• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثلاثون سورة عبس آیات 1 الی 42


مجمع البيان ج : 10 ص : 661
( 80 ) سورة عبس مكية و آياتها ثنتان و أربعون ( 42 )
و تسمى سورة السفرة مكية .

عدد آيها
اثنتان و أربعون آية حجازي كوفي و إحدى و أربعون بصري و أربعون شامي و المدني الأول .

اختلافها
ثلاث آيات « و لأنعامكم » حجازي كوفي « إلى طعامه » غير يزيد « الصاخة » غير الشامي .

فضلها
أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال و من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة و وجهه ضاحك مستبشر و روى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و من قرأ سورة عبس و تولى و إذا الشمس كورت كان تحت الله من الجنان و في ظل الله و كرامته في جنانه و لا يعظم ذلك على ربه عز و جل .


تفسيرها
لما ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر إنذاره من يخشى القيامة افتتح هذه السورة بذكر إنذاره قوما يرجو إسلامهم و إعراضه عمن يخشى فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 662
سورة عبس
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَبَس وَ تَوَلى(1) أَن جَاءَهُ الأَعْمَى(2) وَ مَا يُدْرِيك لَعَلَّهُ يَزَّكى(3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى(4) أَمَّا مَنِ استَغْنى(5) فَأَنت لَهُ تَصدَّى(6) وَ مَا عَلَيْك أَلا يَزَّكى(7) وَ أَمَّا مَن جَاءَك يَسعَى(8) وَ هُوَ يخْشى(9) فَأَنت عَنْهُ تَلَهَّى(10) َكلا إِنهَا تَذْكِرَةٌ(11) فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ(12) فى صحُف مُّكَرَّمَة(13) مَّرْفُوعَة مُّطهَّرَةِ(14) بِأَيْدِى سفَرَة(15) كِرَامِ بَرَرَة(16) قُتِلَ الانسنُ مَا أَكْفَرَهُ(17) مِنْ أَى شىْء خَلَقَهُ(18) مِن نُّطفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19) ثُمَّ السبِيلَ يَسرَهُ(20) ثمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبرَهُ(21) ثمَّ إِذَا شاءَ أَنشرَهُ(22) َكلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ(23)
القراءة
قرأ عاصم غير الأعشى و البرجمي فتنفعه بالنصب و الباقون بالرفع و قرأ أهل الحجاز تصدى بالتشديد و الباقون « تصدى » بتخفيف الصاد و في الشواذ قراءة الحسن أن جاءه و قراءة أبي جعفر الباقر (عليه السلام) تصدى بضم التاء و فتح الصاد و تلهى بضم التاء أيضا و قراءة أبي حيوة و شعيب بن أبي حمزة نشره بغير ألف .

الحجة
قال أبو علي من قرأ فتنفعه بالرفع عطفه على ما تقدم من المرفوع و من قرأ بالنصب فعلى أنه جواب بالفاء لأن المتقدم غير موجب فكان قوله تعالى « يذكر » المعطوف على « يزكى » في معنى لعله يكون منه تذكر فانتفاع و كذا قوله لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع و قوله « تصدى » أي تعرض فمن قرأ بتشديد الصاد أدغم التاء في الصاد و من قرأ بالتخفيف أراد تتصدى فحذف التاء و لم يدغمها و قرأ ابن فليح و البزي عن ابن كثير تلهى بتشديد التاء على أنه شبه المنفصل بالمتصل و جاز وقوع الساكن بعد اللين كما جاز تمود الثوب في المتصل و حكى سيبويه فلا تناجوا و من قرأ أن جاءه بلفظ الاستفهام فتقديره الآن جاءه الأعمى و كان ذلك منه فعلق أن يفعل بمحذوف دل عليه « عبس و تولى » و أما على القراءة المشهورة فإن جاءه في موضع نصب بتولي لأنه الفعل الأقرب منه فكأنه قال تولى لمجيء الأعمى و هو مفعول به و من قرأ تصدى فالمعنى يدعوك داع من زينة الدنيا و بشارتها إلى
مجمع البيان ج : 10 ص : 663
التصدي له و الإقبال عليه و على ذلك قوله تلهى أيضا أي تصرف عنه و من قرأ نشره فعلى أنه لغة في أنشره .

اللغة
التصدي التعرض للشيء كتعرض الصديان للماء و الصحف جمع صحيفة و العرب تسمي كل مكتوب فيه صحيفة كما تسميه كتابا رقا كان أو غيره و السفرة الكتب لأسفار الحكمة واحدهم سافر و واحد الأسفار سفر و أصله الكشف من قولهم سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها و سفرت القوم إذا أصلحت بينهم قال :
و ما أدع السفارة بين قومي
و ما أمشي بغش إن مشيت و البررة جمع بار و هو فاعل البر و البر فعل النفع اجتلابا للمودة و أصله اتساع النفع و منه البر سمي به تفاؤلا باتساع النفع به و أقبره جعل له قبرا فالإقبار جعل القبر لدفن الميت فيه و يقال أقبرني فلانا أي اجعلني أقبره و القابر الدافن للميت بيده قال الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى نحرها
عاش و لم ينقل إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا
يا عجبا للميت الناشر و الإنشار الإحياء للتصرف بعد الموت كنشر الثوب بعد الطي .

الأعراب
« ثم السبيل يسره » انتصب السبيل بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر تقديره ثم يسر السبيل يسره له أي للإنسان ثم حذف الجار و المجرور و قوله « كلا لما يقض ما أمره » أي ما أمره به فحذف الباء فصار التقدير ما أمرهه فحذف الهاء الأولى فصار ما أمره فالهاء الباقية لما الموصولة و الهاء المحذوفة للإنسان .

النزول
قيل نزلت الآيات في عبد الله بن أم مكتوم و هو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي و ذلك أنه أتى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هو يناجي عتبة بن ربيعة و أبا جهل بن هشام و العباس بن عبد المطلب و أبيا و أمية ابني خلف يدعوهم إلى الله و يرجو إسلامهم فقال يا رسول الله أقرئني و علمني مما علمك الله فجعل يناديه و يكرر النداء و لا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لقطعه
مجمع البيان ج : 10 ص : 664
كلامه و قال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان و العبيد فأعرض عنه و أقبل على القوم الذين يكلمهم فنزلت الآيات و كان رسول الله بعد ذلك يكرمه و إذا رآه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي و يقول له هل لك من حاجة و استخلفه على المدينة مرتين في غزوتين و قال أنس بن مالك فرأيته يوم القادسية و عليه درع و معه راية سوداء قال المرتضى علم الهدى قدس الله روحه ليس في ظاهر الآية دلالة على توجهها إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بل هو خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه و فيها ما يدل على أن المعنى بها غيره لأن العبوس ليس من صفات النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين و المسترشدين ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء و يتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة و يؤيد هذا القول قوله سبحانه في وصفه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و إنك لعلى خلق عظيم و قوله و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فالظاهر أن قوله « عبس و تولى » المراد به غيره و قد روي عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه و جمع نفسه و عبس و أعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك و أنكره عليه فإن قيل فلو صح الخبر الأول هل يكون العبوس ذنبا أم لا فالجواب أن العبوس و الانبساط مع الأعمى سواء إذ لا يشق عليه ذلك فلا يكون ذنبا فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق و ينبهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد و يعرفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أولى من تأليف المشرك طمعا في إيمانه و قال الجبائي في هذا دلالة على أن الفعل يكون معصية فيما بعد لمكان النهي فأما في الماضي فلا يدل على أنه كان معصية قبل أن ينهى عنه و الله سبحانه لم ينهه إلا في هذا الوقت و قيل أن ما فعله الأعمى نوعا من سوء الأدب فحسن تأديبه بالإعراض عنه إلا أنه كان يجوز أن يتوهم أنه أعرض عنه لفقره و أقبل عليهم لرياستهم تعظيما لهم فعاتبه الله سبحانه على ذلك و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال كان رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال مرحبا مرحبا لا و الله لا يعاتبني الله فيك أبدا و كان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مما يفعل به .

المعنى
« عبس » أي بسر و قبض وجهه « و تولى » أي أعرض بوجهه « أن جاءه الأعمى » أي لأن جاءه الأعمى « و ما يدريك لعله » أي لعل هذا الأعمى « يزكى » يتطهر بالعمل الصالح و ما يتعلمه منك « أو يذكر » أي يتذكر فيتعظ بما يعلمه من مواعظ القرآن « فتنفعه الذكرى » في دينه قالوا و في هذا لطف من الله عظيم لنبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إذ لم يخاطبه في باب العبوس فلم يقل عبست فلما جاوز العبوس عاد إلى الخطاب فقال و ما يدريك .
ثم قال « أما من استغنى » أي من كان عظيما في قومه و استغنى بالمال « فأنت له تصدى » أي
مجمع البيان ج : 10 ص : 665
تتعرض له و تقبل عليه بوجهك « و ما عليك ألا يزكى » أي أي شيء يلزمك إن لم يسلم و لم يتطهر من الكفر فإنه ليس عليك إلا البلاغ « و أما من جاءك يسعى » أي يعمل في الخير يعني ابن أم مكتوم « و هو يخشى » الله عز و جل « فأنت عنه تلهى » أي تتغافل و تشتغل عنه بغيره « كلا » أي لا تعد لذلك و انزجر عنه « إنها تذكرة » أي إن آيات القرآن تذكير و موعظة للخلق « فمن شاء ذكره » أي ذكر التنزيل أو القرآن أو الوعظ و المعنى فمن شاء أن يذكره ذكره و في هذا دلالة على أن العبد قادر على الفعل مخير فيه و قوله « كلا » فيه دلالة على أنه ليس له أن يفعل ذلك في المستقبل و أما الماضي فلم يتقدم النهي عن ذلك فيه فلا يكون معصية ثم أخبر سبحانه بجلالة قدر القرآن عنده فقال « في صحف مكرمة » أي هذا القرآن أو هذه التذكرة في كتب معظمة عند الله و هي اللوح المحفوظ عن ابن عباس و قيل يعني كتب الأنبياء المنزلة عليهم كقوله إن هذا لفي الصحف الأولى « مرفوعة » في السماء السابعة و قيل مرفوعة قد رفعها الله عن دنس الأنجاس « مطهرة » لا يمسها إلا المطهرون و قيل مصونة عن أن تنالها أيدي الكفرة لأنها في أيدي الملائكة في أعز مكان عن الجبائي و قيل مطهرة من كل دنس عن الحسن و قيل مطهرة من الشك و الشبهة و التناقض « بأيدي سفرة » يعني الكتبة من الملائكة عن ابن عباس و مجاهد و قيل يعني السفراء بالوحي بين الله تعالى و بين رسله من السفارة و قال قتادة هم القراء يكتبونها و يقرءونها و روى فضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) قال الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة ثم أثنى عليهم فقال « كرام » على ربهم « بررة » مطيعين و قيل كرام عن المعاصي يرفعون أنفسهم عنها بررة أي صالحين متقين و قال مقاتل كان القرآن ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر إلى الكتبة من الملائكة ثم ينزل به جبريل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ثم ذكر سبحانه المكذبين بالقرآن فقال « قتل الإنسان » أي عذب و لعن الإنسان و هو إشارة إلى كل كافر عن مجاهد و قيل هو أمية بن خلف عن الضحاك و قيل هو عتبة بن أبي لهب إذ قال كفرت برب النجم إذا هوى « ما أكفره » أي ما أشد كفره و ما أبين ضلاله و هذا تعجب منه كأنه قد قال تعجبوا منه و من كفره مع كثرة الشواهد على التوحيد و الإيمان و قيل أن ما للاستفهام أي أي شيء أكفره و أوجب كفره عن مقاتل و الكلبي فكأنه قال ليس هاهنا شيء يوجب الكفر و يدعو إليه فما الذي دعاه إليه مع كثرة نعم الله عليه ، ثم بين سبحانه من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أن الله خالقه فقال « من أي شيء خلقه » لفظه استفهام و معناه التقرير و قيل معناه لم لا ينظر إلى أصل خلقته من أي شيء خلقه الله ليدله على وحدانية الله تعالى ثم فسر فقال « من نطفة خلقه فقدره » أطوارا نطفة ثم علقة إلى آخر خلقة و على حد معلوم من طوله و قصره
مجمع البيان ج : 10 ص : 666
و سمعه و بصره و حواسه و أعضائه و مدة عمره و رزقه و جميع أحواله « ثم السبيل يسره » أي ثم يسر سبيل الخروج من بطن أمه حتى خرج منه عن ابن عباس و قتادة و ذلك أن رأسه كان إلى رأس أمه و كذلك رجلاه كانتا إلى رجليها فقلبه الله عند الولادة ليسهل خروجه منها و قيل ثم السبيل أي سبيل الدين يسره و طريق الخير و الشر بين له و خيره و مكنه من فعل الخير و اجتناب الشر و نظيره و هديناه النجدين عن مجاهد و الحسن و ابن زيد « ثم أماته » أي خلق الموت فيه و قيل أزال عنه حياته « فأقبره » أي صيره بحيث يقبر و جعله ذا قبر عن أبي مسلم و قيل جعله مقبورا و لم يجعله ممن يلقى إلى السباع و الطير عن الفراء و قيل أمر بأن يقبر عن أبي عبيدة « ثم إذا شاء أنشره » أي أحياه من قبره و بعثه إذا شاء تعالى أن يحييه للجزاء و الحساب و الثواب و العقاب عن الحسن « كلا » أي حقا « لم يقض » أي لم يقض « ما أمره » الله به من إخلاص عبادته و لم يؤد حق الله تعالى عليه مع كثرة نعمه قال مجاهد هو على العموم في الكافر و المسلم لم يعبده أحد حق عبادته .
فَلْيَنظرِ الانسنُ إِلى طعَامِهِ(24) أَنَّا صبَبْنَا الْمَاءَ صبًّا(25) ثمَّ شقَقْنَا الأَرْض شقًّا(26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27) وَ عِنَباً وَ قَضباً(28) وَ زَيْتُوناً وَ نخْلاً(29) وَ حَدَائقَ غُلْباً(30) وَ فَكِهَةً وَ أَبًّا(31) مَّتَعاً لَّكمْ وَ لأَنْعَمِكمْ(32) فَإِذَا جَاءَتِ الصاخَّةُ(33) يَوْمَ يَفِرُّ المَْرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34) وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ(35) وَ صحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ(36) لِكلِّ امْرِى مِّنهُمْ يَوْمَئذ شأْنٌ يُغْنِيهِ(37) وُجُوهٌ يَوْمَئذ مُّسفِرَةٌ(38) ضاحِكَةٌ مُّستَبْشِرَةٌ(39) وَ وُجُوهٌ يَوْمَئذ عَلَيهَا غَبرَةٌ(40) تَرْهَقُهَا قَترَةٌ(41) أُولَئك هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)
القراءة
قرأ أهل الكوفة أنا صببنا بالفتح و الباقون بالكسر و في الشواذ قراءة ابن محيصن يعنيه بالعين و فتح الياء .

بعدی

مجمع البيان ج : 10 ص : 667
الحجة
قال أبو علي من كسر كان ذلك تفسيرا للنظر إلى طعامه كما أن قوله « لهم مغفرة » تفسير للوعد و من فتح فقال أنا فالمعنى على البدل بدل الاشتمال لأن هذه الأشياء مشتملة على كون الطعام و حدوثه فهو من نحو « يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه » « و قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود » و قوله « و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره » لأن الذكر كالمشتمل على المذكور و معنى « إلى طعامه » إلى كون طعامه و حدوثه و هو موضع الاعتبار قال ابن جني قوله يعنيه بالعين قراءة حسنة إلا أن قراءة الجماعة أقوى معنى فإن الإنسان قد يعنيه الشيء و لا يغنيه عن غيره أ لا ترى أن من كان له ألف درهم فيؤخذ منها مائة درهم يعنيه أمرها و لا يغنيه عن بقية ماله أن يهتم به و يراعيه فأما إذا أغناه الأمر عن غيره فإن ذلك أقوى فاعرفه .

اللغة
الحديقة البستان المحوط و جمعه حدائق و منه قولهم أحدق به القوم إذا أحاطوا به و الغلب الغلاظ شجرة غلباء غليظة قال الفرزدق :
عوى فأثار أغلب ضيغميا
فويل ابن المراغة ما استثارا و الأب المرعى من الحشيش و سائر النبات الذي ترعاه الأنعام و الدواب و يقال أب إلى سيفه فاستله أي بدر إليه وهب إليه فيكون كبدور المرعى بالخروج قال الأعشى :
صرمت و لم أصرمكم و كصارم
أخ قد طوى كشحا و أب ليذهبا و قال في الأب :
جذمنا قيس و نجد دارنا
و لنا الأب بها و المكرع و الصاخة الصاكة لشدة صوتها الآذان فتصمها و القترة ظلمة الدخان و منه القتار ريح الشواء لأنها كالدخان .

الإعراب
« فإذا جاءت الصاخة » العامل في الظرف في قوله « لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه » أي ثبت لكل امرىء منهم ذلك في وقت مجيء الصاخة .

المعنى
لما ذكر سبحانه خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر فقال « فلينظر الإنسان إلى طعامه »
مجمع البيان ج : 10 ص : 668
الذي يأكله و يتقوته من الأطعمة الشهية اللذيذة كيف خلقها سبحانه و هيأها لرزق عباده ليفكر كيف مكنه من الانتفاع بذلك ثم بين فقال « أنا صببنا الماء صبا » أي نزلنا الغيث إنزالا « ثم شققنا الأرض شقا » بالنبات « فأنبتنا فيها » أي في الأرض « حبا » أي جنس الحبوب التي يتغذى بها و تدخر « و عنبا » خص العنب لكثرة منافعه « و قضبا » و هو ألقت الرطب يقضب مرة بعد أخرى يكون علفا للدواب عن ابن عباس و الحسن « و زيتونا » و هو ما يعصر عنه الزيت « و نخلا » جمع نخلة « و حدائق غلبا » أي و بساتين محوطة تشتمل على أشجار عظام غلاظ مختلفة و قيل غلبا ملتفة الشجر عن مجاهد « و فاكهة » يعني سائر ألوان الفواكه « و أبا » و هو المرعى و الكلأ الذي لم يزرعه الناس مما تأكله الأنعام و قيل أن الأب للأنعام كالفاكهة للناس « متاعا » أي منفعة « لكم و لأنعامكم » مر معناه ثم ذكر يوم القيامة فقال « فإذا جاءت الصاخة » يعني صيحة القيامة عن ابن عباس سميت بذلك لأنها تصخ الآذان أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها و قيل لأنها يصخ لها الخلق أي يستمع و قد قلب حرف التضعيف ياء لكراهية التضعيف فقالوا صاخ كما قالوا تظنيت في تظننت و تقضي البازي في تقضض ثم ذكر سبحانه في أي وقت تجيء الصاخة فقال « يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته » أي و زوجته « و بنيه » أي أولاده الذكور أي لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء لعظم ما هو فيه و شغله بنفسه و إن كان في الدنيا يعتني بشأنهم و قيل يفر منهم حذرا من مطالبتهم إياه بما بينه و بينهم من التبعات و المظالم و قيل لعلمه بأنهم لا ينفعونه و لا يغنون عنه شيئا و يجوز أن يكون مؤمنا و أقرباؤه من أهل النار فيعاديهم و لا يلتفت إليهم أو يفر منهم لئلا يرى ما نزل بهم من الهوان « لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه » أي لكل إنسان منهم أمر عظيم يشغله عن الأقرباء و يصرفه عنهم و معنى يغنيه يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره لما هو فيه من الأمر الذي قد اكتنفه و ملأ صدره فصار كالغني عن الشيء في أمر نفسه لا ينازع إليه و روي عن عطاء بن يسار عن سودة زوجة النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قالت قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يبعث الناس عراة حفاة غرلا يلجمهم العرق و يبلغ شحمة الآذان قالت قلت يا رسول الله وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض قال شغل الناس عن ذلك و تلا رسول الله « لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه » ثم قسم سبحانه أحوال الناس في ذلك اليوم فقال « وجوه يومئذ مسفرة » أي مشرقة مضيئة « ضاحكة مستبشرة » من سرورها و فرحها بما أعد لها من الثواب و أراد بالوجوه أصحاب الوجوه « و وجوه يومئذ عليها غبرة » أي سواد و ك آبة للهم
مجمع البيان ج : 10 ص : 669
« ترهقها » أي تعلوها و تغشاها « قترة » أي سواد أو كسوف عند معاينة النار و قيل أن الغبرة ما انحطت من السماء إلى الأرض و القترة ما ارتفعت من الأرض إلى السماء عن زيد بن أسلم « أولئك هم الكفرة » في أديانهم « الفجرة » في أفعالهم و استدلت الخوارج بذلك على أن من ليس بمؤمن لا بد أن يكون كافرا فإن الله سبحانه قسم الوجوه هذين القسمين و لا تعلق لهم به لأنه سبحانه ذكر هنا قسمين من الوجوه متقابلين وجوه المؤمنين و وجوه الكفار و لم يذكر وجوه الفساق من أهل الصلاة فيجوز أن يكون لها صفة أخرى بأن يكون عليها غبرة لا تغشاها قترة أو يكون عليها صفرة أو لون آخر .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page