• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سورة القصص : قصَّة قَارُون

 قلنا: إنّ هذه الاُقصوصة تتميّز بقصرها ، و من ثمّ فإنّ الموقف الذي تتناوله لابدّ و أن يتّسم بما هو مفرد من السلوك مقابل المركّب الذي يسم الرواية ، و لعلّ مجيئها في السورة التي وردت رواية موسى (عليه السلام) فيها يظلّ متجانساً مع كون قارون هو من قوم موسى (عليه السلام) ، بل هو قريب ، أو تبعاً للنصوص المفسّرة هو ابن خالة موسى (عليه السلام) أو ابن عمّه .

و أيّاً كانت صلته بموسى ، فإنّ النص القرآني الكريم صاغ من الشخصية المذكورة حكايةً أو اُقصوصة تحوم على أكثر من حَدَث و موقف يتصل بسلوك هذه الشخصية التي أنعم اللّه عليها ، لكنّها بَغَت و تجبّرت ، حتّى لفّتها نهايةٌ كسيحة جواباً لعدم تثمينها لنعمة اللّه ، على نحو ما تفصّله الاُقصوصةُ الآن:

تبدأ الاُقصوصة على النحو الآتي:

﴿إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ

﴿وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ

من الزاوية الفنّية فإنّ هذه البداية تُجمل لنا كلّ شيء ، حيث تُمهّد للأجواء التي ستتحرّك من خلالها شخصيةُ القصة أو بطلُها الكسيح ، و نمطُ سلوكه ، و الشخوصُ الذين تعاملوا معه ، أو تعامَلَ معهم ، مُضافاً إلى المنبّه أو المُثير الذي تحرّكت الاُقصوصةُ و شخوصُها و أحداثُها من خِلاله و نعني به: نِعَم اللّه سبحانه و تعالى متمثّلةً في تلك الكنوز أو الأموال الضخمة التي أغدقتها السماء على الشخصية المذكورة .

هذه البداية القصصيّة هيّأت مُلابسات الموقف الذي ستتحرّك الاُقصوصة في نطاقه ، و هي مُلابساتٌ من وجهة نظر فنّية تحقّق لدى السامع أو القارئ أكثر من إثارة فيما يتصل بتنبّـؤاته و تطلّعاته في استشفاف الأحداث اللاحقة . فضلا عن لمَهّا لكلّ عناصر الحدث أو بيئة القصة .

فنحن الآن حيال شخصيّة نَسَبَتها القصةُ إلى موسى (عليه السلام) من حيث العلاقة الاجتماعية
أو النَسَبيّة ، لكنها باغية ، أي: شخصية قارون ، و قد اُوتيت من الأموال أو الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء حتّى بالعصبة أو الجماعة اُولي القوّة .

و لكن ما وراء هذا كلّه من دلالة ؟

هذا ما نتبيّنه من التفصيلات التي ستسردها القصة وفق صياغة فنّية مُمتعة ، حافلةً بعناصر الإثارة التي تفرزها لغةُ الشكل القصصي في ميدان عرض الحقائق .

* * *

و الآن نتابع دلالات هذه البداية القصصية و ما تنطوي عليه من سمات فنّية ، بادئين بشخصية قارون بطلها المهزوم .

لقد نسبت القصةُ قارون إلى قوم موسى (عليه السلام) .

و السؤال هو: ما هي الدلالة الفنّيةُ لهذا الانتساب ؟

من الممكن من الزاوية الفنّية أن تُعَرّفنا القصة بأيّ بطل مهزوز السلوك مثل قارون من حيث التعريف بهويّته و مركزه الاجتماعي ، هويّته من حيث الاسم المُـحدّد ، و مركزه من حيث السمة الاقتصادية .

و من الممكن أيضاً أن تهمل القصةُ اسم بطلها مثلا ، كما هو الأمر في قصة صاحب الجنّتين في سورة «الكهف» ، حيث شابهت شخصيتُه شخصيةَ قارون في كفرانهما بالنِعَم ، لكن دون أن تعرّفنا القصة باسمه و بمنزلته الاجتماعية .

أمّا في قصة قارون فإنّ القصة لم تكتفِ بتعريف هويته الشخصية فحسب الاسم ، بل أضافت إلى ذلك تعريفاً آخر ، هو انتسابه إلى قوم موسى (عليه السلام) مع ملاحظة أنّ النصوص المفسّرة تحدّد هذا الانتساب إلى أ نّه قرابة ، كأن يكون ابن خالة موسى (عليه السلام)أو ابن عمه مثلا .

و طبيعيّاً فإنّ القصة لا تعرّفنا عَبَثاً بمثل هذه السمات ، بل إنّ الأمر ينطوي لا محالة على سرّ فنّي تستهدف منه إيصال حقائق معينة نفيد منها في تعديل السلوك .

فما هي إذن دلالة انتساب قارون إلى قوم موسى (عليه السلام) ؟

في تفسيرنا الفنّي الصرف ، أنّ قوم موسى (عليه السلام) و هم الإسرائيليّون طالما أغدقت السماء عليهم نِعَماً لا تُعدّ و لا تُحصى ، لكنهم مع ذلك كفروا بالنِعَم و مارسوا ألواناً من السلوك الشائن حدّثتنا نصوصُ القرآن الكريم عنه بالتفصيل في مواقع شتّى .

طبيعيّاً ثمة رهوطٌ منهم ساندوا موسى (عليه السلام) و كانت مواقفهم إيجابية في هذا الصدد .

و في الاُقصوصة التي نتحدّث عنها قصة قارون نجد تمثيلا أو نموذجاً لكلّ من الفريقين ، فيما يمثّل قارون تجسيداً للفريق الكافر بِنَعم اللّه ، و بالمقابل كما سنرى في التفصيلات اللاحقة من القصة ، نجد أنّ قومه قد أنكروا على قارون سلوكه الشاذ و حذّروه من ذلك .

و المهمّ أنّ شخصيّة قارون تمثّل ذلك النمط الكافر بنعم اللّه ، فيما قدّمته القصةُ نموذجاً حيّاً لهم .

* * *

و يمكننا إدراك هذه الحقيقة حينما نتّجه إلى النصوص المفسّرة التي تلقي إنارة على شخصية قارون و موقعه من قوم موسى (عليه السلام) ، بل من موسى (عليه السلام) نفسه .

طبيعيّاً أنّ الأهمية الفنّية للقصة ، أ نّها تركت للقارئ أن يستخلص بنفسه مثل هذه الحقائق مادامت منذ البداية نسبت قارون إلى قوم موسى (عليه السلام) ، لكننا حين ننساق مع النصوص المفسّرة نجدها تُعزّز مثل هذه الحقائق .

إنّ بعض النصوص المفسّرة تذهب إلى أنّ الإسرائيليين حينما غضبت السماء عليهم و ألقتهم في التيه أربعين عاماً نتيجةً لبطرهم و كفرانهم بالنِعَمِ ، ندم البعضُ منهم و اتّجه إلى التوبة و تضرّع بالدعاء . و كان قارون واحداً من هؤلاء الذين شغلوا أنفسهم بقراءة كتابهم المُنزل ، و كان حسن الصوت و الصورة بحيث خُلِعت عليه بعض الألقاب المتصلة بالسمات المذكورة . مضافاً إلى ذلك كان قارون في نطاق العمل يُعنى بصناعة الكيمياء ممّا ضخّم ماليّته في هذا الصدد .

و واضحٌ أنّ شخصيةً تتميّز بسمات و مهارات جسمية و حركية و تقنيّة ، لجديرٌ أن تحتلّ موقعاً اجتماعياً له أهميته على الأقل في نظر مجتمعه ، ممّا يجعل الاستشهاد بها ، أو صياغتها نموذجاً لطبقة أو عقلية خاصة ، أمراً له أهميتهُ في استخلاص العظة من سلوكها .

و المهم أنّ بعض النصوص المفسّرة تذهب إلى أنّ قارون قد داخله الزهو ، فامتنع من التوجّه نحو التوبة ، حتّى أنّ موسى (عليه السلام) نفسه قد تدخّل مباشرة في محاولة إصلاحه ، لكنّه ركب رأسه و لم يأخذ بنصيحة موسى (عليه السلام) .

من هذا كلّه نستخلص صلة قارون بموسى (عليه السلام) ، و صلته بقومه من حيث شخصيته الاجتماعية ، وصلته بالقوم الذين لفّهم التيه أربعين عاماً ، ثمّ صلة ذلك جميعاً من الناحية الفنّية بإبراز اسمه بطلا مهزوماً في القصة ، و إبراز انتسابه إلى قوم موسى (عليه السلام)ممّا ينطوي على دلالة خاصة تستهدفها الاُقصوصة حينما تسرد لنا شريحةً من حياته ، تحملنا من خلال ذلك على استخلاص العِظات التي ينبغي أن يفيد السامع أو القارئ منها ، بغية تعديل السلوك حيال مواجهة النِعَمِ التي تغدقها السماء على عبادها ، . . . و ضرورة الشُكر عليها بدلا من الكفران بها .

* * *

كانت السمةُ المميّزةُ لقارون ، أنّ القصة عرّفت إسمه و لم تُنكّره ، لأسباب فنّية سبق شرحُها .

و أمّا سمة السلوك الذي ميّز قارون ، فهي أ نّه بغى على قومه ، حيث تعالى عليهم و استطال .

و مع أنّ القصة لم تحدّد تفصيلات طغيانه ، إلاّ أ نّها حينما و سمتهُ بأ نّها قد آتته من الكنوز ما إنّ مفاتحه أو خزائنه لتنوء بالعصبة اُولي القوّة . . . حينئذ نستخلص بأنّ طغيانه ناجم عن ضخامة الكنوز التي تملّكها . كما أنّ الجزء اللاحق من القصة متمثلا في حوار قومه الذي وجّههوه إليه يكشف ـ وفق الطريقة الفنّية التي سلكتها القصة ـ أنّ طغيانه على قومه ذو صلة بممتلكاته التي زها بها على قومه .

تقول القصةُ بعد البداية التي مهّدت بها:

﴿إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ: لا تَفْرَحْ

﴿إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ

﴿وَ ابْتَغِ فِيْما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا

﴿وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ

﴿وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

إنّ الوظيفة الفنّية لهذا الحوار تتمثّل في أ نّه ، أي الحوار كشف جملةً من الحقائق .
منها: أنّ قوم قارون كانوا من الفريق الذي لم يستحوذ عليه الشيطان قِبالَ الفريق الذي أفسد في الأرض كلّ الإفساد ، و في مقدّمتهم هذا النموذج: قارون .

الحقيقة الفنّية الثانية التي كشف الحوارُ عنها ، هي: الكشف عن شخصية قارون في تعامله مع قومه ، بعد أن كانت القصة في بدايتها قد أجملت سلوك قارون ، مكتفيةً بالقول بأ نّه «بغى عليهم» .

لقد كشف الحوار بأنّ قارون كان فرِحاً ، مُتعالياً ، متكبّراً ، مستطيلا على قومه ، مُدلاّ عليهم بأمواله الضخمة التي يتملّكها .

الحقيقة الفنّية الثالثة التي انطوى عنصر الحوار عليها ، هي إحداث التأثير على القارئ ، و تثبيت الدلالة التي تستهدفها القصة في أعماق القارئ أو السامع في استخلاص العظة .

كان من الممكن مثلا أن تسرد القصةُ لنا مباشرة حياة قارون و سلوكه مع قومه ، لكنها لم تصنع ذلك ، بل تركت قومَ قارون أنفُسهم هم الذين يتحاورون معه و ينتقدون سلوكه حتّى ينفعل القارئ أو السامع بهذا الموقف ، و يحاطُ علماً بأنّ القوم أنفسهم كانوا يُنكرون مثل هذا السلوك .

* * *

و خارجاً عن الدلالات الفنّية التي انطوى الحوار عليها ، يعنينا من حيث الدلالة الفكرية أن نقف عند الحقائق المطروحة في هذا الصدد .

و في مقدّمة هذه الحقائق ، الحقيقة التي تكشف عن وظيفة الكائن الآدمي على هذه الأرض أو هذه الحياة العابرة .

لقد وجّه قومُ قارون إلى هذا الأخير هذه الحقيقة الخطيرة ، قالوا له:

﴿ابْتَغِ ـ فِيْما آتاكَ اللّهُ ـ الدّارَ الآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا

﴿وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ

﴿وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَْرْضِ

هذه الحقيقة الضخمة التي انتبه إليها قومُ قارون تُشكّل فلسفة وجود الكائن الآدمي على الأرض و الدلالة الوحيدة لوظيفته التي ينبغي أن يتمحّض لها في حياته ، ألا و هي: العبادة أو الخلافة في الأرض .

إنّ قولهم: «لا تنس نصيبكَ من الدنيا» يُلخّص هذه الوظيفة التي خلعتها السماء على الكائن الآدمي .

إنّ نصيب الإنسان من الدنيا هو العملُ للآخرة ، و ليس العمل من أجل تحقيق الإشباع لدوافع التملّك و السيطرة و نحوهما من الحاجات الحيويّة و النفسيّة .

من الممكن أن يغفل البعضُ أو الكثيرُ حقائق التركيب الدافعي عند الإنسان ، فيُخيّل إليه مثلا: أنّ تملّك المال يُصاغ من أجل الحاجة إلى إشباع دافع التملّك و ما يُصاحبه من إشباع حاجات الطعام أو السكن أو الملبس ، دون أن يرتبط التملّكُ بمفهوم العبادة و عزله عن السياق المذكور مثلا .

أو يُخيّل إليه: أنّ دافع السيطرة أو التفوّق أو احترام الذات و التمركز حولها ، هو دافعٌ له مشروعيّتُه مادام الإنسانُ ـ بالضرورة ـ باحثاً عن ذاته ، محاولا في كلّ أنماط نشاطه تحقيق اللذة و الاجتناب عن الألم .

إنّ أمثلة هذا التصوّر لتركيبة الإنسان ، تحياه الشخصيةُ المنعزلة عن السماء ، أو الشخصية الغافلة عن دلالة وجودها و معناها ، و هو أمرٌ انتبه إليه قومُ قارون حينما ألفتوا انتباهه إلى أن يبتغي ـ فيما آتاه اللّه ـ الدار الآخرة ، و أن لا ينسى نصيبَه من الدنيا العابرة من أجل استثمارها لليوم الآخر ،و أن يحسن إلى اللّه بتزكية أمواله و صرفها في وجوه الخير ، و أن لا يطال بها على الآخرين و لا يبتغي بذلك فساداً في الأرض .

* * *

و الآن ، حينما أدركنا الأهمية الفنّية و الفكرية التي انطوى عليها عنصرُ الحوار:
الخطاب الذي وجّهه القومُ إلى قارون ، يجدر بنا أن نلحظ مدى تأثيره على قارون و ردّ الفعل الذي صدر منه حيال هذه الحقيقة الوحيدة التي تُشكّل معنى وجود الإنسان على هذه الأرض: الحياة العابرة .

لنقرأ جواب قارون:

﴿قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْم عِنْدِي . . .

نحن لا نستغرب من قارون مثل هذه الإجابة الهزيلة ، فالقصة أوحت لنا منذ البداية بأنّ قارون كان باغياً على قومه ، كما أنّ قومه كشفوا لنا حقيقة هزاله حينما قالوا له:

﴿لا تَفْرَحْ

لقد غاب عن ذهنه أنّ الإنسان لا يملك لنفسه نفعاً و لا ضرّاً و لا حياة و لا نشوراً .

غاب عن ذهنه كلّ ذلك حتّى خيّل إليه أنّ هذه الأموال قد اكتسبها بمهاراته الخاصة ، صناعته للكيمياء مثلا .

اكتسابه من التجارة أو الزراعة مثلا . . . إلى آخره .

أو خيّل إليه أنّ هذا عطاء اللّه منحه لقارون حتّى يفسد في الأرض مثلا . . .

لقد عقّبت القصةُ مباشرة على إجابة قارون ، قائلة:

﴿أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ

﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً

﴿وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ

هذا التعقيب يحسم كلّ شيء ، حيث أشار إلى هلاك القرون الاُولى ممّن أفرزت شخوصاً أشدّ منه قوّة و أكثر جمعاً .

كما حَسَم كلّ شيء حينما رسم لقارون عقاباً اُخروياً له و لأمثاله ممّن يُساقون إلى جهنم دون حساب .

و لكن هل انتهت القصةُ برسم المصير الاُخروي لقارون على النحو المتقدّم ؟
كلاّ!!

إنّ القصة تستهدف لفت الانتباه إلى حقيقة المتاع العابر في الحياة ، و انعكاسه حتّى على المصير الدنيوي للشخصية .

و لذلك يواجهنا القسمُ الأخير من القصة بأحداث و مواقف حافلة بالإثارة فنّياً و فكريّاً ، على النحو الذي سنفصّل الحديث عنه .

* * *

يبدأ الآن القسمُ الثاني من قصة قارون على النحو الآتي:

﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ

﴿قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا

﴿يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيم

﴿وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ

﴿وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقّاها إِلاَّ الصّابِرُونَ

طبيعيّاً من حيث البناء الهندسي للقصة لا يتوقّع القارئ أو السامع أن يُعدّل قارونُ من سلوكه المتعالي بالرغم من النصيحة التي بذلها قومُه عندما لفتوا انتباهه إلى حقيقة الدنيا و ممتلكاته فيها ، و عندما لفتوا انتباهه إلى ضرورة أن يستثمر نصيبه من الدنيا في عمل الخير لا يتوقّع القارئ أو السامع تقبّل قارون لهذه النصيحة ، و ذلك لسبب فنّيٍّ ، هو أنّ القصة رسمت له منذ البداية ـ أي في القسم الأوّل من القصة رسمت له ـ مصيراً اُخروياً بائساً هو: سوقه إلى جهنم بدون حساب .

و هذا يعني من الوجهة الفنّية في بناء القصة أنّ الأمل في إصلاح قارون منعدمٌ تماماً . . .

و لكن إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا عرضت القصةُ نماذجَ من سلوكه المتباهي على هذا النحو ؟

﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ . . .

الواقع أنّ هذا العرض القصصي يستهدف حقيقةً فنّيةً جديدة ، هي الكشف عن المستويات العقلية لدى قوم قارون .

ففي القسم الأوّل من القصة كشف النص عن وجود نماذج رفيعة ، واعية لمهمّتها العبادية في الأرض ، آمرة بالمعروف ، ناهيةً عن المنكر .

ناهيةً قارون عن الفرح ، قائلةً له:

﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ

آمرة قارون بالمعروف ، قائلة له:

﴿ابْتَغِ ـ فِيْما آتاكَ اللّهُ ـ الدّارَ الآْخِرَةَ

أمّا في هذا القسم الجديد من القصة فإنّ النص يستهدف عرض المستويات الاُخرى من القوم ، و نماذج تفكيرهم ، و طرائق سلوكهم حيال الزينة التي يواجهونها في أبهى مظاهرها .

حتّى أنّ نصوص التفسير تروي لنا ، أنّ قارون خرج في موكبه ذات يوم بآلاف من الأتباع و الفرسان و الدواب و ما صاحبَ ذلك من عَرضِ نفائس ممتلكاته ، ممّا يُشكّل دون أدنى شك منبّهاً أو مُثيراً حاداً سيستجيب له كلّ فرد باستجابة غافلة أو واعية ، حسب شخصيته الفكرية في هذا الصدد .

* * *

و الآن كيف استجاب القوم حيال الموكب الذي حفّ قارون في ذلك المظهر المثير من الزينة ، و ما يصاحبها من مشاعر الكبرياء و الغرور و الاحساس بالعظمة . . . الى آخره ؟

كما نتوقّع ، فإنّ الناس ينشطرون عادة إلى واعين ، مدركين ، أسوياء . . . و إلى مرضى ، غافلين ، أغبياء .

و هكذا كانت ردود الفعل بالنسبة إلى قوم قارون .

فالمرضى أو الأغبياء بهرتهم الحياة الدنيا و تحرّك في أعماقهم الاحساسُ المريض بـ الذات و بحاجاتها إلى التفوّق و السيطرة و الاستعلاء ، فقالوا في قرارة نفوسهم ، أو قال بعضهم لبعض:

﴿يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيم

إنّ هؤلاء الحمقى خيّل إليهم أنّ قارون ذو حظّ عظيم في هذه الزخارف التي بَهَرَ بها قومه و قد غاب عن ذهنهم تماماً وجود حياة اُخروية ، أبدية ، هي التي تحسم كلّ شيء .

و على العكس منهم:

﴿وَقالَ اَلَّذِيْنَ اُوتُوا الْعِلْمَ:

﴿وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً

لقد وسمَ النصُّ رجالَ الآخرة بأنّهم اُوتوا العلم جواباً لاُولئك المغفّلين الذين وسَمَهم بأنّهم يريدون الحياة الدنيا .

وسمة العلم كما هو واضح تظلّ هي السمة التي لا يُشكك إثنان في كونها موضع اعتزاز لأية شخصية باحثة عن التقدير حتّى لو كانت بمنأىً عن السمة العلمية .

و المهم أنّ القصة خلعت حيويّةً ممتعة على هذا الموقف ، حينما صاغته حواراً بين الفئتين: الواعيةِ و الغافلةِ في مواجهتهما لموكب قارون و زينته الجوفاء .

الفئة الغافلة هتفت في انفعال ساذج:

﴿يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ

و هتفت بانفعال أشدّ سذاجة ، حينما أضافت:

﴿إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيم

أمّا الفئة الواعية فقد أجابتها بانفعال عميق ، راثيةً ، مشفقةً على اُولئك الحمقى ، هاتفةً في وجوههم:

﴿وَيْلَكُمْ . . . ؟ !

﴿ثَوابُ اللّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً!!

و هكذا ينتهي عرضُ القصةِ لموقفِ الفئتين: الواعية و الغافلة حيال الزخرف الذي طلع به قارونُ على الجمهور مع ملاحظة أنّ القصة منذ البداية ألمحت بطريقة فنّية غير مباشرة عندما نسبت قارون إلى قوم موسى (عليه السلام) ، و عندما وسمته بأ نّه قد بغى على قومه ألمحت إلى أنّ شخوص القصة الجماعيين أي: قوم قارون سينشطرون إلى ايجابيين و سلبيين ، و اعين و غافلين ، مؤمنين و كافرين ، على نحو ما استخلصناه في حينه .

* * *

ثمة ملاحظة فنّية اُخرى تتصل بموكب قارون و الموقع العضوي لهذا العَرض من بناء القصة ، و صِلته بعرض النماذج غير الواعية من القوم .

فمن الواضح أنّ قارون أو أيّة شخصية كافرة بنعم اللّه ، أو أيّة شخصية متجبّرة ، طاغية ، لا يمكنها أن تمارس الزهو و الخيلاء و التجبّر و التحكّم في رقاب الناس ، لو لم تظفر بمن يُساندها من الفئات التي تخنع و تستكين و تنبهر بمظاهر زائفة من متاع الحياة .

و القصة حينما تعرض لنا موكب قارون و زينته ، لم تستهدف كما هو بيّن مجرّد لفت الانتباه إلى الاحساس المريض الذي يغلّف شخصية قارون و هو ينظر إلى ممتلكاته ، بل تستهدف ـ و هذا مكمن الخطورة في صياغة الهيكل القصصي ـ لفت الانتباه إلى أنّ قارون أو أية طاغية لم يكن ليُعنى بمظاهر الزينة و التحكّم في الرقاب لو لم يجد استجابةً من الآخرين تخلع عليه أهميّة المظهر الذي يتباهى و يزهو به .

فمن الواضح في حقل الحقائق النفسية أنّ الأشياء أو الظواهر لا تحمل أ يّة قيمة في حدّ ذاتها ما لم تقترن بالقيمة التي يخلعها الآخرون عليها .

كما أنّ مظاهر الزهو و الاستعلاء و السيطرة ، لن تجد لها أيّ معنىً ، أو دلالة ، أو أيّ مجال تتحرّك فيه ، ما لم يجد المستعلي أو المزهوّ ، أو المتجبّر أفراداً آخرين يخلعون قيمةً ما على الزهو و الاستعلاء و السيطرة ، تبعاً للحطّة و الخنوعِ و الذلّ الذي يتحسّسونه في أنفسهم .

و من هنا كان قارون يُعنى بالحرص على المظهر الذي خرج به على قومه ، لأنّ قومه أنفسهم كثرة كانوا أم قلّةً ، قد طبعتهم سمة المرض ، سمة الذلّ و الخنوع و الاستكانة . ولو لم يجد قارون إلاّ فئات واعية ، لانزوى في داره و لِمَا وجد أيّ حافز يدفعه إلى الخروج بزينته و بموكبه الذي زها به .

و فعلا لحظنا هؤلاء الأذلاّء الخانعين يهتفون بمجرّد رؤيتهم لموكب قارون ، قائلين:

﴿يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيم

طبيعيّاً أنّ الواعين الذين خبروا حقيقة الحياة ، تكفّلوا بالردّ على اُولئك الخانعين . بيد أنّ الأهم من ذلك كلّه ، أن نكتشف الحقيقة القائلة بأنّ الطغاة في أي زمان و مكان لم يمارسوا جرائمهم ما لم تسندهم فئات ذليلة خانعة تُطيل من أمد تحكّمهم في الرقاب .

و المهم بعد ذلك أنّ القصة في عرضها الفنّي لهذه الحقيقة مهّدت لأحداث لاحقة تظلّ على صلة بالحقيقة المذكورة . مثلما ستدلّنا على النهاية القاتمة للطغاة ، و إمكانية تعديل السلوك بعد ملاحظة مثل هذه النهاية التي تخسف بقارون ، و بداره: الأرض ، كما سنرى .

* * *

القسم الأخير من قصة قارون يعرض لنا النهاية البائسة لهذه الشخصية التي بدأت في القصة باغيةً على قومها ، مفسدة في الأرض ، مدلّةً بممتلكاتها ، رافضةً لنصائح قومها ، قائلةً بصلف و غرور عن ممتلكاتها:

﴿إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْم عِنْدِي

مواصلةً ركوب رأسها حتّى خرجت ذات يوم على قومها في زينتها التي شطرت الناس إلى فئتين: فئة تريد الحياة الدنيا ، متمنّية أن يكون لها ما لقارون ، متخيّلةً أنّه ذو حظّ عظيم و فئة عالمة تبتغي ثواب اللّه ، منكرة على اُولئك المُنبهرين بزهو قارون ، وذهابهم إلى أنّه ذو حظّ عظيم .

و ها هي القصة تقدّم جواباً عملياً عاجلا لاُولئك المُنبهرين بممتلكات قارون و زهوه و خيلائه:

و إليك جواب اللّه جلّت عظمته:

﴿فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الأَْرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ

﴿وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ

و إليك أيضاً ردّ الفعل الذي أحدثته هذه الخاتمة الكسيحة لقارون في نفوس اُولئك المنبهرين بقارون قبل غيره:

﴿وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالأَْمْسِ يَقُولُونَ:

﴿وَيْكَأَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ

﴿لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ

إنّ هذه الخاتمة لمصير قارون من الممكن أن يتوقعها المُتلقّي لجملة من الأسباب الفنّية ، و في مقدمتها: تحسيس قارون نفسه ، ثمّ تحسيس قومه المنبهرين به ، . . . تحسيسهم جميعاً في الدنيا قبل الآخرة بمصائر الطغاة ، و مصائر ممتلكاتهم أو عبيدهم اللاهثين خلف أبوابهم .

و الحقّ ، أنّ القصة أرهصت بطريقة فنّية بمثل هذا المصير ، فهي عندما عقّبت على قوله:

﴿إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْم عِنْدِي

عقّبت على ذلك بقولها:

﴿أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ

﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً

عندما تتدخّل القصة في حوار يجري بين قارون و قومه ، . . . كأن تقطع سلسلة الحوار بتعليق ، أو كأن تعقّب على نهاية الحوار بين الطرفين ، . . . فإنّ مثل هذا التعقيب يُعدّ مُؤشّراً إلى أنّ ثمة خطورة في الأمر لابدّ أن تسحب آثارها على أحداث القصة لاحقاً و هذه الحقيقة يخبرها كلّ من ألِفَ لُغة الأدب القصصي .

و تبعاً لذلك فإنّ القصة عندما تشير إلى أنّ اللّه سبحانه قد أهلك من القرون الاُولى مَن هو أشدّ قوّة و أكثر جمعاً ، فهذا يعني أنّ هناك في قلب الأحداث اللاحقة حَدَثاً ينتظر قارون مشابهاً لما هو في القرون الاُولى ، . . . و ما هو إلاّ هلاكه عاجلا في الدنيا قبل الآخرة ، حيث خسفت السماء به ، و بداره الأرض .

و فعلا جاءت الخاتمة القصصية جواباً لهذا التنبّؤ الفنّي الذي توقّعه قارئ القصة أو سامعُها .

لم يكن هذا السبب الفنّي وحده مؤشّراً إلى أنّ هلاك قارون سيكون في الدنيا قبل الآخرة على النحو المذكور ، بل هناك سبب آخر ، هو طبيعة ردّ الفعل الذي أحدثه موكب قارون عندما خرج على قومه مزهوّاً ، متباهياً ، مُتعالياً ، بل إنّ خروج قارون نفسه في موكبه الذي بَهرَ الحمقى ، . . . هذه العملية ذاتها تجعل القارئ أو السامع متوقّعاً حدوث مثل هذا المصير .

فمن الواضح أنّ القصة أشارت قبل أن تعرض لحادثة الموكب الذي خرج به قارون على قومه ، . . . أشارت القصة إلى أنّ المجرمين يُساقون إلى جهنم بغير حساب:

﴿وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْـمُجْرِمُونَ

ممّا يعني بوضوح أنّ العقاب الاُخروي سيكون حاسماً بالنسبة لقارون لا مجال للتردّد فيه . و حينئذ فمن المفروض من الناحية الفنّية الصرف أن تنتهي القصة عند هذا التعقيب من السماء ، لأنّ نهاية قارون اُخروياً لابدّ أن تنتهي مع نهاية قصته ما دامت القصة حائمة على الشخصية المذكورة .

و لكن بما أنّ القصة واصلت عرضَ الأحداث المتصلة بقارون ، فهذا يعني من الزاوية الفنّية أنّ للأحداث المعروضة صلةً بنهاية دنيوية لقارون تتناسب مع طبيعة الحادثة المعروضة .

الحادثة المعروضة هي: أنّ قارون خرج على قومه في زينته ، مُدلاّ ، متباهياً ، متعالياً . ألا يُناسب ذلك أن ترهص القصةُ بمصير مثل هذا التباهي و التعالي ، بأن تجعل السامع أو القارئ متوقعاً لنهاية تمسح آثار ذلك التباهي ؟

إنّ ذلك نتوقّعه و نتنبّأ به فنّياً فيما تمّ فعلا رسمُ مثل هذه النهاية .

هناك سبب فنّي ثالث ، لعلّه أهم الأسباب التي جعلتنا ـ قُرّاء و سامعين ـ نتوقّع مصيراً دنيوياً كسيحاً لقارون ، هو: أنّ الذين بهَرَهم قارون في موكبه ، و زينته ، و خزائنه ، لابدّ أن يكونوا أحد نمطين: نمط ساذج لا يمتلك بصيرةً نافذةً في تقويمه و نظرته للاُمور ، . . . و نمط على إحاطة بحقيقة الاُمور ، . . . لكنه راكبٌ شهواتِه ، لاهثٌ خلف الإشباع .

و في الحالتين فإنّ امكانات التعديل لسلوك هؤلاء المغفّلين ـ في لحظة انبهارهم بموكب قارون ، على الأقل ـ يظلّ أمراً غير بعيد مادام الكائن الآدمي تنفعه الذكرى حيناً ، و تحوّر العظةُ من سلوكه ، و تحملُه الأحداث المفاجئة ، السريعةُ ، الحاسمةُ ، . . . تحمله على تعديل سلوكه عبر الانفعال الحادّ الذي تتركه الأحداث المفاجئة أو الحاسمة في أعماقه .

و فعلا جاءت ردود الفعل لدى هؤلاء الذين بَهَرهم قارون بزخرفه ، . . . جاءت ردود فعلهم إيجابيةً عندما فوجئوا بقارون و قد خُسفت به و بداره ، الأرض . فإذا بهم يقولون:

﴿وَيْكَأَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ

﴿لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ

لقد أدرك هؤلاء بعد أن كانوا غافلين يتمنّون لهم ما لِقارون ، أدرك هؤلاء حقيقة لم يدركوها من قبل: أنّ اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده و يقدر ، و أنّ اللّه قد منّ عليهم حينما لم يُؤتهم ما اُوتي قارون ، و لم يخسف بهم الأرض كما خسفها بقارون ، و أنّ الكافرين بِنِعَمِ اللّه لا يُفلحون أبداً . . .

هذه الحقائق لم يُدركها مَن بهرته الحياة الدنيا في غمرة انفعالهم بموكب قارون و زينته و ممتلكاته ، . . . لكنهم حينما فوجئوا بمصير قارون ، . . . عندها أدركوا مثل هذه الحقائق ، و لابدّ أنّها عدّلت من سلوكهم بنحو أو بآخر ، و المهمّ من الزاوية الفنّية الصرف أنّ إدراك مثل هذه الحقائق لم يكن لِيتمّ لولا أنّ القصة عرضت المصير الدنيوي لقارون حادثة الخسف ، ممّا نستخلص من ذلك الأهمية الفنّية الكبيرة من حيث هيكل القصة و بناؤها الهندسي ، لعرض الحادثة المذكورة و إلاّ كان من الممكن أن تنتهي القصة بعرض المصير الاُخروي لقارون دون أن تتبعه بعرض المصير الدنيوي أيضاً .

و بعامّة فإنّ الدلالة الفكرية للقصة لا تحتاج إلى التعقيب مادامت ألفتت الانتباه بوضوح ، إلى أنّ الحياة الدنيا لا تشكّل إلاّ متاعاً عابراً سرعان ما ينطفئ في الدنيا نفسها ، و أنّ اللّه حينما يمنح بعض الآدميين نِعَماً ضخمة مثل كنز قارون ينبغي ألاّ تصرفهم عن إدراك المهمّة الخلافية في الأرض ، و ضرورة استثمار مثل هذه النِعَمِ في وجوه الخير ، يُبتغى بذلك ثواب الآخرة .

بهذه الاُقصوصة ننتهي من العنصر القصصي في سورة القصص ، حيث تضمّنت السورة الكريمة قصتين مثيرتين ، إحداهما تتّسم بالطول قصة موسى والاُخرى بالقص العابر اُقصوصة قارون ، حيث تتناول كلّ منهما محوراً خاصاً ، أحدهما متنوّع الروافد : قصة موسى ، والآخر يتناول رافداً واحداً هو : طغيان الشخصية ، ولكلّ منهما متعته الجمالية والدلالية .



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page