بقي أن نشير إلى واقعة جزئية وردت في نطاق المحنة التي ألمّت بأيّوب (عليه السلام) ، ألا و هي:
﴿وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ﴾
و هذه الواقعة تتصل كما تذكر النصوص المفسّرة بيمين على امرأتِه أن يضربها مائة جلدة لمفارقة ارتكبتها ، فأمرته السماء بأن يضربها دفعةً واحدة ، و طالبته بعدم اليمين في الممارسات بعامّة .
و لعلّ المتلقّي يتساءل عن الموقع الهندسي لهذه الواقعة ، و صلتها بمحنة أيّوب .
و نحن لا نحتاج إلى تأمّل كبير في استخلاص السرّ الفنّي لسرد هذه الحادثة في سياق المحنة المذكورة ، طالما ندرك بوضوح أنّ النص القرآني الكريم حينما يستهدف التشدّد و لفت الانتباه إلى خطورة بعض الممارسات ، حينئذ يصوغها في سياق أحداث متسلسلةً ، بقطع تسلسلها ، بغية أن يلفت الانتباه إلى تلك الممارسة التي تّتسم بالخطورة .
و الحلف كما هو واضح من أشدّ الممارسات التي ينهى المشرّع عنها ، نظراً لصلتها بقدسية السماء التي ينبغي ألاّ تظلّ موضع تعامل مألوف في ممارسات الآدميين .
من هنا طالب النص بعدم اليمين تأكيداً للحقيقة المتقدّمة ، مبيّناً من خلال إيرادها خارجاً عن سلسلة الأحداث و المواقف الحائمة على مفهوم معين:
خطورة الحلف ، و ضرورة عدم ممارسته .
* * *
و أخيراً ، ينبغي أن نلفت الانتباه أيضاً إلى المنحى الفنّي الذي سلكه النص في تقرير الحقائق المتصلة بمحنة أيّوب (عليه السلام) . فالنصّ لم يقرّر مباشرة أنّ أيّوب قد واجه محنةً في الجسم و الأهل ، بل رسم نتائج المحنة ، أي: تفريجها . تاركاً للمتلقي أن يستنتج ذلك بنفسه من خلال تفريج المحنة ، و أن يتعرّف على نمطها الذي بيّنه النص من أنّه متصل بالمرض و بذهاب الأهل .
و بهذه الطريقة الفنّية الممتعة يكون النص قد حقّق جملة من الإمتاع الجمالي للمتذوّق . فهو برسمه التفريج عن المحنة بدلا من ذكر المحنة ، يُحسّسنا بأنّ التفريج للصابر هو النتيجة الحتمية ، أي أ نّه يستهدف لفت انتباهنا إلى الفَرَج ، حينما يبدأ برسم الفَرَج بدلا من رسم المحنة . . . و يكون بهذا قد حقّق إمتاعاً فنّياً جديداً ، مضافاً إلى الإمتاع الفنّي الذي حققه المتلقّي ، حينما استخلص بنفسه نمط المحنة بدلا من أن يبيّنها النص مباشرةً .