أخيراً يختم العنصر القصصي بحكاية أو اُقصوصة عن شخصية إدريس (عليه السلام) ...
حيث يمكن ملاحظة الارتباط العضوي بين هذه الحكاية و سائر حكايات أو أقاصيص السورة بنحو واضح.
تقول الحكاية أو الاُقصوصة:
﴿وَ اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ﴾
﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً﴾
﴿وَ رَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾
إنّ كلاّ من الذكر في الكتاب و التصديق و النبوّة تظلّ سمات طبعت غالبية الشخوص الذين وقفنا على ملامحهم في أقاصيص سابقة.
كما أنّ رفعه (عليه السلام) مكاناً عَلِيّاً ، يظلّ حاملا طابعاً فنيّاً مزدوجاًمن حيث الخصوصية في السمة من جانب و من حيث الاشتراك مع سمات الشخوص القصصية الاُخرى من جانب آخر ... فعملية الرفع تشير إلى الموقع المتميّز لكلّ شخوص الأقاصيص حيث جاءت سمات المباركة و التقريب و الحفاوة و الرضى و الرحمة و صدق الوعد طوابع متميّزة بالنسبة للشخوص المذكورين ، و حيث تجيء سمة ﴿وَ رَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً﴾ متجانسة مع الطوابع المذكورة من حيث التميّز ... إلاّ أنّها في الحين ذاته تحمل طابعاً خاصاً بإدريس (عليه السلام) حيث تشير النصوص المفسرة إلى أكثر من وجهة نظر في تحديد دلالة هذا الموقع لإدريس.
و سواء أكانت دلالة «رفعناه مكاناً عليّاً» تعني الرفع إلى السماء كما رفع عيسى مثلا ، أو موقعه في إحدى السماوات ، أو الرفعة المعنوية ، ففي الحالات جميعاً ثمة تميّز خُصَّ به إدريس (عليه السلام) في الآن ذاته ، في سمات عامّة أشرنا إليها في حينه.
* * *
على أيّة حال ، بهذا ننتهي من الحديث عن سورة «مريم» وقصصها الممتعة دلالياً وجمالياً ، حيث أمكن ملاحظة الفارق بينها وبين قصص آل عمران من جانب ، و مشاركتها لذلك من الجانب الآخر ، بالنحو الذي تقدّم الحديث عنه ، ونتّجه الآن إلى سورة «طه» لملاحظة عنصرها القصصي ، حيث تتضمّن قصتين متكررتين عن موسى وآدم(عليهما السلام) ، فيما نكتفي بالحديث عن اُولاهما ، وهي قصة موسى (عليه السلام) .