• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سورة الكهف : قصة فتية أو أصحاب الكهف

 و الآن ، كيف تمّت صياغةُ هذه القصة من حيث قِيَمُها الفنّية و الفكرية؟ أوّل ما ينبغي أن نقفَ عنده في دراسة هذه القصة ، هو شكلها الفنّي من حيث بناء الحَدَث فيها.

لقد بدأت القصةُ من وسط الحَدَث و ارتدّت إلى البداية. ثمّ واصلت تسلسلها الزمني إلى نهاية الحَدَث.

لقد بدأت القصةُ هكذا:

﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ

﴿فَقالُوا: رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً

﴿فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً

﴿ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً

ففي هذه البداية القصصية يبدأ الحَدَث بدخول الفتية إلى الكهف ، و طَلَبِهم من اللّه أن يهديَهم سبيل الرشاد ، ثمّ يوضّح النصُّ القصصي في سرد مُجمل إلى أنّ هؤلاء الفتيةَ قد أنامَهُم اللّهُ عدداً من السنين إجابةً لدُعائهم. كما يوضّح بالمستوى نفسِه من الإجمال أنّ اللّه بَعثَهم بعد ذلك لِيُعلَم أيّ الفريقين: المؤمنِ و الكافرِ أحصى لِما لبثوا فيه من السنين.

بعد هذه البداية القصصية المُجملة التي سُرِدَ الحَدَث فيها من الوسط ، يعود النص إلى بداية الحدث من حيث تسلسله الزمني ، فيحدّثنا عن هؤلاء الفتيةِ الذين طلبوا من اللّه أن يهديَهم سبيل الرشاد ، مبيّناً أنّ السببَ في ذلك عائدٌ إلى أنـّهم كانوا من الشخوص المؤمنةِ التي ضاقت ذرعاً بمناخ الكفر ، يقول النص القصصي في هذا الصدد ، على لسانِ الأبطال المذكورين:

﴿هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ...

و تبعاً لذلك ، اقترح أحدُهم الدخول إلى الكهف:

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ...

و بهذا النحو من تقطيع الحدث ، يعود النص القصصي إلى وسَط القصة التي بدأ بها ، أي الدخول إلى الكهف. ثمّ يتابع الأحداثَ و المواقفَ التي رافقت دخولَهم إلى الكهف ، حتّى نهاية القصة التي سنقف عليها ، فيما أجملها النص في بداية القصة على نحو ما ذكرناه.

* * *

و الآن ، بعد أن أوضحنا بناءَ القصة من حيث الزمن النفسي و الموضوعي فيها ، يحسن بنا أن نوضّح السبب الفنّي وراء بداية القصة من وسطها بدلا من أوّلها. أي ، لماذا لم تبدأ القصةُ بالحديث عن مناخ الكفر الذي كان الأبطالُ المؤمنون يحيون فيه ، بل بدأت بالحديث عن دخولهم الكهف؟

السبب في ذلك واضحٌ كلّ الوضوح ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ مقدّمة السورة أو تمهيدها الذي سبق قصة الكهف ، أنـّما كان حائماً على زينة الحياة الدنيا و ضرورة نبذِها. و حينئذ فإنّ أتمّ تجسيد لِنبذِ الحياة و زينتها، هو الهروبُ منها و اللجوء إلى كهف منزو ، منعزل عن الحياة و زينتها.

إذن السببُ الفنّي الكامن وراء بداية القصة بدخول الكهف ، يتمثّل في تساوق مثل هذه البداية مع مقدّمتها التي تُشدّد على إبراز مفهوم النبذ للحياة و زينتها.

و نحن حين ندقّق النظر في هذه البيئة الجغرافية التي رسمتها القصة ، و نعني بها الكهف ، نجد أنّ الكهف يجسّدُ ليس واقعاً حيّاً لمفهوم نبذ الحياة لدى الفتية فحسب ، بل يجسّد مضافاً إلى واقعيّته رمزاً حيّاً لكلّ المفاهيم المتصلة بنبذ الحياة و زخرفها العابر.

فالكهف من حيث بعده الجغرافي منعزلٌ تماماً عن سطح الأرض و ما يدبّ عليها من نشاط و مُتعة. إنّه منعزل ـ من حيث المسافة ـ عن مسافات الأرض الشاسعة ، بل إنّه غائرٌ في مكان غير خاضع للمُشاهدة ، لا أ نّه منعزل فحسب.
فالانعزال وحده قد لا يفصل جزء من الأرض عن سطحها ، بل يُبقيه عُرضةً للمُشاهدة ، أي يمثّل جزء أو شريحة من عملية العزل و الانفصال. أمّا الغور في الداخل و هو خصّيصة الكهف ، فإنّه يعزل المكان تماماً عن سطح الأرض و مشاهدتِها ، بحيث يُجسّد العزلة بكلّ مستوياتها ، و هو ما يستهدفه النص القصصي حينما يطالبنا بنبذ الحياة تماماً ، و الاتجاه إلى اليوم الآخر.

إذن الكهف يمثّل واقعاً حيّاً لأبطال القصة ، كما يمثّل رمزاً حيّاً لمفهوم نبذ الحياة من حيث كون هذا الرمز صورة فنّية واقعيّة ، يتآزر في صياغة تركيبتها كلٌّ من الواقع و الفنّ بحيث يجدها المُتلقّي صورة تُشبع أحاسيسَه الجمالية من جانب ، و ترفده بعطاء فكري من جانب آخر.

و لسوف يتضخّم جمالُ هذه الصورة أو الرمز الواقعي المتمثّل في رمز الكهف عندما نتابع في الأجزاء اللاحقة من القصة ، كُلَّ الأبعاد الجغرافية التي تطبع هذا المكان ، و ما يرافق ذلك من المواقف و الحركات التي تمّ تكيّفُ الأبطال من خلالها مع هذه البيئة الجديدة التي انتقلوا إليها.

إنّ ما يعنينا الآن من الكهف ، هو موقعه الهندسي من القصة ، فيما أوضحنا المسوّغ الفنّي وراء البداية القصصية برسمه من حيث لجوء الأبطال إليه. أمّا رسم بيئة الكهف و تحركات الأبطال فيه ، فأمرٌ نتحدّث عنه لاحقاً إن شاءاللّه تعالى.

و يعنينا من ثمّ أن نتابع سلسلة الحَدَث الذي وَاكبَ هؤلاء الأبطال ، و المواقف التي واكبت سلوكهم في هذه الرحلة المثيرة.

* * *

يبدأ القسمُ الثاني من أصحاب الكهف بتفصيل الحَدَث الذي أجمله القسمُ الأوّل حيث يرتدّ النص بسرد الحدث من أوّله على النحو الآتي:

﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً

﴿وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا: رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الأَْرْضِ

﴿لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً

﴿هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطان بَيِّن

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً وَ إِذِ اعْتَزَلُْتمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً

 

تلخيص النصّ:

يحدّثنا النصّ أنّ هناك مجموعة من الأفراد المؤمنين قد شَمَلتْهُم رعايةُ السماء ، بحيث رَبَطت على قلوبهم وزادتهم هدىً ماداموا قد تعاملوا مع السماء تعاملا مُخلصاً.

و يبدو أنّ هؤلاء الفتية كانوا يعيشون في مناخ كافر ، لم يستطيعوا أن يتكيّفوا معه بحال من الأحوال ، حيث أنّ السلطة كانت تمارس عملية القتل حيال كلّ من يخالف سلوكَها الوثني.

و تقول النصوص المفسّرة: إنّ هؤلاء الشخوص كانوا على مقربة من السلطة الوثنيّة ... إلاّ أنّ كلاّ منهم كان يسارّ الآخر بعقيدته ، حتّى قرّروا ذات يوم أن يهربوا من هذا المناخ و يتّجوا إلى كهف يزويهم عن الحياة الوثنية التي طبعت العصر فترتئذ.

و فعلا توجّهوا نحو الكهف ، آملينَ أن ينشر اللّه لهم من رحمته و يهيّئ لهم وسائل التكيّف مع هذه الحياة الجديدة.

* * *

إنّ ما نعتزم الوقوف عنده الآن ، هو طريقة القص لهذا الجزء من القصة.

فالنص قد أبْهَمَ ملامح القوم الذين اتخذوا من دون اللّه آلهةً ، من حيث التعريف
بشخصياتهم ، و نمط تعاملهم مع الذين يخالفونهم في الإتجاه الوثني.

كما أ نّه أبهَمَ ملامح الفتية المؤمنين أيضاً ، حيث لم يحدّثنا عن أسمائهِم ، و عددِهم ، و مواقعهم في المجتمع الوثني ، بل اكتفى النص بإبراز السلوك الإيجابي لديهم ، ألا و هو: إيمانُهم العظيم بالسماء ، وثقتُهم بها ، و شجبُهم للمناخ الوثني الذي غلّف عصرَهم.

و السِّر في ذلك ـ جماليّاً ـ أنّ النص يختطّ اُسلوب العرض القصصي وفقاً لمتطلبات الاستجابة الفنّية ... و هي استجابة تتآزر عدّةُ مستويات على إحداث التأثير فيها ، منها: طريقة التشويق ، حيث يصوغ النصُّ الأحداث جزءً فجزءً ، أو يُلقي بالأضواء على جانب منها ، و يُرجئ إلقاء الأضواء الاُخرى إلى الفصول اللاحقة ، حيث يتعرّف المُتلقّي على محتويات القصة تدريجاً من خلال الفصول كلّها ، لا من خلال فصل منها.

و واضحٌ أنّ هذا المنحى الفنّي يُضخّم من عنصر المتابعة لدى القارئ أو السامع ، بحيث يدعه مُتشوّقاً ، مُتطلّعاً إلى معرفة ما سيحدث و معرفة ما ستتكشّف حيالَه من ملامح الأبطال ، و المواقف ، و الأحداث.

* * *

يُضاف إلى ذلك ، أنّ تنكير الأبطال سواءً أكانوا مؤمنين ، كالفتية مثلا ، أو وثنيين ، كالقوم الذين هَربَ الفتيةُ منهم ، هذا التنكير يظل على صلة بطبيعة أفكار القصة الّتي يستهدفُها النص.

فالقصة ليست في صدد تحديد ملامح القوم الكافرين من حيث الأسماء و مواقعهم الاجتماعية ، كما أنـّها ليست في صدد تحديد ملامح الفتية من حيث العدد و الإسم و الموقع ، بل إنّها في صدد إبراز قضية النبذ لمتاع الحياة الدنيا و زخرفها العابر. هذا الزخرف الذي أوضحت بدايةُ سورة الكهف أ نّه سيتحوّل إلى صعيد جُرُز ، إلى أرض جرداء.

فالقصة تستهدف تجسيد هذا النبذ لزينة الحياة الدنيا. و كان من الطبيعي ـ و هي تستخدم اُسلوب الاقتصاد اللُغوي ـ أن تُشدّد على هذا الجانب.

و فعلا أبرزت القصةُ قضية النبذ متمثلةً في اللجوء إلى الكهف ، دون الحاجة إلى تحديد الاسم ، و العدد ، و الموقع.

هنا ينبغي أن نُلفت الانتباه إلى عنصر فنّي آخر يمكننا أن نستشفّه من وراء التنكير لملامح الأبطال.

فالأبطال و نعني بهم فتية الكهف يجسّدون مفهوماً ، هو نبذ زينة الحياة. و أوضح تجسيد لهذا النبذ ، هو تنكير ملامحهم و مواقعهم ، و رسمها ـ كالكهف تماماً ـ بعيدة عن تسليط الأضواء الاجتماعية عليها ، و هي أضواء تتمثل عادة في التقدير الاجتماعي الذي يتطلّع إليه كلُّ فرد عادة.

إنّ النص بكلمة اُخرى جعل أبطال الكهف مُبهمين ، لا أسماء تحدّد موقعَهم الشخصي ، و لا ملامح تحدّد موقعَهم الاجتماعي ، و لا عَدَد الكميّة الاجتماعية لهم ، بل رَسَمَهُم أبطالا لا يعرفهم أحدٌ من الآدميين ، أبطالا أسقطوا من حسابهم الدافع إلى التقدير الذاتي ، و التقدير الاجتماعي ، و الانتماء الاجتماعي ...

و مثل هذا الرسم يتوافق فنّياً مع مفهوم النبذ لزينة الحياة الدنيا بداهة ، أنّ الاسم و العدد و الموقع الاجتماعي ، هو جزءٌ من الزينة ، جزءٌ من حب الذات ، جزءٌ من البحث عن تقدير من الآخرين ، في حين أنّ من ينتبذ الحياة و زينتها ، ينبغي أن ينتبذ كلّ أشكال التأكيد على الذات ...

و هكذا كان أبطالُ الكهف أبطالا مُبهَمين ، لا يعرفهم أحد و لا يريدون أن يعرفَهم أحد ، لأنـّهم أسقطوا الحياة من حسابهم.

إذن جاء رسمُهم فنّياً مُبهَمين ، متوافقاً و مفهوم النبذ لزينة الحياة.

* * *

لقد صاغت قصةُ فتية الكهف أبطالَ الكهف مجموعةً من الفتية يتحاورون فيما بينهم عبْر المشكلات التي يواجهونها في مناخ الكفر.

فالنص لم يسرد لنا أفكارهم من الخارج ، بل قدّمهم لنا على حقائقهم ، يكشفون بأنفسهم عن أفكارهم.

و بكلمة اُخرى: أنّ النص القرآني الكريم وظّف عنصر الحوار بدلا من السردفي التعريف بشخصيات أهل الكهف.

و من البيّن ، أنّ عنصر الحوار من حيث البُعد الفنّي بمقدوره أن يُطلع القارئ أو المستمع على أعماق البطل ، حينما يُحدّثه البطلُ مباشرة عن أفكاره ... بمقدوره أن يُطلع المتلقّي ـ من خلال المباشرة المذكورة ـ على جوانبَ ما كانت لِتُحدث تأثيرها عليه ، لو لم يقف المتلقّي بنفسه على طريقة التفكير لدى البطل و طريقة معالجته للمشكلات التي يواجهها.

و لعلّ أبرز ما يُلفت الانتباه في عملية الحوار الذي جرى بين الأبطال ، هو الاقتراحُ الذي قدّمه أحدُهم ، حينما خاطبَ جماعتَه قائلا:

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ

ثمّ هذه الثقة العظيمة بالسماء ، حينما خاطب جماعته:

﴿يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً

إنّ هذه الفقرة الأخيرة من الحوار ، و نعني بها:

﴿وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً

هذه الفقرة من الحوار لها أهمّيتها الفنّيةُ الكبيرة ، ليس من خلال انطوائها على ثقة بالسماء فحسب ، بل من خلال الموقع الهندسي من بناء القصة أيضاً و انعكاسها على الجزء اللاحق من النص القصصي.

لقد كان القسم الأوّل من القصة يتحدّث مُجملا عن وجود فتية دخلوا الكهف ، و أنامتهُم السماءُ عدداً من السنين ، ثمّ بَعَثَتْهُم بعد ذلك.

و جاء القسمُ الثاني من القصة مُفصّلا لوقائع هذه العملية ، حيث أوضح أنـّهم فتيةٌ ضاقوا ذرعاً بمناخ الكفر ، و اقترحوا تبعاً لذلك أن ينزووا في كهف منعزل عن المناخ المذكور.

أمّا القسم الثالثُ من القصة ، فسيجيئ مُفصّلا للبيئة الجديدة بيئة الكهف ، و عملية التكيّف مع هذه الحياة التي اختاروها.

* * *

و الحوار الذي جرى بين أبطال الكهف ، هو الذي سيُلقي الضوء على القسم الثالث من القصة ، حيث كانت الفقرةُ الأخيرة من حوار البطل:

﴿يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً

هذه الفقرة لها موقعها الهندسي الكبير من البناء القصصي كما قلنا ، حيث أنـّها تشكّل همزة وصل بين القسم الثاني و الثالث من القصة.

فالبطل الذي رسمه النصُّ واثقاً باللّه ، من أنّ اللّه سيُهيّئ لهم في حياة الكهف تكيّفاً جديداً ، أو إنقاذاً من كلّ صعوبة محتملة ... هذه الثقة باللّه ، ستجدُ لها صدىً كبيراً في الجزء اللاحق من القصة ، حيث ستكون السماءُ عند حسن ظنّ البطل ، و ستحقّق له و لجماعته كلّ وسائل الحياة التي تتطلّبها طبيعةُ الكهف.

إنّ القارئ أو المستمع سيلفّه غموض تام حيال هذا الكهف الذي توجّه الفتيةُ إليه.

إنّه يتساءل: ماذا سيصنع الفتيةُ في الكهف؟

ما هو زادُهم ... من مأكل أو مشرب؟

هل إنّهم يستسلمون للموت ، مادامت حياةُ الكهف خاليةً من الزاد الذي يمدّهم بالحياة؟

هل إنّهم يتوقّعون أن تمدّهم السماء بوسائل جديدة من التكيّف؟

هذه الأسئلة يطرحها المتلقّي دون أدنى شك ، و لسوف نجد لها جواباً عندما نتابع الجزء الجديد من القصة.

* * *

غير أنّ ما نعتزم لفت الانتباه إليه الآن ، هو الموقع الهندسي لحوار البطل من حيث بناء القصة.

فالقصة سرعان ما تقدّم لنا جواباً على فقرة البطل الذي كان واثقاً من أنّ السماء ستهيّئ له و لجماعته خلاصاً في حياة الكهف.

و ها هو الجواب يقدّمه النص القصصي في الفصل الثالث من القصة:

﴿وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْـيَمِينِ

﴿وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِي فَجْوَة ...

﴿وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ

﴿وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الَْيمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ

﴿وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ

﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

إنّ هذا الفصل القصصي يظلّ ـ من جانب ـ متصلا بالحوار الذي لحظناه في الفصل السابق من القصة ، حيث يجيء في سياق البناء الفنّي تطوّراً عُضوياً لذلك الحوار الذي أوكَلَ ثقته باللّه ، إذ يقدّم جواباً لتلك الثقة و الظنّ الحَسَن بالسماء.
حتّى كأنـّه يقول لنا:

أنعموا أيّها الأبطال بهذا الظنّ الحَسنِ و بتلك الثقة العظيمة ، فلقد قلّبنا من أجلكم موازين الكون ، حيث الشمس تخرق قانونها الطبيعي ، و حيث النوم يخرق قانونه الحيّوي ، حيث الحياة و الموت أساساً سيكون لهما ـ من خلال الأبطال ـ مسارٌ آخَرَ ، يلفّه المعجزُ و المُدهش و المُثير.

إذن ، كيّفت السماءُ لهؤلاء الأبطال حياة جديدة جاءت متوافقةً تماماً مع حسن ظنّ الأبطال باللّه ... مع تلك الثقة العظيمة باللّه ... تلك الثقة التي جسّدها حوارُ أحدُ الأبطال حينما قال:

﴿يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً

تلك الثقة التي قلنا: إنّ الحوار من خلالها يجسّد موقعاً فنّياً من القصة ، بحيث يسهم في تطوير المبنى العضوي لها ، فضلا عن الوظائف الفنّية التي لحظناها في عنصر الحوار المذكور ، ممّا يُكسب النص القصصي مزيداً من الجماليّة التي نحرص على تحديد معالمها في هذا النص الذي ندرسه.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page