• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

روايات الحديث في صحيح مسلم

أورد مسلم الحديث أربع مرّات بأسانيده إلى كل من الزهري عن عروة عن عائشة، فمرّة في حديثها عن أزواج النبي(صلى الله عليه وآله) أردن أن يبعثن عثمان... .
ومرّتين في حديثها أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ومرّة في حديثها أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر.
وأورده مرّة واحدة باسناده إلى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان في خصومة علي والعباس، وعطف عليه ثانية مشيراً إليه باسناد آخر(1).
كما أنه لم يخل صحيحه من روايتي أبي هريرة، كما مرّت الإشارة إلى ذلك قريباً.
وكل مرويات مسلم تجدها في كتاب الجهاد والسير في باب حكم الفيء، وباب قول النبي(صلى الله عليه وآله): (لا نورّث ما تركنا صدقة) (2).
وإذا قارنّا بين مرويات مسلم ومرويات البخاري، فيما اتفقا عليه اسناداً بدءاً من الزهري، سواء في حديثه عن عروة عن عائشة، أو حديثه عن مالك بن أوس ابن الحدثان، لا نجد حقيقة الاتفاق بتمام اللفظ والمعنى، بل نجد التفاوت واضحاً، ولا نطيل البحث في ذلك، إلاّ أنّ الذي لا ينبغي التجاوز عنه هو ما جاء في حديث مالك بن أوس عند مسلم من قول عباس: اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن، ولما كان مسلم قد روى الخبر بأسانيد بعضها عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، وقد مرّ الخبر عن عبد الرزاق في المصنف(3)، وليس فيه قول العباس في علي: هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن.
والذي ورد في البخاري في كتاب الاعتصام _ كما مرّ _ قوله: اقض بيني وبين الظالم، استبّا. ولما كان ذلك في الفظاعة مما ينمّ عن كذب راويه، فقد جعل موازنة لما يأتي بعده في نفس الخبر من قول عمر لعلي والعباس: فرأيتماه _ يعني أبا بكر في قضائه عليهما _ كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إنّه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا وليّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إنّي لصادق بارّ راشد تابع للحق.
وهذا الذي قاله عمر حكاية عنهما في أبي بكر وفيه، أشدّ فظاعة خصوصاً مع سكوتهما عليه وعدم اعتذارهما منه، إذ لم يتنصلا مما نسبه عمر إليهما ولم يدفعا عنهما بشيء، بل سكوتهما ربما أشعر بإصرارهما على ذلك.
وقد تسبب ذلك في إرباك شراح الصحيحين، ولولا خوف الإطالة لأحطت القارئ خُبراً بذلك، وحسبي أن أحيله على قراءة ما في شرح النووي لصحيح مسلم(4)، من أقوال المازري والقاضي عياض مما هو ظاهر البطلان؛ لحملهما على الألفاظ معاني تأباها العقول السليمة بفطرتها.
كما أنّ في فتح الباري لابن حجر، وارشاد الساري للقسطلاني، وغيرهما من شروح صحيح البخاري نحو ذلك، وقد علّق المعلّق على صحيح مسلم(5) قال: قوله: اقض بيني وبين هذا الخ، كان سيدنا عمر على ما يأتي بيانه في ص 155 دفع صدقته(صلى الله عليه وآله) بالمدينة إلى علي وعباس (رضي الله تعالى عنهما) على مقتضى طلبهما، فغلبه عليها علي، فكانا يتنازعان فيها.
فكان علي كما ذكره البلاذري يقول: إنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جعلها في حياته لفاطمة، وكان العباس يأبى ذلك ويقول: هي ملك رسول الله وأنا وارثه، فكانا يتخاصمان إلى سيدنا عمر، وأما ما روي هنا من قول عباس لعلي، وكذا ما رواه البخاري في كتاب الاعتصام من قوله: (اقض بيني وبين الظالم استبّا) فمما يأبى القلب تصديق صدوره من عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في حق ابن عم النبي وصهره، وكذا رواية مسابتهما في خليفة مثل سيدنا عمر بمحضر من سادة الصحابة (رضي الله تعالى عنهم).
ومهما يكن حشرهم وحشدهم فلن يستطيعوا إخفاء الحق، ومهما يكن من زعمهم انقطاع الشيعة في ذلك، فهو هراء محض، ومن ذا الذي لا يقدر على دفع الباطل من الشيعة حتى زعموا انقطاعهم عند المحاججة.
ولمطارفة القراء أذكر لهم ما أشاروا إليه من محاججة الشيخ المفيد مع علي ابن شاذان صاحب أبي بكر الباقلاني، فقد ذكر الآبي الوشتاني (ت 828 هـ) في اكمال اكمال المعلم(6) في شرح حديث أبي هريرة: (لا نورّث ما تركنا صدقة) قال: مجمع على صحته وقبوله من أهل السنة، وأنّه اشتمل على جملتين، والثانية هي قوله: (ما تركناه صدقة) فـ (ما) في موضع رفع بالابتداء و(صدقة) الخبر، وحرّفه الإمامية قالوا: إنّما هو (لا يورّث) بالياء، وما مفعوله، وصدقة منصوبة على الحال، وقالوا: إنّ المعنى: إنّ الشيء الذي تركناه صدقة لا يورّث ويورّث غيره، وهذا خلاف ما فهمه أهل السنة، وحمله عليه أئمة الصحابة، ولما نص عليه الصدّيق مما يرفع الإبهام كقوله: كل مال النبي(صلى الله عليه وآله) صدقة، وقوله في الحديث: إنّا لا نورّث ما تركنا فهو صدقة، وكقوله في الحديث قبله: لا تقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً ما تركناه صدقة.
وقد اعترض بهذا الهوس أبو عبد الله بن المعلم من الأئمة الإمامية على القاضي علي بن شاذان صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني لعلمه بضعفه في العربية، فقال له ابن شاذان: لا أعلم ما صدقة من صدقة، ولا أحتاج إلى ذلك في هذه المسأله، هذه فاطمة وعلي والعباس لا شك عندي وعندك في أنّهم من أفصح العرب، وأعلمهم بالفرق بين اللفظين، وهذا أبو بكر من أفصح العالمين بذلك كالثلاثة، وقد جاء الثلاثة يطلبون الميراث فأجابهم أبو بكر بالحديث، فسلموا ولم ينازعوا، فلو كان اللفظ لا يقتضي المنع لم يورده أبو بكر ولم يسلّمه الآخرون، وأيضاً فالرفع هو المروي ومدعي النصب مبطل.
وهذا الذي ذكره الوشتاني لم يأت فيه بجديد، بل سبق إلى ذكره من قبل أبو الوليد الباجي المالكي (ت494 هـ) فقد ذكر المحاججة بصورة أوسع(7).
ومن الغريب جعلهم عدم ردّ الصديقة فاطمة(عليها السلام)، والإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعمهما العباس(عليه السلام) على أبي بكر احتجاجه بقراءة الحديث بالرفع دليلاً على صحة القراءة، ولست أدري لماذا الاستغفال والتعمية؟ ألا يكفي انصرافهم غضابى، ومقاطعتهم لأبي بكر طيلة حياة فاطمة(عليها السلام) فلم يبايع واحد منهم، أن يكون ذلك دليلاً على عدم قبولهم الحديث جملة وتفصيلاً، وأما قراءة النصَب والرفع إنّما صار الكلام فيها عند المتكلمين بعد ذلك، وقد مرّ في كلام الشريف المرتضى ما يتعلّق بالمقام في ردّه على القاضي عبد الجبار، ونقله عنه ابن أبي الحديد فراجع.
وكم لعلماء التبرير من عناء مرير في التطوير والتحوير، وبلغ الحال بهم إلى التزوير كما سيأتي نماذج من أقوالهم فيما يتعلّق بأحداث السقيفة وما بعدها، وحتى إسقاط المحسن السبط فانتظر.
ونعود إلى حديث (لا نورّث) فنقول: الذي لا شك فيه أنّ أبا بكر قال ذلك مرّة واحدة في رد مطالبة الزهراء (عليها السلام) والعباس في دعوى الميراث، فما ورد في مصادر الحديث عند العامة في أنّه قال ذلك في رد دعوى النحلة لا يمكن تصديقه، لأنّ الردّ لا ينفي المدّعى، ولو أغضينا النظر عن ذلك، فما هو اللفظ الذي ذكره أبو بكر زاعماً أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاله، هل (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث)؟ أو (إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث)؟
أو (لا نورّث ما تركنا صدقة)؟ كما مرّ عن البخاري ومسلم.
أو (لا نورّث ما تركناه صدقة)؟ وقد مرّ أيضاً.
أو (لا نورّث ما تركنا فهو صدقة)؟ وقد مرّ أيضاً.
فبأيّ صيغة قاله النبي(صلى الله عليه وآله) إن صح زعم الزاعم أنّه قال في ذلك شيئاً؟ ولابدّ أن تكون الصيغة واحدة، إذ لا يعقل أنّه قال ذلك مراراً بصيغ متعددة ولم يسمعها منه غير أبي بكر، كما لا حاجة بنا إلى اتهام أبي بكر في اتيانه بجميع الصيغ المتعددة ما دام التداعي قد انتهى حين رد الزهراء والعباس عند مطالبتهما له بدعوى الميراث، وما قيل عنه في رد دعوى النحلة لا يستقيم الاحتجاج به، كما قلنا إنّ الرد برواية لا نورّث لا ينفي المدّعى.
ويدلّ على أن تخبّط الرواة من أنصار الخلافة هو السبب في الخلط بين المقامين في التداعي، والذي يدل على صحة ما قلناه أنه في دعوى النحلة طالب الزهراء (عليها السلام) بالشهود، ولسنا في مقام التبرير أو الإدانة في هذه المسألة، لكن هل كان من حقه أن يطلب ذلك منها، وهي صاحبة اليد وهو المدعي، فعليه هو إقامة البينة على صحة ما يقول.
____________
1- صحيح مسلم 2: 53.
2- صحيح مسلم 5: 151 ط صبيح، و2: 52 ط بولاق.
3 - المصنف 5: 469.
4- شرح النووي لصحيح مسلم 12: 71 _ 76.
5 - صحيح مسلم 2: 152، في الهامش.
6- اكمال اكمال المعلم 5: 81 .
7 - المنتقى شرح موطأ مالك 7: 317.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page