ولا شك في أن الشيخ المفيد قد كان واحداً من تلك القمم العلمية الشامخة، التي ربما لم يبلغها على مدى التاريخ إلا أقل القليل، من الذين ربما لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة.
غير أن تبحره في العلم لا ينسحب على جميع العلوم، فلا يشمل علم الجيولوجيا مثلاً. بل إنما هو في نطاق ما يدخل في دائرة اختصاصاته، واهتماماته، وما تصدى له بصورة جدية وأساسية، من علوم إسلامية كانت متداولة في عصره.
ولكننا وفقاً للحقيقة التي أشرنا إليها فيما سبق، ولأن الشيخ المفيد لم يكن واجب العصمة، فلا مانع من أن نتوقع أن نجد في طيات كلامه حتى في العلوم الإسلامية بعض المسائل التي ربما نخالفه الرأي فيها، إذا كان قد أرسلها إرسال المسلمات، اعتماداً منه على ذيوعها وشهرتها، أو ثقة منه واعتماداً على من لم يكن أهلاً للثقة، ولا محلاً للاعتماد.
ولكن ذلك لا يقلل من قيمة نتاجه العلمي، ولا ينقص من مقامه السامي، ولا يؤثر على حقيقة كونه من الراسخين في ما تصدى له من علوم.
على أننا لا نملك الدليل القاطع على أنه قد أخطأ الصواب، حتى في الموارد التي هي من الأخطاء الشائعة، إذا كان من الممكن أن يكون قد ساق الكلام فيها على سبيل التسليم الفرضي، والمجاراة في البحث، لا من منطلق القناعة، والقبول بمضمونها واقعاً.
وهذا النوع من التعامل مع القضايا المطروحة شائع ومعروف.
ونجده لدى معظم العلماء في طروحاتهم ومحاوراتهم.
بين خطأ الرأي، والرأي الخطأ
- الزيارات: 1643