• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سورة البقرة : قصَّة المارّ على القرية

 قلنا: لقد كشفت المناقشة الفكرية بين إبراهيم (عليه السلام) و بين نمرود عن صمت هذا الأخير و كأنّ حجراً اُلقي في فمه. حيث زعم نمرود أ نّه قادر على أن يُحيي و يميت. و لمّا قال له إبراهيم (عليه السلام): إنّ اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ... عندئذ بُهتَ و تلفّع بالصمت المُطبق.

و عندما نعود إلى النصوص المفسّرة من جديد نجدها قد نقلت جانباً آخر سَبَق هذه المناقشة ، و هو زعمه بأنّ اطلاق سراح سجين مثلا ، و عدم اطلاق السجين الآخر يُعد إحياءً لحياة الأوّل و إماتة لحياة الآخر.

لكنّ هذه المغالطة سرعان ما أسكتته عندما قال له إبراهيم (عليه السلام): أحيي القتيل ،
أي السجين الآخر ، و عندها سكت نمرود.

لكنّ إبراهيم (عليه السلام) أراد قطعَ كلّ طريق للمغالطة ، بحيث لا يدع مجالا لأيّة مراوغة في هذا الصدد ، لذلك قال لنمرود: إئتِ بالشمس من المغرب ، و عندها سكت نمرود تماماً و لفّته الحيرة و الاضطراب.

و الحقّ أنّ أمثلة هذه المناقشة لا تكشف عن سخف و هزال المنكرين لحقيقة السماء فحسب ، بل تنطوي على جملة من الحقائق :

منها: أنّ الشخصيات التي تُعنى بالملك الدنيوي و سائر أمتعة الحياة ، يحجزها مثلُ هذا المتاع عن التفكير بحقيقة الإنسان و معنى وجوده العبادي في الأرض.

و منها : أنّ إنكار حقيقة السماء لا يستند إلى أيّة حُجّة حتى لو كانت واهية ، لأنّ هذه الحقيقة واضحة كلّ الوضوح ، يُضطرّ المنكر لها إلى أن يصمت في نهاية المطاف.

و منها : أنّ كلاّ من الإحياء و الإماتة و سائر الظواهر تظل مرتبطةً بالسماء مهما
دقّ تصوّرها في هذا الصدد.

و لعلّ هذه الظاهرة الأخيرة ، تكفّلت بتحديدها اُقصوصتان أعقبتا قضية إبراهيم (عليه السلام)مع نمرود ، و ألقتا على الموقف إنارة جديدة فيما يتصل ببعض أسرار التركيبة البشرية ، و طريقة معرفتها بحقائق السماء ، و منها حقيقة الإحياء و الإماتة بخاصة. و اُولى هاتين الاُقصوصتين اُقصوصة المارّ على القرية ، أو القرية الخاوية على عروشها.

فلنقف عندها ، مفصلا ...

تقول الاُقصوصة:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَة وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها

﴿قالَ: أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها

﴿فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عام ثُمَّ بَعَثَهُ

﴿قالَ: كَمْ لَبِثْتَ

﴿قالَ: لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم

﴿قالَ: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عام

﴿فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ

﴿وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ

﴿وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً

﴿فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ: أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ

إنّ هذه الاُقصوصة الممتعة فكريّاً و فنّياً ، تظل حائمةً على نفس ظاهرة الإماتةِ
و الإحياء ، لكنّها تصبّ في رافد آخر.

إنّها تتحدث عن واقعة حدثت فعليّاً ، هي إماتة القرية ، ثمّ إماتة شخصيّة و إحيائها من جديد ...

الاُقصوصة السابقة إبراهيم (عليه السلام) مع نمرود ، تحدّثت عن الإحياء و الإماتة على
نحو الإجمال ، و كانت الواقعة المُستشهد بها حقيقة كونية ثابتةً هي طلوع الشمس من المشرق ، و كان المنكر لحقيقة الإماتة و الإحياء ، شخصية هزيلة ، اضطرّت إلى الاقرار بحقيقة الأمر عندما واجهت قضية الشمس.

أمّا هنا في اُقصوصة المارّ على القرية ، فإنّ الأمر مختلف كلّ الاختلاف.
فالشخصية ـ بَطلةُ القصة ـ مؤمنة بالسماء و بالإحياء و بالإماتة ، و بكلّ شيء ... إنّها إحدى الشخصيات النبويّة قد تكون إرميا ، و قد تكون عُزيراً ، ... لكنّها على أيّة حال ذات سمة ليست مثل البشر العاديين ، بل من الشخصيات المتميّزة التي تتلقّى تعاليمها من السماء وَحْيَاً.

و التجربة التي واجهت هذه الشخصية من نمط آخر أيضاً. إنّها تتصل بقرية ميّتة باد أهلُها و عمرانُها ، و تتصل بالشخصية المارّة على هذه القرية ، حيث أماتها اللّه و بعثها بعد مائة عام ، و مثل ذلك قضية الدابّة و الطعام اللذين شكّلا راحلةَ المُسافر و زاده.

إذن الأحداث ، و المواقف ، و الشخصيات في الاُقصوصتين تتمايز من واحدة لاُخرى ... كلّ ما في الأمر أنّ قضية واحدة هي ، الإماتة و الإحياء تظل مادّةً مشتركةً بينهما.

و السؤال: ما هي دلالة هذه الاُقصوصة ، القرية الخاوية ، فكريّاً و فنّياً؟

من حيث البيئة ، فإنّ القرية قد رُسمت خاويةٌ على أبنيتها. و هذا المظهر الخارجي للمدينة ، يشيع الرهبة و الوحشة في النفوس ، حيث نحسّ أرضاً خاليةً من دبيب البشر ، خاليةً من العمارة ، خاليةً من كلّ مظهر حضاري ، إلاّ أنقاض الأبنية.

و تقول النصوص المفسّرة: إنّ بختنصّر زحف عليها و أبادها ، و كان أهلها كما نتوقّع دائماً من اليهود الذين عملوا بالمعاصي ، فانتقم اللّه منهم بطاغية من طرازهم أبادهم من المدينة تماماً. و تضيف النصوص المفسّرة: إنّ سباع البر و البحر و الجو كانت تأكل من الجيف المتمزّقة هنا و هناك.

المهم ، أنّ هذه المدينة خرج إليها ذات يوم ، أو مرّ عليها إرميا ، و معه دابته و زاده.

و يعنينا من هذه البيئة ردّ الفعل الذي أحدثته في نفس المسافر إرميا ، عندما وجدها بهذه الوحشة ، ممّا جعلته يتساءل:

﴿أَنـّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها؟

طبيعيّاً ، أنّ هذا التساؤل ، لا يحمل عنصر تشكيك بالسماء و قدراتها اللامحدودة بقدر ما يحمل شحنةً انفعاليةً فجّرتها تلك اللحظة التي تركت في نفس إرميا مشاعر الرهبة و الوحشة و الاختناق ، حتى جعلته يتحاور مع نفسه قائلا بما معناه لقد بادت هذه المدينة ، و مُسحت من خارطة العمران ، و لا أمل بأن يُحييها اللّه من جديد.

نقول هذا و نحن لا يخامرنا شكّ في أنّ الشخصيّات النبويّة من الممتنع أن يصدر عنها أىّ تشكيك بقدرات السماء ، كلّ ما في الأمر أنّ موقف إرميا يُشبه موقف من يُشاهد إحدى المدن التي أبادتها الحرب و حوّلتها إلى أنقاض ، ممّا يجعله ـ في مثل هذه الحالة ـ مستبعداً عودتها جديداً بعد هذا الخراب.

و بكلمة اُخرى ، يمكننا أن نقول: إنّ الشخصيّة المذكورة نظرت إلى الأسباب التي جعلها اللّه موقوفةً على هذه الظاهرة أو تلك ، دون أن تتجاوزها الشخصيّة المذكورة إلى التماس ما هو خارج عن نطاق المألوف ...

من هنا جاء ردّ السماء سريعاً على التساؤل المذكور ، فعرّض هذه الشخصيّة ذاتها إلى ظاهرة غير مألوفة فيما يتصل بالإحياء بعد الموت ، فأمات هذه الشخصية مائة عام ، ثمّ بعثها من جديد حتى تطمئن تماماً إلى أنّ اللّه قادر على كلّ شيء.

و قد رافق إحياء هذه الشخصية أكثر من ظاهرة تشكّل بمجموعها إجابةً واضحة على التساؤل المذكور.

و يعنينا الآن أن نفصّل الحديث من الزاوية الفنّية في ظاهرة الإماتة و الإحياء في نطاق هذه الشخصية ، و ما عكسته من آثار في استجابتها لهذه الظاهرة و ما نفيد منه ـ نحن القراء ـ في هذا الصدد.

* * *

قلنا: إنّ المارّ على المدينة الخاوية ، و هو إرميا قد تساءل:

﴿أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها؟

و قد أماته اللّه مائة عام منذ تلك اللحظة التي تساءل فيها ، ثمّ بعثه من جديد.

هنا بعد الانبعاث ، ماذا نتوقّع من ردود الفعل لدى هذه الشخصيّة الميّتة ، المنبعّثة؟

تقول القصة: إنّه سُئل: كم لبثت في نومك؟ فأجاب: لبثتُ يوماً أو بعض يوم.

﴿قالَ: كَمْ لَبِثْتَ؟

﴿قالَ: لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم

المارّ على القرية كان فيما يبدو مسافر وحده.

و نحن نتوقّع أن يكون وحده أيضاً في لحظة انبعاثه ...

فمن الذي سأله و قال له: كم لبثت؟

و لمن وجّه المسافرُ جوابه حين قال: لبثتُ يوماً أو بعض يوم؟

القصة ساكتة عن كلّ هذا.

لكننا و نحن حيال قصة فنّية يمكننا أن نستكشف من خلال لغة الفنّ ، أنّ السائل لابدّ أن يكون خارجاً عن نطاق المألوف ، فكما أنّ إماتة شخص و إحياءه بعد مائة عام خارجٌ عن نطاق المألوف ، فكذلك يلوح لنا أنّ السائل أيضاً غير مألوف.

النصوص المفسّرةُ تقول: إنّ السؤال كان نداء من السماء ، أو شخصيةً ملائكية ، أو شخصيةً نبويّة ، أو شخصية معمّرة ، و كلّ ذلك من الممكن أن يكون صحيحاً.

فنحن أمام شخصية أحد الأنبياء ، و نتوقع ـ فنّياً ـ أن تتعامل مثل هذه الشخصيات مع السماء من خلال شخوص الملائكة الذين هم رسل السماء إلى الأرض.

كما أ نّه من الممكن أن تكون السماء قد أحضرت في لحظة الانبعاث إحدى شخصيات الأرض ، ليُطلع إرميا على حقيقة الأمر.

و المهمّ ـ من الزاوية الفنّية ـ أنّ القصة لم تكشف عن السائل ، بل تركتنا ـ نحن القراء ـ نستخلص بأنفسنا ذلك ما دام الهدف هو إخبار إرميا بحقيقة الأمر.

و الأهم من ذلك كلّه ، أنّ عمليّة السؤال نفسه ، ظاهرة إعجازية تضاف إلى الظاهرة الإعجازية التي سبقتها ، و هي إماتة إرميا مائة عام و إحياءه بعد ذلك ، حتّى لكأنّ القصة تريد أن تقول لنا: ها هو المسافر إرميا يواجهه بُعدٌ إعجازي حتى يطمئن إلى أنّ اللّه قادر على كلّ شيء ، و إلى أ نّه لا ينبغي أن يخامرنا أدنى شكّ ، أو تأمّل ، أو تساؤل عن كيفية إحياء المدينة بعد تحوّلها إلى أنقاض.

* * *

هنا ينبغي أن نقف وقفة قصيرة عند عنصر الزمن في هذه الاُقصوصة.

فالزمن المعجز طابع هذه الاُقصوصة كما لحظنا.

إنّ إرميا قد افتقد الإحساس بالزمن ، حتى خُيّل إليه أنّ نومه كان يوماً أو بعض يوم ، على نحو ما سنلحظه عند أصحاب الكهف الذين لبثوا ثلاثمأة و تسعة أعوام ، فخيّل إليهم أنـّهم لبثوا في الكهف يوماً أو بعض يوم.

و نتساءل هنا: لماذا خُيّل للمارّ على القرية أ نّه لبث يوماً أو بعض يوم؟

القصةُ ساكتة عن ذلك ، لأسباب فنّية لا تحتاج إلى توضيح.

لكنّ النصوص المفسّرة تُلقي نوراً على مصدر الإحساس المذكور ، قائلةً: إنّ هذه الشخصية نظرت إلى الشمس فوجدتها قد ارتفعت ، و حينئذ خامرها الإحساس بأنـّه يومٌ أو بعض يوم.

بيد أنّ القصة و هي تستهدف ترسيخ اليقين بقدرات السماء سرعان ما صحّحت الإحساس الواهم بالزمن لدى هذه الشخصية ، فأوضحت لها على لسان الملك أو النداء أو النبيّ الآخر أو المعمّر ، قائلة له:

﴿بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عام ...

هنا لابدّ أن تصيب الصعقةُ أو الدهشةُ شخصيّة المنبعث حينما يُصحّح إحساسه بالزمن الحقيقي ، فيجد نفسه أمام مفاجأة إعجازية جاءت جواباً على تساؤله:

﴿أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها؟

لكن السماء لم تكتف بهذا الملمح الإعجازي ، بل تقدّمت بملامح اُخرى ، ألفتت إنتباه هذه الشخصية إليها حتى تعمّق يقينه بقدرات السماء ...

فما هي هذه الملامح؟

* * *

لكلّ مسافر راحلةٌ وزاد ...

لقد قالت القصة عن شخصية إرميا ما يلي:

﴿كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَة

و هذا يعني أنّ المارّ على القرية ، هو مسافر يتنقّل من مكان إلى آخر.

و المسافر عصرئذ و حتّى إلى عهد قريب ، كانت راحلته أو وسيلة ركوبه هي الدابة ، و طبيعيّ فإنّ سير الدابة يظلّ بالقياس إلى سير الحافلة أو القاطرة أو الطائرة مثلا بطيئاً و نتيجة لهذا البُطء ، فإنّ قطع عشرات الكيلومترات أو المئآت أو الآلاف يظل مستغرقاً أياماً أو أسابيع أو شهوراً ... و هذا ما يتطلّب أن يهيّئ المسافر طعاماً بقدر ما تستغرقه رحلتُه.

و هكذا كان من أمر بطل الاُقصوصة إرميا.

القصةُ لم تقل لنا: إنّ إرميا ركب حماره و اصطحب معه طعامه ، و سافر إلى هذه المدينة أو تلك. إنّما قالت لنا:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَة وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها

﴿قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها

إنّ هذه السمة «كالذي مرّ على قرية» تعني أنّ إرميا كان مسافراً ، بدليل أ نّه مرّ على قرية ، و المارّ على المدينة يحتاج إلى زاد و راحلة ...

و لكن كيف استخلصنا ذلك؟

الفنّ العظيم هو الذي يتكفّل بتوضيح ذلك من خلال لغة الفنّ القصصي.

فلنستمع إذن إلى الحوار الدائر بين إرميا و بين السائل الذي قال له بأنّك قد لبثت مائة عام ، و ليس يوماً أو بعض يوم.

قال السائل ، و هو ينبّه بطل الاُقصوصة إلى خطأ تصوّره من أ نّه لبث يوماً أو
بعض يوم ، قال له:

﴿فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ

قد يتساءل القارئ ، ما هي علاقة الطعام و الشراب و الدابة بالاُقصوصة؟ و لماذا تعرّضت للطعام و الشراب و الدابة ، و لم تتعرّض لظواهر اُخرى من البيئة؟

كان من الممكن أن تنبّه الاُقصوصة بطلها إرميا إلى هيكله الجسمي مثلا من طول أظافره و شعره ، و بِلى ملابسه ، كما سبق أن نبّهت قصةُ أصحاب الكهف إلى ذلك عندما قالت لنا:

﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

حيث كانت أشكالهم تثير الرعب و الهول في نفوس المُشاهدين ، نظراً للبثهم عدة قرون في الكهف.

هنا تنبثق أهمية الفنّ في القصص القرآني العظيم.

إنّ إرميا بطل الاُقصوصة كان مسافراً ، و المسافر لابدّ له من زاد و راحلة ، و بما أ نّه كان مسافراً يركب دابته و يصطحب معه طعامه و شرابه ، فحينئذ تعرّضت القصةُ لهذا الجانب دون سواه من الظواهر المحيطة به ، فألفتت انتباهه إلى طعامه و شرابة و دابته ، و قالت له:

﴿فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ

إذن ، أدركنا السرّ الفنّي المُمتع لهذه الأوصاف المتصلة ببيئة الطعام و الشراب و الدابة دون سواها من الأوصاف التي كان من الممكن أن تنبّه بطل الاُقصوصة إلى ذلك.

و لكن لا تزال هناك أسرار فنّية جديدة في هذا النطاق ، يتعيّن علينا متابعتها.

* * *

قلنا: إنّ القصة عندما تعرّضت للطعام و الشراب و الدابة و طالبت البطل إرميابأن ينتبه إليها ، إنّما كان ذلك بسبب فنّي مُحكم ، هو كون البطل المسافر كان يصطحب معه طعاماً و شراباً يقتات منه في رحلته ، و يستخدم الدابة في ركوبه ، حيث انتهى الأمر بالبطل إلى أن يميته اللّه مائة عام و يبعثه بعد ذلك و ينبّهه إلى أ نّه لم يلبث يوماً أو بعض يوم ، بل لبث مائة عام ، ثم يُنبّهه إلى الطعام و الشراب و الدابة و إلى ما رافق هذه العناصر الثلاثة من ظاهر ، سنتعرّض لها بعد قليل.

لكننا قبل ذلك ينبغي أن نتعرف على سمة فنّية اُخرى في هذا القسم من الاُقصوصة.

الاُقصوصة لم تقل لنا : إنّ بطلها إرميا كان قد اصطحب معه طعاماً و شراباً ، و إ نّه
ركب دابّته عند مروره على المدينة الخاوية ، و استفساره:

﴿أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها

بل تعرّضت لبيئة السفر من طعام و شراب و دابة من خلال تنبيه البطل إلى خطأ إحساسه بالزمن ، و إلى عدم إحساسه بأنّه قد تعرّض لاختبار إلهيّ هو ، إماتته مائة عام ، و إحياؤه بعد ذلك خلال هذا الاختبار ، أو الحادثة الإعجازية فحسب ، نبّهت الاُقصوصةُ بطلها إلى أن ينظر إلى طعامه و شرابه و دابته و حينئذ أدركنا ـ نحن القراء ـ من خلال هذه الوسيلة الفنّية ، أنّ إرميا قد صحب معه ما يصحبه المسافر عادة من الزاد ، و ما يستخدمه عادة من الراحلة ، و إلى أنّ كلاّ من الزاد و الراحلة يفسّران لنا أسرار الفن الذي جعلنا نتساءل عن تعرّض الاُقصوصة لهما ، دون سواهما من عناصر البيئة التي أحاطت بالبطل ، و جعلته يفتقد عنصر الإحساس بالزمن ، حتى خيّل إليه أ نّه لبث يوماً أو بعض يوم.

و الآن ، بعد أن أدركنا ذلك كلّه يحسن بنا أن نقف عند كلّ من الزاد و الراحلة ، أيّ الطعام و الشراب و الدابة ، و نتعرف أسباب التنبيه إليها من حيث صلة ذلك بالاعجاز ، و بقدرات اللّه التي لا تُحدّ ، و بسائر الدلالات الفكرية التي تستهدفها السماء في هذه الاُقصوصة ، و ما يمكننا ـ نحن القرّاء ـ من الإفادة منه في تصويب سلوكنا و طريقة تعاملنا مع اللّه عزّ و جلّ ، وصلة ذلك بدرجات اليقين و مستوياته التي ينبغي أن نكون عليها خلال مهمّتنا الخلافية في الأرض.

* * *

قلنا: إنّ عنصر الزمن المعجز يمثّل الملمح الرئيسي في هذه الاُقصوصة.

إنّ بطل الاُقصوصة حينما فقد إحساسه بالزمن ، و خُيّل إليه أ نّه لبث يوماً أو بعض يوم ، فلأنّ الأعوام لم تغيّر ـ في تصوّره ـ شيئاً من ملامح البيئة التي واجَهها.

و قد نبّهت القصةُ بطلها إلى أن ينظر إلى طعامه و شرابه و دابّته ، ثمّ طالبته بأن ينظر إلى العظام كيف تُنشزُ ، و إلى اللحم كيف يكسوها ...

و السؤال هو: لماذا طُولب البطل بأن ينظر إلى طعامه و شرابه و دابّته قبل النظر إلى العظام و اللحم؟ و هل العظام و اللحم عائدان إلى البطل أم إلى الدابة؟

و إذا كان البطل واعياً بأنّ عظامه قد انتثرت ، فلماذا التبس الأمر عليه ، فقال بأنـّه لبث يوماً أو بعض يوم؟

إنّ الإجابة على هذين السؤالين ، ينطويان على جملة من أسرار الفنّ العظيم في القصص القرآني.

و لكي نتبيّن بوضوح أسرار الفنّ في هذا الصدد ، يحسن بنا أن نتبسّط في تحليل الظاهرة.

لقد بُعث البطل بعد مرور مائة عام على موته ... قيل له: كم لبثت في النوم؟

قال: يوماً ، أو أقلّ منه.

قيل له : لا إنّك قد اخطأت ، لقد لبثت مائة عام في نومك . هنا تعجّب البطل ، و لكن طُولبَ بأن ينظر إلى طعامه و شرابه ، و قد كان عصيراً و تيناً و عنباً. قيل له:
انظر إلى العصير و التين و العنب ، إنّها لم تتغيّر خلال المائة عام ، ثم قيل له: انظر إلى
العظام و اللحم ، كيف يُحييها اللّه و كيف يكسوها.

إلى هنا نفهم أنّ تنبيه البطل إلى عدم تغيّر الطعام والشراب خلال مائة عام ، يعني أن الإعجاز وراء هذه الظاهرة.

كما نفهم أنّ مطالبته بالعظام المنتثرة و كيفية إعادتها و اكتسائها باللحم ، ينطوي على الإعجاز ذاته.

و لكن ، هل أنّ هذه العظام عظامه هو ، أم عظام دابّته؟

إذا كانت العظامُ عظامَ دابّته ، فلماذا شوهدت متفسّخة ، ثم اُعيدت إلى الحياة؟
في حين أنّ العصير و التين و العنب لم تخضع للتغيّر.

إذن ، لابدّ هناك من سرّ فنّي في إبقاء بعض الظواهر محتفطةً بحيويّتها ، كالطعام
و الشراب ، و في إخضاع البعض الآخر إلى التغيّر ثم إلى إعادتها ، كما هي مثل العظام و اللحم.

و إذا كانت العظام عظام البطل نفسه و ليس عظام الدابّة!!

فكيف استطاع أن ينظر إليها و هو نفسه متفسّخ العظام و اللحم ؟

أيضاً لابدّ هناك من سرّ فنّي وراء هذا. ثم يُثار سؤال آخر ، سواء أكانت العظامُ المتفسّخةُ التي عادت إلى الحياة ، عظامه هو أو عظامُ دابته ، لماذا طُولب بالنظر إليها بعد النظر إلى الطعام و الشراب؟

للمرّة الجديدة ، الإجابة على هذه الأسئلة تكشف عن خطورة الفنّ القرآني العظيم ، و ما يواكب ذلك من دلالات لها فاعليُتها في تصويب سلوكنا الفكري حيال قُدرات اللّه عزّ و جلّ ...

* * *

في تصوّرنا الفنّي الخالص أنّ هدف القصة ، هو إراءة البطل بأنّ اللّه قادر على كلّ شيء بما في ذلك تغيير السنن الكونية التي رسمها اللّه موسومةً بطابعِ الثبات ، و لكي يتمّ تحقيق ذلك ، كان لابدّ أن تجعل القصةُ بطلها غير منتبه إلى تركيبته البدنية ، بل تصرفه إلى قضية الطعام و الشراب أوّلا ...

و السبب في ذلك ـ من الزاوية الفنّية ـ أنّ القصة لو جعلت البطل ينتبه إلى نفسه أوّلا ، لما التبس الأمر عليه حينئذ ، و لما قُدّر له أن يتخيّل بأنّ لبثه كان يوماً أو بعض يوم ، إذ لو شاهد أجزاء جسمه أو دابّته متقطعة ، لتيقّن حينئذ بأنـّه مكث أعواماً ، في حين أنّ القصة تُريد أن تنبّهه إلى خطأ تصوّره ، فكان لابدّ من أن تنبّهه أولا إلى الطعام و الشراب حتى يغفل عن حقيقة الأمر ، و بعد ذلك تنبّهه إلى العظام و اللحم ، و كيفية إعادته إليها ، و عندها يتيقّن تماماً و يطمئن إلى الإعجاز الذي رافق هذه العملية.

بكلمة اُخرى ، كان لابدّ من أن تجعل القصة بطلها على الأقل في لحظة توجيه السؤال إليه ، أو لحظة انبعاثه ، ذا هيئة بدنية طبيعية ، حتى يلتبس عليه الأمر ، فيتصوّر بأنـّه لبث يوماً أو بعض يوم ، و بعد انتهاء هذه المرحلة تنبّهه إلى أشياء جديدة يبدأ معها في تعرّف حقيقة الأمر.

و بهذه الوسيلة أو الطريقة النفسية يتحقق هدف الاُقصوصة في تحسيس بطلها ، بأنّ اللّه قادر على كلّ شيء ، قادرٌ على إحياء القرية الخاوية بمثل قدرته على إحياء ميّت مرّت عليه مائة عام.

و هذا كلّه إذا تصوّرنا أنّ العظام و اللحم عائدة إلى البطل. و الأمر نفسه إذا تصوّرناها عائدة إلى الدابّة ، لكننا نستبعد هذا التصوّر الأخير لأسباب فنّية نشرحها فيما بعد ، و حتى مع افتراض صحة هذا التصوّر ، فإنّ مشاهدة أجزاء الدابّة متفسّخةٌ ، تجعل البطل منتبهاً إلى الحقيقة منذ البدء ، فلا يُخيّل إليه أ نّه لبث يوماً أو بعض يوم.

إذن أدركنا أهمية السرّ الفنّي الذي جعل القصة تنبّه البطل أولا إلى قضية الطعام و الشراب ، ثم تنبّهه إلى العظام و اللحم بعد ذلك.

لكن هناك أسرار فنّية عظيمة اُخرى تتصل بنفس الطعام و الشراب و الدابة ،
ينبغي أن نقف عندها.

* * *

منذ اللحظة الاُولى من إحياء البطل بعد موته مائة عام ... طالبته الاُقصوصة بأن ينظر إلى طعامه و شرابه ...

إنّ هدف هذه المطالبة بالنظر إلى الطعام و الشراب ، هو لفت انتباه بطلها إلى أنّ عام من الزمن ، لم تغيّر شيئاً من الزاد الذي كان البطل قد اصطحبه في سفره.

تقول القصة:﴿فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ.

أيّ: لم تغيّره الأعوام.

و تذهب النصوص المفسّرة إلى أنّ الطعام و الشراب كان من النوع الذي يفسد سريعاً مثل: العنب و التين و العصير.

و هذا يعني أنّ الاُقصوصة قدّمت للبطل دليلا إعجازياً يتمثل في قدرة السماء على كلّ شيء ، و منه احتفاظ الطعام و الشراب بحيويتهما رغم مرور مائة عام عليهما ، مع أنـّهما من النوع الذي يتغيّر و يفسد خلال أيام معدودة ، و لازم هذا فنّياً أنّ اللّه قادرٌ على إحياء القرية الخاوية أيضاً.

هكذا سلكت القصة فنّياً في حمل بطلها على القناعة بقدرة اللّه عزّ و جلّ ...لكن السؤال هو ، بعد أن نبّهت القصةُ بطلها بأنـّه قد مرّت عليه مائة عام ، و بأنّ طعامه و شرابه لم يتغيرا خلال هذه المدة ، هل اكتفت بذلك ، أم قدّمت دليلا آخر؟

قد يخامر القارئ و السامع بعض التساؤل ، و هو أنّ مشاهدة البطل لطعامه و شرابه لم يتغيّرا ، من الممكن أن يزيده قناعةً بأنـّه لبث يوماً أو بعض يوم ، و إلاّ تلف الطعام و الشراب ، و لم يبق لهما أيّ أثر.

إنّ مثل هذا التساؤل يُحلّ سريعاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار ، أنّ مجرّد لفت انتباهه عن طريق النداء أو الملك إلى أ نّه لبث مائة عام كاف في تعرّفه على حقيقة الأمر.

لكنّ الملاحظ ، أنّ القصة لم تكتف بهذا الدليل الإعجازي ، بل نبّهت البطل إلى دليلين إعجازيين آخرين ، هما: النظر إلى الدابّة ، ثمّ النظر إلى العظام و اللحم قد التمّا من جديد و أعادا الحياة إلى البطل أو الدابة.

إنّ هذين الدليلين يقفان على العكس من الدليل السابق.

الدليل السابق ، هو إبقاء الشيء على ما هو عليه طوال مائة عام ، و هو الطعام و الشراب. أمّا الدليلان الأخيران فهما على العكس من ذلك ، إنّه تلاشي الشيء ، ثمّ إعادتُه إلى الحياة من جديد. و الفرق كبيرٌ كما هو واضح بينهما ، فما هو السرّ الفنّي في ذلك؟

في تصوّرنا الفنّي لهذه الظاهرة أنّ الاُقصوصة تستهدف تقديم كافة الوجوه المعبّرة عن قدرات اللّه عزّ و جلّ ، ذات الصلة بالإماتة و الإحياء.

إنّ السماء كما تستطيع أن تُبقي الشيء محتفظاً بحيويّته ، قادرةٌ أن تعيد حيويّة الشيء أيضاً بعد تلاشيه ،. الطعامُ بقي محتفظاً بحيّويته رغم إنـّه ينبغي أن يتلاشى.
و ها هي الدابة قد تلاشت حيويتها ، أو ها هو البطل قد تلاشت حيويّتُه ، و لكن عادت الحيويّة إليهما من جديد ، رغم أنّهما ينبغي ألاّ يعودا.

إذن ، هناك ظاهرتان تضاد إحداهما الاُخرى ، لكنهما خاضعتان لطابع واحد هو ، قدرات اللّه عزّ و جلّ بشكلها غير المحدود.

و من البيّن ، أنّ تقديم دليلين لعمليتين متضادّتين يزيد من قناعة البطل بقدرات السماء ...

لكننا خارجاً عن ذلك ، نجد أنّ الاُقصوصة تلفّع الموقف بضباب فنّي مُمتع غاية الإمتاع ، حينما تسرد لنا قضية الدابة و قضية عودة العظام و اللحم.

ففيما يتصل بالدابة قالت الاُقصوصة موجهةً الخطاب إلى بطلها:

﴿وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ ...

و السؤال هو ، هل أنّ الدابة ظلّت محتفظةً بحياتها طيلة مائة عام على نحو ما لحظناه في الطعام و الشراب؟ أم أنّ الدابة قد تلاشت و اُعيدت الحياةُ إليها في لحظة انبعاث البطل؟

القصةُ ساكتةٌ عن توضيح ذلك تماماً ، إنّها طالبت البطل بأن ينظر إلى الدابة دون
أن تشير إلى استمرارية حياتها أو عودة الحياة إليها. نعم ، طالبت البطل بعد ذلك بما يلي:

﴿وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً

و لكن ، هل هذه العظام و هذا اللحم عائدان إلى البطل أم إلى الدابة؟

القصةُ أيضاً ساكتةٌ عن ذلك ، و القارئ لا يستطيع أن يجزم بشيء ، بل يبقى في نشاط ذهني متواصل لمعرفة الحقيقة ، القارئ لا يستطيع أن يجزم قبل الرجوع إلى النصوص المفسّرة بأنّ العظام و اللحم قد التمّت من جديد و عادت إلى البطل ، لأنّ البطل لو كان فاقداً لبدنه ، كيف يستطيع أن يشاهد عظامه و قد التُئِمت و اكتُسيت باللحم؟ ... مضافاً لذلك ، إذا كان البطل قد شاهد عظامه و لحمه قد عادا إليه ، فلماذا التبس الأمر عليه و قال: لبثتُ يوماً أو بعض يوم؟ و بكلمة اُخرى: إنّ البطل كان غير واع أبداً بحقيقة العظام و اللحم ، و إلاّ لانتبه إلى حقيقة الإعجاز ، و انتبه إلى أ نّه قد لبث مدة مجهولة لا يعرف مداها ، لا أنّها يومٌ أو بعض يوم.

و بالمقابل ، لا يستطيع القارئ أيضاً أن يجزم بأنّ العظام و اللحم عائدان إلى الدابة ، لأنـّه لو شاهد مثل هذه الحادثة لما التبس عليه الأمر ، و تخيّل أنـّه لبث يوماً أو بعض يوم ، بل لانتبه إلى ذلك ، و بكلمة اُخرى أيضاً ، لو شاهد البطلُ عظامَ الدابة و لحمها قد اُعيدا ، حينئذ لأجاب السائل الذي سأله: كم لبثت؟ لأجابه بعدم العلم.

إذن يظل القارئ و السامعُ في حيرة من أمره قبال الجزم بهذا الشيء أو ذاك ...

لكنّ الفنّ العظيم هو الذي يُثري ذهن القارئ و يعمّقه بهذا النمط من الاستجابة حيال القصة ، إذ أنّ كلاّ من الاحتمالين يعبّر عن الإعجاز ذاته ، سواء أكانت العظام و اللحم عائدة إلى البطل أم إلى الدابة ... المهم ، هو لفت انتباهنا إلى الإعجاز و قد تحقّق ذلك.

أمّا التفصيلات فأمر آخر يستطيع القارئ أن يتعرّفها في نصوص التفسير ، أو يتعرّفها من خلال لغة الفنّ إذا كان القارئ خبيراً بفنّ القصة ، و هذا ما نحاول الوقوف عليه ، فنقدّم أوّلا النصوص المفسّرة ، ثمّ نعرض وجهة نظرنا الفنّية في هذا الصدد.

فيما يتصل بالنصوص المفسّرة ، فإنّها متردّدة بين الذهاب إلى أنّ العظام و اللحم عائدان إلى البطل ، و بين الذهاب إلى أنّهما عائدان إلى الدابّة.

لكنّ نصّاً مأثوراً عن أهل البيت (عليهم السلام) يؤكّد بأنّ العظام و اللحم عائدان إلى البطل ، و يقول هذا النص: إنّ أوّل ما خلق من تركيبة البطل ، عيناه ، حيث شاهد بهما بعد مطالبته بالنظر إلى الطعام و الشراب و الدابة ، شاهد بهما عظامه يلتئم بعضها بالآخر ، و عروقه تجري فيه.

و في تصوّرنا الفنّي الخالص ، أنّ هذا التفسير أقرب إلى الواقع ، لا لأنـّه مأثورٌ عن أهل البيت (عليهم السلام) فحسب ، بل لأنّ الادلّة الفنّية أيضاً تسعفنا في ذلك.

كما ينبغي لفت الانتباه إلى أنّ إدراك هذه الحقيقة الفنّية أو تلك ، إنّما يكتسب أهميته بقدر ما تنطوي عليه الحقيقة الفنّية من دلالة فكرية تستهدفها القصة في تطبيع سلوكنا حيال السماء و قدراتها التي ينبغي ألاّ يتسلّل الشك إليها حتّى في نطاق تغيير القواعد التي طبعتها السماء بسمة الثبات.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page