركم فأخبروني هل أقدر على أن أجمع العظام المتفرقة و هذان الوجهان عن أبي مسلم و قيل معناه أقسم بيوم القيامة و لا أقسم بالنفس اللوامة أقسم بالأول و لم يقسم بالثاني عن الحسن قال علي بن عيسى و هذا ضعيف لأنه يخرج عن تشاكل الكلام و الأولى أن يكونا قسمين و هو قول الأكثرين و جواب القسم محذوف تقديره ما الأمر على ما تتوهمون و إنكم تبعثون أو لتبعثن و من قرأ لأقسم فإنه يجعلها جواب القسم و حذف النون لأنه أراد الحال و قد ذكرنا ما قيل فيه و النفس اللوامة الكثيرة اللوم و ليس من نفس برة و لا فاجرة إلا و هي تلوم نفسها يوم القيامة إن كانت عملت خيرا قالت هلا ازددت و إن كانت عملت سوءا قالت يا ليتني لم أفعل عن ابن عباس في رواية عطاء و قال مجاهد تلوم على ما مضى تقول لم فعلت و لم لم أفعل و قيل النفس اللوامة الكافرة الفاجرة عن قتادة و مجاهد و معناه ذات اللوم الكثير لما سلف منها و قيل هي النفس المؤمنة تلوم نفسها في الدنيا و تحاسبها فتقول ما ذا فعلت و لم قصرت فتكون مفكرة في العواقب أبدا و الفاجر لا يفكر في أمر الآخرة و لا يحاسب نفسه عن الحسن « أ يحسب الإنسان » صورته صورة الاستفهام و معناه الإنكار على منكري البعث و معناه أ يحسب الكافر بالبعث و النشور يعني جنس الكفار « أن لن نجمع عظامه » أي أنه لن نعيده إلى ما كان أولا خلقا جديدا بعد أن صار رفاتا فكني عن البعث بجمع العظام ثم قال سبحانه « بلى » نجمعها « قادرين على أن نسوي بنانه » على ما كانت و إن قلت عظامها و صغرت فنردها كما كانت و نؤلف بينها حتى يستوي البنان و من قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر عن الزجاج و الجبائي و أبي مسلم و قيل معناه نقدر على أن نجعل بنانه كالخلف و الحافر فيتناول المأكول بفيه و لكنا مننا عليه بالأنامل ليكمل بها المنفعة و يتهيأ له القبض و البسط و الارتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة و غيرها عن ابن عباس و قتادة « بل يريد الإنسان » أي يريد الكافر « ليفجر أمامه » هذا إخبار من الله تعالى أن الإنسان يمضي قدما في معاصي الله تعالى راكبا رأسه لا ينزع عنها و لا يتوب عن مجاهد و الحسن و عكرمة و السدي أي فهذا هو الذي يحمله على الإعراض عن مقدورات ربه فلذلك لا يقر بالبعث و ينكر النشور و قيل ليفجر أمامه أي ليفكر بما قدامه من البعث و يكذب به فالفجور و هو التكذيب و عن الزجاج قال و يجوز أن يريد أنه يسوف التوبة و يقدم الأعمال السيئة و قال ابن الأنباري يريد أن يفجر ما امتد عمره و ليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه و قيل معناه أنه يقول أعمل ثم أتوب عن عطية و المراد أنه يتعجل المعصية ثم يسوف التوبة يقول غدا و بعد غد « يسأل أيان يوم القيامة » معناه أن الذي يفجر أمامه يسأل متى تكون القيامة فإن معنى أيان متى إلا أن السؤال بمتى أكثر من السؤال بأيان
مجمع البيان ج : 10 ص : 598
فلذلك حسن أن يفسر بها و إنما يسأل عن ذلك تكذيبا و اشتغالا بالدنيا من غير تفكر في العاقبة فإذا خوف بالقيامة قال متى يكون ذلك ثم قال سبحانه « فإذا برق البصر » أي شخص البصر عند معاينة ملك الموت فلا يطرف من شدة الفزع و قيل إذا فزع و تحير لما يرى من أهوال القيامة و أحوالها مما كان يكذب به في الدنيا و هذا كقوله لا يرتد إليهم طرفهم عن قتادة و أبي مسلم « و خسف القمر » أي ذهب نوره و ضوءه « و جمع الشمس و القمر » جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها حتى يراها كل أحد بغير نور و ضياء عن مجاهد و هو اختيار الفراء و الزجاج و الجمع على ثلاثة أقسام جمع في المكان و جمع في الزمان و جمع الأعراض في المحل فأما جمع الشيئين في حكم أو صفة فمجاز لأن حقيقة الجمع جعل أحد الشيئين مع الآخر و قيل جمع بينهما في طلوعهما من المغرب كالبعيرين القرينين عن ابن مسعود « يقول الإنسان » المكذب بالقيامة « يومئذ أين المفر » أي أين الفرار و يجوز أن يكون معناه أين موضع الفرار عن الفراء و قال الزجاج المفر بالفتح الفرار و المفر بالكسر مكان الفرار قال الله سبحانه « كلا لا وزر » أي لا مهرب و لا ملجأ لهم يلجئون إليه و الوزر ما يتحصن به من جبل أو غيره و منه الوزير الذي يلجأ إليه في الأمور و قيل معناه لا حصن عن الضحاك « إلى ربك يومئذ المستقر » أي المنتهى عن قتادة أي ينتهي الخلق يومئذ إلى حكمه و أمره فلا حكم و لا أمر لأحد غيره و قيل المستقر المكان الذي يستقر فيه المؤمن و الكافر و ذلك إلى الله لا إلى العباد و قيل المستقر المصير و المرجع عن ابن مسعود و المستقر على وجهين مستقر إلى أمد و مستقر إلى الأبد « ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر » أي يخبر الإنسان يوم القيامة بأول عمله و آخره فيجازى به عن مجاهد و قيل معناه بما قدم من العمل في حياته و ما سنه فعمل به بعد موته من خير أو شر و قيل بما قدم من المعاصي و أخر من الطاعات عن ابن عباس و قيل بما أخذ و ترك عن ابن زيد و قيل بما قدم من طاعة الله و أخر من حق الله فضيعه عن قتادة و قيل بما قدم من ماله لنفسه و ما خلقه لورثته بعده عن زيد بن أسلم و حقيقة النبإ الخبر بما يعظم شأنه و إنما حسن في هذا الموضع لأن ما جرى مجرى المباح لا يعتد به في هذا الباب و إنما هو ما يستحق عليه الجزاء فأما ما وجوده كعدمه فلا اعتبار به « بل الإنسان على نفسه بصيرة » أي إن جوارحه تشهد عليه بما عمل فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه عن ابن عباس و عكرمة و مقاتل و قال القتيبي أقام جوارحه مقام نفسه و لذلك أنث لأن المراد بالإنسان هاهنا الجوارح و قال الأخفش هي كقولك فلان حجة و عبرة و دليله قوله تعالى كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا و قيل معناه أن الإنسان بصير بنفسه و عمله و روى العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما يصنع
مجمع البيان ج : 10 ص : 599
أحدكم أن يظهر حسنا و يسر سيئا أ ليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنه ليس كذلك و الله سبحانه يقول « بل الإنسان على نفسه بصيرة » إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه تلا هذه الآية ثم قال ما يصنع الإنسان أن يتعذر إلى الناس خلاف ما يعلم الله منه أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كان يقول من أسر سريرة رداه الله رداءها إن خيرا فخير و إن شرا فشر و عن زرارة قال سألت أبا عبد الله ما حد المرض الذي يفطر صاحبه قال « بل الإنسان على نفسه بصيرة » هو أعلم بما يطيق و في رواية أخرى هو أعلم بنفسه ذاك إليه « و لو ألقى معاذيره » أي و لو اعتذر و جادل عن نفسه لم ينفعه ذلك يقال معذرة و معاذر و معاذير و هي ذكر موانع تقطع عن الفعل المطلوب و قيل معناه و لو أرخى الستور و أغلق الأبواب عن الضحاك و السدي قال الزجاج معناه و لو أدلى بكل حجة عنده و جاء في التفسير المعاذير الستور واحدها معذار و قال المبرد هي لغة طائية و المعنى على هذا القول و إن أسبل الستور ليخفي ما يعمل فإن نفسه شاهدة عليه .
لا تحَرِّك بِهِ لِسانَك لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَ قُرْءَانَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ(18) ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19) َ


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page