• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التقية في نظر علماء السنَّة

1ـ قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) .
( المسألة الرابعة ) : اعلم أنَّ للتقيَّة أحكاماً كثيرة ونحن نذكر بعضها :
الحكم الأول : إنَّ التقيَّة إنَّما تكون إذا كان الرجل في قوم كفّار ، ويخاف منهم على نفسه ، وماله فيداريهم باللسان ، وذلك بأنْ لا يظهر العداوة بالّلسان ، بل يجوز أيضاً أنْ يظهر الكلام المُوهم للمحَّبة والموالاة ، ولكنْ بشرط أنْ يُضمر خلافه وأنْ يُعرض في كلِّ ما يقول ، فإنَّ للتقيَّة تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب ...
الحكم الرابع : ظاهر الآية يدل أنَّ التقيَّة إنَّما تحلُّ مع الكفَّار الغالبين ، إلاَّ أنَّ مذهب الشافعي ( رضي الله عنه ) : أنَّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلَّت التقيَّة محاماة على النّفس .
الحكم الخامس : التقيَّة جائزة لصون النّفس ، وهل هي جائزة لصون المال ؟ يُحتمل أنْ يحكم فيها بالجواز لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( حرمة مال المسلم كحرمة دمه ) .
ولقوله ( صلّى الله عليه وسلم ) : ( مَن قُتل دون ماله فهو شهيد ) (1) .
2ـ وقال الزمخشري في تفسيره :
في تفسير قوله تعالى : ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) : رخَّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة محالفة ومعاشرة ظاهرة ، والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء ، وانتظار زوال المانع مِن قشر العصا ، وإظهار الطرية ... (2) .
3ـ وقال الخازن في تفسيره :
التقيَّة لا تكون إلاَّ مع خوف القتل ، مع سلامة النيَّة ، قال الله تعالى : ( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ) ( 60| 106 ) . ثمَّ هذه التقيَّة رخصة ... الخ (3) .
4ـ وقال النسفي في تفسيره :
( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) ( 3 | 28 ) . إلاَّ أنْ تخافون جهتهم أمراً يجب اتِّقاؤه ، أي ألاَّ يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك ، فحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة ، وإبطان المعاداة (4) .
5ـ وقال الخطيب الشربيني في تفسيره :
( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ... ) ، أيْ على التلفُّظ بالكفر فتلفَّظ به ( ... وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ) فلا شيء عليه ؛ لأنَّ محل الإيمان هو القلب ... (5) .
6ـ وقال النيسابوري في تفسيره :
( ... فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ... ) ، قيل : في الآية دليل على أنَّ التقية جائزة عند الخوف ؛ لأنَّه علَّل إظهار هذه الشرايع بزوال الخوف مِن الكفار (6) .
7ـ وقال الزمخشري في تفسيره :
روي أنَّ أناساً مِن أهل مكَّة فُتنوا فارتدُّوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم مَن أُكره ، وأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو مُعتقد للإيمان . منهم عمار بن ياسر ، وأبواه : ياسر ، وسمية ، وصهيب ، وبلال ، وخباب ، عذِّبوا ...
فأمَّا عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهاً ... الخ (7)
8ـ وقال إسماعيل حقِّي في تفسيره :
( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ... ) أُجبِر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه ، أو على عضو مِن أعضائه ... ؛ لأنَّ الكفر اعتقاد ، والإكراه على القول دون الاعتقاد ، والمعنى : لكنَّ المكره على الكفر باللسان ( ... وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ) لم تتغير عقيدته . وفيه دليل على أنَّ الإيمان المنجي المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب (8) .
9ـ وقال الطبري في تفسيره :
( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) قال أبو العالية :
التقيَّة باللسان ، وليس بالعمل . حديث عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحّاك يقول في قوله : ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) قال : التقيَّة باللسان مِن حمل على أمر يتكلَّم به وهو لله معصية ، فتكلَّم مخافة على نفسه ( وقلبه مطمئن بالإيمان ) فلا إثم عليه . إنَّما التقيَّة باللسان (9) .
10ـ وقال الحافظ ابن ماجة :
والإيتاء : معناه : الإعطاء : أيْ وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقيَّة ، والتقيَّة في مثل هذه الحال جائزة لقوله تعالى : ( ... إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ) (10) .
11ـ وقال القرطبي في تفسير هذه الآية (11) : وقال الحسن : التقيَّة جائزة للإنسان إلى يوم القيامة (12) .
وقال القرطبي : أجمع أهل العالم على أنَّ مَن أُكره على الكفر حتَّى خشي على نفسه القتل ، أنَّه لا إثم عليه ، إنْ كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ولا تبين منه زوجته ، ولا يحكم عليه بحكم الكفر . هذا قول مالك والكوفيين والشافعي . ( الجامع لأحكام القرآن : 10| 182 ط : دار الكتب المصرية بالقاهرة ) .
12ـ وقال الآلوسي في تفسير هذه الآية (13) :
وفي الآية دليل على مشروعية التقيَّة ، وعرَّفوها بمحافظة النفس ، أو العرض ، أو المال مِن شرِّ الأعداء ، والعدو قسمان :
الأوَّل : مَن كانت عداوته مبنيَّة على اختلاف الدين كالكافر والمسلم .
والثاني : مَن كانت عداوته مبنيَّة على أغراض دنيويَّة ، كالمال والمتاع والملك والإمارة . (روح المعاني : 3 |121 ط إدارة المطبعة المنيرية بمصر ) .
13ـ وقال جمال الدين القاسمي : ومِن هذه الآية ( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) :
استنبط الأئمة مشروعية التقيَّة عند الخوف ، وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني في كتابه : ( إيثار الحق على الحق ) فقال ما نصه :
وزاد الحق غموضاً وخفاءً أمران :
أحدهما : خوف العارفين ـ مع قلَّتهم ـ مِن علماء السوء ، وسلاطين الجور ، وشياطين الخلق ، مع جواز التقيَّة عند ذلك بنصّ القرآن ، وإجماع أهل الإسلام ، وما زال الخوف مانعاً مِن إظهار الحق ، ولا برح المُحق عدوَّاً لأكثر الخلق ، وقد صح عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) أنّه قال : في ذلك العصر الأول حفظت مِن رسول الله (ص) دعاءين ، فأمَّا أحدهما فبثثته في الناس ، وأمَّا الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم . ( محاسن التأويل 4| 82 ط مصر ) .
14ـ وقال المراغي :
( ... إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) :
أي ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال ، إلاّ في حال الخوف مِن شيء تتقونه منهم ، فلكم حينئذ أنْ تتَّقوهم بقدر ما يُتَّقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية : ( إنَّ درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح ) .
وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر ، فأولى أنْ تجوز لمنفعة المسلمين ، وإذاً فلا مانع مِن أنْ تُحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الأُولى ، إمَّا بدفع ضرر ، أو جلب منفعة ، وليس لها أنْ تواليها في شيء يضرُّ المسلمين ، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعف ، بلْ هي جائزة في كلِّ وقت .
وقد استنبط العلماء مِن هذه الآية جواز التقيَّة بأنْ يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق ؛ لأجل التوقِّي مِن ضرر مِن الأعداء يعود إلى النفس ، أو العرض ، أو المال .
فمَن نطق بكلمة الكفر مكرهاً ، وقاية لنفسه مِن الهلاك ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، لا يكون كافراً بلْ يُعذر ، كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر ، فوافقها مُكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان ، وفيه نزلت الآية : (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ... ) ...
ثمَّ قال المراغي :
ويدخل في التقيَّة مداراة الكفرة ، والظلمة ، والفسقة ، وإلانة الكلام لهم ، والتبسُّم في وجوههم ، وبذل المال لهم ؛ لكفِّ أذاهم ، وصيانة العرض منهم ، ولا يعدُّ هذا مِن الموالاة المنهي عنها ، بلْ هو مشروع ؛ فقد أخرج الطبراني قوله ( صلّى الله عليه وسلم ) : ( ما وقى به المؤمن عرضه فهو صدقة ) (14)
____________
(1) انظر : تفسير الفخر الرازي : 8| 13 طبعة دار الفكر عام 1401هـ .
(2) تفسير الكشاف : 1| 422 ، تفسير غريب القرآن للنيسابوري 3 | 178 بهامش تفسير الطبري طبع بولاق .
(3) تفسير الخازن : 1| 277.
(4) تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن : 1 |277 طبع مصر .
(5) تفسير السراج المنير : 2| 263 .
(6) تفسير غرائب القرآن : 3 |178 بهامش تفسير الطبري.
(7) الكشاف عن حقائق التنزيل 2| 430 ط مصر .
(8) روح البيان 5 |84 .
(9) جامع البيان : 3| 153 طبعة أولى ببولاق مصر .
(10) سنن ابن ماجة : 1 | 53 شرح حديث رقم 150 ط مصر تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
(11) سورة آل عمران : الآية 28 .
(12) الجامع لأحكام القرآن : 4 | 57 .
(13) سورة آل عمران : الآية 28 .
(14) تفسير المراغي : 3| 136 ـ 137 ط مصر .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page