• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سورة النمل : حكايات سُليمان

 من الواضح ، أنّ قصص كثير من الأنبياء تتكرّر ـ كما أشرنا ـ بيد أنّ التكرار يتضمّن حيناً وقائع ومواقف بعينها ، وحيناً ثانياً يتضمّن وقائع ومواقف جديدة ، وحيناً ثالثاً ما يتضمّن الحالتين . . . وهذا ما يمكن ملاحظته في الحكايات الّتي نعتزم تناولها ، حيث أنّها تتضمّن من جانب ، مواقف وأحداثاً وشخصيات جديدة وتتضمّن من جانب آخر موضوعات سبق طرحها ، كالتسخير للجنّ مثلاً ولكن في سياق يختلف عن القصص السابقة .

المهمّ: أنّ الحكايات التي نعتزم لفت النظر إليها هي حكايات سليمان(عليه السلام) مع مواقف ووقائع جديدة ، نبدأ الحديث عنها الآن ، فنقول:

حكايات سليمان (عليه السلام) ـ في سورة النمل ـ حكايات مُثيرة حافلة بأشدّ الإثارات الفنّية ممّا هو معجزٌ و مدهشٌ و مُمتعٌ و طريف .

فمن حيث الأبطال أو الشخوص ، تظلّ هذه الأقاصيص حافلةٌ بأصناف متنوّعة ، و ليس مقتصرة على الجنس البشري . إنّهم ـ كما يقول النصُّ القصصي نفسه ـ مجموعة من الجنّ و الإنس و الطير يتعامل بعضُها مع الآخر في أنماط مثيرة من السلوك ، كما سنرى .

و من حيث الأحداث و المواقف ، تظلّ هذه الأقاصيص حافلةً بالمعجز من السلوك ، و ليس بما هو عاديٌّ أو نادرٌ إلاّ في نطاق محدود .

و من حيث البيئات فإنّها محكومةٌ بالطابع المعجز نفسه ، فضلا عمّا يكتنفها من المرائي أو المشاهد التي تفيض بما هو ممتعٌ و طريفٌ و مُدهش .

و أمّا من حيث الأفكار فإنّ الاُقصوصة تطرح أمام المتلقّي عطاء اللّه الذي لا تحدّه حدود ، عندما يُخلص الكائن الآدمي للّه ، بحيث تُسخّر السماء لهُ كلّ القوى من بشر و جنّ و طير ، و بحيث تفتح له آفاقاً جديدة من اللغة: لغة التفاهم مع النمل و الطير و نحوهما ممّا هو غير مألوف عادةً ، إلاّ أ نّه ممكنٌ مادامت القوى غير البشرية تملك بدورها لغةً خاصّة بها ، لكننا لا نفقهها في نطاق ما هو عاديٌّ من سلوكنا ، و يمكننا أن نفقهه في النطاق غير العادي ، عندما يتصاعد الكائن الآدمي بسلوكه نحو الذُرى .

* * *

هذا كلّه من حيث عناصر الأقاصيص أبطالا و أحداثاً و مواقفَ و بيئات و أفكاراً .

و أمّا من حيث الشكل الفنّي الأقاصيص ، فإنّها تتخذ هيكلا خاصاً ، يمكننا أن نُعدّ النص من خلاله اُقصوصةً واحدة ، مثلما يمكننا أن نعدّه اُقصوصتين متداخلتين ، بل يمكننا لأوّل وهله أن نعدّه اُقصوصتين تبدوان و كأنّهما منفصلتان:

إحداهما تتصل بقضية سليمان مع النمل .

و الاُخرى مع الهُدهُد .

إلاّ أنّ الرابطة الفنّية بينهما من الوضوح بمكان كبير ـ كما سنرى ـ وهو أمرٌ يضيف إلى جمالية النص القصصي ، جماليةً جديدةً لا نألفها في القصص الأرضي ، أي النتاج البشري .

و أمّا من حيث لغة القصّ ، فإنّ كلاّ من السرد و الحوار ينهضان بأداء جمالي له فعاليّتُه الكبيرة في تطوير الأحداث و المواقف ، و في إلقاء الضوء على تفصيلاتها ، و في الكشف عن خفايا النفس و أعماقها ، كلّ اُولئك من خلال لغة مصطفاة ، مقتصدة ، مركّزة .

و نبدأ الآن بالوقوف مفصّلا على هذه العناصر التي أشرنا إليها ، وهي: الأبطال
و الأحداث و المواقف و البيئات و الأفكار . فضلا عن بناء الاُقصوصة و لُغتها الجمالية .

و ليكن حديثُنا في البداية مع بناء الاُقصوصة .

 

بناء الاُقصوصة:

قلنا: إنّ حكايات سليمان ـ في سورة النمل ـ تتضمّن موقفين أو حادثتين ، تبدوان و كأنهما منفصلتان ، أو متداخلتان من حيث العنصر الرابط بينهما .

فالحكاية الاُولى تتصل بجنود سليمان من الجنّ و الإنس و الطير ، حيث يُشير النصُ القصصي إلى أ نّه:

﴿وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الإِْنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ

و يُشير بعد ذلك إلى الحادثة الآتية:

﴿حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ الَّنمْلِ

﴿قالَتْ نَمْلَةٌ: يا أَيُّهَا الَّنمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ

﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ

﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ:

﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ

﴿الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ

﴿وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ

هذه هي الحكاية الاُولى من حكايات سليمان .

و قد مهّد لها النصُّ بفقرة تُحدّثنا عن قول سليمان (عليه السلام) على النحو الآتي:

﴿قالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْء

﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ المُبِينُ

هذه الفقرة التي تُلخّص موقفاً من المواقف ، هي التي تشكّل عَصَباً فنّياً لقصّتين متداخلتين ، لكنهما تنشطران إلى واقعتين: إحداهما تبدو منفصلةً عن الاُخرى:
واقعة الجيش الزاحف على واد النمل . و واقعة الطير أو الهدهد الذي تفقّده سليمان ، و ما استتلاه من القصة المتصلة بالملكة بلقيس ، و إسلامِها في نهاية المطاف .

إنّ الترابط الفنّي القائم بين حكايتي النمل و الهدهد في قصّة سليمان يتمثّل في:

أ ـ إنّ الحكايتين تتعاملان مع أبطال ثانويين من غير الآدميين: النملو الهدهد .

ب ـ إنّ الحكايتين يجمعهما بطلٌ رئيس واحدٌ هو: سليمان (عليه السلام) .

ج ـ إنّ الحكايتين يتّم التعامل بين أبطالهما بلغة خاصة يُتقنها سليمان (عليه السلام) بحسب منطق البطل غير الآدمي الذي يتعامل معه .

د ـ إنّ الحكايتين تطرحان ـ من خلال تعقيب النصّ عليهما ـ مفهوم الشكر على عطاء السماء الذي أشرنا إلى أ نّه يمثّل أفكار القصة قصة سليمان ، ففي حكاية النمل عقّب سليمان على إدراكه لمنطق النملة ، قائلا:

﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى . . .

و في حكاية الهدهد عقّب سليمان على واقعة العرش الذي أحضره أحدُ الأبطال و نعني به عرش بلقيس ، قائلا:

﴿هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي: أأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ

﴿وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ . . .

و أخيراً ، فإنّ التمهيد الذي تصدّر الحكايتين يشكّل وحده عنصراً رابطاً بينهما من خلال إشارة سليمان نفسه إلى أ نّه عُلِّم منطق الطير ، و إشارته ـ و هذا هو الخيط الرابط ـ إلى أ نّه اُوتيَ من كلّ شيء ، و إلى أنّ هذا هو الفضل المبين .

إذن الترابط الفنّي القائم بين حكايتي النمل و الهدهد في حكايات سليمان ، يبدو من الوضوح بمكان كبير ، مادامت الحكايتان تخضعان لقيم فكريّة متماثلة ، . . . و مادامت عناصر القصّ ، من وحدة الشخصية في الحكايتين ، و من تماثل الأبطال الثانويين في انتسابهم للجنس غير البشري ، و انبثاق لغة التفاهم بين سليمان و الأبطال الثانويين . . . كلّ ذلك يمثّل عنصراً رابطاً بين الحكايتين ، بحيث يمكن القول إلى أنّهما قصةٌ واحدة ، أو قصّتان متداخلتان ـ قصةٌ داخل قصّة ـ .

و هذا كلّه من حيث البناء أو الهيكل القصصي ، لقصة سليمان بعامّة .



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page